أغلبنا يعلم من هم العشرة المبشرون بالجنة، وإن لم تكن تعلمهم فهناك طريقة بسيطة علمونا إياها في الصغر لحفظ أسمائهم وهي:
4ع + 3أ + 2س + ط
ومعناها أن هناك أربعةً تبدأ أسماؤهم بحرف العين، وثلاثةً تبدأ أسماؤهم بحرف الألف، واثنين تبدأ أسماؤهما بحرف السين، وواحدًا يبدأ اسمه بحرف الطاء.. رضوان الله عليهم أجمعين.
عمر بن الخطاب
عثمان بن عفان
علي بن أبي طالب
عبد الرحمن بن عوف
أبو بكر الصديق
الزبير بن العوام
أبو عبيدة بن الجراح
سعيد بن زيد
سعد بن أبي وقاص
طلحة بن عبيد الله
لكنهم حين علمونا أسماءهم، لم يُخبرونا أن هناك ستةً من العشرة المبشرين بالجنة كانوا أغنى أغنياء عصرهم، ولو تم قياس ثرواتهم بمعطيات عصرنا الحالي لتصدروا قائمة فوربس لأغنى أغنياء العالم!!
إذن هناك أغنياء صالحون كما أنّ هناك فقراء صالحين، أغنياء كانوا يعيشون بين الرسول الكريم ﷺ وتخطت ثرواتهم حدود التصور وقتها، ومع ذلك بشرهم النبي ﷺ بالجنة وكانوا سببًا بتوفيقٍ من الله في حفظ المُسلمين وكف الأذى عنهم، وبشرى النبي ﷺ لفقراء المهاجرين بأنهم أول من يدخلون الجنة هو فضيلة للمهاجرين وليس فضيلة للفقر!
إذن ليس بالضرورة أن يكون الغنيّ هو ذلك الفاحش الغليظ الفظ الذي يأكل أموال الناس، ليس بالضرورة أن يكون المرء فاسدًا حتى يكون غنيًّا، مهد الله الكريم لنا سُبل فضله لنبتغي فيها صلاحًا وإصلاحًا، بل إن زينة الحياة الدُّنيا خُلقت أصلًا للمؤمنين الصالحين:
«قُل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق
قُل هي للذين آمنوا في الحياة الدُّنيا خالصة يوم القيامة»
قُل هي للذين آمنوا في الحياة الدُّنيا.. أوجد الله الكريم زينة الحياة أصلًا للمؤمنين الصالحين وغيرهم مُشاركهم فيها فقط، لكن كل الدعوات كانت تدفعنا لترك ذلك الأصل الذي أوجده الله للصالحين فاستحوذ على أغلبه الفاسدون فأفسدوا على الصالحين دُنياهم.
والدعوة إلى الفقر تميل إليها النفوس لأنها سهلة خفيفة على النفس، فأنت لا تحتاج إلى ساعات طويلة من العمل والدراسة والتجربة حتى تُصبح فقيرًا، فالأمر أبسط من ذلك بكثير، فقط لا تفعل شيئًا، فإسقاط طائرة حديثة مُعقدة أمرٌ بسيطٌ يمكن إنجازه بضغطة زر، لكنّ قيادتها أمرٌ يحتاج إلى سنوات من التدريب والتعلم والجهد!!
والاختلاف هنا مع "الدعوة إلى الفقر" التي نهانا عنها المُختار ﷺ، لأن هناك أحبابًا قهرتهم الظروف بترك أوطانهم وأموالهم، أو أعجزهم المرض، ومن أجلهم أخرجت ذلك الكتاب، وهؤلاء قال الله عنهم:
«للفقراء المهاجرين الذين أُخرجوا من ديارِهِم وأموالهِم
يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا»
«للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يـَحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف»
لذلك إن لم تكن منهم فاضرب في الأرض وابتغِ من فضل الله حتى تُغنيهم، والله واسع عليم ولك في أغنياء الجنة أسوة.
