tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

" مِنْ اَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَإِلَيْهِ "
اَللَّهُ خَالِقٌ كُلُّ شَيْءٍ، وَكُلَّ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ، لَيْسَ قبَلِهِ شَيْءٌ، وَلَيْسَ بعْدُهُ شَيْءً، هُوَ اَلْأَوَّلُ وَالْآخَرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَهُوَ اَلْوَاجِدُ كُلَّ شَيْءٍ، وَالْمُحِيطُ بِكُلِّ حَيِّزٍ وَمَكَانٍ، اَلْمَوْجُودَ بِلَا حُدُودٍ، فَمَلَكُوتُهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَصَوَّرَ لَهُ حُدُودٌ، وَالْمَوْجُودَ بِلَا زَمَانٍ وَمَكَانٍ؛ فَهُوَ خَالِقٌ اَلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ . . . فَكُلُّ شَيْءِ مِنْ اَللَّهِ تَعَالَى، وَكُلَّهُ مَصِيرُهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَلْقٌ فَأَبْدَعَ سُبْحَانَهُ جَلَا فِي عُلَاهُ، وَزَيَّنَهَا لِلنَّاظِرِينَ، وَجَعْلَ اَلدُّنْيَا مَتَاع، وَأَجْمَلُ مَتَاعٍ يَفْنَى هَذِهِ اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَوِيَّةِ، وَبَعْدُ ذَلِكَ كُلٌّ مِنْ عَلَيْهَا فَان، وَكَّلَ شَيْءٌ بِيَدِ اَللَّهِ وَكُلِّ شَيْءٍ يَخْضَعُ لِقُدْرَةِ اَللَّهِ، وَكُلَّ هَذَا لَا يُسَاوِي جَنَاحَ بَعُوضَةٍ عِنْدَ اَللَّهِ تَعَالَى، إِذًا لِمَاذَا خَلَقَنَا اَللَّهُ تَعَالَى ! إِنَّ دَلَّ هَذَا عَلَى شَيْءِ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ اَللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ اَلْمُدَبِّرُ لِكُلِّ شَيْءٍ، فَالْبِدَايَةُ مِنْ اَللَّهِ وَالنِّهَايَةِ إِلَيْهِ، فَهَذِهِ اَلْحَيَاةُ اَلْمُنْفَتِحَةُ وَالْمُنْغَلِقَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى " وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) " سورة النجم .
إِنَّ نُقْطَةَ اَلْقُوَّةِ وَالْبِدَايَةِ تَبْدَأُ مِنْ اَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فَتَدُورُ حَيْثُ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ تَشْرَعُ فِي طَرِيقِهَا إِلَى نُقْطَةِ اَلنِّهَايَةِ؛ وَأَثْنَاءَ اَلِانْطِلَاقِ مِنْ نُقْطَةِ اَلْبِدَايَةِ إِلَى نُقْطَةِ اَلنِّهَايَةِ نَجِدُ قَدْرُ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يُوجَدُ مُلْجِئ لِلْمَخْلُوقِ سِوَى اَلرِّضَا بِقَضَاءِ اَللَّهِ تَعَالَى وَقَدْرهُ، وَبِمُجَرَّدِ رِضَا اَلْمَخْلُوقِ بِقَضَاءِ اَللَّهِ تَعَالَى وَقَدْرهُ، يَتَحَقَّقَ اَلِانْقِيَادُ وَالْخُضُوعُ مِنْ اَلْمَخْلُوقِ إِلَى اَلْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ . وَالسِّرُّ فِي جَمَالِ هَذَا اَلْكَوْنِ وَتَنَاسُقِهِ يَكْمُنُ فِي أَنَّ اَلْمُدَبِّرَ وَالْمُكَوَّنَ لَهُ هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَوُجِدَ كُلُّ شَيْءِ بِتَمَامِهِ، وَيَفِي بِالْغَرَضِ اَلَّذِي وَضَعَ مِنْ أَجْلِهِ . وَسِر آخَرُ أَنَّ اَلتَّشَابُهَ بَيْنَ اَلْخَلَائِقِ يَدُلُّ عَلَى وَحْدَةِ اَلْخَالِقِ وَقُدْرَتِهِ فِي هَذَا اَلْكَوْنِ . وَالْقُوَّةُ فِي هَذَا اَلْكَوْنِ لَيْسَتْ بِالِاخْتِلَافِ وَالتَّفَرُّدِ أَوْ اَلتَّعَدُّدِ وَلَكِنْ تَكْمُنُ فِي اَلتَّوَحُّدِ، وَتُظْهِرَ اَلْقُوَّةُ بَيْنَ اَلْبَشَرِ وَبَعْضُهُمْ اَلْبَعْضِ حِينَمَا يَتَوَحَّدُ اَلْجَمِيعُ عَلَى هَدَفٍ مُعَيَّنٍ؛ فَيَكُونُ اَلْأَمْرُ أَسْهَلَ مَا يَكُونُ . فَالتَّنَافُسُ مِنْ اَلْعِبَادِ عَلَى أَمْرٍ مُرَادٍ يَكُونُ بِسَبْقِ وَضْعِ اَلسِّرِّ مِنْ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَثَلاً تَنَافُسُ اَلْعِبَادِ عَلَى جَنَّةِ اَلرَّحْمَنِ جَلَا فِي عُلَاهُ يَكُونُ بِسَبْقِ اَلسِّرِّ وَهُوَ وُجُودُ اَلْجَنَّةِ، أَوْ تَنَافُسِ اَلْعِبَادِ عَلَى اَلْوُصُولِ إِلَى سَبِيلِ اَلسَّعَادَةِ؛ فَيَكُونُ ذَلِكَ بِسَبْقِ اَلسِّرِّ ذَاتِهِ وَهُوَ اَلسَّعَادَةُ . فَالسِّرُّ يَكُون بِسَبْقِ حُدُوثِهِ وَتَحْقِيقِهِ، وَالْكَوْنُ بِأَسْرِهِ سِرِّ مِنْ أَسْرَارِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَكُون نُظُمُ اَلْكَوْنِ وَتَسْيِيرِهِ عَلَى وَاضِعِهِ، وَهُوَ اَللَّهُ جَلَا فِي عُلَاهُ فَسَّرَ اَلْكَوْنُ وَنَشْأَتُهُ حَدَثَ عَظِيمٌ وَأَمَر جَلِيلْ، وَالْعَظَمَةُ اَلْحَقِيقِيَّةُ لَيْسَتْ فِي سِرِّ اَلْكَوْنِ؛ وَلَكِنْ تَكْمُنُ فِي اَلْقُوَّةِ اَلْحَقِيقِيَّةِ وَرَاءَ هَذَا اَلْكَوْنِ وَهُوَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فِي اَلتَّفَكُّرِ فِي أَنْعَامِهِ وَالتَّدَبُّرُ فِي مَخْلُوقَاتِهِ، اَلدَّالَّةَ عَلَى بَدِيعْ صُنْعِهِ جَلَا فِي عُلَاهُ .
