في غضون سنة ١٧٩٠ وُلِد للإمام حسن رئيس قبيلة الشرويشيين بجهة أبخاسيا من
كان ثالث أنجاله وآخرهم. شبَّ الطفل ،« زكريا » أعمال بلاد الشراكسة الشمالية ولد أسماه
وترعرع على ساحل البحر الأسود، ثمَّ صحَّ عزم أبيه على تأدية فريضة الحج، وعُقدت نيته
على إرسال نجله إلى مصر ليتلقى علومه بالأزهر فينشأ إمامًا مثله. فغادر الأب بلاده مع
ابنه الأصغر حوالي سنة ١٨٠٠ ، ولما يتجاوز زكريا بعدُ العاشرة من عمره، فركبا البحر
ليلًا وأقلع بهما أحد المراكب الشراعية إلى الآستانة في طريقهما إلى مصرحيث انتوى الإمام
ترك ابنه — في أثناء غيابه بالحجاز — عند أحد أصدقائه ومواطنيه المماليك الذين كانت
تربطه بهم صلات وثيقة ومودة قديمة.
وبالفعل ارتحل الإمام حسن قاصدًا بيت لله الحرام، وسلَّم طفله في القاهرة إلى أحد
السلحدارية الشراكسة من ذوي قرباه إلى حين عودته، غير أن المنية عاجلته وهو في طريقه
من مكة إلى المدينة فأصبح زكريا يتيمًا في قُطر غريب وعند غير أهله وعشيرته.
إلا أن السلحدار أنزله في بيته منزلة أبنائه، فعاشزكريا في رعايته وتعلم عليهصناعة
الأسلحة. وقد حدث بعد ردح من الزمان أن وجَّه محمد علي باشا والي مصر عنايته إلى
تجهيز حملة عسكرية لإخماد ثورة الوهابيينفي جزيرة العرب، فوصَّىالسلحدار في منتصف
عام ١٨١١ بصنع كمية من الأسلحة، ولما تمَّ إعدادها حمله السلحدار بصحبة زكريا إلى
قصرالأزبكية حيث قابلها محمد علي باشا. وما كاد نظر الوالي يقع على هذا الشاب اليافع
وسمعُه يصغي إلى قصته حتى أعجبته فيه جراءة أعماله وصدق طويته فشمله بعطفه
واستخدمه في ديوانه، فنبذ زكريا اسمه القديم وآثر أن يخلع على نفسه اسم أبيه حسن.
كانت مصرفي ذلك العهد قد هبَّت على بكرة أبيها تلبي نداء الوالي للانتظام في الجيش،
فبادر حسن إلى الانخراط في صفوفه. غير أنه لما سافر في أوائل شهر سبتمبر سنة ١٨١١
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
في معيَّة محمد علي باشا إلى السويس وشاهد فيها نواة الأسطول المصري مبحرًا من ثغره
لنقل الرجال والعتاد إلى جزيرة العرب أدرك حسن — وهو من أبناء السواحل — أن أمواج
البحر تناديه، فوطَّن نفسه على الدخول في البحرية!
ولكن آماله لم يبدُ له تحققها إلا بعد ست سنوات!
ففي خلال سنة 1١٨١٧ أوفد محمد علي باشا في بعثة علمية إلى فرنسا حسنًا
Drovetti (الذي لُقِّب بالإسكندراني) ومحمد شنن ومحمود نامي بمعية المسيو دروفيتي
قنصل فرنسا بمصر وتحت إشرافه. 2 وما إن قضى الطلبة المصريون عامين كاملين في
الدرس والتحصيل لإتقان اللغة الفرنسية حتى آثر ثلاثتهم التخصصفي العلوم البحرية،
فانخرطوا في الكلية البحرية الفرنسية بتولون. 3 وقد كان طلبة البحرية المصريون —
وعلى الأخص حسن الإسكندراني — طوال مدة إقامتهم في تولون موضع عناية خاصَّة
4 مما كان له أحسن الوقع عند محمد علي باشا، فحفظ Duperré من المسيو دوبيريه
له الجميل ولم ينسه على مرِّ الأيام. تذكَّر هذه اللفتة الكريمة في سنة ١٨٤١ — أي بعد
ص ٣٧ ، وكذلك الأستاذ عبد ،« البعثات العلمية في عهد محمد علي » : 1 نقل الأمير عمر طوسون في مؤلفه
ص ٤٥٧ عن ،« تاريخ الحركة القومية، عصر محمد علي » الرحمن الرافعي بك في الجزء الثالث من كتابه
عدد أغسطس سنة La Revue asiatique في الرسالة التي نشرها بالمجلة الأسيوية Jomard المسيو جومار
، ١٨٢٨ ،ص ١٠٩ ، أسماء أعضاء البعثة التي أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا في شهر يوليو سنة ١٨٢٦
فذكرا ضمن الطلبة الذين تخصصوا في الملاحة والفنون البحرية: حسن الإسكندراني ومحمد شنن ومحمود
( نامي، غير أن الواقع أن حسن الإسكندراني وزميليه سافروا إلى تولون في سنة ١٨١٧ (لا في سنة ١٨٢٦
وعادوا من فرنسا في أوائل سنة ١٨٢٥ (لا في سنة ١٨٣١ )، بدليل أن حسن الإسكندراني اشترك في موقعة
التي غرقت هناك، كما اشتبك « إحسانية » نافارين في يوم ٢٠ أكتوبر سنة ١٨٢٧ ، وكان يقود الفرقاطة
وأسر غولتا يونانيٍّا اقتاده إلى الإسكندرية. وخلع Miaulis في خلال هذه المدة مع القائد اليوناني مياوليس
عليه محمد علي باشا في سنة ١٨٢٦ و ١٨٣٠ خلعتين عظيمتين تقديرًا لما أداه للأسطول المصري من جليل
الخدمات. وما كانشيء من ذلك ممكنًا لو كان الإسكندراني في هذا الوقت يتلقى الدروسفي معاهد فرنسا!
