قصة تاجر البندقية منسوجة من خيوط متنوعة قديمة قدم الطبيعة البشرية، حتى ليؤكد مؤرخو الأدب الإنجليزي أن هيكل الرواية كله ليس لشكسبير فيه إلا فضل الحبكة الفنية. فإن حكاية الاقتراع على الصناديق، وحكاية اقتطاع رطل من اللحم البشري مما يرتد إلى أصول تاريخية قديمة من المحتمل أن تكون شرقية. على أن حكاية الصناديق — كما جاءت في مسرحية تاجر البندقية — موجودة في مجموعة لاتينية من القصص تسمى: “Gesta Romanorum” جمعت في سنة ١٣٠٠. وقد ترجمت إلى الإنجليزية وطبعت بوساطة “Wynkiv de Worde”، وكانت شائعة بين الإنجليز في عصر أليصابات إلى حد أنها طبعت ست مرات بين سني ١٥٧٧ و١٦٠١، أي في شباب الشاعر شكسبير.
أما حكاية اقتطاع رطل من لحم الإنسان فهي موجودة في الأساطير الآرية وفي الأدب الشرقي جملة والمصري القديم خاصة. وقد ظهرت في الأدب الإنجليزي في قصيدة “Cursor Mundi” سنة ١٣٢٠، وهي قصة دينية شرط فيها اقتطاع بضعة من اللحم من غير أن تراق قطرة من الدم. ولعل مرد هذا الجزاء القاسي إلى القانون الروماني العنيف الذي يعطي الدائن حق اقتطاع فلذة من لحم المدين … ولقد ظهرت قبل شكسبير قصص لا بأس بعددها تروى فيها حكاية الرطل من اللحم البشري كالقصة التي كتبها بالفرنسية «ألكسندر سلفاين» وترجمها إلى الإنجليزية “L. P. London” سنة ١٥٩٦. ولعل أقرب هذه الحكايات شبهًا بحكاية شكسبير في مسرحيته تاجر البندقية هي حكاية “Pecorone” التي أوردها “Giovanni Fiorention” في مجموعته القصصية سنة ١٣٧٨ — أي بعد وفاة الكاتب الإيطالي الشهير «بوكاسيو» بثلاث سنوات.
أما حكاية هرب جسيكا بنت شيلوك بعد أن سرقت بضعة من مال أبيها وجواهره فيمكن أن ترتد إلى أصل إيطالي في القرن الرابع عشر، وذلك في رواية نوفلينو لسالرنو، فهي تحدثنا عن ابنة ثري بخيل من أهل نابلي، سرقت جواهر أبيها واتخذت سبيلها في الأرض هربًا مع عاشقها … على أنها بعد ذلك حكاية شائعة في ممالك الأرض جميعًا.
على أن الفكرة الرئيسية في رواية «تاجر البندقية» يقال إنها مأخوذة من «ملهاة البندقية» التي يزعم “Fleay” أنها الأثر الأدبي الضائع للكاتب Dekker والتي كان اسمها «يهودي البندقية». ومهما يكن من أمر مصادر الحكايات التي اشتملت عليها مسرحية شكسبير فإن شاعر الإنسانية الذي لا يدانى قد خلع عليها من عبقريته ومن روحه ومن سحر لغته ما جعلها رائعة عالمية فوق مناط الحكايات والأقاصيص.