1 ورابع ولاة مصرمن الأسرة ،« عين الحياة قادن » هو ابن محمد علي باشا الكبير من زوجته
العلوية، وخامس أمراء البحار في الأسطول المصري في ذلك العهد الزاهر. وُلِدَ بالقاهرة يوم
٢٣ جمادى الثاني سنة ١٢٣٧ )، ونشأ في حِجر أبيه الذي ) الأحد ١٧ مارس سنة ١٨٢٢
كان يعزُّه ويُعنى بتربيته وتثقيفه، فأدخله في البحرية المصرية. وعلى إثر وفاة بيسون بك
لتعليم ابنه الأمير Houssart استقدم محمد علي باشا من فرنسا المسيو هوسار بك Besson
محمد سعيد الفنون البحرية، حتى إذا ما أحرز منها نصيبًا وافرًا انتظم في خدمة الأسطول
وفي أواخر سنة .« دمنهور » وعيَّنه والده قبودانًا برتبةصاغ قول أغاسيعلى القرويت المُسَمَّى
١٨٣٣ أبحر مع حسن باشا الإسكندراني وبعضوحدات الأسطول لتفقُّد شواطئ سوريا.
٢ رجب سنة ١٢٥٠ ) عيَّن محمد علي باشا ابنه ) وفي يوم ٤ نوفمبر سنة ١٨٣٤
الأمير محمد سعيد بك معاونًا لمصطفى مطوش باشاسرعسكر الدونانمة وناظر البحرية
بأنه حال وجوده بالدونانمة يلزم الامتثال » المصرية وقتئذٍ، وأصدر إليه أمرًا أشار له فيه
لأوامر مطوش باشا وعدم جلوسه إلا بأمره، وإجراء التعظيمات اللازمة إلى سر عسكر
المشار إليه وقت المرور عليه رعايةً لمنصبه كما هو مأموله فيه، وأن من البديهي حصول
تعظيم سعادته من الباشا المشار إليه حال وجودهما خارج الدونانمة حتى بذلك ينال
«. شرف الملك وتحصيل المعارف والآداب
أسوة بسائر » وقد حددت أوامر أخرى مرتب الأمير سعيد بك الشهري بمائة قرش
المساعدين بالدونانمة بناءً على استئذان مطوش باشا ناظر البحرية، وصُرِفَ ذلك المرتب
«. على حساب السفينة الموجود بها
بالإسكندرية في سنة ١٨٤٩ ، ودُفِنَت بمقابر الأسرة المالكة بالنبي دانيال. « عين الحياة قادن » 1 توفيت
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
الأمير محمد سعيد وهو طالب في البحرية المصرية.
غير أنه يبدو أن الوالي لاحظ في التسعة شهور الأول التي قضاها ابنه في البحرية نتائج
٢٦ ربيع الأول سنة ) غير مرضية دعته في الثاني والعشرين من شهر يوليو سنة ١٨٣٥
١٢٥٢ ) إلى إصدار أمر له هذا نصه:
صار مسموعي عدم التفاتك للدروسوميلك للراحة والرقاد ومعاشرة القبودانات
القدم الذين لا يدرون شيئًا من الآداب وترك مجالسة من تكتسب منه مسلك
الإنسانية، على أننا سبق نبَّهنا عليك بدوام الانتباه للدروس والسير بالمشي
والحركة لعدم حصول السمن، واللازم عليك الائتلاف بمن لهم معرفة بالأصول
الجديدة العارفين بالحالة والوقت، والاهتمام في تعلم تلك الأصول منهم حتى
لا يُقال أن محمد علي سيئ الخلق، وأن هذا السير ليس سير الآدمية، فلا تغير
نشأتك الأصلية. كما سبق النصح لك وتعظيم كبرائك والتزام التواضع مصداقًا
للحكم والأحاديث، وتسعى فيما يكون به علو شأنك. وبمنه تعالى سأحضر