. الذي عُهِدت إليه بعثة سنة ١٨٢٦ Jomard 2 لا تحت إشراف المسيو جومار
كما ذكر الأمير عمر طوسون. Brest 3 لا في ميناء برست
4 كان المسيو فيكتور جي دوبيريه حاكمًا بحريٍّا لميناء تولون من سنة ١٨١٥ إلى سنة ١٨١٨ (أي عند
قدوم البعثة المصرية)، ثمَّ عُيِّن أميرالًا وتولى مقاليد وزارة البحرية الفرنسية في عهد الملك لويس فيليب
من ٢٢ فبراير سنة ١٨٣٤ إلى ١٢ مارس سنة Mortier خمس مرات: الأولى في وزارة الماريشال مورتييه
، من ١٢ مارس سنة ١٨٣٥ إلى ٥ فبراير ١٨٣٦ Broglie ١٨٣٥ ، والثانية في وزارة خلفه الدوق دي بروى
من ٢٢ فبراير سنة ١٨٣٦ إلى ٦ سبتمبر سنة Thiers والثالثة في الوزارة التالية برياسة المسيو تيير أربع وعشرين سنة — فأقام مساء يوم ٢٨ مارس سنة ١٨٤١ في قصره مأدبة عشاء
قنصل فرنسا دعا إليها معه خلفه المسيو دي Cochelet بمناسبة سفر المسيو كوشليه
وقائد السفينتين الفرنسيتين الراسيتين وقتئذٍ في ميناء De Rohan Chabot روهان شابو
وقد تبسط محمد علي .«L’Embuscade أنبوسكاد » و «L’Acheron أشيرون » الإسكندرية
باشا في الحديث مع مدعويه في أثناء تناول العشاء، وأثنى الثناء المستطاب على الأميرال
دوبيريه الذي كان وقتئذٍ وزير بحرية فرنسا والذي شمل بعنايته طلب البحرية المصرية
لأربع وعشرين سنة خلت.
ويقول في هذا الصدد الأميرال دوران فييل:
Pendant le dîner. le Vice-Roi avait longuement parlé de l’amiral
Duperré, le ministre de la marine française, dans les termes le plus
faltteurs, rappelant toutes les attentions qu’il avait eues autrefois
pour les élèves égyptiens embarqués sur l’Orion et en particulier,
pour Hassan be, son ministre de la marine.5
وتعريبه:
تحدث الوالي في أثناء تناول العشاء عن الأميرال دوبيريه وزير البحرية الفرنسية
حديثًا طويلًا أجزل فيه الثناء عليه، ذاكرًا ما أبداه من مظاهر الرعاية فيما مضى
وعلى الأخص ،« أوريون » من الزمان نحو الطلبة المصريين المبحرين على السفينة
بالنسبة إلى حسن بك ناظر بحريته.
وعلى إثر تخرج الطلبة المصريين من الكلية البحرية الفرنسية قاموا بثلاث رحلات
علمية على سفن فرنسية، فتدربوا على قيادتها وزاروا أقطارًا وأمصارًا نائية دوَّن حسن
وصف فيها بلاد البرازيل ورأس هورن بأمريكا الجنوبية ،« يوميات » الإسكندراني عنها
الثانية من ١٢ مارس سنة ١٨٣٩ إلى أول مارس سنة Soult ١٨٣٦ ، والرابعة في وزارة المسيو سولت
. ١٨٤٠ ، والخامسة في وزارة المسيو سولت الثالثة من ٢٩ أكتوبر سنة ١٨٤٠ إلى ٧ فبراير سنة ١٨٤٣
وتوفي الأميرال دوبيريه فقيرًا في الثاني من نوفمبر سنة ١٨٤٦ ودُفِن بالأنفاليد.
. الجزء الثاني،ص ٢٥٦ ،« حملات محمد علي وإبراهيم البحرية » : 5 الأميرال دوران فييل
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
وبلاد النرويج والسويد في شمالي أوروبا، في حين تناولت ريشة محمود نامي بالرسم
المناظر الرائعة التي استوقفت أنظارهم.
وقد استغرقت الرحلة الأولى ثلاثة أشهر، إذ أبحر الطلبة المصريون على ظهر الفرقاطة
واجتازوا بحر الشمال وزاروا بلاد النرويج والسويد. «Le Téméraire تيميرير » الفرنسية
أما الرحلة الثانية فبدأت من ثغر تولون وشملت غربي البحر الأبيض المتوسط
.Açores وسواحل إسبانيا وميناء قادش وجبل طارق وجزر أصور
أوريون » وأمَّا الرحلة الثالثة فقد استغرقت ثمانية عشر شهرًا، إذ أقلعت الفرقاقطة
وسارت بجانب شواطئ إسبانيا والبرتغال La Rochelle من ميناء لاروشيل «L’Orion
حتى لشبونة، ثمَّ مضت في محاذاة سواحل القارة الإفريقية حتى جزر الرأس الأخضر، ثمَّ
عرجت على أمريكا الجنوبية فألقت مرساها في باهية وريودي جينيرو وسان باولو وبورتو
الليجرو من موانئ البرازيل، وزارت مونتيفيديو، وتابعت سيرها إلى رأسهورن، ثمَّ عادت
أدراجها إلى فرنسا.
وفي أوائل سنة ١٨٢٥ عاد حسن الإسكندراني — برفقة زميليه — من فرنسا إلى
مصر، وكان عمره وقتئذٍ خمسًا وثلاثين سنة تقريبًا، فعُيِّنَ برتبة ملازم بحري وأسُندَت إليه
قيادة إحدى الأباريق التابعة للأسطول المصري الثالث الذي اشترك في خلال شهر أبريل
البحرية. وقد تولى بعد ذلك قيادة السفن البحرية Spada سنة ١٨٢٥ في معركة سبادا
التي عهدت إليها حراسة النقالات التي كانت تحمل الجند والذخائر من القطر المصري
إلى شبه جزيرة المورة لإمداد الجيش المصري بها. وقد اشتبك حسن الإسكندراني في أثناء
فأغرق منها ،Miaulis تأدية هذه المهمة مع مراكب اليونانيين التي كان يقودها ميوليس
حراقتين وأسر غولت على مقربة من شواطئ جزيرة كريت واقتادها إلى ثغر الإسكندرية.
وقد أهدى إليه محمد علي باشا بهذه المناسبة دارًا في حي رأس التين بجهة أبو وردة
بالقرب من زاوية سيِّدي تمراز (المعروف قديمًا بمسجد البحارة)، كما أهدى إليه ساعة
من الذهب وشالًا من الكشمير.
وفي أوائل عام ١٨٢٦ رُقِّيَ حسن الإسكندراني من ملازم إلى يوزباشا، وعُهِدت إليه
قيادة إحدى القراويت السريعة من مصر إلى اليونان لإيصال المراسلات السرية العاجلة
التي كان يبعث بها محمد علي باشا إلى ابنه إبراهيم باشا في المورة. وفي خلال صيف تلك
السنة عاد حسن إلى الإسكندرية مع الأسطول المصري بقيادة قائده العام محرم بك لترميم
بعضالسفن وإصلاحها قبل الإبحار بها ثانية في حملات أخرى مع الوحدات الجديدة التي
كان قد وصَّىبها الوالي في المصانع الأوروبية، ووصلت حديثًا من مرسيليا وجنوا وليفورن.
وقد عكف حسن الإسكندراني — مع زملائه عثمان نور الدين ومحمود نامي
ومحمد شنن — على ترجمة المؤلفات الفرنسية عن أصول البحرية وفنونها.
نافارين » وقد اشترك حسن الإسكندراني في الموقعة التي دارت رحاها في مياه
في العشرين من أكتوبر سنة ١٨٢٧ بين الأسطولين المصري والعثماني من «Navarin
ناحية وأساطيل إنجلترا وفرنسا وروسيا المتحالفة من ناحية أخرى. وكان يتولى حسن
في حين كان محرم بك قائد الأسطول المصري قد عقد لواءه « الإحسانية » قيادة الفرقاطة
وقد اندلعت النار في سفينة حسن الإسكندراني في أثناء المعركة، .« جهادية » على الفرقاطة
وما لبثت أن التهبت صواريها وقلاعها وسائر أجزائها حتى انفجرت واهتزَّت الأرجاء
لدويها. وقد أبى قائدها إلا أن يشهد بنفسه ترحيل رجاله عنها مستهدفًا لأشد الأخطار
حتى وقعت قنبلة بجانبه وأصابته شظاياها في وجهه، ثمَّ تبعتها قنبلة أخرى فألقته في
الذي غاص في اليم وراءه « فرج » البحر مُغمًى عليه، ولولا يقظة خادمه النوبي الأمين
وأسعفه على الفور لما قُدِّر لحسن الإسكندراني النجاة من هذا الحادث.
ولم تفل كارثة نافارين جهد محمد علي باشا ولم تثبط من عزيمته، فأخذ يبني السفن
ويصقل همم الرجال حتى تبوأ الأسطول المصري — بعد هزيمة نافارين — المرتبة الثالثة
بين أساطيل الدول.
ولما كانت مهمة إنشاء السفن من أعز أماني محمد علي باشا، فقد وقع اختياره على
حسن الإسكندراني لتولي إدارة دارصناعة السفن (ترسانة) في الإسكندرية. وقد كان حسن
عند حُسن ظن الوالي به، فتولى الإشراف المباشرعلى تجهيز الأسطول الجديد الذي أنُزِلَ إلى
البحرسريعًا وتكاثرت وحداته فيه حتى حسبت له الدول ألف حساب.
غير أنه ما لبث أن عاد الإسكندراني إلى ركوب البحر، فاشترك في ٨ ديسمبر سنة
مع الأسطول المصري بقيادة قائده العام عثمان « شير جهاد » ١٨٣١ على ظهر الفرقاطة
نور الدين باشا في دك حصن عكاء من البحر، وأسهم في خلال سنة ١٨٣٢ مع العمارة
المصرية في حملاتها في جزر الأرخبيل اليوناني، إلى أن استدعاه محمد علي باشا في أوائل
.« أبو قير » شهر أكتوبر وعهد إليه قيادة الفرقاطة رقم ٤ ولعلها المُسمَّاة
وقد اقترن شهر سبتمبر سنة ١٨٣٣ بانقلاب جوهري في حياة حسن الإسكندراني؛
التفات » إذ استقرَّ رأي محمد علي باشا على تزويجه من إحدى فتيات قصره عُرِفت باسم
وقد كان أبوها عبد الرازق عبد المحسن الغز من أسرة مماليك يرجع نسبهم .« بنت الغُز
، إلى قانصوه الغوري، وقد لقي حتفه في مذبحة قلعة الجبل في أول مارس سنة ١٨١١
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
وعلى إثر وفاته استجارت زوجته وبنته — وكان عمرها يتراوح وقتئذٍ بين ست وسبع
سنوات — بالوالي الذي فتح لهما أبواب قصره. ولم ينقضِإلا القليل حتى انتقلت الأم إلى
رحمة لله، فعهد محمد علي باشا بأمر تربية البنت إلى أوقماش قادن أفندي التي علمتها
الخمس والعشرين من عمرها زوَّجها محمد علي باشا إلى « التفات » القراءة. ولما ناهزت
حسن الإسكندراني وكان قد جاوز الأربعين بثلاث سنوات أو أربع. وقد تم عقد القران في
قصررأسالتين، وزُفَّت العروسمنه إلى دار التمرازية في مركبة من مركبات حرملك الوالي
مما دلَّ على منزلة العروسين الخاصة عند محمد علي باشا.
ولم يُنجب حسن الإسكندراني إلا ولدًا واحدًا اسمه محمد عبد المحسن، غير أن هذا
« علي محسن » وقد رُزِقَ منها « عصمت بنت عبد لله » الأخير تزوج مرتين: الأولى بعقده على
جمال » الذي تُوفي حوالي سنة ١٨٧٢ وهو في الثامنة عشرة من عمره، والثانية بعقده على
وقد رُزِق منها: محمد محسن باشا (الذي تزوج مديحة هانم يكن شقيقة عدلي يكن ،« فير
باشا)، وحسن محسن باشا (الذي تزوج الأميرة عزيزة حسن)، وأحمد إبراهيم محسن
باشا (الذي تزوج سنية هانم فخري حفيدة محمود نامي زميل حسن الإسكندراني).
