أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

Share to Social Media


هل مواد الإدمان محدودة ومقصورة على مادة واحدة مخدرة أم تتعدد المواد التي تسبب الإدمان؟!

مدخل إلى القضية:
واقع الأمر، أن المواد المخدرة التي يكون تناولها والاعتياد عليها واللجوء إليها – وفقاً لمنظومة متعددة من الدوافع والأسباب التي تخص الشخص المدمن – ليست مقتصرة على مادة مخدرة واحدة، بل تمتد لتشمل مجموعة من المواد.
- بعضها طبيعي.
- بعضها صناعي.
- بعضها الثالث مخلق.
إضافة إلى ما سبق، قد نجد العديد من الأفراد الذين يكون لهم مزاج جد غريب في الإدمان مثل مدمني المواد المتطايرة (البنزين – الاستدين)، أو مدمني النمل؛ حيث يجمعون أسراب النمل في زجاجة ويقومون بحرقه ويستشقون ذلك، أو مدمني المواد القذرة والتي تصل أحياناً إلى درجة وضع البراز الطازج أو حتى العفن (أي بعد تخلص الفرد منه بفترة كافية) ويضعونه في زجاجة ويقومون باستنشاقه ... وغيرها.... وغيرها....
وللناس في إدمانهم مذاهب.
ومن الموجز إلى التفاصيل.

* * *

المواد المخدرة:

يُعد توافر المواد المخدرة من أهم الشروط التي تدفع بالإنسان إلى الإدمان؛ إذ لا يوجد إدمان بدون مواد مخدرة – بالرغم من أن العلماء قد توسعوا في مفهوم الإدمان، فالبعض يدمن الطعام، والبعض يدمن النوم – خاصة حين يواجه مشكلة يعجز عن إيجاد حل لها، والبعض يدمن الجنس، كما أن هناك ما يسمي بإدمان التكنولوجيا Addities Technological أو إدمان الآلات العلمية Machine Addicties حيث ذكر مارك جرفيت (Mark. G. 1995) عن هذا النوع من الإدمان، وإن كان يختلف عن إدمان المواد الكيماوية، إلا أن السلوك الإدماني يكاد يتطابق في كلا النوعين من الإدمان من حيث الرغبة Disere، والقهر إلى الاشتياق والانتكاس.
(Mark Griffiiths, 1995, pp. 14-19)
وتاريخ الإنسان مع المواد المخدرة – خاصة المخدرات الطبيعية – قديم وضارب بجذوره.
ويعد توافر المواد المخدرة Drugs من أهم العوامل التي تقود إلى الإدمان، إذ بدون توافر العقار المخدر، لا يكون هناك إدمان.

وبغض النظر عن التصنيفات التي وضعها العلماء والمتخصصون لهذه المواد المخدرة. إلا أننا نستطيع أن نجمل أشهر هذه المواد المخدرة في الآتي:

1- الحشيش (نبات القنب الهندي Hashish):
وهو أكثر أنواع المخدرات انتشاراً في دول الشرق الأوسط، ويعرف بأسماء متعددة، مثل: "تاكروري" في تونس، و"كيف" في المغرب، و"اناشكا" في روسيا، و"أسرار" في تركيا، وفي أمريكا يعرفونه تحت اسم "الماريجوانا"
(هانى عرموش، 1993، 92)
ولقد عرف العرب "الحشيش" وأطلقوا عليه هذا الاسم، لأن كلمة "حشيش" في اللغة العربية تطلق على العشب، ويسمي نبات القنب الهندي بالحشيش، كما أنه استخدم في الأغراض العلاجية في مناطق كثيرة من العالم، كما أن الغربيين يرون أن الحشيش هو مخدر البلاد العربية، حيث ذكر (المقريزي) انتشار تعاطى الحشيش بين الفقراء في مصر وفي الشام والأناضول والعراق، وذلك في القرن الرابع عشر الميلادي.
كما ارتبط "الحشيش" بالطقوس الدينية خاصة لدى بعض المذاهب المتطرفة؛ وذلك لأن كلمة "الحشاشين" قد أطلقت في الأصل على طائفة من الإسماعيلية عاشت مع زعيمها "حسن بن صباح" في قلعة الموت بين أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر في الجبال الكائنة في شمال إيران.
ويُقال: إنه كان يحث مريديه على تعاطي مزيج الحشيش والداتور أو الأفيون ثم يتركهم بصحبة الفتيات في ثياب جميلة ثم يوحي لهم وهم تحت تأثير المخدر أنهم يرون الجنة ومتعها التي سيدخلونها إذا نفذوا أوامره، ثم يأمرهم باغتيال خصومة.
(عادل دمرداش، 1982، 210)
وطبقا لتقرير لجنة المخدرات بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، فإن نبات "الحشيش" منتشر بصورة خطيرة في جميع أنحاء العالم، وتحصي الأرقام الرسمية عدد مدمني "الحشيش" بأكثر من مائتي مليون نسمة، ويقال: إن أغلبهم من الجنسيات العربية، ولهذا شكلت "جامعة الدول العربية" لجنة خاصة لمحاولة التخلص منه.
(أحمد على ريان، 1984، 190)
وتتعدد طرق تعاطي "الحشيش"، ويرجع اختيار الطريقة إلى عوامل متعددة تتصل بالأفراد أنفسهم ووضعهم الاجتماعي، كما أن كمية "الحشيش" اللازمة للتخدير تختلف من فرد لآخر، ومن هنا فقد يستعمل "الحشيش" – عادة – عن طريق التدخين (إما بلفه في السيجارة أو عن طريق الجوزة)، أو يؤخذ – أحياناً – كشراب منقوع؛ وذلك عن طريق نقع نباتات القمم المزهرة في الماء، وتخرج في بعض الأوقات بأنواع مختلفة من المشروبات العطرية، كالبرتقال والياسمين أو الكحوليات. (سلوى سليم، 1989، 40)

