ShrElRawayat

Share to Social Media

لم أكن أعلم كيف للإنسان أن يغادر أشياء اصبحت جزء من روحه؛ حتى اضطررت لفعل هذا.
كنت أسير والتشتت يصيب عقلي من وقت لآخر، لا أعلم كيف تشجعت على فعلها، سوف أترك المدينة التي تربيت بها، سوف أترك عائلتي حتى أنني لم يكن لدي الشجاعة الكافية لجعلهم يستيقظوا؛ فأنا لا أحب لحظات الوداع.
وصلت بسيارة أجرة إلى الميناء، أتأمل المدينة وكأنها المرة الأخيرة؛ فأنا على وشك مغادرتها والذهاب للبحث عن عالم جديد، سوف أتبع وصية جدي بأن أترك قلبي حر وأجد عالم يألف روحي.
لقد كانوا ينعتوه بالكاتب المجنون لكنه أكثر حكمة منهم جميعًا، أنه شخصي المفضل.
يكفي أنه كان يجعلني أبصر كل ما هو جميل في نفسي.
وصلت أخيرًا السيارة، نظرت بالساعة وجدتها الثامنة والنصف صباحًا، من الجيد المجيء قبل موعد الرحيل، نظرت حولي ولم أجد ذلك الشخص الذي توقعت مجيئه.
لقد كنت أنتظره رغم أني لم أخبره أن يأتي، لكن تمنيت مجيئه ومن غيره يمكنني أن أملأ روحي برؤيته؟ إنه صديقي المفضل، اخبرته عن تخطيطي، عن موعد رحيلِ، اخبرته بالمكان أيضًا وكل شيء أصبح سهل، لكنه لم يأتي!
كنت على وشك المغادرة حتى سمعت صوته يناديني:
-نجمة.. انتظري لا يمكنكي الذهاب بتلك الطريقة.
التفتت وأنا أنظر له، إبتسامة ظهرت على شفتيّ، كان يأخذ أنفاسه بسرعة كبيرة، يبدو أنه حاول الوصول بسرعة وها هو قد وصل في الوقت المناسب، اقترب مني ونبضات قلبي تعلو أكثر وأكثر، تحدث قائلًا:
-لم أكن أصدق هذا، لم أصدق أنكِ ستغادرين بالفعل، ما هذا الجنون؟ هل تنوين ترك والديكِ؟! ومن لهم غيركِ في هذه الحياة؟ وماذا عن أصدقائكِ؟!
رفعت له إحدى حاجبي، هو يعلم أن ليس لي غيره بعد والديّ، هو صديق طفولتي، لطالما كان شاب عاقل ومتفهم رغم أنه مجنون، على كل حال هو شخص متناقض جدًا، تابع حديثه:
-أجل تذكرت، لم يكن لديكِ غيري ولكن هذه ليست حجة سوف تتركيني الأن وأنتِ تعلمين أن ليس لدي غيركِ!
ضحكت وأنا أنظر إليه، لا أعلم ما الذي أقوله؟ وكيف أرد على حديثه السريع هذا؟! كانت عينيه مرتبكة، كان ينظر لي وتمنيت أن ما أراه حقيقي، تمنيت لو كانت عينيه تلمع لي تمنيت هذا كثيرًا! لا أعلم لماذا رغم أن هذا لن يغير قراري؟!
فبعض القرارات تستحق أن نخنق قلبنا من أجلها؛ حتى نتمكن من العيش مثلما نريد ليس كما يريد عالمنا.
تحدث وهو يضرب الأرض بقدمه اليمنى، لا أعلم ماذا أصابه ولكن يبدو أن الإنفعال نال منه، اقترب ليقف أمامي مباشرة قائلًا:
-سوف تذهبين! ماذا عني لم تجيبي؟!
