أكوان للنشر والترجمة والتوزيع

Share to Social Media


انتظرت عودته إلى المنزل ... قامت بإعداد كل شيءٍ على أكمل وجهٍ ... موعدٌ غراميٌّ رائعٌ على أضواء الشموع ... الورود متناثرةٌ في كل مكانٍ ... على الأرضيات وعلى الفراش ... ضوءٌ خافتٌ يبعث على الراحة ... رائحة عطرٍ قويةٍ تملأ الأجواء ... كل شيءٍ جاهزٌ ... كل شيءٍ تم إعداده بإتقانٍ تامٍ ... كل شيءٍ رائعٌ ... هذا أقل ما يُقال عليه ... ارتدت فستانها الأسود الأنيق الذي ابتاعته خصيصًا من أجل هذه الليلة ... وقع اختيارها على هذا الفستان تحديدًا لأنه يبرز مفاتنها ويجعلها ممشوقة القوام ... انتهت من تكحيل عينيها ووضعت أحمر الشفاة القرمزي المفضل لديها ... تعطرت بعطرها الفرنسي الفاخر الذي أهداه إليها في عيد زواجهما الأول ...
- كم أنتِ فاتنةٌ أيتها الجميلة.
هكذا تمتمت في سرها بعد أن ألقت نظرةً أخيرةً إلى نفسها في المرآة ...
كانت قد أعدت كل هذا من أجل أن تُشعل شرارة الانتقام والمقاومة ... وأن تترك له ذكرى ستظل جاثمةً على قلبه كلما تذكرها ... وكانت هذه ليلتها للفوز في هذه المعركة الدامية ... هي تُفضِّل إتباع طرقٍ مغايرةٍ للانتقام ... سهرةٌ رائعةٌ للانتقام على الطريقة الحديثة ... كم هذا مؤسفٌ!!!! ... كانت تريد أن يراها متألقةً في حلتها الجديدة كنجمٍ بعيدٍ يتلألأ في السماء ضوئه يطغى على باقي النجوم ... تخطف الأنظار ... رائعةٌ بما تحمله الكلمة من معنى ... أن يراها أجمل نساء الكون وأخر سيدةٍ على هذا الكوكب ... أن تجعله يلهث وتنقطع أنفاسه بمجرد أن يراها في هذا الثوب الذي يقطع الأنفاس ... كشخصٍ قد جف حلقه من شدة العطش وأمامه بحيرةٍ من الماء العذب ولا يستطيع أن يمد يده ويغترف منها ليروي ظمأه ... لذلك قررت أن تغدقه بالحب ... الكثير من الحب ... وأن تقضي معه أمسيةً رائعةً ليست كأي أمسيةٍ أخرى ... أمسيةً كتلك التي تُحفَر في ثغور الذاكرة يظل نبضها حيًا ، لا يمكن نسيانها بمرور الوقت ... وفي نهاية السهرة تباغته بطلب الانفصال ... أو أن يستيقظ في الصباح ولا يجد لها أي أثرٍ ... فقط تختفي دون سابق إنذارٍ ...
عاد إلى المنزل منبهرًا بما رآه ... ليست هذه عادتها في تدليله ... تُرى ماذا حدث ؟!... أهي بخيرٍ أم أصابها مكروهٌ؟! ... هكذا وسوست له نفسه واختلجه شعورٌ بالغرابة وأن شيئًا ما ليس على ما يُرام ... حاول جاهدًا أن يهدأ روعه ويُحدِّث نفسه أنها ربما تأثرت ببعض الدراما التركية التي اعتادت أن تشاهدها في الآونة الأخيرة ...
- لا شيء يدعو للقلق.
دمدم في سره بهذه الكلمات محاولًا نفض هذه المخاوف عن ذهنه ... لكن سرعان ما انتابه شعورٌ بالغٌ بالقلق.
تقترب منه بخطواتٍ ثابتةٍ وعلى وجهها تعلو ابتسامةٌ مثيرةٌ تُشبه ابتسامة المنتصر في الحرب ... تعانقه عناقًا حارًا ... تمرر أصابعها بين أصابعه ... تشد على يديه ... تهمس في أذنيه:
- افتقدتك كثيرًا ... أعلم أنك تفتقدني كذلك ... لا تندهش إلى هذه الدرجة ... مازال هناك المزيد من المفاجآت في انتظارك.
تلامس أنفاسها الدافئة المتقطعة عنقه الحار لتُشعل في صدره شرارة الرغبة ... تنظر داخل عينيه بعينين مليئتين بالرغبة والإثارة ... تُقبِّل ثغره بحرارةٍ بالغةٍ ... يستسلم هو لها متناسيًا مخاوفه عن افتضاح أمره ... يضع يده على خصرها ... يضمها إليه بشدةٍ ... يُقبِّلها بحرارةٍ أكثر ... وحينما تشعر بأن رغبته بها قد تمكَّنت منه وأن عروقه تنتفض ودماءه تفور ... تبتعد عنه ... تبدأ في مراوغته ... تقترب منه مرةً أخرى وتهمس مجددًا في أذنيه:
- ليس بهذه السرعة ... مازال الوقت مبكرًا جدًا.