أبو بكر الصديق
أغنياء الجنة
قال عنه النبي ﷺ
«ولو كنتُ مُتّخذًا خليلًا غير ربي لاتخذتُ أبا بكرٍ خليلًا»
«ما سبقكم أبو بكر بطول قيام أو كثرة صيام.
ولكن سبقكم بشيء وقر في قلبه»
«ما منكم من أحد له فضل علينا إلا وأعطيناه فضله في الدنيا إلا أبا بكر فإنني لم أستطع أن أُجازيه، وإنني تركت جزاءه على الله»
«ما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة.
عدا أبي بكر فإنه لم يتلعثم» والكبوة هي التردد والشك.
«إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق،
وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي»
كان من رؤساء قريش وأشرافها في الجاهلية، محببًا فيهم، مألفًا لهم
كان تاجرًا ذا خُلُق وصدق، وكان القوم يأتونه لعلمه وحسن مجالسته
ارتحل أبو بكر للتجارة بين البلدان حتى وصل بصرى من أرض الشام
كان من أغنياء قُريش ينفق من ماله بسخاء وكرم عُرف به في الجاهلية
حرم الصديق الخمر على نفسه قبل الإسلام، وحين سُئل عن ذلك قال: كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي، فإنّ مَن شرب الخمر كان مُضيعًا لعرضه ومروءته.
هو أول من أسلم من الرجال، وأول من صلى مع النبي ﷺ
أسلم على يديه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة
الزبير وعثمان وطلحة وابن أبي وقاص وابن عوف
وأسلم على يديه ابنتاه أسماء وعائشة
كان بلال بن رباح مملوكًا وحين علم سيده أنه أسلم عذبه عذابًا شديدًا حتى يترك الإسلام، فمنع عنه الطعام والشراب وألقاه على ظهره مُقيدًا في الصحراء، وعلى صدره صخرة عظيمة، فذهب أبو بكر لسيد بلال وعرض عليه أربعين أوقية ذهب فاشتراه وأعتقه.
وكان يشتري المستضعفين المملوكين ويعتقهم ليكف العذاب عنهم
وكان يعول الذين توقفت أعمالهم وقاطعتهم قريش بسبب إسلامهم
لذلك قال النبي ﷺ: «ما نفعني مال قط كما نفعني مال أبي بكر»
فبكى أبو بكر وقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله.
عن عمر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله ﷺ أن نتصدق، ووافق ذلك مالًا عندي، فقلت اليوم أَسبق أبا بكر إن سَبَقْته، فجئت بنصف مالي، فقال لي النبي ﷺ: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مِثْله، وجاء أبو بكر بكل ماله، فقال النَّبي ﷺ: يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقال عمر: لا أسبقه إلى شيء أبدًا.
في هذا الحدث أنفق الصديق ماله كله فأمسى بلا مال، فقيراً! لكنه لم يكن يمـجد الفقر، لم يتـخذه مُسكنًا، نام ليلته فقيرًا بعقلية غنيّ، فأصبح يسعى في الأرض يضرب فيها يبتغي من فضل الله متوكلًا عليه، لم يكن الصديق يـسعى لجمع المال حُبًّا في الدُّنيا بل جمعه لاستعمالها، فهم المعادلة التي لم نفهمها نحن، فأغناه الكريم مرة أخرى.. فأنفق أخرى.
عثمان بن عفان
أغنياء الجنة
يُكنى ذا النورين لأنه تزوج اثنتين من بنات النبي ﷺ
حيث تزوج من رقية ثم بعد وفاتها تزوج من أم كلثوم
بعد وفاة أم كلثوم قال النبي ﷺ لو كان عندنا أخرى لزوجناها عثمان!