ضحكت مجددًا، لطالما أزعجت تلك العادة الكثيرين، معهم كل الحق في هذا؛ فكيف تكون غاضب ومن ينصت لك يضحك ببلاهة مثلِ؟! تحدثت إليه في عفوية:
-قل لي ماذا بك يا يونس سليمان، لماذا تستمر في هذا؟!
نظر لي وقد بدأ الغضب يتمكن منه، تشنج عنقه لطالما كنت ألاحظه وأنتبه لتعابير وجهه، تابع هو حديثه قائلًا:
-أستمر في هذا لأني لا أستطيع أن أتخلى عنكِ! ألم تلاحظي هذا يا نجمة؟ ألم تنتبهي لكل شيء أفعله لأجلكِ؟ برأيكِ ما الذي يجعلني أساعدكِ بشكل دائم؟! ما الذي يجعلني مهتم لأمركِ، ما الذي يجعلني أشارككي كل شيء حتى حزنكِ يحزنني؟!
لا ما يحدث خاطئ، ما يحدث يشكل خطر كبير على قلبي، ارتفع نبضي ويمكنني الشعور بهذا بوضوح، تحدث يونس من جديد قائلًا:
-لا ترحلي يا نجمتي.
ناداني أحد العمال على المركب، لقد حان موعد الرحيل، مرت نصف ساعة وكأنها دقائق معدودة، تمنيت أن تطول المدة، لكن هذا هو قدرنا وعلينا أن نفترق هنا، تحدثت وأنا أحاول عدم التلعثم:
-عليّ أن أرحل الأن يا يونس، حان موعد ذهابي، أنتبه لنفسك وأخبر والدتك وأختك أن تسأل عن عائلتي من وقت لآخر.
اقترب وأمسك بزراعي، لقد ألمني لكنِ لم أظهر هذا، تحدث وهو منفعل:
-إلى متى ستبقين هكذا؟ إلى متى ستبقين بتلك الأنانية؟ ترغبين في تغيير العالم وأنتِ لا تتغيري! ما هذا الهراء؟! أنتِ لن تفعلي شيء وسوف تعودي من جديد، لكن كل شيء سيكون قد أنتهى.
نظرت إلى عينيه، شعرت بروح التحدي وكان هذا أكثر شيء يجعلني أصر على قراري:
-دعنا نرى، أنا لن أعود، لن أعود خائبة الأمل، سوف أبحث عن أُناس يشبهوني، سوف أجد هذا العالم المثالي، رحلتي تتضمن جزر نادرة على تلك الخريطة، دعني أخبرك أن العالم لم يكترث لإكتشافها لكنِ سوف أفعل.
ابتسم وهو ينظر لي بسخرية، كان يحرك رأسه بإستنكار، ازعجني هذا كثيرًا، تركته وصعدت على متن السفينة وأنا الوح له، لكنه ثابت تحدث بشيء لم أسمعه، طلبت منه أن يعيد، بالفعل عاد لكن من سوء الحظ قد كان الصوت بعيد وصوت السفينة يغطي على كل شيء حتى ابتعدت عنه.
لا أعلم ماذا حدث لي، خوف ضرب قلبي بشكل مفاجئ، حاولت أن أطمئن كل شيء سوف يكون على مايرام وفي أسوء الأحوال سأموت وعلى كل حال جميعنا سوف نفارق الحياة، لم يكن عليّ أن أخاف بتلك الطريقة.
كنت أتأمل كل شيء حولي لا يوجد أحد غير العاملين على السفينة، تعجبت من هذا وأنا أسألهم:
-ألا يوجد رُكاب مثلِ؟!
ضحك أحد الرجال وهو يخبرني ببساطة:
-لا أظن أن هناك من يهتم لفعلها، نحن إن لم نكُن مجبورين على الذهاب من أجل العلاقات التجارية لم نكن لنفعلها.