2 – نبات الخشخاش (الأفيون Opiun):
حيث عرف منذ القدم، وقد اتضح ذلك من خلال الكتابات القديمة؛ حيث يؤكد البعض أن الحضارة السومرية قد عرفت خصائص التخدير في نبات الأفيون؛ وذلك من خلال لوحة سامرية يعود تاريخها إلى سنة (4000) قبل الميلاد، وأطلقوا عليه اسم نبات السعادة (The Ploner of joy)، كما وجد في لوحة أخرى يرجع تاريخها إلى سنة (3000) قبل الميلاد توضح كيفية حصاد الأفيون.
كذلك عرفه المصريون القدماء منذ (500) عام ق.م؛ حيث حملت ورقة البردي في بردية "إيبرس" ما يفيد معرفتهم لعقار له القدرة على منع الإفراط في البكاء عند الأطفال وإزالة الكرب والضيق عند الكبار.
كذلك عرفه الصينيون، وكانوا يطلقون عليه اسم "شراب الآلهة". كما ذكره "هوميروس" في أشعاره ووصفه بأنه مسكن لكافة اضطرابات البشر، كذلك انتشر تعاطي الأفيون وكان مرتبطاً بالعبادات والطقوس الدينية منذ القدم – كما سبق وأن أوضحنا – وذلك للاعتقاد بأن الحالة التي يترك فيها المخدر الشخص تسهل له الاتصال بعالم الروح.
(عادل دمرداش، 1982، 160-163)
ولازال تعاطي الأفيون حتى الآن وعند كثير من الشعوب، يستخدم في الطب الشعبي كعلاج لكثير من الأمراض – كما هو الحال في الهند وشعوب شرق آسيا وجنوبها – وبالنسبة لمصر وخاصة في ريف مصر لازال أيضاً يوصف شعبياً علاجًا لبعض حالات المرض، كما يوصف مسكنًا لبعض الآلام: حالات الإسهال، والدوسنتاريا، والرشح، وآلام المفاصل، وآلام الروماتيزم، وآلام الأسنان، والبرد، والرعشة، والمغص، هذا فضلا عن التعاطي لأغراض الكيف وتحقيق الشعور بالنشوة والراحة وتحمل العمل والنشاط الناتج عن حالة الاعتماد الفسيولوجي على المخدر بسبب الإدمان.
كذلك عرفته أوروبا كدواء منذ عهد المسيح، إلا أن انتشار استخدامه كمخدر إدماني قد ظهر في بداية القرن التاسع عشر عندما استوردته لأوربا شركة الهند الشرقية على نطاق واسع، كما بدأ استخدامه أيضًا في هذا التاريخ في المستعمرات الأمريكية، ثم أصبح معروفاً وشائع الاستعمال في معظم بلاد العالم.
(سعد المغربي، 1986، 12، 13)
والأفيون هو المادة الصمغية المستخرجة من نبات الخشخاش (أبو النوم)، وهو يحوى عدة عقاقير فعالة تستخرج من الأفيون مباشرة أو مع تعديل كيميائي مثل: المورفين، والهيروين... وغيرهما.
(عبدالحكيم العفيفي، 1986، 23)
ورغم وجود قوانين تمنع زراعته، إلا أن إنتاجه يتم بحيل وطرق متعددة، ولعل أشهر بلاد العالم إنتاجاً للأفيون: الصين، وإيران، وتركيا، ويوغسلافيا، والهندي، ومصر، ولذلك يعرف باسم البلد الذي ينتجه مثل قولنا: "الأفيون التركي" .... وهكذا.
(جابر بن سالم وآخرين، 13، 14)
وتتعدد طرق تعاطي الأفيون، إلا أن أكثر الطرق شيوعاً، هو استعماله مع القهوة أو الشاي أو التبغ، أما تدخينه فيتطلب مهارة معينة، كما يفضل البعض تعاطيه عن طريق الحقن في العضل أو الوريد، أو قد يتم تعاطيه عن طريق الشرب أو البلع، وفي مناطق أخرى يتناولونه عن طريق الطعام والشراب.
(سلوى على سليم، 1989، 47، 48)
كما أن تعاطيه في مصر يتم بطرق معروفة، مثل: استحلابه تحت اللسان، أو غلبه في ماء محلي بالسكر أو خلطه ببعض أنواع المأكولات وخاصة الحلويات.
(سعد المغربي، 1986، 19)