هنا تضع يدها على عينيه وتصطحبه إلى مائدة الطعام التي أعدت بها كل ما يشتهيه ... ترفع يدها عن عينيه ... يفتحهما ببطءٍ شديدٍ كما أخبرته أن يفعل ... شهق من هول المفاجأة عندما وجد أنها قد أعدت له ما لذ وطاب من الطعام الذي يحبه ويفضله ... أمسك يدها وطبع عليها قبلةً حانيةً تلائم هذه الأجواء الرومانسية ... طلبت منه أن يراقصها على أنغام سيمفونية بيتهوفن "ضوء القمر" المفضلة لديه ... عندما انتهيا من الرقص على أضواء الشموع شرعا في تناول طعام العشاء ... وهنا بدأت الشكوك تساوره مرةً أخرى:
- ما سر هذا التغير؟! ... تُرى لماذا تتعامل معي بلطافةٍ بالغةٍ اليوم؟! ... أتعلم شيئًا وتخفيه؟! ... هل انفضح أمري وانكشف ستري؟! ... أهذا ما يُطلَق عليه الهدوء الذي يسبق العاصفة؟! ... لا، لا ... هذه مجرد هلاوسٍ ... ربما أنا مَن يتوهم ذلك ... لا داعي لتضخيم الموضوع ... كل ما في الأمر أنها افتقدتني وقررت أن تفاجئني بهذه الطريقة ... ياللهول ...!!!!... أنا رجلٌ واقعٌ في حب امرأتين ... إحداهما زوجتي والأخرى لا تعلم بأمر زواجي ... لم أمتلك الجرأة الكافية كي أصارح كلًا منهما بهذا الأمر ... لكن ما أعرفه حق المعرفة أن عواقب هذا الأمر ستصبح وخيمةً إذا ما علمت إحداهما أنه تم خداعها ... وأنني أخفيت عن إحداهما أمر زواجي والأخرى أخفيت عنها أنني واقعٌ في غرام امرأةٍ غيرها ... أنا رجلٌ في مأزقٍ حقيقيٍّ ولا أجد المخرج ... ليت كل هذا لم يحدث مطلقًا ... ولكن هيهات ... ما حدث قد حدث ...
لم يمُر سوى خمس سنواتٍ على زواجهما إلى أن بهتت مشاعره تجاهها وأصبحت هباءً منثورًا ... إلى أن وقع في غرام امرأةٍ غيرها ... أحبها حبًا جمًا ... حبًا كهذا الذي لا يأتيك في العمر سوى مرةً واحدةً ... وهذا جزاء هؤلاء الذين لا يُؤثرون الصبر والانتظار ... تقوم الحياة بمعاقبتهم لتجعلهم يقعون في غرامٍ باهتٍ بلا نكهةٍ ... بلا طعمٍ ... بلا لونٍ ... ثم لا يلبثون أن يصيبهم عشقٌ آخر ... وأن يجدوا رفيق الدرب والقلب الحقيقي متأخرًا بعد فوات الآوان ... لم يكُن لديه سلطانٌ على قلبه ... ولم يكُن يستطيع أن يستغنى عن إحداهما دون الأخرى ... هو يريد الاثنتين ولا يعلم أن الثمن الذي سيدفعه في المقابل سيكون باهظًا جدًا ... وأن مَن يريد كل شيءٍ لن يستطيع الحصول على أي شيءٍ ... وأن الخسارة ستكون فادحةً إلى أبعد مدى ... هذا بالفعل ما سيحدث معه ... ستتركه زوجته ويصبح محطمًا ... سيُلقي باللوم على عشيقته بينه وبين نفسه ... سيكرهها ... سيلعنها ليلًا ونهارًا ... لن يستطيع أن يغفر لها أو أن يغفر لنفسه ... سيحول حياتهما إلى جحيمٍ متقدٍ ... ولن تستطيع معه صبرًا هي الأخرى ... ستتركه ليحيا وحيدًا بين جنبات هذا الجحيم الذي أشعله بيديه ... لكنه في هذه اللحظة لا يعلم أنه عندما يعصف بقلب الرجل حب امرأةٍ أخري ... فإن النهاية المحتومة لخسارة كل شيءٍ ستكون قريبةً جدًا ... فدائمًا ما تُعمي السعادة المؤقتة والنشوة بصيرتنا ... ولا ندرك مدى الألم والخسارة إلا بعد فوات الآوان ...
تترغرغ الدموع في عينيه ... تقاطع شروده مستفهمةً ... يجاوبها قائلًا:
- هذا فقط من هول المفاجأة ... لقد أعجبتني حقًا ... لكنني أخشى أن تنتهي كل هذه السعادة وتزول في يومٍ من الأيام.