وبعد تسعة أشهر من زواجه أقلع حسن الإسكندراني في ٢٨ يونيو سنة ١٨٣٤ على
الذي كان يقلُّ « التمساح » رأس قوة بحرية إلى يافا، حيث عهد إليه في حراسة الغولت
محمد علي باشا في رحلته. وبعد بضعة أشهر أخرى أبحر حسن بوحدات أسطوله لتفقد
شواطئ سوريا، وكان بمعيته الأمير محمد سعيد باشا ابن محمد علي.
وفي غضون سنة ١٨٣٥ تولى حسن الإسكندراني قيادة الفرقاطة رقم ٣، ولعلها
« طنطا » والقرويتين ،« البحيرة » و « مفتاح جهاد » والفرقاطتين ،« الإسكندرية » المُسمَّاة
التي عُهِد إليها بمهمة « بادئ جهاد » والإبريق ،« التمساح » والغولت ،« جناح بحري » و
نقل الذخائر والمؤن من الإسكندرية إلى طرسوس.
وقد استطاع حسن الإسكندراني بما أتاه لله من مقدرة وما عمُر به قلبه من
إيمان صادق أن يتقرَّب إلى محمد علي باشا وينال ثقته وتقديره، حتى عينه الوالي في
٢٧ سبتمبر سنة ١٨٣٥ نائبًا لقائد الأسطول، وولاه في أواخر شهر مايو سنة ١٨٣٧ نظارة
البحرية المصرية، وأنعم عليه برتبة الباشوية. ولما تُوفي السلطان محمود الثاني وخلفه على
عرش آل عثمان ابنه السلطان عبد المجيد في سنة ١٨٣٩ ، وعُيَّن خسرو باشا صدرًا أعظم،
أقلع الأسطول العثماني إلى الشواطئ المصرية وانضم إلى الأسطول المصري، فوقف حسن
،« مصر » الإسكندراني في ١٤ يوليو سنة ١٨٣٩ على ظهر الغليون رقم ٥، ولعله المُسَمَّى
على رأس قوة بحرية أمام ثغر الإسكندرية وتلقى من القائد العثماني أحمد باشا فوزي
استسلام وحداته التي كانت تُألَّف من تسعة غلايين وإحدى عشرة فرقاطة وخمسة قراويت
تحمل ١٦٫١٠٧ من الملاحين وآلايين من الجند يبلغ عددهم خمسة آلاف.
وقصة هذا التسليم تتلخص في أن الأسطول التركي أقلع من بوغاز الدردنيل بقيادة
القبودان أحمد فوزي باشا لمنازلة العمارة المصرية عقب انتصار إبراهيم باشا في وقعة
نزيب في ٢٤ يونيو سنة ١٨٣٩ ، وتغلغل الجيش المصري في آسيا الصغرى واحتلاله بيره
جك — على ضفة نهر الفرات اليسرى — ثمَّ عينتاب ومرعش وأورفه.
غير أن السلطان محمود الثاني تُوفي في أول يوليو سنة ١٨٣٩ وخلفه على عرشه
المحفوف بالصعاب نجله عبد المجيد وهو في السابعة عشرة من عمره، فآثر — بناءً على
مشورة صدره الأعظم خسرو باشا — الجنوح إلى السلم، وأرسل إلى مصر رسولًا يُدعى
عاكف أفندي لمهادنة محمد علي باشا مع تكليفه إعادة الأسطول العثماني إلى قواعده
بالآستانة.
ولما كان بين القائد البحري أحمد فوزي باشا والصدر الأعظم خسرو باشا من قديم
العداء مثل ما كان بين هذا الأخير وبين محمد علي باشا الذي نافسه في ولاية مصروأقصاه
عنها بعد أن تولاها في سنة ١٨٠٣ ، فقد ساورت الشكوك نفس القبودان العثماني وعظمت
وساوسه ورأى في استدعائه إلى الآستانة استدراجًا لعزل محتوم أو قتل محتمل.
وبينما كان يقلِّب كفٍّا على كفٍّ ويتساءل عن مصيره، إذا وكيله عثمان باشا يُزيِّن له أن
يلتجئ إلى محمد علي باشا — خصم خسرو باشا اللدود — ويقدِّم له العمارة التركية هدية
خالصة، فينال على يديه حسن الجزاء ويفلت من غياهب السجن أو من براثن الاغتيال.
لاقت هذه النصيحة قبولًا حسنًا لدى فوزي باشا، فرسا بسفنه في جزيرة رودس،
ومنها أرسل إلى محمد علي باشا يخبره بعزمه، ثمَّ واصل سيره إلى الإسكندرية وسلَّم وحداته
. إلى والي مصرفي منتصف شهر يوليو سنة ١٨٣٩
بقيت القطع البحرية العثمانية في حوزة محمد علي باشا منضمَّة إلى أسطوله حتى
تدخلت الدول الأوروبية في الأمر، فاتفقت إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا على
أن » إبرام معاهدة لندرة في ١٥ يوليو سنة ١٨٤٠ ، وقد تضمَّن ملحقها إلزام محمد علي باشا
يسلِّم الأسطول العثماني ببحارته ومهماته الكاملة إلى المندوب العثماني المكلف باستلامه،
ليس لمحمد علي باشا في أي حال » وإنه ،« ويحضررؤساء الأساطيل المتحالفة هذا التسليم
من الأحوال أن يحتسب على الباب العالي ما أنفقه على الأسطول العثماني من المصاريف
71
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
طول مدة إقامته في الموانئ المصرية، ولا أن يخصم هذه المصاريف من الخراج الواجب عليه
إلا أن محمد علي باشا رفضقبول مثل هذه المعاهدة الجائرة وملحقها؛ إذ إنه لم يدعَ «. دفعه
إلى الاشتراك في وضع نصوصهما، وأعلن تمسكه بالبلاد التي فتحتها جيوشه وأقرته عليها
معاهدة كوتاهية في ٥ مايوسنة ١٨٣٣ ، فصمَّم على عدم نزوله عن أيشبر من هذه الأراضي،
وأبلغ رفضه إلى الصدر الأعظم الذي بادر إلى استصدار فرمان بخلع محمد علي باشا من
الولاية على مصر. وسرعان ما غادر ممثلو الدول الأجنبية الأراضيالمصرية وأصبحت مصر
بمفردها في حالة حرب ضد تركيا وحلفائها، بعد أن سحبت فرنسا تأييدها السابق لمصر
وانسحبت من الميدان على إثر سقوط وزارة المسيو تيير المؤيدة لمحمد علي باشا في ٢٩ أكتوبر
سنة ١٨٤٠ وقيام وزارة المسيو سولت التي تولى فيها المسيو جيزو وزارة الخارجية.