تسرب الخوف إلى قلبي في هذا الوقت، لكن حدث ما يجب أن يحدث وتجاهلت مشاعري؛ فلم أكن تلك الفتاة التي تنصت لصوت قلبها إنه أحمق وكل ما يجب أن يفعله هو ضخ الدماء بصمت.
تذكرت حياتي منذ أن تفتح عقلي على الحياة، لم أتذكر شيء جيد رغم أن حياتي لم تكن بهذا السوء إلا أن عقلي وضع أمامي كل شيء يجعلني أفر من عالمي دون عودة.
تذكرت كيف يتم الإعلان عن اختطاف الأطفال وحتى الكثير من السيدات، كيف كثرت جرائم القتل ولا يعلم القاتل لماذا قَتل ولا المقتول فيما قُتل، تمنيت عالم هادئ تسوده المحبة، لم يكن طلبي سيء أو صعب، لكن تحقيقه بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص شبه مستحيل؟!
جلست في أحد الغرف وحيدة، لقد مللت من فعل اللاشيء، قررت أن أدون تفاصيل رحلتي، لدي حماس يجعلني مستعدة لفعل أي شيء.
أخرجت دفتري الأسود المليء بالنجوم، عذرًا فأنا مهووسة بحب ذاتي، يجب أن تكون جميع أشيائي مميزة.
كنت أرسم السفينة لكنِ لم أحسن هذا أبدًا، ليتني قدمت بأحد الورشات المخصصة للرسم لكان تحسن قليلًا، لا بأس كل شيء تحت السيطرة، اخرجت هاتفي وأنا أبتسم، سوف أحافظ عليه لحين إلتقاط الكثير من الصور، يقولون أن تلك الجُزر لم تصل إليها الكهرباء! غريب هذا الأمر!
كنت أسمع صوت المياه، الأمواج تضرب السفينة، لا أعلم متى غفوت فاستيقظت على طرقات متعددة وصوت قوي ينادي:
-يا أنسة هل حدث مكروه لكِ؟ هل فقدتي حياتكِ؟ أفتحي الباب!
كيف سأفتحه لو فقدت حياتي يا ترى؟! وقفت بملل وقمت بفتح الباب وقد كانت نظراتي تكفي لتخبر هذا الرجل أنه أخطأ في إيقاظِ من نومي العميق، تحدث هو وقد بدى عليه الضيق:
-حاولنا جعلكِ تستيقظين بشتى الطرق، عليكِ الهبوط الأن.
هل قال هبوط؟ لا أصدق أننا وصلنا بهذه السرعة، أخذت حقيبتي وسرت معه دون كلمة، يا الله كيف هذا لقد كان وقت الغروب؟ كم ساعة مرت ولم أشعر بها؟!
أشار لي على الأتجاه وأعطاني طوق النجاة قائلًا:
-ارتدي هذا هيا واستمري بالسباحة في هذا الإتجاه.
نظرت له وأنا أنظر لحقيبتي، كنت مستعدة لشيء كهذا على كل حال، اخرجت حافظة من البلاستيك ووضعت بها الحقيبة ومن ثم قمت بإغلاقها بإحكام وأنا أرتديها، من ثم ارتديت طوق النجاة وقفزت.
سمعت ضحكاتهم يبدو أن هؤلاء التافهون يسخرون مني! هل يعجبهم حالهم وهم سيقضون بقية حياتهم مجرد عمال على تلك السفينة؟!
لم أعتاد السخرية من أحد لكني لا أرى حياة مثالية يحق لصاحبها السخرية من الجميع.. مع ذلك هناك دائمًا من يسخرون مني ومن أحلامي في كل مكان!
لقد اجهدني الأمر أكثر مما أظن، لو لم أكن أقوى فتاة في هذا العالم لانفجرت باكية وانتهى الأمر لكن هذا ليس وقتًا للبكاء، أين هي جزيرة البنفسج يا ترى؟! مؤكد هذا الشاطئ الذي يظهر من بعيد خاص بها، اشتعل الأمل في قلبي أكثر وشعرت بقوتي تتجدد، وصلت أخيرًا لأتمدد على الشاطئ.
