أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

شارك على مواقع التواصل

انطلق الرجل يعدو في ذعر بين الأشجار وهو يتلفت خلفه من آن لآخر تتبعه ثلاثة كلاب متوحشة وهي تنبح بشدة.
كان العرق يتصبب منه غزيرا وهو يحاول الهرب من الكلاب التي تلاحقه وتكاد تلحق به.
وفجأة اعترض طريقه رجل مسلح ضخم الجثة، غزير اللحية، وقد وقف خلفه وعلى مسافة قريبة منه شخصان مسلحان بدورهما وتبدو على وجهيهما ملامح القسوة والشراسة.
وفي اللحظة التي توقف فيها الرجل عن الركض محدقا في الأشخاص الذين اعترضوا طريقه في خوف وانزعاج كانت الكلاب قد اقتربت بدورها منه وقد استعدت للانقضاض عليه .
لكن الرجل الضخم الجثة أشار لها بالتراجع وهو يصيح فيها قائلا:
_كفى .. ارقدوا على الأرض .
وسرعان ما أطاعته الكلاب الشرسة وقد توقف نباحها تدريجيا.
بينما تحول الرجل الضخم إلى الشخص المذعور وعلى وجهه ابتسامة شيطانية قائلا:
_ أظننت أننا كنا سنتركك تفلت من بين أيدينا بسهوله ياعزيزي.
إنها حماقة منك أنك حاولت الهرب في الوقت الذى كنا نستعد لدعوتك إلى وليمة عشاء كبيرة وشهية.. لكن ها أنت قد أفسدت شهيتنا جميعا وهذا أمر تستحق العقاب لأجله، لكنى مستعد أن أتغاضى عن ذلك لو سلمتنى الفيلم الذى صورته أو على الأقل أرشدتنى لمكانه.
قال الرجل وهو يلهث من شدة التعب:
_ إننى لا أعرف عن أى فيلم تتحدث؟
تبدلت ملامح الشخص الذى يحدثه وهو يقول له بخشونة:
_يبدو أنك تريد سلوك الطريق الأصعب وتدفعني لقتلك.
حسنا، إذا كان هذا هو اختيارك، لكنى سأكون لطيفا معك وأتركك تختار أيضا الطريقة التي تريد أن تموت بها.. طلقات أسلحتنا أم أنياب وأظافر الكلاب.
أظن أن الكلاب جائعة ومن الأفضل أن أتركك لتشبع جوعها.. وتذكر أنك أنت الذى اخترت لنفسك هذه النهاية.
وأطلق صفيرا للكلاب الشرسة وهو يحفزها للانقضاض عليه.
لكن الكلاب لم تتحرك من مكانها وبقيت راقدة على الأرض دون حراك.
استغرب الرجل لعدم استجابة كلابه فاقترب منها ليتبين الأمر.. وقد أدهشه رؤية تلك السهام الصغيرة المخدرة وقد استقرت في رقابها لتخدرها تماما.
تلفت حوله وهو يتساءل.. من أين أتت تلك السهام؟
وفجأة تلقى سهما بدوره أصاب صدره وجعله يترنح مما دعاه لأن يضع يده على سلاحه وهو يقول لأعوانه:
_ احذروا لسنا وحدنا هنا.
وانقض على الشخص الذي كان يتحدث ليلف ذراعه حول عنقه مصوبا سلاحه إلى رأسه وقد أخذ يتلفت برأسه يمينا وشمالا.
لكن رصاصة أصابت ساقه أجبرته على الانحناء من شدة الألم وهو يخفض سلاحه.

