أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

شارك على مواقع التواصل

أبتعد عنك وعن الألم. مسافات الأمان ضروريّة معك. لست أدري كم ينبغي أن أعيد النّظر في علاقتي بك وبالأشياء. لم تترك لي خيارًا، فالحكمة تقتضي أن ألفظك، سمّمت حياتي ونثرت القتاد فوق طريقي، لِم أستبقيك؟ لِم أوثّق دموعي بمداد العمر؟ عجزت عن فهم نفسي فأنا حين أزيحك بيدي يطلبك قلبي. وحين أودّ أن أرجمك يتمردّ لساني وتخذلني بلاغتي. وهل أصعب من انقلاب داخلي ينخرنا كما السّوس، على ضفاف ذلك الشّاطئ الأبيض التقينا. كنتَ سفينة انتشلت من الطّوفان الهادر امرأة وحلمًا وقصيدة. لم أكن أتخيّل هذا السّجن، لم أكن أتوقّع كلّ هذا الوجع، ما دار بخلدي أنّك ستكون ضربة القدر الأخيرة، أحيانا وفي سورات غضبي وهي كثيرة أخاطب نفسي، لاشكّ أنّ منطقًا ما ينبغي أن يفسّر ما أكابده، ليس عدلا أن يطحنني كلّ هذا الألم، لم أنا دون غيري من البشر؟ كلّ واحد منّا يتجرّع قدرا من العلقم. أمّا أنا فسرت في درب الألم حتّى دميت قدماي، وأنت لعنتي، أحبّك وأكرهك. أرسم خارطة أحلامي الجديدة فإذا أنت في الجزيرة النّائية الّتي لذت بها. لم تنفع الخطوط الّتي ضبطتها أن تكون أسياخ السّجن كما أردت، لم أفلح في أن أكتب المشتهى كما نويت، تهاويت وازدادت الهوّة ما بيننا، كنت جلاّدا وكنت الضحيّة. فهل يستطيع الواحد منّا أن يكتب وصيّته بعد الموت؟ ربّاه، الحمرة في الأفق، دوائر السّواد تحاصرني وتبتلع الأمل وتنهش قلبي، أخيلة الماضي تخرج ألسنتها الأفعوانيّة وحرابها المسنونة، صارت تطلق ضحكات شوهاء كي تذكّرني أني بقايا امرأة، بل بقايا إنسان في زمن ما عدت أقوى فيه على النّوم والنّسيان.


كلمة السّرّ

تجيل بصرها الزّائغ في الفراغ، تسائل حدسها المخذول:
أأنت فعلا هنا؟ استلّت من ملفّاتها السريّة الورقة الأخيرة. جملة عارية يتيمة.
التحليل إيجابيّ.
جملة كانت كفيلة بانتشار السّمّ ببطء قاتل، لم يدر بخلدها أنّها ستتجرّع يومًا خيبة مماثلة. منذ أيّام لم يغمض لها جفن، تحوم حول اليقين وتسفّهه، تحدّق في الذّكرى وتشيح عنها بامتعاض.
تتحرّك عقارب السّاعة على الجدران الباردة فتعتريها برودة رغم أنّ القيظ شديد.
صديقتها سلافة بجوارها، تقتلع ابتسامة، تحاول أن ترطّب أملا تيبّس بين شفتيها. جزّ العنق أهون من أمل خائب.
اطلّت الممرّضة بتضجّر
- دورك.

أذعنت متثاقلة وهي تمسك بيد صديقتها وولجتا غرفة الكشف:
- هل أنت متزوّجة؟
لاكت السّؤال ببرود مقيت
حاولت الالتفات إلى الطّريق الآمن:
- عقدت القران، أنا في حكم زواج سيغدو نافذًا.
نظرت إليّ بحدّة:
- للخطيئة ألف وجه وللكذب ألوان.
صدمني قولها، ترنّحت، طعنتني، جعلتني قاذورة في مصبّ الفواحش بجرّة لسان.
سلّم الإهانات بلا نهاية.
الفحص المقيت واليد تجوس في المنطقة المحظورة والكتلة الآدميّة البريئة تجتثّ عنوة.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.