لحظات وأنا مغمضة الأعين والإبتسامة قد أخذت طريقها على شفتيّ، ما تلك الرائحة الزكية؟ رائحة طبيعية تملأ الأجواء، إنها رائحة البنفسج، زهور البنفسج تملأ المكان ورائحتها تسعد النفوس.
لطالما قرأت عنها كثيرًا يمكن للمرء أن يستنشق عبيرها المميز من على بُعد، اقتربت ووجدت أشخاص يقتربون من بين أشجار البنفسج او كما يقولون "الجاكرندا" يا الله ما هذا؟
لقد كانوا على درجة عالية من الوسامة الغير معهودة، جميعهم لديهم الخصال نفسها، الشعر شديد السواد، العينين من لون البنفسج، الثياب البنفسجية وكأنهم ملوك على تلك الجزيرة، رجال ونساء ملامحهم بريئة وهادئة، تحدث رجل وكان الأطول قامة من بينهم:
-من تكوني؟! لماذا أنتِ هنا؟!
اقتربت فتاة وقد كانت الأقصر قامة قائلة:
-نيروز فالتنتظر يبدو أن الفتاة مرهقة أنظر للسحابتين السوداوين أسفل عينيها يا لها من مسكينة.
يبدو أن السهر غير مألوف لهم، لكن ما جعلني أتعجب حقًا هو اسم نيروز! هل سميّ على الربيع؟ يبدو أنني لن أخرج ابدًا من تلك الجزيرة، هل أبدأ بأسألتي لهم أم انتظر قليلًا؟!
تحدث نيروز ويبدو أنه فضولي كثيرًا:
-تفضلي لتجلسين أمام المدفئة وتسردين ما هي حكايتكِ وما الذي جعلهم يلقوا بكِ في المياه في هذا الجو البارد؟!
كدت أن اتحدث لكن الأمر لم يكن سهل، كنت متعبة كما أن البرد كاد أن يقضي عليّ ومازالت المياه تغرقني، سرت معهم كانوا لطفاء أكثر من اللازم، سمعت نيروز يتحدث إلى الفتاة قائلًا:
-روز أخبريني هل تبدو تلك الفتاة مألوفة؟!
كنت أسير ولا أنظر تجاهها، لكنِ سمعت روز ويبدو أنها هي نفسها الأقصر قامة:
-بدى لي شيء كهذا، تشبه الذين يعملون على السفينة، عينيها بنية، لكن مؤكد هذه المرة الأولى التي نلتقي بها.
وصلت معهم إلى مكان يشبه الكوخ.. بل الكثير منهم في كل مكان، تظللهم أشجار البنفسج، الرائحة كانت تجعلني أكاد أن أطير من فرط السعادة، دلفت إلى الغرفة مع روز، لقد كانت فتاة كثيرة الابتسام، أخرجت لي فستان يشبه فستانها، في الحقيقة كانت الخزانة مليئة بفساتين متشابهة لا يفرقوا شيء عن بعضهم البعض!
ارتديت الفستان، كان ضيق قليلًا، لكن لا يهم؛ فهو سيؤدي نفس الغرض لحين جفاف ملابسي، نظرت إلى حجابي الذي أصبح مبتل بالكامل أخذت قماشة تبدو جيدة لجعلها حجاب، بدى لائق كثيرًا.
هذه الجزيرة راقت لي إلى حد كبير، لم أخيل أنني قد أذهب من هنا أبدًا، نظرت حولي وأنا أستنشق عبيرها، جميع من رأيتهم حتى الأن يجعلوا قلبي يرتاح لهم سريعًا.
خرجت من بعدها وجدتهم يضحكون معًا كانت معهم فتاة لم تتحدث، لاحظوا نظراتي لها، اقتربت مني روز قائلة:
-هذه لار هي لا تتحدث منذ ولادتها.