3 – نبات الكوكا (Coca):
تعد من المخدرات الطبيعية، وتزرع في الهند وأندونيسيا وجاوة وسيلان والهند الغربية، كما تزرع في جبال الأنديز بأمريكا الجنوبية.
والكوكايين Cocaine هو: المادة الفعالة الموجودة في نبات الكوكا، ويعد أيضاً من أقوى المنشطات.
(عز الدين الدنشارى وآخرين، 1989، 15-16)
وتاريخ الإنسان مع نبات الكوكا ضارب بجذوره منذ القدم، إذ عرفه الإنسان منذ أكثر من أربعة آلاف عام، كما ارتبط انتشاره بالطقوس الدينية في ذلك الوقت البعيد، إذ كانت أوراق الكوكا تدفن مع الميت، وذلك تبعاً للاعتقاد السائد بين الأجيال المتلاحقة في بعض دول أمريكا الجنوبية والهند، كما كان رجال الدين في هذه الفترة يقومون بمضع الكوكا؛ ليشعروا بالسعادة والنشوة منتهزين الفرصة ومنطلقين في الآن نفسه، مبشرين أتباعهم ما يعتقدون فيه، ثم جاءت مرحلة زمنية أخرى تغيرت فيها النظرة، واعتبر مضغ الكوكا عملاً مشيناً، وتدنيساً للمقدسات، إلا أن ذلك المتع لم يفلح في القضاء على هذه العادة نهائياً، كما يحدثنا التاريخ أن الأسبان كانوا يعطون العمال أوراق الكوكا كجزء من أجورهم، وبذلك أصبحت أوراق الكوكا الخضراء في بداية عهدها (عملة) معترف بها بين أفراد هذه المناطق في بعض دول أمريكا الجنوبية إبان فترة الاستعمار الإسباني.
(عادل دمرداش، 1982، 182-184)


وما زال هذا النبات يستخدم إلى الآن وفي أغراض متعددة، مثل صناعة بعض الأدوية، واستخراج مستحضرات غير مخدرة، ويدخل في تركيب بعض الصناعات الأخرى مثل: الروائح العطرية، والمشروبات الغازية.
كما تتعدد طرق تعاطي الكوكا؛ إذ يتم مضغ أوراق الكوكا بعد مزجها بعصير الليمون؛ حيث أن ذلك يقلل من الإحساس بالبرد والجوع، ويتم مضغ الأوراق ببطء شديد جداً في أول الأمر، كما يستخدم مسحوق هذه الأوراق على صورة سعوط يقوم الفرد ياستنشاقه.
(سلوى على سليم، 1989، 52)

