tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

السنة في اللغة:السيرة والطريقة حسنة كانت أو قبيحة(1).
واصطلاحا: يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه و سلم و ندب إليه قولا و فعلا مما لم ينطق به الكتاب العزيز ، و لهذا يقال في أدلة الشرع الكتاب و السنة أي القرآن و الحديث (2).
و قد وصفها علماء أصول الفقه في كتبهم بأنها:كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح أن يكون دليلا لحكم شرعي (3) .
و قد وصفها المحدّثّون بأنها:كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة(4) .
و قد عُنِي المسلمون منذ عصور الإسلام الأولى بحفظ كل ما رأوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم و كل ما سمعوه منه في عقولهم و قلوبهم ، ثم بدأوا في تدوين كل ذلك في مصنفات مكتوبة كي يصل إلى الأجيال المتعاقبة من المسلمين، و قد اتسع مضمون الكتب التي عنيت بتدوين السنة النبوية المشرفة لتشمل سرد ما تم نقله عبرالأجيال من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم و أفعاله و إقراره لأفعال غيره من المسلمين ، و اشتملت أيضا على ذكر بعض من الحروب و الغزوات التي خاضها ، و بيان أقضيته و أحكامه في العديد من الأمور ، و شملت معاملاته مع الناس مسلمين وغير مسلمين ، رجالا و نساء و صبيانا، و حياته صلى الله عليه و سلم في بيته و تعامله مع أمهات المؤمنين و مع أبنائه و بناته رضوان الله عليهم ، و كذلك ذكر صفاته الخلقية و الخلقية و كيف كان مأكله و مشربه و ملبسه صلوات الله و سلامه عليه.
و قد قام فريق من العلماء باستخلاص مواقف حياة الرسول الكريم ابتداء من مولده الشريف وصولا إلى لحوقه بالرفيق الأعلى لينشأ بذلك علم جديد وهو علم السيرة النبويةالشريفة.
وقد حظيت السنة النبوية باختلاف أنواعهاباهتمام بالغ لدى المسلمين ابتداء من عصر النبوة وصولا إلى عصرنا الحالى ،وكانت هناك أسباب ودوافع عدة لذلك الاهتمام نذكر منها سببان هامان :
السبب الأول :الأمرالقرآنى بإطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يامر به وينهى عنه ومن تلك الايات الكريمة نذكر قوله تعالي:
"وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب"(5)
"من يطع الرسول فقد أطاع الله"(6)
و جاءت آيات أخرى تبين سبب ذلك الأمر الإلهي بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والتمسك بهديه والبعدعما نهى عنه مثل الايات الواضحة الدالة على ان الكلام والتوجيهات النبوية هى من امر الله عز وجل وليست من رأي النبى ؛ مثل قوله تعالى: " وما ينطق عن الهوى.ان هو الا وحى يوحى "(7)
"إن أتبع إلا ما يوحى إليّ"(8)
وتحدثت آيات كريمات أخريات عن ضرورة اطاعة امره صلى الله عليه وسلم فيما يتعدى شئون العقيدة والمعاملات فقط وصولا إلى طاعته صلى الله عليه وسلم فى احكامه وأقضيته حيث قال تعالى "فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلمو تسليما" (9)
فنجد أن الله عز وجل قد ربط كمال الايمان باللجوء للحكم النبوى الكريم فيما يعرض للانسان من قضايا ومشكلات ثم اتباع ذلك اللجوء بالرضا والتسليم بذلك الحكم دون ادنى سخط او رفض ، وقال عز وجل مجملا ذلك كله:
" لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة" (10)
ومجمل الايات الكريمة السابق ذكرها يدل على عدد من النقاط الهامه وهى :
1 -الاقوال والافعال التى تصدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بامور التشريع المختلفه تعبديه كانت او تعاملية هى من الوحى الالهى الذى يجب على كل مسلم ومسلمة التصديق به والعمل بمقتضياته.
2-الرسول صلى الله عليه وسلم له حق التشريع وإرساء القواعد للأمةالاسلامية وذلك بالوحي الإلهي بطرقه المتنوعة.
3-الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة والنبراس الذى يجب على كل مؤمن ومؤمنة راغبين فى مرضاة الله وحسن الثواب فى الآخرة والسعادة فى الدنيا ان يحذو حذوه ما استطاعوا.
4 -وجوب الرضا والتسليم بأحكام الرسول صلى الله عليه وسلم وقضائه لاكتمال ايمان المرء وألا يكون التسليم بتلك الأحكام والأوامر اذعانا ظاهريا دون اقتناع داخلى كامل فان ذلك مما ينافى كمال الايمان ورسوخه.