رصاصة أطلقها رجل المكتب 19 المعروف ممدوح عبد الوهاب من فوق إحدى الأشجار القريبة من المكان بعد أن تسلقها.
انتهز الرجل الذى كان يصوب إليه الأخير سلاحه الفرصة لينقض على غريمه محاولا استخلاص السلاح منه.
لكنه دفعه بقوة الى الوراء ليطرحه أرضا وهو يعيد تصويب السلاح إليه وقد استعد لإطلاقه عليه.
لكن قبل أن يضغط بأصبعه على الزناد كان مفعول المخدر الممتزج بالسهم الذي أطلقه عليه ممدوح قد أتى مفعوله وزاد من ترنحه فسقط على الأرض بلا حراك بعد أن طاشت طلقته فى الهواء.
صاح الرجل وهو يحدق فى ممدوح هاتفا:
_ ممدوح.
قفز ممدوح أرضا وهو يجذبه معه ليسقطا سويا وأصبعه يضغط على زناد مسدسه ليصيب أحد الرجلين اللذين حاولا التدخل فى المؤخرة فجعله يلقى حتفه في الحال.
ثم التفت مبتسما إلى زميله وهو يقول:
_ يوسف، لقد افتقدتك كثيرا.
ابتسم يوسف بدوره قائلا:
_ لقد كدت تفقدنى منذ لحظات لولا تدخلك.
قال ممدوح وهو يطلق رصاصة أخرى لتمر من فوق رأسه وقد كادت تصيب الشخص الآخر الذي سارع بالاحتماء وراء إحدى الأشجار وهو يبادله إطلاق الرصاص:
_انتبه ياصديقي فمازال الخطر قائما.
وأشار له إشارة فهم مغزاها.. فتناول يوسف سلاح الرجل الذي يرقد بجواره ليبادل غريمه إطلاق الرصاص.
بينما التف ممدوح من الخلف وهو يسير ببطء وحذر ليفاجئ عدوهما بضربة قوية على رأسه أتبعها بلكمة ساحقة طرحته أرضا قبل أن ينتزع المسدس من يده ويقوم بتقييده.
ابتسم يوسف وهو يحتضن ممدوح قائلا:
_لقد ظننت أننى هالك لا محالة لولا ظهورك الآن.
_أظننت أنه كان يمكننا التخلي عنك لهؤلاء الأوغاد.
وانطلقا يركضان بأقصى سرعة حتى وصلا إلى قارب بخاري صغير على ضفاف البحيرة ليقفزا إليه وقد أدار ممدوح محركه بكل ما لديه من قوة، لكنه فوجئ بأنه معطل ولا يعمل.

وأشار يوسف إلى مجدفين ملقيين على الأرض الطينية المجاورة للبحيرة قائلا:
_ يوجد مجدافان هناك سأحضرهما.
ووثب إلى الماء ليسبح بجوار الضفاف حتى وصل إلى المجدافين.
وما كاد يضع يديه عليهما حتى فوجئ بممدوح يصرخ عليه قائلا:
_ يوسف.. احترس.
والتفت خلفه ليرى تمساحا ضخما يكاد ينقض عليه وقد فتح فكيه إلى أقصى اتساعهما.
لكن رصاصة ممدوح كانت أسرع منه وقد أطلقها لتستقر في جوفه وترديه قتيلا.
صاح يوسف قائلا:
_ لقد أنقذتنى من الموت للمرة الثانية.
أشار له ممدوح:
_أحضر المجدافين.
واستمرا يجدفان حتى وصلا إلى الجانب الآخر من البحيرة.

حيث نظر ممدوح إلى رفيقه مبتسما وهو يقول:
_حمدا لله على سلامتك.
أراد يوسف أن يكرر له شكره وامتنانه إلا أن ممدوح استوقفه قائلا:
_ يمكن أن تعبر عن شكرك بطريقة أفضل.
_ كيف؟
عاد ممدوح ليبتسم قائلا:
_ بأن تدعونى إلى وليمة عشاء شهية بعد عودتنا إلى القاهرة.
00000000
انشغل ممدوح بمراجعة بعض الملفات فى مكتبه الخاص فى إدارة العمليات الخاصة، حينما سمع رنين جرس هاتفه الخاص فأنصت لمحدثه حيث أتاه صوت نسائى مميز قائلا:
_حمدا لله على السلامة ياسيادة المقدم.
ابتسم ممدوح قائلا:
_أهلا سارة.. كيف حالك؟
_ كنت أظنك ستأتي لزيارتي بعد عودتك من رحلتك الأخيرة ومعك الهدية التي وعدتني بها
لكنك لم تفكر حتى أن تأتى لتلقى على السلام.
_ آسف يا زميلتى العزيزة لقد كنت مشغولا للغاية منذ عودتى.. لكنى لم أنس هديتك وأعدك أن أحضرها بمجرد الانتهاء من الملفات التى وجدتها محفوظة فى انتظاري.
ابتسم ممدوح للسكرتيرة قائلا:
_ سارة صديقتي العزيزة.
ابتسمت بدورها وهى تتطلع إليه قائلة بخبث:
_ ممدوح الأفاق العزيز.
قال لها مستنكرا:
_ أهذه مقابله تقابليننى بها بعد أن غبت عنك عشرين يوما.. كنت أظن أنك ستستقبليننى بالأحضان.
قالت له بدلال:
_وجدتك لاتستحق.
_سامحك الله.
_ هل أحضرت البرفان الفرنسى الذى طلبته منك قبل سفرك؟
_ كنت أنوى إحضاره.
_ وماذا حدث؟
قال لها مداعبا:
_وجدتك لاتستحقين.
قالت وهى تصطنع الغضب:
_هل تعرف أنك تستحق لكمة في فكك؟
ضحك قائلا:
_ سأستقبلها بكل ترحيب إذا أتت من يد رقيقة وناعمة مثل يدك.
وأخرج من جيبه زجاجة البرفان الفرنسي ليقدمها لها قائلا:
_ ما كان لي أن أنسى هديتك.. ها هي مع حبى وإعزازى.
قالت له بسعادة وهى تفتح العلبة:
_ متشكرة جدا ياممدوح.. حقا أنت صديق عزيز ولطيف.
_ الآن أصبحت كذلك وكنت منذ قليل لا أستحق.....
وفى تلك اللحظة رن الجرس فوق مكتبها وسمعت صوتا غاضبا يأتيها قائلا:
_ سارة.. هل حضر ممدوح؟