4 – القات (Khat):
هو شجرة دائمة الخضرة، اتفق معظم الباحثين على أن موطنها الأصلي هو الحبشة (أثيوبيا الآن) في القرن الأفريقي، وله أسماء مختلفة، فهو القات في اللغة العربية، والجات في الحبشة والصومال، وميرا أدمارونجي في كينيا.
(عبدالله عسكر، كمال أبو شهدة، 1993، 526)
وكان الرحالة يطلقون على شجرة القات اسم "شاي العرب"، ويعد من المخدرات المنشطة (Stimulants). ويعرف عنه أنه قد زرع في القرن الخامس عشر، ولا زالت زراعته قائمة حتى الوقت الحاضر، ويستهلكه ربع سكان القارة الأفريقية تقريباً، إلا أن اليمن تعد من أكثر البلاد العربية استهكلااً لهذا المخدر.
(عادل دمرداش، 1982، 240)
كما أن هناك بعض الطقوس التي يلتزم بها أهل اليمن في تعاطي القات، تسمي: مجالس القات، حيث يضعون أوراق القات في الفم ويقومون بمضغها ببطء شديد، ويطلق على هذه الظاهرة اسم: "التخزين". (أحمد على ريان، 1984، 40-41)
والقات كنبات مخدر، حديث الاكتشاف، ولا يعرف بالضبط عدد مستهلكيه، وإن كان يقدر بالملايين، كما تشير نشرات منظمة الصحة العالمية عن القات: "أن انتشاره يعتبر هائلا في هذه الأيام".
ومن الصعب الإقلاع عن إدمان القات، عند متعاطيه؛ لأنه مثل نبات الكوكا، نبتة مهيجة، وتقاوم تأثيرات الجوع والتعب، وفي أفريقيا يعد القات من النباتات ذات المعجزات، وكثيراً ما تستخدم في الاحتفالات الدينية، وقد ذكر أن الإسكندر الأكبر إبان حكمه لمصر تعاطاها. (سلوى على سليم، 1989، 54)
والقات لا يدخل ضمن المخدرات المحظورة دوليًا، ولا يراقب في المطارات والموانئ، إلا أنه محظور زراعته في مصر بحكم القانون رقم 182 لسنة 1960م. (إبراهيم نافع، 1989، 23)
ويبدو أن أهل مصر لا يستخدمون القات؛ بدليل أنه من خلال تتبع فصل "مشكلة المخدرات في مصر" في التقرير التمهيدي باقتراح استراتيجية قومية متكاملة لمكافحة المخدرات. ومعالجة مشكلة التعاطي والإدمان لجنة المستشارين العلميين لم نعثر على أي أثر لزراعة أو لإدمان هذا العقار المخدر.
(لجنة المستشارين العلميين، التقرير التمهيدي، 1991، من39-92)
وما سبق ذكره من أنواع للمخدرات، يندرج تحت تصنيف المخدرات الطبيعية.
أما المخدرات الصناعية، فهي أكثر خطورة على الأفراد وفتكا من المخدرات الطبيعية.
(سلوى على سليم، 1989، 12)
ومن أهم هذه المخدرات:
- المورفين (Morphine):
حيث اكتشف هذا المخدر بعد سلسلة من التحليلات الكيميائية لمادة الأفيون، ويعد الكيميائي الألماني "فردريك سير تيرنر" أول من حاول كشف ذلك؛ من خلال تجارب في عام 1799م حيث توصل إلى بلوراته بعد معالجة الأفيون الخام بالتسخين والتبريد، وإضافة بعض المواد الكيميائية كأحماض النشادر، وقد أطلق على هذا العقار اسم "مورفيوس" نسبة إلى إله الأحلام في الأساطير الإغريقية، والمورفين عبارة عن مسحوق أبيض ناعم غير بلوري، عديم الرائحة، مر المذاق، ويأتي أيضاً على شكل سائل أبيض شفاف ويعبأ في أوان زجاجية أو قد يكون على هيئة أقراص، ويعد من أقوى العقاقير الصناعية المسكنة للألم.
(عبدالرحمن مصيقر، 1985، 10)
"وهو بهذه الصفة يعتبر واحداً من أكثر المخدرات التي عرفتها البشرية قدمًا، وهو يظل أكثر المسكنات المعروفة استخدامًا بطريقة مشروعة عادة، وهو المخدر النموذجي الذي في ضوئه تقارن جميع المسكنات الأخرى".
(روري روبرتسون، 1989، 48)
أما طرق تعاطي المورفين، فمتعددة، قد تكون عن طريق التدخين، أو عن طريق بلعه ويشرب معه القهوة أو الشاي، أو يؤخذ عن طريق الحقن تحت الجلد.
(هانى عرموش، 1993، 57)