للإسكندرية لامتحانك أمام أحد المدرسين، فإذا ظهر عدم الالتفات للدروس
وعدم إزالة ثقل جسمك، فرحمةً بحالك أجري تأديبك. بناءً عليه يلزم أن تترك
تلك الأدوار والسير على مقتضى هذا على الدوام على الحركة وإتعاب جسمك
وعدم الاجتماع على عادمي الأدب والاقتداء بسير فارس أفندي المدرِّس والتطبع
بأخلاقه لاتصافه بحسنها، وعدم تناول الطعام معه لاستنكافه بدعة استعمال
الشوكة والسكين لأنه صوفي. فيلزم الإصغاء لهذه النصائح وترك ما أنت عليه،
والميل والرغبة إلى التواضع لتكون مقبولًا عند والدك وعند الناس فضلًا عن علو
شأنك. 2
١٧ المحرم سنة ١٢٥٣ ) أصدر محمد علي باشا أمرًا ) وفي ٢٤ أبريل سنة ١٨٣٧
إن من محبتي الأبوية ومودتي نحوك قد عيَّنت لك أساتذة » : إلى الأمير سعيد قال له فيه
للتدريس لك، ولمعرفتي دوام تشويقك لتحصيل المعارف، ولمجرد سماعي بزيادة تفوق
ومهارة المدعو قيوده الرسام في الرسم وعلمَي الحساب والهندسة، قد حررت إلى مختار
بك (هو مصطفى مختار بك مدير المدارس) لإرساله لطرفك، فعند وصوله يلزم المبادرة
بالسعي في تحصيل الدروس كما ينبغي لتكون من ذوي المعارف، إذ بالسعي والاجتهاد
3«. تنال السعادة والعز، ومطلوبي بذل مجهودك في تحصيل رضاء والدك
واليوزباشاة Koenig وفي سنة ١٨٤٠ جعل محمد علي باشا في معية ابنه المسيو كونج
عرفان قبودان (عرفان باشا) وذو الفقار قبودان (وهو ذو الفقار باشا الذي صار فيما
بعد ناظرًا للخارجية) وسرهنك قبودان (والد إسماعيلسرهنك باشا) بوظيفة مفردات.
ولما تُوفي مصطفى مطوش باشا القائد العام للقوات البحرية في سنة ١٨٤٣ نصَّب
محمد علي باشا مكانه ولده الأمير محمد سعيد باشا، فكان أمير البحار الخامس في عصر
أبيه الكبير بعد إسماعيل جبل طارق، ومحرم بك، وعثمان نور الدين باشا، ومصطفى
بني » مطوش باشا، وأصبح سر عسكرًا عامٍّا للدونانمة المصرية وسواريٍّا للغليون المُسَمَّى
وصار هو سار بك أميرالًا ثانيًا ومعه اليوزباشا منوبلي مترجمًا له. 4 ،« سويف
. الجزء الثاني،ص ٤٤٠ ،« تقويم النيل وعصرمحمد علي باشا » : 2 أمين سامي باشا
. الجزء الثاني،ص ٤٨٤ ،« تقويم النيل وعصرمحمد علي باشا » : 3 أمين سامي باشا
الجزء الثاني،ص ٢٤١ . والأمير عمر طوسون: ،« حقائق الأخبار عن دول البحار » : 4 إسماعيلسرهنك باشا
. ص ١٣٦ ،« صفحة من تاريخ مصرفي عهد محمد علي »
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
وكانت لسعيد باشا زوجتان، هما:
مساحته ٤٫٨٧٠ ،« بأبعادية دمنهور » وهي صاحبة وقف مشهور :« إنجي هانم »
فدَّانًا، شرطت صرف ريعه على عتقائها وخدمتها وأغواتها وعتقاء زوجها. وقد
تُوفِّيَت في الإسكندرية في ٥ سبتمبر سنة ١٨٩٠ عن غير عقب، ودُفنت بمقابر
الأسرة المالكة بالنبي دانيال.