وروي أن رسول الله ﷺ دخل على ابنته وهي تغسل رأس عثمان فقال: «يا بنية أحسني إلى أبي عبد الله، فإنه أشبه أصحابي بي خُلُقًا»
لم يسجد لصنم قط، ولم يشرب الخمر لا في الجاهلية ولا في الإسلام
أول مهاجر إلى أرض الحبشة لحفظ الإسلام ثم تبعه سائر المهاجرين
كان شديد الحياء
كان فصيحًا، حسن الحديث، طويل الصمت
وكان يصوم أغلب أيام الدهر لا يُفطر إلا أيامًا قليلة
كان سهلًا مُحسنًا حليمًا، عُرف بكرمه في الجاهلية والإسلام
ورد عنه أنه كان يقوم الليل كله، ويقرأ القرآن كله بركعة واحدة
وعن عائشة قالت: كان رسول الله ﷺ مضطجعًا في بيتي، كاشفًا عن ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدَّث، ثم استأذن عمر، فأذن له، وهو كذلك (أي مضطجع) فتحدَّث، ثم استأذن عثمان، فجلس واعتدل رسول الله ﷺ وسوَّى ثيابه، فدخل عثمان فتحدَّث.. فلمَّا خرج قالت عائشة للنبي ﷺ: دخل أبو بكر، فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسوَّيت ثيابك! فقال ﷺ: ألا أستحي مِن رجل تستحي منه الملائكة!
ارتحل كثيرًا للتجارة، ونمت ثرواته، وعاشر أقوامًا غير العرب فعرف من أحوالهم وأطوارهم ما لا يعرفه غيره من قومه، وأصبح يعد من رجالات بني أمية الذين لهم مكانة في قريش كلها، غنيًّا شريفًّا من كبار الأثرياء إن لم يكن أثراهم، ومِن أحكم قريش عقلًا وأفضلهم رأيًا.
لذلك حين نزل النبي ﷺ بالحديبية (مكان قبل مكة) ومعه الصحابة من أجل أداء العُمرة وكان ذلك قبل فتح مكة، أرسل عثمان إلى قريش لمكانته عندهم يفاوضهم ويبلغهم رسالة رسول الله ﷺ، خشية أن يرسل أحدًا غيره فتؤذيه قريش أو تقتله.. مكانته نفعت الإسلام.
وفي أشد أيام المدينة حرًّا وقسوة وحاجة
والثـمار على الأشجار لم تنضج بعد وقد ضاق الحال بأهلها
يأمر النبي الكريم ﷺ بالخروج لملاقاة الروم مُجهزًا لغزوة تبوك
سماها القرآن "ساعة العُسرة" لوقوعها زمان عُسرة من الناس وقلة المال
يشترط النبي على مَن يخرج أن يكون له دابة يركبها لعُسرة نفقة الجيش
ثم ينادي الحبيب ﷺ
مَن يجهز جيش العُسرة وله الجنة؟!
يُخَيِّمُ الصمت على المسجد.. فمن هذا الذي يستطيع تجهيز جيش؟!!
يقطع هذا السكون صوت عثمان بن عفان قائلًا:
عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها (أي بكل ما تحتاجه الدابة).
وهذا يُعادل مائة سيارة نقل كبيرة بمعطيات عصرنا..
فكيف كانت ثروة هذا الصحابي الذي كان أشبه الناس خُلقًا بالنبي
فيدعو النبي ﷺ لعثمان بالمغفرة..
ثم ينادي مرة أخرى: مَن يجهز جيش العُسرة وله الجنة؟!
فيقف عثمان مرة أخرى ويقول:
عليّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها (أي بكل ما تحتاجه الدابة).
فيدعو النبي ﷺ لعثمان بالمغفرة..
ثم ينادي مرة ثالثة: من يجهز جيش العُسرة وله الجنة؟!
وهي إشارة أن الجيش ما زال يحتاج تجهيزًا أكثر مما عرضه عثمان
فيفهم عثمان الخير حالة الجيش ويقول:
يا رسول الله عليّ بتسعمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وخمسين فرسًا!!
فيفرح النبي ﷺ لعثمان ويقول: ما ضر عثمان ما فعل بعد ذلك.
أي ما ضره ذنب فعله بعد ذلك اليوم وهو من أهل الجنة..