أما الهيروين (Heroin):
فهو يعد – بلا شك – من أقوى المخدرات تأثيراً في الشخص المدمن، وهو أحد مشتقات الأفيون، وأقوى من المورفين خمس مرات، كما أن سيطرته على المتعاطي سريعة وحاسمة. فالإدمان الكامل يبدأ بعد أيام قليلة من التعاطي، بعدها لا يمكن التراجع للوراء.
(عادل صادق، 1986، 60)
ذلك أن الوظيفة الحيوية للهيروين، هي قدرته على إزالة القلق وتحرير القوى المضادة، وهي الثقة والشعور بالنشاط والخفة، وفي الميدان الطبي تستخدم هذه المخدرات لقتل الآلام.
(بيتر لوري، 1990، 27)
ولقد تم اكتشاف الهيروين في عام 1974م على يد العالم الإنجليزي دكتور "رايت" الكيميائي بمستشفي "سان ماري" في (لندن)، وبعد من العقاقير المخدرة سريعة الإدمان والذي أصبح كارثة تحيق بالمجتمعات الإنسانية – في بلدان كثيرة من العالم – في الآونة الأخيرة، ولا يستخدم الهيروين طبيا إلا في علاج المدمنين في بريطانيا، وفي تخفيف آلام مرضي السرطان الميؤوس من شفائهم.
(عادل دمرداش، 1982، 166)
كما نظر إلى الهيروين على أساس أنه "مصدر الشرور بالمجتمع الحديث"
(روي روبرتسون، 1989، 41)
وقد تزايد الإقبال على إدمان الهيروين بصورة مفزعة، وقد نشر مكتب المخدرات في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال، أن عدد المدمنين للهيروين مقارنة بالمواد المخدرة الأخرى يصل إلى 98% من عدد المدمنين.
(سلوى على سليم، 1989، 60)
كما أن هناك أنواعاً متعددة من الهيروين، فهو لا يأخذ شكل المسحوق الأبيض فقط، بل هناك كبسولات.
(عز الدين الدنشاري وآخرين، 1989، 329)
كما أن طرق تعاطيه متعددة، ويمكن تلخيصها في طريقتين؛ هما: التعاطي عن طريق الحقن تحت الجلد، والتعاطي عن طريق الاستنشاق.
(هانى عرموش، 1993، 62)

- أما الكوكايين (Cocaine):
فيعد من المواد المنشطة، وهو عبارة عن بودرة بيضاء بلورية تستخرج من أوراق أشجار الكوكا والتي تنمو في (بوليفيا، وبيرو)
(محمد شرف، 1985، 34)
ولذا، فإن الكوكايين يعد واحداً من أقدم العقاقير التي عرفت منذ القدم، وقد ذكرنا آنفا كيف أن أوراق نبتة الكوكا كانت تستخدم في الطقوس الدينية، ثم حرمت فترة، ثم أعادها الإسبان إلى الوجود حين لاحظوا أن مضع الأوراق هذه يعطي للشخص قوة ونشاطاً على احتمال العمل، إضافة إلى تقليل الطعام.
(محمد فتحى، 192)
وقد استخدم الكوكايين في بداية معالجته معملياً في علاج العيون لأول مرة عام 1860م بواسطة الدكتور (كارل كولر) النمساوى سنة 1884م، إلا أن الآثار الضارة الكوكايين قد أدت إلى استبدال مادة البروكايين به وهي مادة أقل ضرراً وذلك عام 1906م.
(عادل دمرداش، 1982، 184)
وينتشر استخدام الكوكايين بين طبقات الشباب رغم أنه له العديد من الأضرار.
(Gloyce Handudthan, 1992, p. 205-221)
وتتعدد طرق تعاطي الكوكايين، وهو مثله مثل الهيروين: إما يأخذه بطريقة الحقن، أو عن طريق الشم.
(سلوى على سليم، 1989، 70-71)
كما أنه "منبه قوى للجهاز العصبي المركزي؛ لذلك يكثر استخدامه بين فئات المراهقين والشباب في الولايات المتحدة الأمريكية.
(دورثي دوسيك ودانييل جيرادنو، 154-158)