***********************
" هَذَا قَدْرُ اَللَّهِ "
كُلَّ مَا عَلَيْهِ اَلْبَشَرِيَّةَ اَلْيَوْمِ قَدْرَ اَللَّهِ تَعَالَى، وَكُلَّ شَيْءٍ يَحْدُثُ فِي هَذَا اَلْكَوْنِ بِقَدْرِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مُهِمًّا تَعَدَّدَتْ اَلْحَرَكَاتُ وَتَغَيَّرَتْ اَلسُّكُنَاتُ فَكُلّ هَذَا قَدْرُ اَللَّهِ، وَكُلَّ مَا يَكُونُ اَلْإِنْسَانُ بِصَدَدِهِ مِنْ سَعَادَةٍ أَوْ حُزْنٍ فَهَذَا قَدْرُ اَللَّهِ تَعَالَى . قَدْرُ اَللَّهِ أَنْ تَتَأَلَّمَ كَمَا أَنَّ قَدْرَهُ أَنْ تَتَعَلَّمَ، قَدْرُ اَللَّهِ أَنْ يُصِيبَكَ بِالْعَجْزِ لِيُرَدْكَ إِلَيْهِ رَدًّا جَمِيلاً، وَأَنْ يَقُودَكَ لِلْخَيْرِ وَيُنْجِيكَ مِنْ اَلشَّرِّ، بَلْ قَدْرُهُ أَنْ تَكُونَ مُسَيِّرًا وَأَنْ تَكُونَ مُخَيَّرًا وَأَنَّ لَا تُدْرِكُ كَثِيرًا مِنْ اَلِاخْتِلَافَاتِ اَلْكَوْنِيَّةِ، فَالْمُرَادُ لَيْسَ اَلسُّكُونُ وَلَا اَلْحَرَكَةُ فَحَسْبَ لَكِنَّ اَلْمُرَادَ هُوَ اَلتَّدَبُّرُ وَالتَّفَكُّرُ وَالْعَمَلُ مِنْ أَجْلِ اَلْوُجُودِ لِكُلِّ شَيْءِ أَفْضَلَ فِي اَلْحَالِ وَفِي اَلْمُسْتَقْبَلِ، فَلَا يُرَادُ مِنْكَ اِنْتِظَارِ اَلْمُسْتَقْبَلِ وَلَكِنْ يُرَادُ اَلْعَمَلُ فِي تَحْقِيقِ هَذَا اَلْمُسْتَقْبَلِ، وَالْعِلْمُ أَنَّ اَلْإِدْرَاكَ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ اَلَّتِي أَرَادَهَا اَللَّهُ، وَأَنَّ اَلْخَلَائِقَ فِي اِنْقِيَادٍ وَخُضُوعٍ تَامٍّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالسِّرَّ لَيْسَ فِي طَاعَةِ اَلْخَلَائِقِ لِلَّهِ بَلْ يَكْمُنُ اَلسِّرَّ فِي اَلنَّاشِئَةِ اَلَّتِي جُمْلَةً عَلَيْهَا اَلْخَلَائِقُ وَالْكَيْفِيَّةُ اَلَّتِي أَرَادَهَا اَللَّهُ لِلْخَلَائِقِ . فَكُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ اَللَّهُ تَعَالَى، وَنَظْمُهُ وَتَسْيِيرُهُ لِلَّهِ وَخُضُوعِ كُلِّ شَيْءٍ لِلَّهِ، فَكُلُّ اَلْمَخْلُوقَاتِ مِنْ اَلْبِحَارِ وَالْجِبَالِ وَالْأَشْجَارِ وَالدَّوَابِّ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالْمَجَرَّاتِ وَالْكَوَاكِبِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اَللَّهِ، خَلَقَهَا اَللَّهُ لِمَا أَرَادَ وَأَعِدْهَا لِمَا شَاءَ، ثُمَّ يَفْعَلُ فِيهَا مَا يَشَاءُ، سُبْحَانَهُ لَهُ اَلْحُجَّةُ اَلْقَاطِعَةُ اَلدَّافِعَةُ، وَلَهُ اَلْحِكْمَةُ اَلْبَالِغَةُ اَلنَّاهِيَةُ، فَلَا يَسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ لِعِلْمِهِ اَلْوَاسِعِ وَحِكْمَتِهِ اَلْبَالِغَةِ وَقُدْرَتِهِ اَلْعَالِيَةِ، وَمَشِيئَتُهُ اَلنَّافِذَةُ، وَحُكْمُهُ اَلَّذِي لَا يَرُدُّ وَقَضَائِهِ اَلَّذِي لَا يُعَادُ؛ فَكُلَّ هَذَا مُجَرَّدَ سِرِّ مِنْ أَسْرَارِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ اَلظَّاهِرُ لَنَا مُجَرَّدٌ سِرِّ فَإِنَّ اَلْخَفِيَّ أَسْرَار لَا طَاقَةً لِنَفْسِ اَلْبَشَرِيَّةِ بِهَا وَلَا إِدْرَاكَ لِكَوْنِهَا وَلَا إِرَادَةً لِصَدَدِهَا . فَكُلُّ هَذِهِ اَلْأَسْرَارِ تَدُلُّ عَلَى حِكْمَتِهِ اَلْبَالِغَةِ وَالْقَاطِعَةِ اَلْجَازِمَةِ، وَالدَّالَّةَ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ، وَالدَّالَّةُ عَلَى عَظَمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَاَلَّتِي تَبَيَّنَ قَدْرُ اَلْإِنْسَانِ وَمَدَى حُبِّ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ؛ فَمِنْ أَجْلِ اَلْإِنْسَانِيَّةِ خَلْقَ اَللَّهِ هَذَا اَلْكَوْنِ بِأَسْرِهِ .