والعجيب أن تلك لم تكن المرة الأولى التي يُبشر النبي ﷺ عثمان فيها بالجنة، فـحين قدِم المهاجرون المدينة المنورة لم يستسيغوا ماءها، وكان هناك بئر تُسمى رومة، ماؤها من أعذب مياه الآبار في المدينة، وكان يملكها رجل يهودي يسقي الناس مقابل ثـمن، فأرهق ذلك المسلمين.. فقال النبي ﷺ: من يشتري بئر رومة وله الجنة؟
فبلغ عثمان الخير نداء النبي الكريم فاشترى بئر رومة من اليهودي بـخمسة وثلاثين ألف درهم وجعلها وقفًا للمُسلمين، ولا تزال بئر رومة قائـمة حتى اليوم تروي سكان المدينة بمائها، وتسقي نخيلهم وأشجارهم، فنِعم المال الصالح بيد العبد الصالح، حتى إن بعض أهل الخير أنشؤوا حسابًا بنكيًّا باسم (وقف عثمان بن عفان) تودع فيه أموال بيع التمور التي يسقي نخيلها بئر رومة ثم تُنفق هذه الأموال في أعمال الخير.
وجاءت بشرى أخرى بالجنة وتقدم لها عثمان الخير غنيّ الجنة، بعد أن بنى رسول الله مسجده في المدينة، وصار المسلمون يجتمعون فيه ليصلوا الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي ﷺ، ويتعلموا في المسجد أمور دينهم، ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال ﷺ:
«من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد، له منها في الجنة»
فاشتراها عثمان بن عفان من ماله بخمسة وعشرين ألف درهم، ثم أضيفت للمسجد، ووسع على المسلمين.
وفي عهد خلافة أبي بكر الصديق قحط المطر لفترة من الزمن لم تُنبت فيها الأرض وقل طعام أهل المدينة، وكان لعثمان بن عفان قافلة تجارية من مائة راحلة قادمة من الشام في طريقها للمدينة عليها بعض أنواع الطعام، فلما وصلت اجتمع تجار المدينة عند بيت عثمان يسألونه أن يبيعهم بعضها فيشتري الناس وتنفك الشدة..
فقال عثمان : يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني غيركم!
قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني غيركم!
قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟
فقال عثمان : زادني الله بكل درهم عشرة وبكل عشرة مائة وإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على المسلمين!
لما تولى عثمان الخلافة سمح للمسلمين باقتناء الثروات وتشييد القصور وامتلاك الأراضي، فقد كان عهده عهد رخاء على المسلمين، جُمع فيه القرآن وفُتحت في عهده عدد من البلدان وتوسعت الدولة الإسلامية لتشمل أرمينية وخراسان وكرمان وسجستان وإفريقية وقبرص وقد أنشأ أول أسطول بحري إسلامي لحماية الشواطئ الإسلامية.
عبد الرحمن بن عوف
أغنياء الجنة
في إحدى الغزوات، ذهب النبي ﷺ للطهارة والوضوء فتأخر، فأقام الصحابة الصلاة، وقدّموا عليهم عبد الرحمن بن عوف يُصلي بهم، فجاء الحبيب ﷺ وصلى خلفه، ولما انتهت الصلاة قال ﷺ لأصحابه: أصبتم وأحسنتم، ثم قال لعبد الرحمن بن عوف :
«ما قُبض نبي حتىٰ يصلي خلف رجلٍ صالحٍ من أمته»
فكانت شهادة من النبي ﷺ له بالصلاح، وفي موضع آخر قاله عنه ﷺ: «عبد الرحمن بن عوف أمين في السماء وأمين في الأرض»
عبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين إلى الإسلام
شهد مع النبي ﷺ الغزوات كلها، وكان ممن ثبت في غزوة أحد
هاجر هجرة الحبشة لحفظ الإسلام من أذى قريش وهجرة المدينة
كان رجلًا حسن الطلعة، شديد التواضع، لا يكاد يُعرف من بين عبيده
ترك عبد الرحمن بن عوف ماله في مكة وهاجر إلى المدينة في سبيل الله، وكان النبي ﷺ يؤاخي بين المُهاجرين القادمين من مكة والأنصار (أهل المدينة) فآخى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع وكان سعد بن الربيع أكثر الأنصار مالًا، وقد عرض على عبد الرحمن بن عوف نصف ماله، فرفض عبد الرحمن وقال له: بارك الله لك في أهلك ومالك.. دُلني على السوق.