أما المخدرات التخليقية، فقد صنفته هيئة الصحة العالمية عام 1973م إلى ثلاثة أنواع، هي:
- عقاقير تؤدى إلى التنبيه الشديد للجهاز العصي، وهي تسمي بـ "العقاقير المنهبة".
- وأخرى تؤدى إلى الهدوء والهبوط، وتسمي بـ "العقاقير المهدئة".
- وعقاقير تؤدى إلى الإدراك والانفعال والتفكير وسرعة الحركة، وتسمي بـ "عقاقير الهلوسة".
(سلوى على سليم، 1989، 75)
ولعل من أشهر العقاقير المنبهة أو المنشطة: "الأمفيتامينات Amphetamins"، وهي: عقاقير مخدرة تتصف بتنشيط الجهاز العصبي؛ مما دعا البعض إلى تسميتها بـ "المقويات النفسية Psychotoniques"، وتتميز بقدرتها على تنشيط الفرد، وعدم الإحساس بالإرهاق، أو النوم، فضلاً عن الشعور بالنشوة والسعادة، إلا أن الإقلاع عنها يقود في البدايات الأول للتوقف إلى الكآبة الشديدة والإرهاق والأحلام المزعجة أثناء النوم.
(سلوى على سليم، 1989، 77-78)
وتتعدد طرق تعاطي الأمفيتامينات، وقد تؤخذ عن طريق الفم، أو قد تذاب في الماء، أو يتم حقنها في الوريد في حال الرغبة في الوصول إلى الإحساس بالنشوة المطلوبة وبسرعة
(عز الدين الدنشارى وآخرين، 1989، 135).
ولعل من أشهر هذه العقاقير المنشطة: "ديكسا امفيتامين (الماكستون فورت)، وميثيل فيرات (ريكالين)، وحبوب الكايجون.
(محمد فتحى عيد، 1410ه، 21)

وهناك نوعً آخر من العقاقير يطلق عليه:
"العقاقير المهدئة – المنومة Depressants".
وتنقسم إلى عدة أنواع، منها: مهدئات عظمي، وتستخدم في علاج الأمراض العقلية كالفصام واضطرابات أخرى، وهي لا تسبب الإدمان مثل: الارجاكتيل، ومضادات الاكتئاب، وهي تستعمل في علاج مرض الاكتئاب وهي لا تسبب الإدمان أيضاً مثل التربتيزول والتوفرانيل، إضافة إلى نوع ثالث يطلق عليه اسم "المهدئات الصغري"، وهي تسبب الهدوء وتزيل التوتر مثل: مركبات البنزوديازايين كالفاليوم والليبريوم، وهي تسبب الإدمان خاصة إذا تم تعاطيها مع الخمر. وأخيراً، المنومات، وهي أدوية تسبب النعاس والنوم، وقابليتها لإحداث الإدمان عالية.
(عادل دمرداش، 1982، 142-144)

أما النوع الثالث من العقاقير، فهو عقاقير الهلوسة L.S.D، وقد شاع ضوء سوء استعمال هذا العقار في الستينات بين جماعات الهيبز، وبعض الفنانين والكتاب في أوربا، ويستعمل إما بالحقن في الوريد، أو بشرب كسائل، ولعل ما أشيع عن تناول هذا العقار ومساعدته في الإبداع أو العلاج النفسي فهو أمر مشكوك في صحته، كما أن تناول جرعات كبيرة من هذا العقار، كفيل بفقدان الصلة مع العالم الخارجي، ويدخل الفرد في دائرة التوهم والهلاوس وأنه قد شاهد شخصيات إلهية، وأماكن ساحرة وخيالات دينية أخرى.
ولذلك، فإن هذا العقار قد شاع استخدامه في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن له جذوراً عميقة متأصلة في الثقافة الأمريكية خلال الأربعينيات والخمسينيات، وذلك بعد أن خرجت البلاد من الكساد الاقتصادي، ودخلت ازدهاراً في عصر ما بعد الحرب... ولذلك شاع استخدام هذا العقار لدى بعض الفئات من الشباب المتمرد والذي راح يتحول هؤلاء الشباب إلى العديد من الأفكار إلى ديانة ونظم قد وضعوها بأنفسهم.
ومن هنا، بات عقار LSD، والماريجونا، العقارين المثاليين في هذا الغرض؛ وذلك لارتباطهما – أي العقارين – بأسلوب حياة التفكير.
(Dorthye. D. Daniel Ai Dtuges: AF Actual Acount Fourth Edition, 1989, New Delhi. pp: 55-65)