السبب الثانى: تأثير شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم على المسلمين والذي أدى إلى حرص المسلمين على التمسك بهديه الشريف وتمثل ذلك التأثير فى شقين هما:
الشق الاول
أقوال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والتى أكد فيها أن ما يقوله ويوجه المسلمين إليه ليس من تلقاء نفسه وأن أقواله وأفعاله فى الجانب التشريعى على وجه العموم شاملا العقائد والعبادات والمعاملات باختلاف أنواعها هى وحي من الله عز وجل واجب الاتباع دون معارضة ولا جدال ؛ فقد وردت عنه صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث تبين هذا المعنى العظيم ومنها:
1-ما رواه المقدام بن معد يكرب رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ألا إنى أوتيت القرآن ومثله معه،ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه ألا وان ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله ".(11)
2- ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لعل أحدكم يأتيه حديث من حديثى وهو متكئ على أريكته فيقول دعونا من هذا ما وجدنا فى كتاب الله اتبعناه"(12)، ومعنى هذان الحديثان يدلنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم بأقواله وأفعاله وتقريراته أى سنته الشريفة يضيف الى القرأن الكريم ما لم يفصل من مجمل ويخصص منه ما عمم ويضيف اليه ما لم يذكر فى الايات والسور والعجيب فى نظرى أن هذان الحديثان قد تنبأ فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه التى سيسلكها المشككون فى سنته الشريفة فيما سيعقب موته صلى الله عليه وسلم وهو ما سنوضحه فيما يلى من أجزاء هذا البحث.
إن البحث والتقصى حول السنة النبوية وبيان مدلولاتها فى أى أمرأو قضية من أمور وقضايا الاسلام ليسا من قبيل الترف ولا الرفاهية العلمية بل ان الامة فى حاجة ماسة لها كدليل الى تفسير وتأويل ما عجزت عن فهمه أو ادراكه فى القرأن الكريم وهى دليل كذلك الى تفصيل ما لم يفصل فى أيات القرأن الكريم فى دقائق الامور وعظائمها سواء بسواء.
3-ما رواه العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الامور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة".(13) وهذا الحديث النبوى الشريف أمر واضح لا لبس فيه من النبى صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالتمسك بسنته بل والعض عليها بالنواجذ، وحرصا منه صلى الله عليه وسلم على شدة التمسك بها مع العلم بأن التمسك بسنته سيكون هو بر الامان فى أوقات الفتن والشبهات التى ستواجه الامة على مرّ عصورها .
4-ما رواه أنس بن مالك فى حديث الثلاثة رهط الذين جاءوا إلى بيوت أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته والذى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رغب عن سنتى فليس منى"(14)
وهذا حديث آخر يحض فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته على اتباع سنته وعدم الميل عنها لا تنطعا وتشددا ولا رفضا وتهاونا وينهى كذلك عن اتخاذ غيرها سبيلا ودليلا فى العبادة والعمل ، وينهى فيه كذلك المسلمين فى جميع العصور -وليس عصر النبوة زمن حدوث واقعة الحديث - عن الغلو والتشدد فى الدين والذى رأى الرسول الكريم بوادر حدوثه بين صحابته الكرام فنهاهم عن ذلك كما كان ينهاهم عن التكاسل والتراخى فى العبادة فكلا السلوكان بعيدان عن الفهم الصحيح للدين الحنيف الذى جاء به رسول الله.
الشق الثانى:
وهو الدافع الذى لا يمكن إغفاله عند تفسير اقبال المسلمين إبّان عصر النبوة وما تلاه من عصور على اتباع السنة النبوية المشرفة وهو الحب الجارف والتوقير الذى ملأ قلوب الصحابة رضوان الله عليهم تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد علموا جميعا خطورة الدور الذى قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبيل الدعوة بالاضافة لشخصية الرسول الآسرة التى كانت تُشعِر كل من يقترب منها بود واهتمام بالغين يوليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل مسلم. وقد جاء ذكر تلك الصفة النبوية الكريمة فى قوله تعالى:" لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم"(15)
فالآية الكريمة توضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصا على المؤمنين وهدايتهم دافعه لذلك الرأفة تجاههم والرحمة بهم من الوقوع في الشرك و الكفر و البعد عن طريق الله . وقد شعر المسلمون منذأيام الدعوة الاولى بتلك الرعاية والرأفة النبويتين فأحبوه صلي الله عليه وسلم حبا جما،وفدوه بأموالهم وأنفسهم، وذلك الحب إن نظرنا له من منظور مختلف رأيناه فى واقع الامر يعود على المسلم نفسه بالنفع والفائدة في دنياه وآخرته ؛ فحب الرسول صلى الله عليه وسلم على الوجه الحق يكون دافعا للمسلم نحو طاعة الرسول التى هى الطريق الى طاعة الله فقد قال سبحانه وتعالى:
" قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله"(16) وفى هذاإخبار أن اتباع النبى صلى الله عليه وسلم عن حب واقتناع هما السبيل الى حب الله للعبد،وهناك الآية الاخرى الاكثر وضوحا فى هذا المعنى وهى قوله سبحانه و تعالى:
و قال :" من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا"(17)
والمعنى المستخلص من هذه الآية الكريمة هى أن طاعة أوامره صلى الله عليه وسلم واجتناب نواهيه هى فى الوقت ذاته طاعة لاوامر الله واجتناب لنواهيه لآنه صلى الله عليه وسلم" ما ينطق عن الهوى".(18)
وقد وردت فى السنة النبوية المطهرة حادثتان وضحتا بجلاء تام مقدار حب الصحابة الكرام رضوان الله عليهم للنبى صلى الله عليه وسلم.
الحادثةالأولى:
ما رواه عبد الله بن هشام قال:"كنا مع النبى صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب الى من كل شيىء إلا من نفسى فقال النبى صلى الله عليه وسلم: لا والذى نفسى بيده حتى أكون أحب اليك من نفسك فقال عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب الى من نفسى فقال النبى صلى الله عليه وسلم:الآن يا عمر".(19)
وهنا دلالة على أن اكتمال إيمان العبد و نجاته من نقصانه متوقفة على محبته للنبى صلى الله عليه وسلم أكثر من حبه لنفسه التى قد يؤدى متابعتها فى هواها الى معصية الله عز وجل.
والصحابة الكرام قد عرفوا هذا وصرحوا به عن صدق ويقين واقتناع ترويه سيرتهم ومواقفهم فى حياة النبى وبعد موته.
الحادثة الثانية:
ما رواه المسور ابن مخرمة ومروان بن الحكم فى الحديث الذى يرويان فيه وقائع صلح الحديبية وجاء فيه: "ثم إن عروةـ يعنى عروة بن مسعود الثقفى ـ جعل يرمق أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم بعينيه قال فوالله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم الا وقعت فى كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده واذا أمرهم ابتدروا أمره واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ومايحدون إليه النظر تعظيما له فرجع عروة إلى أصحابه فقال:أى قوم،والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشى والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم محمدا".(20) والحدث أكثر وضوحا ودلالة من أن يتم التعليق عليه.
ونستخلص من الايات الكريمة السابق ذكرها والحادثتين اللتين تم سردهما مقدار الحب والاتباع الذى كان صحابة النبى صلى الله عليه وسلم يولونه إياهما، ولذلك نجد أنه من الطبيعى أن يتلقوا سنته القولية والفعلية بالحب والتقدير ، لا يسألون عن أمر أمرهم به هل هو واجب التنفيذ أم مستحب أم مكروه ،بل كانو يرون كل ما يوجههم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لايحيدون عنه ولايؤجلون تنفيذه،ودفعهم ذلك الحب الى الحرص الشديد على حفظ سنته الشريفة ونقلها الى غيرهم من المسلمين الذى لم ينالوا شرف لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبته دون أى تغيير ولا تبديل واضعين نصب أعينهم قوله الكريم الذى رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:
" بلغوا عنّى ولو أية وحدثواعن بنى اسرائيل ولا حرج , ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار"(21)