وهكذا بدأ ابن عوف تجارته من الصفر، أتى إلى المدينة فقيرًا بعد أن ترك ماله في مكة، لكنه سمع استعاذة النبي الكريم من الفقر والقِلة والذِّلة، فذهب إلى السوق للتجارة يبيع ويشتري، وكان لا يُرىٰ إلا في مجلس رسول الله أو في عمله وتجارته، لذلك لما مات ترك مالًا عظيمًا وذهبًا يُقطع بالفؤوس، تشققت أيدي الرجال منه وهم يقسمونه!
وحين سُئل عن سر توفيقه في التجارة قال :
فلقد رأيتني لو رفعت حجرًا لأصبت تحته ذهبًا أو فضة!
كناية عن التوفيق في التجارة، ثم أفصح عن سر التوفيق قائلًا: تجارة الدُّنيا ليست بتجارة، وإني أنفق لله مائة في النهار فيرزقني الله ألفًا بالليل.
تضاعفت ثروته أضعافًا كثيرة
كانت له تجارة بين الحجاز والشام وغيرها
وكان يعمل في تجارة الأنعام والخيول والدواب
وكان يمتلك الأراضي والعقارات في المدينة، وله أعمال في الزراعة
ويروىٰ أن السيدة عائشة كانت في بيتها، وسمعت رجة للمدينة فسألت عن هذا فقالوا: عيرٌ (أي قافلة تجارية) لعبد الرحمن بن عوف قادمة من الشام لا يُرى آخرها، عليها من كل شيء!
لما كثر ماله جهز ألف فرس في سبيل الله
وبلغ عنه أنه أعتق في يومٍ واحدٍ ثلاثين عبدًا
تصدق سيدنا عبد الرحمن بنصف ماله في يوم العُسرة
كان يتعهد أمهات المؤمنين زوجات النبي بالنفقة بعد وفاته ﷺ وقد باع يومًا أرضًا له بأربعين ألف دينار فرّقها جميعًا على زوجات النبي ﷺ فقالت عائشة سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«لا يحنو عليكن بعدي إلا الصالحون»
خشي أن يتولى الخلافة بعد عثمان بن عفان فكان يدعو:
اللهم إن كان من تولية عثمان إياي هذا الأمر، فأمتني قبله
فمكث بعدها ستة أشهر ومات في عهد عثمان بن عفان
وحين وفاته أوصىٰ بخمسين ألف دينار في سبيل الله
فكان الرجل يُعطى منها ألف دينار
وكان نصيب نسائه من تركته كل واحدة ثمانون ألف دينار
وأَوصىٰ لمن بقي من أهل غزوة بدر، لكل رجل أربعمائة دينار
وكانوا مائة فأخذوها وأخذها عثمان فيمن أَخذ وهو الخليفة إجلالًا له
رحم الله سيدنا عبد الرحمن بن عوف ورضي عنه
طلحة بن عبيد الله
أغنياء الجنة
كان يُسمّي أبناءه بأسماء الأنبياء
هو من السابقين الأولين إلى الإسلام
قال عنه النبي ﷺ:
«من سره أن ينظر إلى شهيدٍ يمشي على وجه الأرض
فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله»
شارك في جميع الغزوات مع النبي إلا غزوة بدر حيث كان بالشام في أمرٍ أرسله النبي ﷺ إليه وهو تفقد قوافل قريش التجارية.
كان من أكابر قريش، وكانت قبائل قريش تخشى عداوته وعداوة قبيلته، لذلك لم يُهاجر طلحة بن عبيد الله إلى الحبشة، وهجرة الحبشة كانت لحفظ الإسلام والمسلمين من إيذاء قريش، لكن طلحة مكث في مكة ولم يستطِعه أعداء الإسلام لنفوذه ومكانته.