وهناك أنواع متعددة من العقاقير المنشطة – غير عقار الـ (LSD)، مثل: عقار الميسكالين Mcscaline"، و"الزايلوسايبين Psilpcybin" و"السيرنيل Syrnyl"، و"بذور نبات مجد الصباح Morning Glory"، ومواد مهلوسة أخرى. ولكن يظل عقار الـ L.S.D هو أشهر العقاقير في هذه الفئة من المواد المهلوسة.
(عادل دمرداش، 1982، 13-15)

* الخمر: فقد استخدمها الإنسان منذ آلاف السنين كدواء ومسكن للآلام وعملية تخمير المواد السكرية كانت معروفة منذ زمن غابر؛ حيث كان العنب والشعير يستعملان في ذلك، ومن ثم أدخلت عملية التقطير والتي ينتج عنها الكحول، وأعتبر هذا المركب الحل الأمثل لكثير من المشاكل الجسمية والصحية للإنسان، حتى إن كلمة "ويسكي" مشتقة من الاسكتلندية وتعني: "ماء الحياة"، ومنذ تلك الفترة والإنسان يسئ استعمال الكحول سواء في النواحي الصحية أو الاجتماعية.
(عبد الرحمن مصيقر: 1981، 5)
وكانت الخمر تستخدم أيضًا في ممارسة الطقوس الوثنية القديمة، كما جاء ذكرها في عدة حضارات مثل: الحضارة البابلية، حيث ذكرت في ملحمة "جلجامش" سنة 1750 ق.م، كما وردت في الحضارة المصرية القديمة، وفي الحضارة الإغريقية والتي جعلت للخمر إلهًا أسموه "ديونيسوس" ثم أطلق عليه الرومان اسم "باكوس" وكانت الخمر منتشرة في شبه الجزيرة العربية أيام الجاهلية إلى أن جاء الإسلام وحرمها.
(عادل دمرداش، 1982، 8)
والكحول من أكثر أنواع المخدرات انتشاراً، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يعتقد كثير من الأمريكيين، خاصة من الطبقات الاجتماعية العليا، بأن تعاطي الكحول أمرً طبيعي إن لم يكن أساسياً كجزء من الحياة الاجتماعية بل وقد يتم وضعه على مائدة الطعام كبديل للماء.
(روبرت ل. ديبونت ، 1982م، 137)
ولذلك يسود اعتقاد بأن الاتجاه نحو تعاطي الكحول مثله مثل الاتجاه نحو لعب التنس، إذ أن مزيداً من الممارسة العملية يقود الفرد إلى عدم السقوط. (The Drinking Game, 1975, p.6)
وحاول البعضن الدعوة لتحديد كمية المشروب اليومية التي يمكن استهلاكها – دون خطر الإدمان، إلا أن المهم ليست الكمية التي يتعاطها الفرد، بل الإجابة عن أسئلة ملحة مث: متى يكون الشراب مهما؟ وكيف يكون؟ ولماذا يشرب الشخص الكحول؟
(نبيل الطويل، 1985، 30)
ولذلك فإن تعاطي الكحول – حتى ولو كان في البداية بكميات صغيرة ومحددة – إلا أنه يجر الفرد في سلسلة طويلة، يجعل من الصعب بعد ذلك على المدمن أن يسيطر على شهيته للكحول.
(دورثي دوسيك ودانييل جيرادنو، 1988م، 82)
لأنه من المعروف – أيضاً – أن أي كمية من المشروبات الكحولية مهما صغرت، تؤثر – في العادة – على الجهاز العصبي المركزي، وإذا زادت الكمية، وصل الفرد إلى حالة السكر، والسكر درجات.
(محمد جلال، 1986، 454)
كما أن المشروبات الكحولية تنقسم إلى:
- مشروبات غي رمقطرة، مثل: البيرة، والنيذ.
- ومشروبات مقطرة (المشروبات الروحية)، مثل: الويسكي، الجبن، والفودكا، والعرق.
(عادل دمرداش، 1982، 8)
كما تتدخل عوامل متعددة بيولوجية ونفسية واجتماعية في إدمان الكحول.
(Benjamin and Others, 1980, p: 458-480)
ورغم أن الخمر منتشرة ومتاحة إلا أن الموقف منها يختلف من إنسان لآخر، فقد يقبل عليها البعض باعتدال، أو يعرض عنها البعض الآخر، أو يدمنها البعض الثالث؛ وذلك لإشباعها لاحتياجات معينة موجودة لدى هذا الشخص. (عادل صادق، 1986، 83-84)