ولها وقف بمديرية البحيرة مساحتها ٢٫٣٩٠ فدانًا، وقد تُوفيت :« وملك بر هانم »
في شهر أكتوبر سنة ١٨٩٠ ودُفِنَت بالنبي دانيال. وقد رُزِقَ منها سعيد باشا
« الأمير محمد طوسون » الذي تُوفي في سنة ١٨٤٦ ، و « الأمير محمود » : ولدين هما
الذي وُلِدَ في سنة ١٨٥٣ وتوفي في ١٠ يوليو سنة ١٨٧٦ ، وهو والد الأمير
من زوجته الأولى الأميرة فاطمة « الأميرة عصمت » و « محمد جميل طوسون »
من زوجته الثانية هيجار قادن، « الأمير محمد سعيد طوسون » إسماعيل، و
الأميرة أمينة » من زوجته الثالثة بهشات هور هانم، و « الأمير عمر طوسون » و
من زوجته الرابعة تيفر هانم. « إنجي طوسون
ولما اغتِيل عباسالأول في قصره ببنها في ليلة ١٤ يوليو سنة ١٨٥٤ أرادت جماعة من
أنصاره وعلى رأسهم إبراهيم باشا الألفي أن يولُّوا من بعده نجله إبراهيم إلهامي باشا الذي
كان وقتئذٍ بأوروبا، فاتفقوا على استدعائه وعلى إقصاء محمد سعيد باشا الذي كان مقيمًا
بقصره بالقبَّاري بالإسكندرية، فكتبوا سِرٍّا إلى إسماعيل سليم باشا محافظ الإسكندرية
وأبلغوه بما اتفقوا عليه، وطلبوا إليه القيام بتصريف الشئون العامة في الثغر حتى يحضر
إلهامي باشا من الخارج. غير أن سليم باشا لم يشاطرهم هذا الرأي وكان يرى أن سعيد
باشا أحق بالولاية طبقًا لنظام توارث العرش، فقصد من فوره إليه وأنهى إليه فحوى
الرسالة التي وردت إليه، فشكره سعيد باشا على إخلاصه واستصحبه إلى قصررأسالتين
حيث أعلن على الملأ اعتلاءه على العرش، وأجُريَت حفلة الجلوسوأطُلِقَت المدافع. ثمَّ سافر
سعيد باشا إلى القاهرة يحيط به أمراء الأسرة العلوية، فلما وصل إليها ذهب إلى القلعة
.( ١٩ شوال سنة ١٢٧٠ ) وتولى زمام الحكم في يوم ١٤ يوليو سنة ١٨٥٤
وما إن استوى سعيد باشا على عرشمصرحتى نهضت البلاد وأدرك الإصلاح مختلف
شئون الدولة.
فالنسبة إلى الملكية العقارية أول ما اتجه إليه فِكر الوالي إصدار أمر في سنة ١٨٥٤
فرض فيه على أصحاب الأبعاديات والشفالك وكافة الأراضي التي لم تكن تدفع مالًا أن
أيضًا من جميع الأطيان « العشور » يؤدُّوا عشر حاصلاتها عينًا، ثمَّ أمر بوجوب تحصيل
على أن أعظم مأثرة لسعيد باشا إنما وضعه .« بالعشورية » والأواسي، فعُرِفت هذه الأراضي
التي صدرت بموجب أمر عالٍ تاريخه « اللائحة السعيدية » لائحة الأطيان المشهورة باسم
٥ أغسطسسنة ١٨٥٨ ، خوَّل الفلاحين حق الملكية العقارية للأراضيالزراعية بعد أن كان
الفلاح محرومًا من هذا الحق في العهود السابقة، وألغى نظام احتكار الحاصلات الزراعية،
وخفف عن كاهل الأهالي عبء الضرائب، وألغىضريبة الدخولية، وتجاوز عن ٨٠٠٠٠٠
جنيه مما تأخر عليهم، ورَّغب إليهم سداد الضريبة نقدًا لا عينًا، وقام بإعادة مساحة بعض
أطيان القطر المصري.
الأمير محمد سعيد وهو أمير البحار في الأسطول المصري.