كان طلحة بن عبيد الله في تجارة له بالشام، وفي طريق عودته إلى مكة لقي النبي ﷺ وأبا بكر وهما في طريقهما إلى المدينة مهاجرين، فكساهما من ثياب الشام، ثم عاد إلى مكة وأخذ أهل بيت أبي بكر وخرجوا مهاجرين إلى المدينة على مرأى من قريش!
وكان ممن دافعوا عن رسول الله ﷺ في غزوة أحد حتى شُلَّت يده، فظل كذلك إلى أن مات، وكان في جسده بضع وسبعون طعنة دفاعًا عن النبي ﷺ الذي قال عنه مادحًا:
«لقد رأيتني يوم أُحد، وما في الأرض قربي مخلوق
غير جبريل عن يميني، وطلحة عن يساري»
وكان ذلك حين أرادت كتيبة من جيش الكافرين قتل النبي ﷺ لما رأوا حوله اثني عشر رجلًا فقط، كان طلحة بن عبيد الله منهم، ماتوا جميعًا دفاعًا عن النبي ﷺ ولم يتبقَّ إلا طلحة يُقاتل ويتلقى الضربات حتى أدركه -هو والنبي ﷺ- مجموعةٌ من المؤمنين فرقوا كتيبة الكافرين، فلما داووه وجدوا في جسده أكثر من سبعين طعنة وإصابة سهم في يده، شُلَّت يده على إثرها.
وحين نزلت الآية الكريمة:
«من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضىٰ نـَحبَه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً»
جاء أعرابي يسأل النبي ﷺ عن الرجال المُشار إليهم في الآية، فلم يُجبه رسول الله، فسأله ثانية، فلم يُجبه، حتى ظهر طلحة بن عبيد الله على باب المسجد وعليه ثياب خضراء، فقال النبي ﷺ: أين السائل عمن قضى نحبه؟ فقال الأعرابي: أنا، فقال له النبي ﷺ: هذا ممن قضى نحبه، وأشار إلى طلحة.
كان طلحة ذا ثراء فاق حدود التصور
فكانت غلته (عوائد أصوله وعقاراته) كل يوم ألف درهم وزيادة
قالوا عنه: طلحة كان أكثر الناس عطاءً لجزيل مال من غير مسألة
فدى أسارى غزوة بدر بماله وتصدّق مرة بسبع مائة ألف درهم
اشترى بئرًا وأطعم الناس فقال له النبي ﷺ: «أنت طلحة الفَيَّاضُ»
كان يقول الكسوة تُظهِر النعمة، والإحسان إلى الخادم يكبت الأعداء
كان لا يدع أحدًا من بني تيم (قبيلته) إلا وكفاه مؤونته ومؤونة عياله، يقضي الدَّيْن عن الغارمين، ويتكفل نفقة زواج غير القادرين، وكان يُرسل نفقة سنوية لأمهات المؤمنين زوجات النبي ﷺ بعد وفاته.
ولما مات طلحة ترك أكثر من ألفي ألف درهم (2 مليون) وثلاث مائة حمل من الذهب، وكان قوام أصوله وعقاره يُقدر بثلاثين ألف ألف درهم (ثلاثين مليون)!!
رحم الله سيدنا طلحة بن عبيد الله جار النبي في الجنة
لقوله ﷺ:
«طلحة والزبير جاراي في الجنة»
الزُّبير بن العوام
أغنياء الجنة
ابن عمة النبي ﷺ
يُلقب بـحواري رسول الله
لقوله ﷺ «إن لكل نبيّ حواريًّا وحواريي الزُّبير»
والحواري هو الصاحب الناصر والمؤيد
هو زوج أسماء بنت أبي بكر
هاجر الهجرتين.. هجرة الحبشة وهجرة المدينة
ابنه هو عبد الله بن الزُّبير أول مولود للمُهاجرين بالمدينة
شارك في جميع الغزوات مع النبي ﷺ
فكان قائد الميمنة في غزوة بدر، وحامل إحدى الرايات في فتح مكة
وكان ممن بعثهم عمر بن الخطاب بمددٍ إلى عمرو بن العاص في فتح مصر، وجعله الفاروق في الستة أصحاب الشورى الذين ذكرهم للخلافة بعده.