أومأت لها وأنا ابتسم، لكنها لم تبادلني الإبتسامة، كانت هادئة للغاية وقد تعجبت لأمرها، تساءلت وأنا أنظر إلى روز:
-ماذا يعني هذا الاسم؟ أنا أعلم أن روز تعني الوردة، أيضًا نيروز يعني الربيع، ماذا عن لار!
ابتسمت روز في وجهي قائلة:
-تعني النجمة أنه يشبه اسمكِ أليس كذلك؟!
أومأت لها وأنا ابتسم قائلة:
-هذا صحيح.
تحدث نيروز قائلًا:
-يمكنكِ الراحة إن أردتي على كل حال قد غربت الشمس وعلى الجميع أن يبقى بالكوخ الخاص به، القاكم في الصباح.
خرج ومعه لار، كانت روز تبتسم ويبدو عليها السعادة، تحدثت قائلة:
-أنا سعيدة أنكِ ستشاركيني الكوخ.
ابتسمت لها وأنا أنظر إلى الكوخ، لقد كان مزين بزهور البنفسج الرائعة، كل شيء من اللون البنفسجي يعطي للمكان رونق آخر.
كانت ليلة مليئة بالحماس، كنت أنام وأنا أحلم باليوم التالي وكل شيء سوف أقوم بفعله هنا، لن أضيع الفرصة، سوف أعيش حياة أخرى مختلفة! من يعلم لعلِ ألتقي بأميري الوسيم هنا.
يبدو الأمر مضحك لكن هذه الجزيرة تبدو مثالية تمامًا كالعالم الموجود داخل عقلي.
عالم مثالي لا يشوبه شيء، لا أظن أن هناك شيء سيغير عقلي عن هذا الحلم وعن تخيلاتي الكثيرة بشأنه.
استيقظت في اليوم التالي على صوت أجراس، لا أعلم ما تلك الأجراس وعلى ماذا تدل يا ترى، خرجت من الكوخ بعد أن علمت أن روز خرجت، وجدت الجميع يخرج من أكواخهم، كانوا يتبادلون عبارات الصباح الخاصة بهم في هدوء، الجميع على درجة عالية من الوسامة لم أرى مثلها من قبل.
جلست مع روز و نيروز وأيضًا لار تلك الصامتة المريبة بالنسبة لي، ربما هذا لأني فتاة ثرثارة كما يقول الجميع، تحدث نيروز بينما روز ذهبت لتحضر الطعام الذي أتطوق لتذوقه:
-كيف كانت ليلتكِ؟
سألني نيروز، ابتسمت في وجهه الأكثر من وسيم قائلة:
-كانت ليلة جيدة.
اقتربت روز ووضعت الطعام أمام لار اولًا ومن ثم بدأت بوضعه أمام نيروز ومن ثم أنا، ليس لديهم أي فكرة أن الأولوية للضيف!
جلست بجواري على الكرسي.. عذرًا لنقل أنه جذع شجرة ليس إلا، لكن هذا لا يهم ما يهم حقًا هذا الطعام، نظرت لهم ولم أّخذ الوقت لأداري صدمتي:
-تأكلون أوراق الأشجار!
عقد نيروز حاجبيه وهو ينظر لي:
-ماذا بكِ هذه نباتات رائعة؟!
نظرت حولي، هم لا يمزحون الجميع يجلسوا في هذا الممر يتناولون نفس الأعشاب، ربما الأمر ليس بهذا السوء، بدأت بتناول أوراق الأشجار كما سميتها وهذا الواضح أمامي ولم يعجبني الأمر البتة! بينما هم يأكلوا بتلذذ!
وضعت روز الكثير من النباتات أمام لار قائلة:
-كلي يا ابنتي لقد أصبح وجهكِ شاحب من قلة الطعام.