تجيبه قائلةً:
- لا تخشى من الغد ونحن نحيا في اليوم ... أنا هنا معك الآن ... هذه هي الحقيقة المجردة ... عليك أن تقتنص فرصتك اليوم ... لأن الغد غير معلومٍ.
هنا تقترب منه وتهمس في أذنيه بصوتٍ دافيٍء:
- أرجوك، لا تعكر صفو هذه الليلة ... هذه الليلة أنت ليّ وحدي ... ضع أية أفكارٍ جانبًا.
يقوم من مقعده ... يحتضنها بشدةٍ ... يعتصرها داخل حضنه كأنه الحضن الأخير ... حضن الوداع ... يُقبِّل ثغرها بنشوةٍ غير مسبقةٍ ... يحملها بين ذراعيه ... يصعد بها الدرج إلى غرفة النوم ...
كانت تتحامل على نفسها حتى لا يشعر بشيءٍ ... لأول مرةٍ تشعر بثقل أنفاسه وهي تقترب من أنفاسها ... لأول مرةٍ تشعر بنيرانٍ حارقةٍ حين تلامس شفتاه عنقها ... لأول مرةٍ تشعر بوخزٍ في قلبها مع كل لمسةٍ له تقع على جسدها ... كانت تتحامل وتتحامل حتى لا يشعر بنفورها منه ... سلَّمت له جسدها بعينين خاويتين شاردتين تُخفي وراءهما انكسارها وضعف إرادتها ... كانت أطرافها باردةً مرتعشةً ... تركت له جسدها ليغوص فيه ... جسدًا بلا روحٍ ... بلا إحساسٍ ... كان عليها أن تفعل ذلك ... كان عليها أن تفقد إحساسها به داخل أحضانه حتى لا يدمرها الحنين إليه ... كانت هذه الليلة هي الفاصل في كل شيءٍ بالنسبة إليها ... بينما كانت عروقه تنتفض نشوةً ، كانت عروقها تنتفض نفورًا ... كان جسده يثور من فرط السعادة في حين أن جسدها كان يثور من فرط الاشمئزاز ... كان منتشيًا لدرجة أنه لم يشعر أن جسدها لم يعُد يريده ويرغب فيه كسابق عهده ... وأنه لن يكون لديه الحق في هذا الجسد بعد الآن ... وأن هذه المرة ستكون المرة الأخيرة التي يمتلك فيها هذا الجسد ... كان في حالةٍ مفرطةٍ من النشوة والسعادة جعلته يغيب عن الواقع ... جعلته يسبح في عالمٍ آخر حتى أنه ظل هائمًا بهذه اللحظات لساعاتٍ طوالٍ ... يبدو أنها نجحت فيما أرادت أن تفعله ... جعلته يذوب بين أصابع يديها في تلك الليلة ... كأنها صيادًا محترفًا يعلم متى يُلقي بشباكه على فريسته حتى إذا ما وقعت الفريسة في الفخ أصبحت ملكًا له يتصرف بها كيفما يشاء ... وكان هو فريستها في هذه الليلة ووقع في شباكها بكامل إرادته ...
حين نصل إلى أقصى درجات اليأس ، تُقاوم أرواحنا بشدةٍ وترفض الاستسلام ... نبالغ في ردة فعلنا في معظم الأوقات ، ونفعل كل ما يُنافي المنطق والصواب ... كأننا مغيبون عن الوعي ... أو كأننا في غفلةٍ من الزمان لا نعي ماذا يحدث بالخارج ... تأخذنا جلالة الكِبَر ونأبى التراجع إلى الوراء ... نُقاوم الألم ونكابر لنجعل مظهرنا الخارجي ثابتًا حتى لا يفتضح أمرنا ويدرك أحدٌ مدى الألم الذي تعرضنا له ويعي عدم الاتزان الذي يبدو جليًا في تصرفاتنا غير المنطقية على الإطلاق ... هذا ما كان يحدث لها ... كانت تعيش حالةً تامةً من الإنكار ... كانت تُنكر حقيقةً واحدةً فقط ... وهي أنها ليست على ما يُرام ... إنكار أنها امرأةٌ مخدوعةٌ مهزومةٌ تمت خيانتها ... الخيانة هي أن تطعن كرامة المرأة وكبرياءها بسكينٍ حادٍ ... أن يظل جرح كرامتها ينزف داخل قلبها ولن يلتئم أبدًا ... تنزف وتنزف ثم تصبح أكثر قوةً وعنادًا ... لا شيءٌ يضاهي طعن امرأةٍ في كرامتها وسلبها كبريائها وزعزعة ثقتها بنفسها ... هذا ما كانت هي عليه ... كان مظهرها الثابت ومحاولة إثباتها أنها لا تكترث لما حدث ستارًا يخفي وراءه ضعفها وهشاشتها ... لكنها كانت تعلم متى تكون قويةً وكيف يمكنها أن تأخذ حقها باحترافيةٍ ... هي تعلم في قرارة نفسها أن مثلها لا تجود به الحياة مرتين ...
1 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.