وبالنسبة إلى أعمال العمران عهد سعيد باشا إلى ١١٥٫٠٠٠ عامل مهمة تطهير ترعة
المحمودية التي لم تُطهَّر منذ إنشائها في عهد محمد علي باشا، كما أتم الخط الحديدي
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
من كفر الزيات إلى القاهرة، وأنشأ خطوطًا تلغرافية فيما بين العاصمة والإسكندرية
والسويس، وبدأ توسيع ميناء السويس، وأنشأ حوضًا جافٍّا لإصلاح السفن.
وبمقتضىعقد مُؤرَّخ في ٣٠ نوفمبر سنة ١٨٥٤ منح سعيد باشا المسيو فرديناند دي
ليسبس امتيازشركة عامة لحفر قناة السويس واستثمارها لمدة ٩٩ سنة ابتداءً من تاريخ
، فتح القناة للملاحة. وقد نصَّعلىشروط الامتياز في عقد لاحق تاريخه ٥ يناير سنة ١٨٥٦
فتألَّفت الشركة في سنة ١٨٥٨ وبُدئ في حفر القناة في الخامس والعشرين من أبريل سنة
.١٨٥٩
وبالنسبة إلى الشئون المالية عقد سعيد باشا في سنة ١٨٦٢ أول قرض من البيوت
بلندن « فروهلنج وجوشن » الأجنبية، ومقداره الأسمى ٣٫٢٤٢٫٨٠٠ جنيه إنجليزي من بنك
بفائدة ٧٪، في حين أن قيمته الحقيقية ٢٫٤٠٠٫٠٠٠ جنيه أي بخسارة ٨٠٠٫٠٠٠ جنيه
من رأس المال، وتعهَّدت مصربوفاء هذا الدين على ثلاثين سنة، وقد حُدِّدت قيمة القسط
السنوي من رأسمال وفوائد ب ٢٦٤٫٠٠٠ جنيه، أي أن جموع الأقساط بلغ ٧٫٩٢٠٫٠٠٠
جنيه في حين أن أصل الدين ٢٫٤٠٠٫٠٠٠ ، وفيما عدا هذا القرض الثابت استدان سعيد
باشا ديونًا سائرةً (سندات على الخزانة) بلغ مجموعها عند وفاته ٧٫٨٦٨٫٠٠٠ جنيه.
وبالنسبة إلى العلوم عهد سعيد باشا إلى ماريت باشا جمع الآثار المصرية في مخازن
أعُِدَّت لها في بولاق، وكلف محمود باشا الفلكي السفر إلى دنقلة لرصد كشوف الشمس
بها، فقام بهذه المهمة وحقق اثنين وأربعين موقعًا من المواقع الفلكية بين أسوان ودنقلة،
ووضع بعد عودته خريطة مفصلة للقطر المصري.
أما التعليم فقد أصابهشيءٌ من الاضطراب وعدم الاستقرار، إذ:
.« ديوان المدارس » ألغى
، ببولاق، وأعُيد فتحها في سنة ١٨٥٨ « مدرسة المهندسخانة » وفي سنة ١٨٥٤ ألُغيَت
نُقِلت إلى القلعة السعيدية بالقناطر الخيرية. « مدرسة حربية » وتحوَّلت إلى
بقصر العيني، ثمَّ أعُيد فتحها في سنة ١٨٥٦ وأنُشئت « مدرسة الطب » وأقُفلت
.« مدرسة للقابلات » بها
.« مدرسة المفروزة » وفي سنة ١٨٥٥ ألُغيَت
بالقلعة ومُنحت بعض المدارس الأجنبية « مدرسة أركان حرب » غير أنه أنُشئَت
— فرنسية وأمريكية وإيطالية — إعانات لمساعدتها على فتح معاهدها ونشر
ثقافتها، في حين فترت حركة البعثات العلمية، فلم يُرسل إلى أوروبا سوى أربعة
عشر طالبًا.
وبالنسبة إلى الشئون الحربية قرر الوالي قصرمدة الخدمة العسكرية على سنة واحدة،
وجعلها في الوقت نفسه إجبارية للجميع، حتى بلغ عدد رجال الجيش في سنة ١٨٦٠ أربعًا
وستين ألف جندي، كما عُني بترقية حال الجنود والترفيه عليهم من جهة الغذاء والمسكن
بالقناطر الخيرية لصد هجمات الأعداء « القلعة السعيدية » والملبس وحسن المعاملة، وأنشأ
عن القاهرة.