* * * * * * *

" نِعْمَةُ اَلِاخْتِلَافِ "
هَذِهِ اَلْحَيَاةِ بِكُلِّ شَيْءِ فِيهَا سَوَاءُ اِسْتَطَاعَ اَلْعَقْلُ أَنْ يُدْرِكَهَا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُدْرِكَهَا، فَهِيَ مُنَظَّمَةٌ بِشَكْلٍ يَتَّفِقُ مَعَ اَلْكَيْفِيَّةِ اَلَّتِي أَنْشَأَهَا اَللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِهَا، فَكُلُّ مَا هُنَالِكَ هُوَ اَلْخُضُوعُ وَالِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ اَلتَّامُّ لِقَدْرِ اَللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَالرِّضَا بِهِ اَلْقَدَرُ عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ وَجَدًّا .
سبحان الله !
الاختلاف في كل شيء في الكون نعمة من الله ـ عز وجل ـ لا يشعر بها الكثير من الناس على الرغم من ثقافة الكثير منهم، فعـلى قـدر ما يكون الاختلاف نـقمة يكون نعمة كبيرة من الله تعالى للإنسان دون أن يشعر بها .
فيقول تعالى : " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) " سورة هود، فكل شيء يريده الله ـ عز وجل ـ أن يكون مختلفا أو يقع الاختلاف فيه، فـيـكـن نتيجة هذا الاختلاف منـفعة للإنسان دون أن يعلم بها أو قد يعلم .
هذا الكون قد يبدو أن أمره غريب؛ ولكن على مَنْ يكون غريبًا ؟
غريبًا على كل إنسان ملحد ـ والعياذ بالله ـ لماذا ؟
لأن الملحد لا يعـتـرف بوجود إله أو خالق لهذا الكون، ويـتـصور الملحد أنه يستطيع أن يدرك حقيقة هذا الكون بعقله القاصر المحدود .
ويكون غريبًا أيضًا على الذي لا يدرك أن له رب خلق هذا الكون وسيره بحكمته وقـدرته؛ لأن قـدرة الخالق ـ عز وجل ـ لا يمكن للعقل البشري أن يتصورها أو يستوعـبها بشكل من الأشكال، فهي أكبر وأوسع وأعـظـم من أن يـدركها المخلوق بعـقـله المحدود، لذلك كل من ينكر العبودية ولا يعترف بالإلوهية، يتصور أن عـقـله أوسع من قـدرة الخالق عز وجل ـ والعياذ بالله ـ أو يجعل عـقـله مساويا لقـدرة الخالق تبارك وتعالى ـ والعياذ بالله ـ فحين أنه ( الملحد ) لا يعترف بوجود إله أصلا ً ـ والعياذ بالله ـ .
أما الإنسان المؤمن فهو لا يستعجب ولا ينكر قـدرة الله ـ عز وجل ـ في حيثيات الخلائق؛ بل إيمانه مطلق بأن قـدرة الله ـ عز وجل هي ـ؛ أنه " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) " سورة يس .
فالمؤمن على يقين تام بأن الله ـ عز وجل ـ خالق هذا الكون بأسره قال تعالى : " قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) " سورة الرعد .