أجابته قائلة:
_ أجل يا فندم.
_ إذن ماذا يفعل عندك؟ لما لم يدخل على الفور كما طلبت منك؟
قالت له بصوت مرتعش:
_إنه فى الطريق إليك يا فندم.
رحب اللواء مراد بممدوح قائلا:
_ أهلا ممدوح حمدا لله على سلامتك.
_ الله يسلمك يا فندم.
_ إنقاذك للعقيد يوسف من الموت كان عملا جيدا للغاية.
_ العقيد يوسف صديقى وزميلى وما كان يمكننى التخلى عنه.
_ لدى مهمة جديدة لك.
_ أنا تحت أمرك يا فندم.
_أنت تعرف بالطبع الأزمة الصحية التي يمر بها العالم فى الآونة الأخيرة بسبب انتشار وباء (كوفيد 19) كورونا وارتفاع معدلات الإصابة به فى مناطق متفرقة من العالم.. ومن بينها مصر.
_ إنها كارثة إنسانية حقيقية بالفعل.
_ ومعدلات الإصابة زادت بمعدلات كبيرة فى بلادنا فى الآونة الأخيرة رغم كل الاحتياطات التي تم اتخاذها عن طريق الدولة ووزارة الصحة
_ هذا ما لاحظته بالفعل.
_وهذا ما لاحظناه أيضا.. لدينا شكوك بشأن إحدى شركات الأدوية التى نتعامل معها حول توريد كميات كبيرة من إحدى اللقاحات المضادة للمرض خاصة أن تلك الشركة قد اشتراها أحد الأشخاص منذ فترة قصيرة وهو يهودي يدعى إسحاق لافي.
وتلك الشركة منذ رئاسته أصبحت تورد لنا اللقاحات بأسعار زهيدة مما أثار الشكوك بشأنها
رغم الاستفادة التي نحققها بسبب فارق الأسعار بينها وبين الشركات الأخرى.
لذا نريد التحقق من الأمر وما إذا كانت تلك اللقاحات التي تأتينا عن طريق تلك الشركة اليونانية سليمة وذات فائدة للمصريين أم لا؟
_ إذن فهي مهمة استكشافية.
انحنى اللواء مراد على المكتب مستندا عليه بمرفقه وهو يهمس له قائلا:
_ ليست استكشافية فقط.. نحن نرتاب بشأن اللقاحات أيضا وما إذا كانت ناقلة للمرض وليست عديمة المفعول فقط وهو ما يعنى تعريض أرواح المصريين للمزيد من الإصابات ونشر الوباء.
وهناك شكوك بشأن المالك الحقيقي للشركة وما إذا كان إسحاق لافي فقط أم أنه مجرد واجهة لأشخاص آخرين.
وهذا يعنى أنها مهمة تتعلق بالأمن القومي.
_ إذن سيتعين على السفر إلى اليونان.
_وهناك من يستعد للتعاون معك بمجرد وصولك.
_ يتعين على إذن أن أستعد للسفر الليلة إلى أثينا.
_ أتمنى لك التوفيق.

*************
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.