تعجبت حقًا وقد أحببت الأمر، لم استطيع إخفاء تعجبي أن لار هي ابنة روز؛ لأنهما في نفس الطول وفرق السن لا يظهر أبدًا على روز:
-ابنتكِ! لار تكون ابنتكِ! لم تخبريني بهذا ولماذا لم تبقى معنا في الكوخ؟!
ابتسمت روز وهي تومأ لي:
-هي بالفعل ابنتي، حملت بها تسع شهور.
أومأت لها وقد سيطر عليّ الفضول في هذا الوقت لأتساءل وليتني لم افعل:
-أخبريني من يكون والدها، لا تقولي أنه نيروز!
ضحك نيروز وهو ينظر إلى روز قائلًا:
-ألم أخبركِ؟ ومع ذلك لم تصدقيني!
ضحكت روز وهي تحرك رأسها بحيرة، من ثم نظرت لي وهي ترفع كتفها وتنزله في حركة سريعة:
-صراحة لا أعلم بهذا الأمر.
لا تعلم! مؤكد أخطأت الفهم وربما هي أخطأت التعبير، سألت وقد تمنيت أن تُخيب هي ظني:
-لا أفهم ماذا تقصدين؟ من يكون والد الطفل؟!
يبدو أنها تفكر بالأمر! أجابتني من جديد قائلة:
-لا أعلم ليس لدي أي فكرة يا نجمة، لقد أحببت الكثير من الأشخاص.
هل الأجواء فجأة اصبحت باردة أم أن قلبي قد أختل؟ ما الأمر؟ سألتها وقد ظهر عليّ الانفعال بالتأكيد:
-هل جميع من هنا يفعلون هذا؟ ألا يوجد زواج هنا؟!
عقد نيروز حاجبيه وهو يتساءل:
-ماذا تعنين بالزواج!
حركت رأسي بعدم استيعاب ماذا أعني بزواج؟! ليس لديهم أي فكرة عنه حتى، لقد جعلني هذا الأمر مشمئزة، اختلفت فجأة نظرتي لتلك الجزيرة، لم تعد رائحة البنفسج تروقني كالبداية، هناك شيء قد أختل داخلي وجعلني أود الخروج من هنا، لا يمكنني تصديق أن هناك من يعيش بتلك الطريقة!
وقفت وسرت، لحقوا بي وتحدثت روز قائلة:
-ما الأمر؟ ما الذي أزعجكِ هكذا؟!
ألتفت لهم وقد انفجرت ولم أحتمل هذا:
-ما الذي أزعجني؟ كيف تعيشوا بتلك الطريقة؟ بلا زواج كيف لا تعرفون ابناء من تكونوا؟ لكل فتاة زوج واحد تحبه وتخلص له! ما هذه الفوضى بهذا العالم؟!
تحدث نيروز وقد ظهر عليه الغضب:
-أنتِ من أتيتِ إلى هنا! كيف لكِ أن تنعتي عالمنا بالفوضى! ليس من حقكِ هذا أبدًا ولم يعد مرحب بكِ في جزيرتنا، أخرجي منها وأمضي في طريقكِ.
شعرت بالقلق بسبب تحولهم المفاجئ، ذهبت وأخذت حقيبتي وقد تساقطت دموعي، لم أكن أتخيل أن العيش هنا سيكون بتلك الصعوبة، لم أكن أتوقع هذا.
من الصعب أن يعتاد المرء على أمور يراها سيئة.. بل كبيرة من الكبائر.
وقفت على الشاطئ، كنت في حيرة من أمري، لا أعلم ما الذي يجب عليّ أن أفعله الأن، أقترب نيروز قائلًا:
-أنا لا أعلم ما الذي حدث لكِ هل أنتِ من هؤلاء الأشخاص غرباء الأطوار؟!
نظرت له في حدة لم أستطيع أن اتحكم بها:
-حياتكم بتلك الطريقة عبارة عن خطأ كبير لا يمكن للمرء أن يعيش بتلك الطريقة، أنتم ينقصكم الدين.