فالمؤمن منتبه لحقيقة أمر هذا الكون؛ بأن الخالق لهذا الكون بأكمله هو الله ـ عز وجل ـ قيوم السماوات والأرضين .
فيقولوا تعالى : " أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الْأَلْبَابِ (19) " . سورة الرعد .
وهذا هو الفارق بين المؤمن والملحد ـ والعياذ بالله ـ أن المؤمن على يقين تام بأن الله ـ عز وجل ـ هو الخالق والمدبر لهذا الكون بكل حركاته وسكناته، أم الملحد ـ والعياذ بالله ـ فهو ينكر وجود الله تعالى .
فـنعمة الاختلاف نعمة عظيمة، ونرى مدى الاختلاف في الزمان والمكان، ونراها في اختلاف الفصول في السنة الواحدة، وهو اختلاف الأحوال باختلاف الزمان، ونراها في تَأَثُرِ المكان بمرور الزمان، بل الاختلاف الأعظم من بداية الخلق من آدم ـ عليه السلام ـ إلى حواء، ومن قـبلهم خلق الملائكة الكرام والجن، وقيل خلق من قبلهم الحن والبن والله أعلم .
* * * * * * *

" اَلزَّمَـــــانُ وَالْمَــــــــــــــكَانُ "
حدث عظيم نعمة الزمان والمكان والـتَّـسْـيـيـر الحـقـيـقي للكون في اختلاف الليل والنهار، ولم يكن واحد من صاحبه سرمدا على الخلائق إلى يوم القيمة .
فمن الحركة .... في الكون والـتغـيـيـر فكانت نعمة الزمان، والتأثير.... من السكون واختلاف الأجواء فكانت نعمة المكان، ومحور الاستخدام للخلائق في الكون، فـتـحـرك الإنسان وسعى في كل مكان، وتـبـدلت الأشكال في كل زمان، فكانت نعمة الاختلاف .
الله تعالى لا يشغله زمان ولا يقيده مكان، وهو قيوم السماوات والأرضين .
فما الزمان ؟ وما المكان ؟
وهل خُلقا من أجل الخالق أم من أجل المخلوق ؟!
فالسرُ ليس في خلق الزمان ولكن في الدور الذي يقوم به الزمان؛ فهو الشاهد الأول على جميع الخلائق، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ " يسأل المرء يوم القيمة عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه " . فالزمان شاهد على الإنسان وبه يرتقى أو ينخسف.
ورغم قوة الإنسان وإرادته لا يستطيع أن يتواجد في كل مكان بنفسه، فالإنسان مقيد بالمكان، وكل مكان يتواجد به الإنسان، فهو مقيد به ـ المكان ـ دون غيره؛ فإن طرقه سار مقيدا بغيره بحسب تواجده .
إن القوة والحصانة التى يـتـمـتـع بها الزمان والمكان أصبحـت تغرق الإنسان فيهما، دون أن يكون للإنسان سلطة على تـقـيـيـد الزمان والمكان، وأكثر ما يفعله الإنسان اتجاههما هو أن يستفيد بهما دون تـقـيـيـد لهما .
يختلف إدراك الإنسان باختلاف الزمان والمكان .
وإدراك الإنسان ـ للأحوال والظروف ـ يـخـتـلـف باختلاف الزمان والمكان،
قد يكون الزمان معلوم ومـعـيـن ويـخـتـلـف المكان من بقعة لأخرى، ومن ثم يـخـتـلـف الإدراك .
وقد يكون المكان مـحـدد والزمان مـخـتـلـف، فـيـخـتـلف الإدراك .
وحينما يكون إدراك الإنسان في زمان واحد ومكان واحد فـيـتـوحد الإدراك .
و قال العلماء : لا تسأل باين و لا متى؛ لأن أين للمكان و متى للزمان، والزمان والمكان مـصـنـوعان للخالق فلا يسأل عـنهما المخلوق، أي خلق الله ـ عز وجل ـ الزمان والمكان فهما جنود الله ـ عز وجل ـ يأتمران بأمره جلا في علاه .
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.