أما البحرية، فقد أهمل سعيد باشا شأن أسطولها الحربي إذ أصدر إليه الباب العالي
أمرًا — بناءً على طلب إنجلترا وإلحاح سفيرها في الآستانة على السلطان — بالكف عن
إصلاح سفن الأسطول وإنشاء سفن جديدة إلا بأمره. ولما رأى سعيد باشا أن معظم
السفن الراسية أمام دار الصناعة بالإسكندرية لا تصلح للقتال إلا بعد تصليح وترميم،
وأنها إذا أهُمِلت أصابها التلف؛ أمر بتكسيرها وباع أخشابها وسرح معظم ضباطها. على
أن اهتمام الوالي انصرف إلى الملاحة التجارية الداخلية والخارجية، فأنشأشركتين للملاحة،
غرضها « الشركة المصرية للملاحة التجارية » إحداهما نيلية أسُِّسَت في سنة ١٨٥٤ وسُمَّيت
نقل الحاصلات والمسافرين بطريق النيل على مراكبها، والأخرى بحرية أسُست في سنة
لتسيير البواخر في البحرين الأبيضوالأحمر. « القومبانية المجيدية » ١٨٥٧ وسُمِّيت
وقد اشتركت مصر في عهد سعيد باشا في حربين: حرب القرم (من سنة ١٨٥٤ إلى
.( سنة ١٨٥٦ )، وحرب المكسيك (من سنة ١٨٦٢ إلى سنة ١٨٦٧
فقد واصل سعيد باشا حرب القرم التي بدأت في عهد سلفه عباس الأول، وأرسل
النجدات إلى الجيش المصري المُرابط فيها حتى بلغ عدده ٣٠٫٠٠٠ مقاتل. وقد عانى
المصريون هنالك في خلال شتاء عامي ١٨٥٤ و ١٨٥٥ الشدائد والأهوال من شدة البرد
القارس، ولقي الكثيرون منهم حتفهم في ميادين القتال أو من فتك الأوبئة والأمراضالتي
وهو ثغر من ثغور شبه ،Eupatoria تفشَّت بينهم. وقد دافعوا دفاعًا مجيدًا عن إيباتوريا
جزيرة القرم احتله الحلفاء لمهاجمة مواقع الروس الحصينة، وقد استُشهد فيه سليم باشا
فتحي القائد العام للجيش المصري، كما استُشهد حسن باشا الإسكندراني القائد العام
، للأسطول المصري ومحمد شنن بك من قواد البحرية المصرية في يوم ٣١ أكتوبر سنة ١٨٥٤
إذ هبَّت رياح عاصفة على سفينتيهما في عرضالبحر الأسود وتكاثر عليهما الضباب عند
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
الذي كان يقلُّ حسن « مفتاح جهاد » مدخل بوغاز البوسفور، مما أدى إلى اصطدام الغليون
التي كان يقودها محمد شنن بك، فغرق « البحيرة » الإسكندراني باشا بالفرقاطة المصرية
في أقل من ساعة ألف وتسعمائة وعشرون مقاتلًا كانوا على ظهريهما، ولم ينجُ سوى مائة
وثلاثين جنديٍّا. وقد انتهت حرب القرم بفوز تركيا وحلفائها — فرنسا وإنجلترا ومملكة
بيمونت ومصر— على الروس، وأبُرِمَ الصلح في مؤتمر باريس في ٣٠ مارس سنة ١٨٥٦
وقد سلمت فيه روسيا بمطالب الفائزين. 5
أمَّا حرب المكسيك فلها قصة، ذلك أن أهل المكسيك كانوا قد أساءوا معاملة الأجانب
الفرنسيين والإسبانيين والإنجليز، وكانوا ينتهزون فرصة قيام أقل شغب في البلاد لنهب
أموالهم وسلب بضائعهم. فلما كثرت الشكوى اتفقت فرنسا وإنجلترا وإسبانيا على أن