حسن الإسكندراني باشا.
ضرب الأسطول البريطاني الحصار حول الإمبراطورية المصرية، وأسرعت جيوش
الحلفاء إلى الوقوف في وجه محمد علي باشا، فلما رأى بحكمته أن لا طاقة له بمحاربة
الحلفاء مجتمعين آثر أن يجنح إلى السلم وقبل جلاء الجيشالمصري عن سوريا والأناضول
ورد الأسطول العثماني إلى الباب العالي في مقابل تخويله ملك مصر الوراثي بضمانة
الدول. وقد أبُرم اتفاق بهذا المعنى في الإسكندرية في ٢٧ نوفمبر سنة ١٨٤٠ بين بوغوص
نائبًا عن بريطانيا العظمى، Napier بك يوسفناظر الخارجية المصرية والكومودور نابيير
Robert Stopford وتأيَّد هذا الاتفاق بمراسلات لاحقة تبادلها الأميرال روبرت ستوبفورد
قائد القوات البحرية البريطانية ومحمد علي باشا والصدر الأعظم.
وتنفيذًا لما تم الاتفاق عليه وصل إلى الإسكندرية في العاشر من يناير سنة ١٨٤١
مظلوم بك مدير الترسانة العثمانية، والفريق ياور باشا (وهو أميرال إنجليزي أصل اسمه
عهد إليه الباب العالي بالقيادة العامة للأسطول العثماني)، وأحمد أغا أمير Walker ولكر
الحج. وكانت مهمة الأول تقديم رسالة سلطانية إلى محمد علي باشا، ومهمة الثاني استلام
الأسطول، ومهمة الثالث الوصول إلى جدة في بلاد العرب لتسلُّم المهمات.
وفي الحادي عشر من يناير سنة ١٨٤١ رفع ياور باشا علمه على السفينة العثمانية
وحيَّتها باقي قطع الأسطول التركي الراسية في ميناء الإسكندرية. « المحمودية »
قادمة « طائر بحري » وفي يوم ١٧ يناير وصلت إلى الثغر السكندري السفينة العثمانية
من الآستانة وعليها بعضضباط البحرية العثمانية لتسلُّم وحدات أسطولهم. وبعد ظهر
الثالث والعشرين من يناير أبحر الأسطول العثماني مع ضباطه قافلًا إلى الآستانة ما عدا
أحمد باشا فوزي القبودان السابق وعثمان باشا وشريف أغا من كبار ضباطه، إذ تخلَّفوا
في مصروآثروا البقاء بالقرب من محمد علي باشا؛ لأن حكومة الآستانة اتهمتهم بالخيانة
العظمى لتسليمهم الأسطول العثماني إلى والي مصر. وقد رتَّب محمد علي باشا لفوزي
باشا مرتَّبًا ضخمًا قدَّروه بخمسمائة ألف فرنك سنويٍّا، كما أقطعه ألفي فدان من الأراضي
الزراعية.
وهكذا بقيت الوحدات العثمانية منضمة إلى الأسطول المصري وفي خدمة محمد علي
باشا حولًا كاملًا ونصف حول، من منتصف يوليو سنة ١٨٣٩ حتى أواخر يناير سنة
6.١٨٤١
١٩ . والأستاذ – ص ٣ ،« الذكرى المئوية لتثبيت محمد علي باشا الكبير وأسرته على عرش مصر » : 6 مؤلفنا
ص ٣٠٧ . والأميرال دوران فييل: ،« تاريخ الحركة القومية، عصر محمد علي » : عبد الرحمن الرافعي بك
. الجزء الثاني،ص ١٨٠ ،« حملات محمد علي وإبراهيم البحرية »
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
وفي شهر أبريل سنة ١٨٤٨ تولى ولاية مصرإبراهيم باشا ابن محمد علي — في حياة
أبيه — ولكن المنية عاجلته في العاشر من نوفمبر سنة ١٨٤٨ ، فتولى الحكم عباس باشا
الأول — ابن طوسون بن محمد علي — وكان محمد علي باشا لا يزال على قيد الحياة، وإنما
. كان يعاني مرضًا عضالًا قضىعليه في الثاني من شهر أغسطس سنة ١٨٤٩
وفي عهد عباس ساءت حالة البحرية المصرية وأخذت في الاضمحلال بعد أن كانت
قوية زاهرة، ويرجع ذلك إلى سببين: أولهما عام وهو إهمال الوالي شتى أعمال العمران،
وثانيهما خاص وهو كراهيته لعمه سعيد باشا الذي نشأ في البحرية وكان قائدًا عامٍّا
للأسطول المصري في عهد محمد علي. فحقد عباس على البحرية لحقده على سعيد فأهمل
شأنها، وتعطلت أعمال دار صناعة السفن ووقف إصلاح الوحدات البحرية، فسرى إليها
العطب وتناولها التلف.
غير أنه لما نشبت في ٣ يوليو سنة ١٨٥٣ الحرب بين تركيا وروسيا — بحجة حماية
هذه الأخيرة الكنيسة والإكليروساليوناني في الأراضيالمقدسة — طلب السلطان عبد المجيد
إلى عباس الأول أن يمدَّه بالجند والأساطيل وفاقًا للفرمانات الشاهانية، فلبَّى عباس نداءه
وفتح أبواب دار الصناعة البحرية المعطلة، وجهَّز على وجه السرعة أسطولًا عهد بقيادته
إلى حسن الإسكندراني باشا سادس أمراء البحار.