أسلم الزُّبير صغيرًا وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وهو من السابقين إلى الإسلام، وأول من سلّ سيفه مُدافعًا عن النبي ﷺ حين انتشرت أخبار كاذبة أن رسول الله قد أُسِر وأُخِذ إلى حدود مكة، فخرج الزُّبير وهو غلام شاهرًا سيفه يسأل عمن أخذ رسول الله، فلقاه النبي ﷺ وسأله ما لك؟ قال: أُخبِرت أنك أُخِذت. قال: فماذا كنت صانعًا؟ قال: كنت أضرب به من أخذك. فدعا النبي ﷺ له ولسيفه.
وكان صدر الزُّبير بن العوام محفورًا بضربات السيوف والرماح، حتى قيل كأن صدره العيون؛ من الطعن، وكان في سفر ذات مرة وقال له صاحبه: والله لقد رأيت بك آثارًا ما رأيتها بأحد قط، فقال له الزُّبير: أما والله ما منها جُرح إلا مع رسول الله وعن رسول الله ﷺ.
عُرف عن الزُّبير كثرة عقاراته، لما مات ترك أرضًا كان قد اشتراها بمائة وسبعين ألف درهم، فباعها ابنه عبد الله بن الزُّبير بعد وفاته بألف ألف وستمائة ألف درهم أي باعها بمليون وستمائة ألف، وكان له إحدى عشرة دارًا في المدينة، وداران في البصرة، ودارٌ في الكوفة، ودارٌ في مصر، قُدرت ثروته بأكثر من خمسين ألف ألف، أي خمسين مليون درهم!!
سعد بن أبي وقاص
أغنياء الجنة
هو خال النبي ﷺ
كان يمدحه رسول الله قائلًا «هذا خالي، فَليُرِني امرؤٌ خالَه»
من السابقين الأولين للإسلام
شهد مع النبي ﷺ الغزوات كلها
كان من أمهر رُماة الأسهم في الجزيرة العربية وأحدّهم بصرًا
قيل إنه في غزوة أُحد رمى أكثر من ألف سهم
وقال له الحبيب ﷺ آنذاك «ارمِ فداك أبي وأمي»
ولاه عمر بن الخطاب على الجيوش التي سَيَّرها لقتال الفرس، فانتصر عليهم في معركة القادسية، وهو الذي فتح مدائن كسرى بالعراق، فكان من قادة الفتح الإسلامي لفارس، وهو الذي أرسل لعمر بن الخطاب سِوَارَيْ كسرى ليهديهما إلى سُراقة بن مالك تنفيذًا لوعد النبي ﷺ لسُراقة يوم الهجرة:
«كيف بك يا سُراقة إذا لبست سِوَارَيْ كسرى»
كوّن سعد بن أبي وقاص ثروته من صناعة السهام والرماح
بنى له قصرًا بالعقيق على بُعد عشرة أميال من المدينة
فرفع سمكها، ووسع فضاءها، وجعل أعلاها شُرُفَات
وترك سيدنا سعد يوم مات مائتي ألف وخمسين ألف درهم
وقد ذكرت حديثه مع النبي ﷺ حين مرض سعد وكانت له ابنة واحدة فسأل النبي ﷺ أن يتصدق بثلثي ماله؟ فقال له النبي ﷺ لا، وأشار عليه أن يتصدق بالثلث، وأخبره أن الثلث كثير ونصحه قائلًا:
«إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس»
وقائمة الصحابة الأثرياء طويلة، والمبشرون بالجنة أكثر من عشرة، لكن هؤلاء العشرة اُشتهروا لأنهم ذُكروا في حديثٍ واحد، فذكرت منهم الستة الأكثر ثراءً وسميتهم أغنياء الجنة، فكانت هذه أخبار أغنياء الجنة الذين ملكوا الدُّنيا بقلوبٍ زاهدةٍ ونفوسٍ خيّرة، سعدت وأسعدت من حولها، فمنهم الصديق ومنهم الحيـي ومنهم الأمين ومنهم الفياض ومنهم الحواري ومنهم الذي فداه النبي ﷺ.