حرك نيروز رأسه بنفي:
-لسنا كذلك، نحن أحرار.
حركت رأسي بنفي مثلما فعل وأنا حقًا لا أصدق الفكر الذي يحتل هذا المكان، تحدثت قائلة وأنا أنظر له:
-تعيشون كالحيوانات لا تفرقون عنها في شيء، حتى لو كان مظهركم رائع فأنتم تفتقرون للكثير من الأشياء.
نظر نيروز إلى عينيّ مباشرة، تحدث بتهكم:
-لا تذهبي مرة أخرى إلى مكان لستي منه، لقد أحسنا ضيافتكِ ورحبنا بكِ ومع ذلك أنتِ أسأتِ إلينا جميعًا، الأن نحن لا نرحب بكِ هنا في عالمنا.
تدخلت روز وهي تحرك رأسها بنفي:
-أهدأ أرجوك يا نيروز، يمكننا أن نتفاهم حتى لو كان لديها معتقدات أخرى غيرنا، هذا ليس سبب للشجار.
نظرت إلى روز، كنت أشعر بالتشتت، لا أعلم كيف لهم أن يتعاملوا بتلك الطريقة، اقتربت مني روز وهي تبتسم:
-سوف نستمتع كثيرًا معًا يا نجمة وسوف يُقام إحتفال ويمكن للجميع أن ينضم للعبة ولأنكِ جديدة عليكِ أن تخوضي التجربة.
تعجبت ولا أعلم ما الذي يجب عليّ أن أفعله لكن كان لابد من البقاء الأن، لا يمكنني أن أغادر بتلك الطريقة، سيكون الأمر مخذي إن استسلمت وأنا لم أبدأ في رحلتي بعد.
بدأوا يستعدوا للإحتفال الذي أجهله أنا ولم أستطيع التحمل من الجوع، بدأت في أكل النباتات _كما يدعوها_ وما هي إلا أوراق شجر في النهاية.
لقد كنت أرى الكثير من الأسهم في كل مكان ولا أعلم ما الذي سيحدث كانوا يستمروا في عقد الكثير من الخطط، اقتربت روز مني ومازلت أرى نظرات نيروز الغير مرحبة بوجودي أبدًا، تحدثت روز قائلة:
-ستكونين بفريقنا، عليكِ أن تعلمي أن خطأ واحد يمكنه أن يقضي عليكِ.
تعجبت من حديثها ولا أعلم ما الذي تعنيه، كيف لخطأ أن يقضي عليّ؟! بدأت اللعبة بقرع الأجراس بشدة، أنطلق السهم من رجل في فريقنا ليستقر في رقبة الآخر الذي سقط مفارقًا للحياة، سقط السهم من يدي بصدمة، ربما أنا أتخيل لكن تلك الدماء التي قامت بروي الأرض لم تكن حلم أبدًا، لقد وقعت أسيرة لسذاجتي.
أستحق ما يحدث في الغالب، لقد انضممت لشيء دون أن أعرف عنه شيء خضت تجربة ولم أهتم بمعرفة ما إذا كانت مفيدة لي أم مليئة بالمعاناة.. كتلك التجربة بالضبط.
كان نيروز شاب رائع في الصيد على ما يبدو قتل هذا الضخم الذي يقف أمامه بمجرد أن سمع صوت الجرس، كان هناك رجل أمامي يبتسم بخبث شديد، يستعد لحصد روحي على ما يبدو!