تشترك معًا في محاربة المكسيك، وأمضىسفراؤهم في لندرة اتفاقًا في أكتوبر سنة ١٨٦١
على القيام بعمل مشترك. وفي ديسمبر سنة ١٨٦١ احتلت إسبانيا مدينة فيراكروز، وتولت
إنجلترا مراقبة شواطئ المكسيك بأسطول قوي، في حين أرسل نابليون الثالث إمبراطور
فرنسا الأميرال جورين على رأس ثلاثمائة مقاتل لمحاربة أهل تلك البلاد. إلا أن رئيس
تمكَّن بدهائه السياسي من الاتفاق مع الإسبانيين Juarez جمهورية المكسيك جواريز
والإنجليز حتى تخلَّوا عن حليفتهم فرنسا. فاضطرت فرنسا وقد انفردت بالحرب ضد
المكسيكيين إلى إرسال نجدات جديدة إلى تلك البلاد. غير أن الأمراضفشت بين الفرنسيين
وفتكت بهم فتكًا ذريعًا ولا سيَّما أن الفرنسيين لم يتحملوا حر بلاد المكسيك وتقلُّب
الطقس فمات منهم عدد كبير. فكَّر نابليون الثالث في أن يستعين بالجنود المصريين الذين
اعتادوا حر مصروالسودان، فطلب من سعيد باشا — وكان صديقًا حميمًا له — أن يمدَّه
بالجند، فلبى سعيد باشا الطلب وأرسل إليه الكتيبة السودانية — وكانت مؤلفة من ١٢٠٠
جندي — فأبحرت من الإسكندرية في ٢٣ فبراير سنة ١٨٦٣ وأبلت هنالك بلاءً حسنًا،
وعاد ما «. إن هؤلاء ليسوا جنودًا، بل هم أسود » : حتى قال عنها قائد الجيش الفرنسي
Aimé Vingtrinier: .« الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم » : 5 الأمير عمر طوسون
“Soliman Pacha”. P. 572. Merruau: “L’Egypte contemporaine”, P. 42; L. Thouvenel: “Trois
années de la Question d’Orient, La guerre de Crimée”; Jules Ladmir: “La guerre en Orient
et dans la Baltique” (1853–1856); Nasmith: “History of the war in Russia and Turkey”;
.Slade: “Turkey and th Crimean War”
تبقى منهم — وعددهم ٣٠٠ مقاتل — إلى مصرفي شهر مايو سنة ١٨٦٧ بعد أن انتصر
الثوار المكسيكيون وأعدموا الإمبراطور مكسمليان رميًا بالرصاص، وهو الذي فرضه عليهم
نابليون الثالث، فاضطر الفرنسيون إلى الجلاء عن البلاد، وهكذا اشتركت مصرفي قتال لم
يكن للمصريين ولا للسودانيين فيه ناقة ولا جمل! 6
أما نظام الحكم المصري في عهد سعيد باشا فقد ظل حكمًا مطلقًا يتولاه الوالي، إذ
كان يجمع في يده السلطات الثلاث: التنفيذية والقضائية والتشريعية.
قائمًا بنظر المسائل « المجلس الخصوصي » أما بالنسبة إلى السلطة التنفيذية: فقد بقي
العامة للحكومة وسن اللوائح والقوانين وترتيب النظم العمومية وتنصيب رؤساء المصالح.
وفي سنة ١٨٥٧ أعاد سعيد باشا تنظيم الدواوين، فجعل منها أربع وزارات هي:
وزارة الداخلية: وقد عهد بها إلى الأمير أحمد رفعت.
ووزارة المالية: وقد أسُنِدَت إلى الأمير مصطفى فاضل.
ووزارة الحربية: وقد تولاها الأمير محمد عبد الحليم.
ووزارة الخارجية: وقد تقلدها أسطفان بك.