٢٤ رمضان سنة ١٢٦٩ ه) ) وبموجب إرادة سنية صادرة في أول يوليو سنة ١٨٥٣
تألَّف هذا الأسطول من اثنتي عشرة قطعة — عدا النقالات — بها ٦٤٢ مدفعًا و ٦٨٥٠
جنديٍّا بحريٍّا وموزعة على الوجه الآتي:
وبه مائة مدفع و ١٠٤٠ جنديٍّا بقيادة القائمقام طاهر بك. « مفتاح جهاد » الغليون
وبه مائة مدفع و ١٠٤٠ جنديٍّا بقيادة القائمقام خليل بك. « جهاد آباد » الغليون
وبه مائة مدفع و ١٠٤٠ جنديٍّا بقيادة القائمقام محمود بك. « الفيوم » الغليون
وبها ستون مدفعًا و ٦٣١ جنديٍّا بقيادة البكباشا مرجان قبودان. « رشيد » الفرقاطة
وبها ستون مدفعًا و ٦٣١ جنديٍّا بقيادة البكباشا خورشيد « شير جهاد » الفرقاطة
قبودان.
وبها ستون مدفعًا و ٦٣١ جنديٍّا بقيادة البكباشا أحمد « دمياط » الفرقاطة
شاهين قبودان.
وبها ستون مدفعًا و ٦٣١ جنديٍّا بقيادة البكباشا حجازي أحمد « البحيرة » الفرقاطة
قبودان.
حسن الإسكندراني باشا
وبها ثلاثون مدفعًا و ٣٧١ جنديٍّا بقيادة القائمقام عبد الحميد « النيل » الفرقاطة
قبودان.
وبه ٢٤ مدفعًا و ٢١٣ جنديٍّا بقيادة الصاغقول أغاسيزنيل « جناح بحري » القرويت
قبودان.
وبه ٢٤ مدفعًا و ٢١٣ جنديٍّا بقيادة الصاغقول أغاسي حسن « جهاد بيكر » القرويت
أرناءود قبودان.
وبها ١٢ مدفعًا و ١٧٩ جنديٍّا بقيادة الصاغقول أغاسي طاهر « الصاعقة » الغولت
قبودان.
وبه ١٢ مدفعًا و ١٧٩ جنديٍّا بقيادة الصاغقول أغاسيصالح « بروانه بحري » الوابور
قبودان.
أما الجيش، فقد بلغ مجموع رجاله ١٩٫٧٢٢ مقاتلًا مزودين باثنين وسبعين مدفعًا،
وعُهد بقيادتهم إلى سليم باشا فتحي أحد القواد الذين حاربوا تحت لواء إبراهيم باشا في
حروب سوريا والأناضول.
وعلى ذلك بلغ مجموع القوات البحرية والبرية ٢٦٫٥٧٢ جنديٍّا و ٧١٤ مدفعًا.
٢٧ رمضان سنة ١٢٦٩ ه) أصدر عباس باشا الأول من ) وفي ٤ يوليو سنة ١٨٥٣
قصربنها إرادتينباللغة التركية إلى إبراهيم ألفي بك محافظ الإسكندرية، هذا تعريب الأولى:
حيث إن السفينة التي سيركبها سعادة حسن باشا قومندان سفن الجهادية
المصرية يجب أن تكون منتظمة يقتضي تنظيم وفرش القمرات من جانب
الميري ومشترى طاقم سفرى أيضًا وتسليمه للسفينة المذكورة، وقد حُرِّرَ هذا
للمعلومية. 7
وهذا تعريب الثانية:
حيث إن الحالة تقضي بصرف ثلاثة أشهر مقدَّمًا للضباط الذين سيسافرون
بمعية سعادة حسن باشا قومندان سفن الجهادية من مساعد لغاية القائمقام
. ص ٧٧ ،« الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم » : 7 الأمير عمر طوسون
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
تحت الحساب من ماهياتهم لأجل مشترى ما يلزمهم، فلدى وصول ذلك إلى
علمكم بادروا بإجرائه، وحُرر هذا للمعلومية. 8
وفي التاريخ نفسه أصدر الوالي إفادة باللغة التركية إلى أمير الآلاي مصطفى بك المقيم
بالآستانة هذا تعريبها:
قد اقتضت إرادتنا بأن تكونوا بمعية سعادة حسن باشا المُعيَّن هذه المرة قومندانًا
على السفن المصرية، فلدى وصول ذلك إلى علمكم تصغون لأوامر وتنبيهات الباشا
المشار إليه وتنفذونها حرفيٍّا، وتجتهدون في عدم الانحراف عن أوامره ونواهيه.
وحُرِّرَ ذلك للإشعار. 9
٢٨ رمضان سنة ١٢٦٩ ه) أرسل حسن فؤاد المناسترلي ) وفي يوم ٥ يوليو سنة ١٨٥٣
باشا 10 كتخدا الجناب الخديوي إلى حسن باشا الإسكندراني إفادة هذا نصها:
بعد أنصار عرضملحوظاتكم الخاصة بإركاب عساكر البرية المقتضىإرسالهم
إلى الآستانة العلية في السفن التسع المُعدَّة للقيام بعد أيام قليلة، صدر النطق
الكريم بإركاب الأربعة الآلايات المجهزة وترحيلهم حين قيام هذه السفن، وبعد
ختام تعمير سفن القباق يصير إركاب الآلايين الباقيين وترحيلهما إلى المحل
المقصود، ثمَّ التصريح أيضًا للسفن بأن ترسو ببعضالموانئ لأخذ المياه حيث لا
يوجد مانع من ذلك. وحُرِّرَ هذا للمعلومية. 11
وفي أواخر شهر يوليو سنة ١٨٥٣ قدِم عباس باشا خصِّيصًا للإسكندرية لعرض
قطع الأسطول ووحدات الجيشقبل إبحارها، وخطب في رجالهما مشجِّعًا ومودِّعًا. وأقلعت
الحملة على ظهر السفن الحربية ونقالات أخرى، وألقت مرساها في مياه الآستانة يوم الأحد
. ص ٦٦ ،« الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم » : 8 الأمير عمر طوسون
. ص ٧٩ ،« الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم » : 9 الأمير عمر طوسون
10 حسن فؤاد المناسترلي باشا هو والد إبراهيم باشا فؤاد المناسترلي من وزراء العدل السابقين، وجد
محمد علي فؤاد المناسترلي وأمين بك فؤاد المناسترلي وزير مصرالمفوضفي أنقرة عاصمة تركيا.
