في فرنسا تحديدًا بباريس، حيث موقع مُحتشد بالناس ويكثره الساكنون، في منزل "جاك".
جلس ثلاثتهم أمام التلفاز، ومعهم الفتاتان "سيلينا" و"جينيڤر" يشاهدونه بملل وفقد الرغبة، أمسك "جاك" كأس النبيذ ليرتشف منه عدة رشفات ويفكر بـ كيف سيشغل وقتهم ويمتّعهم قليلًا، فلقد دعا أصدقائه حتى يقضوا يومين مع بعضهم البعض قبل أن يعودا والداه من الخارج، أنزل الكأس حتى لاحت على ذهنه فكرة "اللعبة التي تركها له أباه قبل أن يسافر محذرًا إياه بألا يلعبها مع أصدقائه أو بمفرده حتى لا يحل عليهم كل ما هو مكروه"، انطلق سريعًا للغرفة العليا دون أن يفكر.
ظل يبحث عنها حتى اهتدى إليها أخيرًا في أحد الرفوف المليئة بالأتربة، نفض عنها الغبار وأخذها ثم ذهب راكضًا إلى أصدقائه فقد وجدوا ما يكسر عنهم الملل ويزيح عنهم الفتور الذي أصابهم منذ أن التقوا، بدأ الحماس بالتسلل إليهم رويدًا رويدًا وهو يهم بقراءة بعض الوريقات الصغيرة المهترئة الخاصة باللعبة، وعلى قدر حماسهم كانوا خائفين نوعًا ما مما سمعوه عن تلك "اللعبة" ولكن روح المغامرة لديهم قد اشتعلت ودفعتهم للعب مبررين أنها مرة ولن تتكرر وقد يحدث مالا يُحمد عقباه.
هتف "جاك" قائلًا:
- انتظروا قليلًا أقرأ معلومات اللعبة ثم نباشر.
صاح "بيتر" متحدثًا بعصبية:
- لا، لم أعد أتحمل الانتظار، فلنبدأ الآن.
وافق الجميع على حديث "بيتر"، فتزحزح "جاك" للخلف قليلًا حتى يستطع خمستهم باللعب، بدأ "بيتر" برمي النرد فظهرت كلمات أشبه بالطلاسم المنحوتة على صخر أو عمل أسود مُوضع في فم ميت.
فُزع الجميع أثر ما رأوه ولكن بررت "سيلينا" ذلك بأن اللعبة قديمة للغاية وقد تكون تعرضت لعطل بعض الشيء أو حاولت إقناع نفسها بذلك، لكن الجميع صدّق حديثها إلا "دانيال" كان متوترًا ويعلم بداخله أن تلك اللعبة ربما تكون متوحشة.. غير عادية مثل باقي الألعاب، لكن توتره زال تدريجيًا عندما اندمجوا جميعهم في أجواء اللعبة حتى انقطعت الكهرباء فجأة وكل شيء توقف، حتى أصوات جيرانهم، لم يعد لهم مكان، الضوضاء لم تعد! ذلك غريب عن العادة في مثل تلك المناطق الـمكدسة بالسكان.
أستعاد "جاك" رابطة جأشه وهتف بحشرجة:
- سأذهب لأرى الكهرباء إن قُطعت عندنا فقط أم بالحي الذي نقطن فيه، وسألقي نظرة على الجيران أيضًا.
هز الجميع رأسه بإيجاب ولكن قالت "سيلينا" بخوف حاولت إخفاءه:
- أخشى أن تكون اللعبة من فعلت ذلك.
نظر إليهم "بيتر" بنفاذ صبر قائلًا بعدم تصديق الخرافات التي يطلقونها تجاه اللعبة اللعينة:
- اهدأوا قليلًا، إنها مجرد لعبة منقوشة بثلاثة أحرف، لن تقطع الكهرباء يا رفاق، لا تكونوا جبناء!
علل "دانيال" خوف الجميع هاتفًا:
- ولمَ لا، فقد أخبرني "جاك" أن والداه قد حذراه من اللعبة، وأنها ليست طبيعية كباقي اللعب، يا ليتنا لم نسمع كلامك "بيتر"! يا ليتنا قرأنا معلومات اللعبة!
تركهم "جاك" بعد أن انتابه القليل من الخوف والذعر ثم توجه لعمود الكهرباء وفي يده الأخرى كشاف هاتفه.
هنا كانت الصدمة بحق مفاتيح الكهرباء كما هي، لم يلعب بها أحد، علاوة على ذلك وجود الكهرباء في الحي القانط به، أي الكهرباء منطفئة.. مقطوعة فقط في منزله، ركض سريعًا مُخبرًا رفاقه بما وجده ليعتلي الذعر وجوه الجميع وبالأخص "دانيال" الذي اقتنع الجميع بحديثه وصدقوه ولكن متأخرًا.
- ألم أقل لكم أن تلك اللعبة غير طبيعية، وتلك الأحرف المنقوشة غير مفهومة وستُسبب لنا المشاكل والمتاعب.
خرجت تلك الكلمات من فاه "دانيال" المرتعب والذي بدأ جسده يصب عرقًا غزيرًا ويبدو أن نسبة السكر قد انخفضت في الدم.
تحدثت "جينيڤير" وهي تحاول طمأنتهم بملامح خائفة ونبرة مهتزة، حاولت إخراجها ثابتة ولكن لم تستطع:
- لا أعتقد أن هذه اللعبة الخرقاء البالية قد تفعل ذلك يبدو أن للأمر سببًا آخر.
هنا انفجر "جاك" وفقد أعصابه قائلًا بغضب عارم: لم تفهمين صحيح، هل أنتِ غير مدركة بما أخبرتكم به مفاتيح الكهرباء من المفترض أن تعمل الآن ولكن يحدث عكس ذلك.
