tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

سؤال: هل صحيح أن التاريخ يكتبه المنتصرون فقط، وهل صحيح أن التاريخ المكتوب مزور ولا يمكن الجزم بصحته ؟!
الجواب:

أولا:
دعك نهائيا من مقولة التاريخ يكتبه المنتصرون دي لأنها أكبر مغالطة روجها أصحاب التوجه الفلسفي والمنكرون لأي حقيقة علمية في العادة، حتى في مجال العلوم التطبيقية، ولا زال للآن هناك أناس محسوبون على المفكرين ينكرون كروية الأرض أو وصول الإنسان للقمر!
ولو كانت المقولة صحيحة لما وصل إلينا إلا سيرة المدح في المنتصرين فقط، وهو ما لم يحدث طبعا فوصلت إلينا كافة بشاعات الديكتاتورية وأغلبها كان مكتوبا في عصر الدكتاتورية نفسه
فالتاريخ واحد من أقدم أربعة علوم على وجه الأرض، وهو أبو العلوم الاجتماعية وطالما أنه علم فهذا معناه أن له قواعده ومتخصصوه وأسلوبه العلمي الذين يميز الصحيح من الخرافة
ثانيا:
سؤالك عن التاريخ فيه خلط كبير يقع فيه اغلب الناس عندما يتكلمون في التاريخ، فهناك فارق ضخم بين (الواقعة التاريخية) وبين الرأي أو التحليل لنفس الواقعة،
فالواقعة التاريخية لا مجال لإنكارها طالما أنها ثبتت بدليل مقبول لدى أهل الاختصاص أما الرأي والتحليل فهذا هو ما دفعك ودفع الناس لتصديق خرافة تزوير التاريخ، فهناك كثير من الآراء والتحليلات التي تقلب الوقائع وتنظر لها بزاوية خاصة بها،
وأنت كقارئ لست ملزما بوجهة نظر المؤرخ بل ملزم فقط بالواقعة نفسها، فلا يمكنك إنكار وقوع الحرب العالمية لكن يمكنك الاختلاف حول وجهة نظر القائلين بأن ألمانيا أثارت الحرب لمجرد الأطماع فقط
ثالثا:
هناك أيضا فارق كبير بين مراحل التاريخ من حيث أدلته وقواعده، فالتاريخ القديم تختلف أدلته عن التاريخ المكتوب، وهذا بدوره يختلف عن قواعد التاريخ المعاصر
أما تاريخ الحضارات القديمة فالأدلة العليا فيه للمكتشفات الأثرية بأنواعها، ولا يمكن دحض دليل حفري سواء كان وثيقة أو رسما إلا بدليل مماثل
والتاريخ المكتوب للحضارات تكمن الأدلة فيه بأمهات المراجع المعتمدة لدى كل عصر وكل أمة، وهي تختلف باختلاف براعة أهل كل عصر في تحقيق تاريخهم
وعندنا في التاريخ الإسلامي مثال عظيم لذلك، لأن تاريخ المسلمين هو أعلى التواريخ المكتوبة في الدقة لأنه اعتمد على منهج علوم الحديث ووضع ضوابط صارمة لقبول الروايات فروى المسلمون تاريخهم بنفس المنهج الذي قاموا فيه برواية القرآن والسنة النبوية، منتهى الدقة وشمولية تامة في تحقيق الروايات كشفت لنا كثيرا من الروايات المدسوسة وظهرت كتب التحقيق التي عالجتها.
أما بالنسبة لتاريخ العصر الحالي،
فالمقاييس هنا للتوثيق، بمعنى أنه عصر قائم على الوثائق وروايات وكتب شهود العيان إذا احتوت على الأدلة، هذا فضلا على منهج التسجيل بالصوت والصورة أيضا ولكن تبقي الغلبة والأصل للوثائق وحدها
رابعا:
التزوير في مرويات التاريخ بكافة مراحله، أمر واقع بالطبع ولكن ليس معنى هذا أبدا أن التاريخ المكتوب مزور، فهناك المتخصصون الذين نخلوا تلك الروايات والوقائع وكشفوها، ولكن الأزمة الكبرى تكمن في أن معظم من كتب في التاريخ من المثقفين لم يتقنوا صنعة العلم ذاته فوقع كثير منهم في مأزق الترويج لمرويات باطلة،
وأشهر مثال لذلك كتب طه حسين ومحمد حسين هيكل وبعض كتب العقاد وخالد محمد خالد، حيث رووا في كتبهم ــ بحسن نية ــ مرويات عن تاريخ الصحابة والفتنة الكبري كلها روايات أسقطها علماء التحقيق من العصر الأول للتدوين
فكل ما عليك إذا أردت القراءة في التاريخ أن تبحث عن الكتب المعتمدة أو تسأل متخصصا يرشح لك أهم الكتب في كل مجال.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.