. ص ٩٠ ،« الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم » : 11 الأمير عمر طوسون
٢٠ أغسطس سنة ١٨٥٣ — أي بعد رحلة استغرقت ٢٨ يومًا — لاضطرار المراكب إلى
الرسو في عدة مرافئ في طريقها للامترار ماء والتزويد زادًا.
وقد عسكر الجنود المصريون ردحًا من الزمان على ضفاف البوسفور، وزارهم
السلطان عبد المجيد في مضاربهم في بيكوس تجاه طرابية، وعرض فلولهم وأنعم على
كل قائد من القواد بعلبة للتبغ مرصَّعة بالماس، وأمر لكل ضابط براتب شهر.
ثمَّ مضى إلى ميدان ،«Varna وارنه » وبعد أيام أبحر الجيش المصري في نقالات إلى
وأولتنتزا Silistrie القتال على نهر الدانوب، ورابط معظم رجاله في مقاطعتي سلستريا
اللتين استهدفتا لإغارات عنيفة شنَّها الروس، فأبلى المصريون بلاءً حسنًا في Oltenitza
واستطاعوا في خلال سنة ،« بطابية العرب » الدفاع عنهما وأقاموا حصنًا منيعًا عُرِف
١٨٥٤ أن يقفوا الروسعند حدهم ويصدُّوا هجمات قائدهم الشهير المارشال باسكيفيتش
.Paskiévitch
أما الأسطول المصري، فقد وُزِّعَت قطعه بين مختلف الوحدات البحرية العثمانية،
إلى قطع القائد التركي عثمان باشا « براونه بحري » والوابور « دمياط » فانضمَّت الفرقاطة
وأبحر على رأس قوة تألفت من ثلاث « عون لله » الذي عقد لواءه على السفينة العثمانية
Sinope عشرة قطعة حربية عليها ٤٦٦٩ بحَّارًا ومزوَّدة ب ٤٥٦ مدفعًا إلى ثغر سينوب
الواقع على البحر الأسود.
وإليك بيان هذه القوة البحرية:
عليها ٦٠٠ بحار وبها ٦٠ مدفعًا. :« نظامية » السفينة
عليها ٥٠٠ بحار وبها ٥٦ مدفعًا. :« دمياط » السفينة
عليها ٥٠٠ بحار وبها ٥٢ مدفعًا. :« نافيك » السفينة
عليها ٥٠٠ بحار وبها ٥٢ مدفعًا. :« نظيم » السفينة
عليها ٥٠٠ بحار وبها ٥٠ مدفعًا. :« قائد » السفينة
عليها ٤٠٠ بحار وبها ٣٨ مدفعًا. :« فارسلي إيلات » السفينة
عليها ٤٠٠ بحار وبها ٣٦ مدفعًا. :« عون لله » السفينة
عليها ٢٠٠ بحار وبها ٢٤ مدفعًا. :« جل سفيت » السفينة
عليها ٢٠٠ بحار وبها ٢٤ مدفعًا. :« نجبى فشير » السفينة
عليها ٢٤٠ بحار وبها ٢٢ مدفعًا. :« فيضىمربوط » السفينة
عليها ٣٠٠ بحار وبها ١٦ مدفعًا. :« طايف » السفينة
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
عليها ١٧٩ بحار وبها ١٢ مدفعًا. :« براونه بحري » السفينة
عليها ١٥٠ بحار وبها ١٢ مدفعًا. :« أركلى » السفينة
وما إن رست هذه السفن في ميناء سينوب حتى فاجأها فيه أسطول روسي مكون
وما ،Nakhimoff من إحدى عشرة قطعة ومزود ب ٦٣٢ مدفعًا بقيادة الأميرال ناخيموف
لبث أن اشتبك الأسطولان في الثلاثين من نوفمبر سنة ١٨٥٣ في معركة بحرية أسفرت عن
انتصار أسطول الروس الذي كان يفوق خصمه عَددًا وعُدَدًا، فلحقت بالسفن العثمانية
خسائر فادحة قضت على جميع وحداتها بما فيها السفينتين المصريتين ما عدا السفينة
التي لاذت بأهداب الفرار منذ بداية الملحمة. « الطائف »
« رشيد » وأمَّا باقي الوحدات المصرية فقد انفصلت منها في بدء الأمر الفرقاطتان
وقامت ،« الصاعقة » والغولت « جهاد بيكر » و « جناح بحري » والقرويتان « شير جهاد » و
بحراسة جزر الأرخبيل بالاشتراك مع العمارة التركية، غير أنها أرُسلت بعد ذلك إلى البحر
الأسود حيث تولَّت نقل الجيوش من وارنه إلى شبه جزيرة القرم.
٩ شعبان سنة ١٢٧٠ ه) أقلع الأسطول العثماني تحت ) وفي يوم ٧ مايو سنة ١٨٥٤
قيادة أمير البحار التركي أحمد باشا قيصرلي والأسطول المصري تحت إمرة أمير البحار
المصري حسن الإسكندراني باشا من الآستانة إلى البحر الأسود، وانضمت وحداتهما إلى
أساطيل فرنسا وإنجلترا، ونازلت السفن الروسية في المعارك التي دارت رحاها هنالك.
وتشاء الأقدار أن يحاربحسن إسكندراني أخاه الإسكندر الذيكان قد بقيَ في القوقاز
وجُنِّدَ في الجيش الروسيوأن يجتمع به خلسةً ويعانقه بعد فراق جاوز نصف القرن.
وفي ليلة ١٤ يونيو سنة ١٨٥٤ أغُتيل عباسالأول في قصره ببنها وخلفه محمد سعيد
باشا — ابن محمد علي باشا — وعلى إثر صدور الفرمان الشاهاني بتوليته سافر سعيد
باشا إلى الآستانة لتقديم واجب الولاء للسلطان، فحضرإليه فيها محمد شنن القائد الثاني
للأسطول المصري وقدم له باسم رجال البحر المصريين فروض التهانئ بارتقائه الأريكة
المصرية. وما إن عاد سعيد باشا إلى مصر حتى واصل حرب القرم، وأرسل ابتداءً من
١٩ أكتوبر سنة ١٨٥٤ بقيادة أحمد باشا المنكلي النجدات إلى الجيش المصري المرابط فيها
حتى بلغ مجموع القوات البحرية والبرية المرسلة هناك في عهدَي عباس وسعيد ٥٠٫٦٥٧
مقاتلًا و ٧٦٨ مدفعًا.