ارتفعت نبضات قلبي ومؤكد قد أصبح جسدي مثل الثلج، وها قد أتى دوري وهذا الرجل الوسيم ينظر لي وعلى وشك أن يصيبني بسهمه، جلست في الأرض بعد أن رأيت أن الجميع يصيب العنق، لقد كنت محقة ومر سهمه عاليًا، ابتسمت ووقفت من بعدها وروز تهتف لي أن أقوم بضربه، كان يبدو على عينيه الخوف الشديد وقد أيقن أن نهايته على يدي الأن، حركت رأسي بنفي قائلة:
-لا يمكنني فعل هذا، لا يمكنني أن أفعل هذا الشيء البشع، لا أعلم كيف تنهوا حياة الكثير من الأشخاص وأنتم لا تبالوا؟!
تحدثت روز بتعجب:
-ماذا بكِ يا نجمة نحن نتخلص من أضعفنا بالتفكير في الأمر لقد ولدنا ونشأنا على هذا.
حركت رأسي بصدمة وأنا لا أصدق ما الذي تقوله روز، كما لو كانت تقول هذا ما وجدنا عليه أباءنا؟!
تحدث نيروز وهو ينظر لي، كانت نظراته غاضبة لأني اعترضت على فعل يقوم به، رغم أنه خاطئ إلا أنه أصبح معترض على وجودي معهم:
-يبدو أن هناك من ستحاول تغيير عاداتنا قائلة الكثير من الكلام الفارغ، عديم الفائدة.
نظرت له وأنا أشعر بالغضب، علمت أن هذا العالم لن يتغير بمجرد أن أتحدث لكن يمكنني أن أقدم لهم النصيحة قبل ذهابي:
-أنا لم أفعل شيء يهين من كرامتكم أو يسبب لكم الضرر، أنا أردت أن تعيشوا بأخلاق وكرامة، لا يمكنكم أن تنهوا حياة بعضكم البعض من أجل التسلية، أيضًا لا يمكنكم أن تتزوجوا من بعضكم البعض بتلك العشوائية ولا تعلم ابن من تكون أنت قل لي ما الخاطئ.
صمت لبعض الوقت ويبدو أنه لم يجد ما يناسبه ليقوله، ظننت أنه سيفكر في الأمر أو سيغير رأيه ولو قليلًا لكنه صدمني وهو يتحدث ببساطة واقتناع تام:
-هذا الشيء وجدنا عليه الجميع، لا تأتي فتاة وتغيره بين يوم وليلة وليس من شأنك، إن لم يناسبكِ مكان فالترحلي منه أظن أنني سبق وأخبرتكِ بهذا.
نظرت له وأنا أومأ:
-بالطبع أريد المغادرة من هنا لكن كيف يا ترى؟!
تحدث نيروز وقد كان يمتلك القوة في الحديث، يبدو أنه يأخذ القرارات على جزيرة البنفسج بينما الجميع يسير وفق خططه لا أكثر.
نظرت حولي وأنا أتأمل هذا المكان، تغير هيئته في عينيّ لم يعد جميل ومذهل كما كان، لم تعد رائحة البنفسج تروقني، كأن الجو أصبح بارد أكثر من اللازم، نظرت لهم ولم أعد أراهم كما كنت أراهم، أصبحوا أقل وسامة عن قبل، أصبحت وجوههم لا تروقني والنظر لهم لا يسعد نفسي.
علمت وقتها شيء ربما يكون غريب لأهمس به داخل قلبي فقط:
"لقد كان الجمال في عينيّ، كان الجمال في قلبي.. ولم يكن في هذا العالم أبدًا"
أتى نيروز بالقارب وقد قرر أن أغادر الأن، لا أصدق أني طُردت من مكان لم أكن راضية عن وجودي به.. تمنيت لو أخذت الخطوة الأولى بالرحيل من هنا، ربما كان هذا سيزيد من كبريائي.. وداعًا جزيرة البنفسج.
لقد ودعت مكان كان يحتل مكانة في قلبي، لكنِ لست نادمة أبدًا لقد بقيت وانتظرت رغم أني لم أكن راضية عن هذا ومع ذلك وجدت ما يدفع قلبي وعقلي للخارج.. وجدت ما يدفعني للمغادرة دون عودة.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.