وهنا ظهر طيف شخصًا ما لا يملك جسد وكأنه أشبه بشيطان ممتلك، صوت أثلجهم عن الحديث، فحيح أفعى.. حية ممتزجة بـ صُراخ أبرياء عانوا من تلك اللعنة، صمت الجميع خوفًا من أن تقترب تلك الحية إليهم، الذعر ألجم ألسنتهم جعلهم غير قادرين على النطق ثم قالت تلك الأفعى بنبرة خبث:
- أردتم أن تلعبوا، فحان وقت اللعب الجماعي!
هتفت تلك الكلمات مع ضحكة شيطانية صدرت منها وفي خلال ثوانِ اختفت وأُضيئت الأضواء في لحظة، نظر جميعهم لـ بعضهم البعض، ونظرة الربكة مُعتلية وجوههم والقلق متمكن من أفئدتهم، خرج الجميع من منزل "جاك" في دقيقة واحدة، ما عدا صاحب المنزل مكث بمفرده، وما زالت الصدمة معتلية وجهه، وقبل أن يغادر الجميع بلحظة ويتركونه وشأنه هتف "دانيال":
- لا أريد أن أراكم في حياتي مرة أخرى، ولا تتصلوا بي ثانية.
ثم أضاف جملة أخرى بعصبية:
- لعنكم الله! ستؤذونني حتمًا.
ومن ثم غادر الجميع في لمح البصر، بقي "جاك" على حاله، غير مصدق... غير مدرك لما حدث.
أدرك حينها أن الأمور ستزداد صعوبة ولن تمر مرور الكرام، أمسك اللعبة بانفعال بدى بوضوح على معالم وجهه وراح يحطمها بكل ما أوتي من قوة وجبروت حتى نجح وظن أنه تخلّص منها، وبعد عدة ثوانِ سمع أصوات قادمة من البهو، ذهب هناك ليجد "اللعبة" مستقرة في محلها وكأن شيئًا لم يكن، تناثرت أحلامه بالخلاص منها وذهبت بين أدراج الرياح وزاده ذلك يقينًا أنهم وقعوا في مأزق كبير أشبه ببئر عميق لا يكون النجاة منه ممكنًا، لا نهاية لتلك اللعنة التي حلت على أدمغتهم جميعًا! لا مـفـر!
*****
تركض بسرعة كبيرة وهي تحاول الهرب من شبح عملاق كاد أن يفتك بها للتو لولا أنها استطاعت الهرب منه، وفي أثناء ركضها تدحرجت قدماها وسقطت في بئر عمقه يتعدى المئة وخمسون مترًا حتى استيقظت فزعة من نومها وهي تردد بعض الكلمات الغير مفهومة كالطلاسم!
تلهث بقوة واضعة يدها على نبضات قلبها، تضرب بشدة صدقًا!
أمسكت هاتفها ويداها ترتعش، بحثت عن رقم صديقتها "سيلينا"، بمجرد ما قامت بالضغط على الاتصال أُغلق هاتفها والمروحة المعلقة بالسقف تعطلت عن العمل، الكهرباء انقطعت مرة ثانية ولكن في منزل "جينيفر"!
وعلى حين غرة، ظهرت الأفعى مرة أخرى وتلك المرة تلوح على شفتيها ابتسامة خبث ممتزجة ببعض المكر قائلة لها:
- العيش لمن يستحقوا، إن أردتِ العيش فليس أمامك غير ذاك.
ثم نظرت للمسدس التي أتى من العدم مع الأفعى، فهمت إلما ترمي إليه، اختفت الحية مرة أخرى وهي تكاد تجزم أن ما تراه ليس حلمًا أو هلاوس تشعر كأنه حقيقة!
في تلك الأثناء دخلت والدتها الغرفة، قطعت حبل أفكار ابنتها قائلة لها:
- مُنذ متى أتيتِ يا "جينيفر" اعتقدنا إنكِ ستبيتين اليوم مع أصدقاءك.
تنفست الفتاة بعمق ثم هزت رأسها بلا ووضعت يدها على وجهها لمدة ثوانِ ومن ثم أنزلتها من على وجهها، وكادت تخبر والدتها بما رأته الليلة وما قسته طوال اليوم، لتتفاجأ أن والدتها اختفت من الغرفة، إنها هلاوس! والحجرة ما زالت على وضعها كما وكأن الحية والأم لم يدخلاها قط!
*****
كانت تجلس داخل غرفتها بوضعية القرفصاء تسند ركبتيها أسفل ذقنها برعب حقيقي سيطر عليها، كلما حاولت إخراج نفسها من قوقعتها تعود لنفس النقطة المؤلمة حتى قطع تفكيرها وزاد ذعرها ولوج شقيقتها "سيدني" فجأة إلى غرفتها تقول بصوت خفيض يصل إلى مسامع تلك المرتعبة أمامها.
- لمَ أركِ مرتعبة هكذا ألم تعجبكِ اللعبة؟
شهقت بقوة ووضعت يديها على فمها تكتم شهقاتها وهي تتساءل كيف علمت شقيقتها بأمر "اللعبة" فهي لم تروي لها أي تفاصيل بعد.
- لا تستعجبين فقد كنت برفقتكم منذ أن أحضرتم اللعبة وحتى فراركم هاربين.
جحظت عينيها بشدة وازداد ارتعابها أكثر وهي ترى تحوّل "سيدني" إلى أفعى عملاقة تبث سمها في وجهها، وبدون سابق إنذار هجمت عليها بوحشية قائلة لها:
- لا مفر! لا مفر، سيلينا.