وقد عانى المصريون هنالك في خلال شتاء عامَي ١٨٥٤ و ١٨٥٥ الشدائد والأهوال
من شدة البرد القارس، ولقي الكثيرون منهم حتفهم في ميادين القتال أو من فتك الأوبئة
وهو ثغر ،Eupatoria والأمراضالتي تفشَّت بينهم. وقد دافعوا دفاعًا مجيدًا عن إيباتوريا
من ثغور شبه جزيرة القرم احتلَّه الحلفاء لمهاجمة مواقع الروس الحصينة، وقد استُشهد
فيه سليم باشا فتحي القائد العام للجيش المصري.
أما حسن باشا الإسكندراني فقد أبحر في سنة ١٨٥٤ عائدًا على رأس أسطوله إلى
الآستانة لإصلاح بعض السفن، فهبَّت على سفنه في عرض البحر الأسود عواصف هوجاء
وتكاثر عليها الضباب فحال دون اجتيازها بوغاز البوسفور بسلام. وقد اشتدَّت العاصفة
في يوم ٣١ أكتوبر سنة ١٨٥٤ مما « الروم إيلي » عند مدخل البوغاز على مقربة من شاطئ
الذي كان يتولى الإسكندراني قيادته بالفرقاطة « مفتاح جهاد » أدى إلى اصطدام الغليون
التي كان يقودها محمد شنن بك، فغرق في أقل من ساعة ١٩٢٠ مقاتلًا كانوا « البحيرة »
على ظهريهما ولم ينجُ سوى ١٣٠ جنديٍّا، وكان في عِداد الغرقى حسن الإسكندراني ومحمد
شنن قائدا الأسطول المصري.
The « ذي اللستريتد لندن نيوز » وقد ورد نبأ هذه الفاجعة الأليمة في جريدة
الإنجليزية إذ نشرت بعددها الصادر في ٣ ديسمبر سنة Illustrated London News
١٨٥٤ ما ترجمته:
فُجِع السكان القاطنون بالقرب من البحر الأسود بفاجعة تُروِّع القلوب، وهي
غرق بارجتين على مسافة غير بعيدة من الآستانة. ففي ليلة ٣٠ أكتوبر سنة
١٨٥٤ عصفت بشواطئ هذا البحر عاصفة من أروع ما يذكره الناس، ولا بدَّ
أن تكون قد وقعت حوادث أخرى مروعة غرق فيها كثير من السفن، ولكن ليس
بينها ما هو أفظع من حادثة البارجتين المصريتين العائدتين من القرم. ففي
على بعد ميلين فقط من « البحيرة » الساعة الثامنة مساءً حمل الإعصار الفرقاطة
،« قره برنو » مصب البوسفور إلى منطقة الأمواج الخطرة التي ترتطم بصخور
وما هي إلا ساعة من الزمان حتى تحطمت السفينة ولم ينجُ من بحارتها البالغ
عددها أربعمائة سوى ١٣٠ أمكنهم أن يبلغوا الشاطئ أحياء.
وكان ،« مفتاح جهاد » أما البارجة الأخرى، وهي ذات ثلاث طبقات واسمها
على ظهرها الأميرال المصري، وهو على ما يُقال أمهر قائد بحري عند المصريين،
فقد شاركت زميلتها في نهايتها المحزنة إذ دفعتها العاصفة إلى حيث المياه قليلة
خطرة، وذلك في منتصف المسافة بين الآستانة ووارنه. ومن المؤلم أن نذكر أنه
غرق ٧٩٥ بحَّارًا — من بينهم الأميرال — من بحارتها البالغ عددها تسعمائة.
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
ولم يبقَ أي أثر من هذه البارجة المنحوسة يبين المكان الذي غرقت فيه. وقد
أنُزل الذين نجوا من بحارة البارجتين في الآستانة حيث كانوا موضع كثير من
الالتفات والعناية.
وقد تمكن حسن الإسكندراني 12 قبل غرقه أن يسلم خاتمه — الذي لم يفارقه قط —
إلى أحد عبيده الذين نجوا من تلك الكارثة الفادحة، وتشاء الأقدار أن يعود هذا العبد سالمًا
إلى مصرويحمل الخاتم الذي اؤتمن عليه إلى زوجة سيده.
وقد انتهت حرب القرم بفوز تركيا وحلفائها — فرنسا وإنجلترا ومملكة بيمونت
، (إيطاليا) ومصر— على الروس، وأبُرم الصلح في مؤتمر باريس في ٣٠ مارسسنة ١٨٥٦
وقد سلمت فيه روسيا بمطالب الفائزين.
وبذا أسدل التاريخ ستاره وأرخى الزمان سدوله على آخر حملة قامت بها وحدات
الأسطول الضخم الذي أنشأه محمد علي باشا الكبير. 13
12 لحسن باشا الإسكندراني صورتان في باريس: إحداهما — وهي المنشورة في هذا الكتاب — من
وموجودة في دار الكتب الوطنية، والأخرى معروضة في المتحف الحربي E.Lassalle ريشة الرسام لاسال
بفرساي. وقد أطُلق حسن باشا الإسكندراني على أحد شوارع الإسكندرية في حي كرموز.
.« الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم » : 13 المصادر العربية: الأمير عمر طوسون
والأستاذ عبد الرحمن الرافعي بك: .« صفحة من تاريخ مصر في عهد محمد علي » : والأمير عمر طوسون
.« تاريخ الحركة القومية »
Vice-Amiral Durand-Viel: “Les Campagnes navales de Mohammed Aly : المراجع الأجنبية
et d’Ibrahim”. Aimé Bingtrinier: “Soliman Pacha”. Georges Douin: “Les premières frégates
de Moahmed Aly”. Georges Douin: “Navarin”. L. Thouvenel: “Trois années de la Question
d’Orient, la Guerre de Crimée”. Jules Ladmir: “La guerre en Orient et dans la Baltique”
(1853–1856). Durfor: “Les Turcs et les Russes”. Nasmith: “History of the War in Russia
and Turkey”. Slade: “Turkey and the Crimean War”. Thomas Buzzard: “With the Turkish
.Army in the Crimea and Asia Minor