المراجع

(1) .د/محمد بن مطر الزهراني- تدوين السنة النبوية نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع الهجري. ط1-الرياض دار الهجرة للنشر و التوزيع 1996صفحة13
(2)د/محمد ابن مطر الزهراني –المصدر نفسه صفحة14
(3)ابن النجارالحنبلي- شرح الكوكب المنير-ت/محمد الزحيلي ونزيه حماد- مكتبة العبيكان ط2 – 1997-(2/192-166)
(4) د/محمد ابن مطر الزهراني –المصدر نفسه صفحة15
(5) سورة الحشر الآية رقم 7
(6) سورة النساء الآيةرقم 80
(7) سورة النجم الآية رقم 3و4
(8) سورة الأحقاف الآية رقم 9
(9) سورة النساء الآية رقم 65
(10) سورة الأحزاب الآية رقم 21
(11) رواه أبو داود في سننه في باب لزوم السنة(5/10 حديث رقم4604) و الترمذي في كتاب العلم من جامعه (5/38 حديث رقم 2664)
(12) ابن عبد البر-جامع بيان العلم و فضله- تحقيق:أبي الأشبال الزهيري -المملكة العربية السعودية- دار ابن الجوزي – ط1- 1994 (2/189)
(13) رواه أبو داود في سببه في باب لزوم السنة(5/13 حديث رقم 4607) و كذلك الترمذي في كتاب العلم( 5/44 حديث رقم 2676)
(14) ابن حبان- صحيح ابن حبان-ت/ شعيب الارناؤوط -باب الاعتصام بالسنة و ما يتعلق بهاأمراوزجرا-ذكرالزجرعن الرغبة عن سنةالمصطفى صلى الله عليه وسلم (1/190)حديث رقم 14-بيروت-مؤسسة الرسالة-ط2-1993
(15) سورة التوبة الآية رقم128
(16) سورة آل عمران الآية رقم 31
(17) سورة النساء الآية رقم80
(18) سورة النجم الآية رقم 4
(19)ا بوعبدالله البخاري-صحيح البخاري- كتاب الأيمان والنذور-باب كيف كانت يمين النبي– دارطوق النجاة-1422ه.حديث رقم6257 .
(20) صحيح البخاري – باب الشروط في الجهاد و المصالحة مع أهل الحرب و كتابة الشروط - حديث رقم 2731
(21) صحيح البخاري- كتاب أحاديث الأنبياء- باب ما ذكر عن بني اسرائيل -الحديث رقم 3274

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.