أما "المذيبات المتطايرة Volatile Substances"، فهي مجموعة أدرجتها هيئة الصحة العالمية مع المواد التي تسبب الإدمان عام 1973؛ ذلك لاحتوائها على الفحوم المائية المتغايرة، ومن أهمها: التولوين، تريكلور إيثيلين، البنزين.
وهذه المواد المتطايرة موجودة في البنزين ومخفف الطلاء، ومزيل طلاء الأظافر، والصمغ، ومزيلات البقع، وسوائل التنظيف، ومواد أخرى كثيرة.
(عادل دمرداش، 1982، 244)
ولعل ما لفت الأنظار إلى إدمان هذه المواد، هو انتشارها بين قطاعات واسعة من الشباب، وتحديداً طلاب المدارس – خاصة المراهقين منهم. (Joyceh. 1992, p. 303)
وقد قام أحد الباحثين بدراسة هذه الظاهرة في مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن لقت نظرة انتشار هذه "العادة الإدمانية" بين المراهقين، كما أن محكمة استئناف إمارة أبو ظبي قد قررت أن تعاطي هذه المادة يدخل في نطاق الجرائم المخلة بالآداب العامة. (ناصر ثابت، 1984، 17) كما قام كاتب هذه السطور بدراسة عبر حضارية لإدمان هذه المواد بين الأطفال والمراهقين في كل من المملكة العربية السعودية ومصر وتوصل إلى العديد من النتائج التي تجعلنا ندق ناقوس الخطر.
كذلك أشار تقرير منظمة الصحة العالمية – والذي خصص لمناقشة ظاهرة استنشاف المذيبات – إلى القول: أن هذه الظاهرة متفشية في شتي أنحاء العالم، وأن خطورة ذلك تعود إلى وفرة هذه المواد، وقدرة المستخدم على إخفائها واستعمالها بكثرة؛ نتيجة لقلة أسعارها، كما أنها تقود إلى بوابة عالم المخدرات، إضافة إلى ما تحدثه في الفرد من مضار مهلكة.
(جريدة الشرق الأوسط، 24/1/1992، ص9)
وفي دراسة أيضا أجريت على طلاب مدارس المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، وجد أن نسبة انتشار إساءة استخدام المذيبات بلغت 5.3%، وأن هذه العادة بدأت بين سن 12-14 سنة بنسبة 52%، وأن إساءة استخدام الثيرول وصلت إلى 27%، والمواد اللاصقة 23%.
(Khalid Al-Umyan, and Others, 1993, p. 520-524)
ولعل ما سبق يؤكد ما أكده تقرير منظمة الصحة العالمية، من أن إدمان المواد الطيارة – ونضيف: وتدخين السجائر – يعدان من الأبواب الرئيسية التي تقود إلى الإدمان.
وبعد هذا العرضن نصل إلى لب القضية، وهو:
هل توافر المواد المخدرة هو المدخل الأساسي لنشوء ظاهرة الإدمان؟
وهل التقدم العلمي كان وراء كارثة الإدمان، خاصة بعد أن بدأ العلم في إجراء تجارب على المخدرات الطبيعية وتحويلها إلى مخدرات تفوق في قوتها وتأثيرها ما للمخدرات الطبيعية من أثار؟
* * *
لعل الإجابة نعم لأن توافر مثل هذه المواد في السياق الاجتماعي/ الثقافي الذي يعيش فيه الفرد فقوده إلى:
‌أ- حب الاستطلاع.
‌ب- تجريب هذه المواد.
‌ج- لا مانع من التعددد في تجريب جميع المواد المخدرة.
‌د- أن هذا التجريب يقود إلى:
1- تفضيل مادة مخدرة من مواد مخدرة أخرى.
2- التعلق بهذه المادة والبحث عنها والحرص على شراءها بغض النظر عن مصدر المال الذي سوف يحصل عليه.
‌ه- أن الشخص وهو يفعل ذلك يظل يقنع نفسه – وأقرب الناس إليه – أن كل الأمور (تحت السيطرة) وأنه يستطيع أن يتعاطي أو يتوقف وقتما يشاء ويريد في حين أن الواقع العملي/ النفسي الاجتماعي تكذب وتدحض كل هذه الأوهام.
ولذلك تسعي الدول بكافة أجهزتها المعينة – بل وتخصيص إدارة مكافحة المخدرات – في هذا الصدد، بل وإحباط أي تجارة في مجال المخدرات. ذلك لأن توافر المواد المخدرة هو أول وأهم شروط الإدمان.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.