الذي كان بمثابة « مجلس الأحكام » أما السلطة القضائية: فقد وزَّع اختصاصها على
التي أنُشئت للفصل في « مجالس الأقاليم » و ،« المحاكم الشرعية » هيئة استئنافية عليا، و
الذي أنُشئ للفصل « قومسيون مصر » ثمَّ ،« مجالس التجار » المسائل المدنية والتجارية، و
على أن أهم إصلاح .« مجلس الأحكام » في قضايا الأجانب وكانت تُستأنف أحكامه أمام
قضائي تم في عهد سعيد باشا أنه نال من السلطان حق اختيار القضاة بعد أن كان العمل
الذي يولِّيه الباب العالي هو الذي يختار القضاة وهو الذي « قاضيالقضاة » جاريًا على أن
يعينهم.
« مجلس الأحكام » و « المجلس الخصوصي » وأمَّا بالنسبة إلى السلطة التشريعية: فكان
— وكانا بمثابة الهيئتين التشريعتين في البلاد — يشتركان في وضع اللوائح وسن القوانين.
الجزء الثاني، ص ٢٧٦ . والأمير عمر ،« حقائق الأخبار عن دول البحار » : 6 إسماعيل سرهنك باشا
،« نفحات تاريخية » : وعزيز خانكي بك .« بطولة الأورطة السودانية المصرية في حرب المكسيك » : طوسون
Egon César Comte Corti; . سنة ١٨٩٤ ، ص ١٠٤ La Revue d’Egypte ص ١٢٠ . والبحث المنشور في
.“Maximilien et Chalotte du Mexique”; Emile Ollivier: “L’Expédition du Mexique”
61
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
فأمر بإلغائه، ثمَّ أعاد تأليفه « مجلسالأحكام » على أن سعيد باشا غضب في سنة ١٨٥٥ على
في سنة ١٨٥٦ وأسند رياسته إلى إسماعيل باشا، ثمَّ عاد وأمر بإلغائه في سنة ١٨٦٠ ، كما
وعيَّن « مجلس الأحكام » غير أنه عاد في سنة ١٨٦١ وأعاد .« مجالس الأقاليم » ألغى أيضًا
.« مجالس الأقاليم » محمدشريف باشا رئيسًا له، كما أعاد
وقد قام سعيد باشا إبَّان حكمه بأربعة أسفار: في السودان في أوائل سنة ١٨٥٧ ، وفي
سوريا في خلال سنة ١٨٥٩ ، وفي الحجاز في أوائل سنة ١٨٦١ ، وفي أوروبا في غضون سنة
.١٨٦٢
في أوائل سنة ١٨٥٧ زار سعيد باشا السودان، ووصل إلى الخرطوم في ١٦ يناير
سنة ١٨٥٧ ، وتفقد شئون هذا القُطر ووقف على أحواله واستمع إلى شكايات
سكَّانه، فأعفى الأهالي مما تأخر عليهم من الأموال، وخفض الضرائب المفروضة
عليهم ووضع قاعدة ثابتة لتقدير قيمتها، وقرر عزل الموظفين الترك الذين كانوا
« كروسكو » موضع شكوى الأهالي لسوء معاملتهم لهم. وأنشأ محطات فيصحراء
لتسهيل نقل البريد والمسافرين بين مصر والسودان، وأنشأ نُقَطًا عسكرية لمنع
تجارة الرقيق ومطاردة النخاسين، وعضد الرحلات والكشوفالجغرافية في أنحاء
السودان.
وفي سنة ١٨٥٩ زار الوالي سوريا وأناب عنه في مصرمدة غيابه ابن أخيه إسماعيل
باشا.
وفي أوائل سنة ١٨٦١ قصد سعيد باشا إلى الحجاز تحيط به حاشية عسكرية
مكوَّنة من ألفي رجل. وقد بدأ رحلته في ٢٣ يناير سنة ١٨٦١ ووصل إلى المدينة
المنورة في ١٢ فبراير وغادرها في يوم ١٧ منه، وسار إلى ينبع ومنها استقل
إلى السويس، فبلغها في يوم ٢٨ فبراير، ولعل الغرض من تلك « نجد » الباخرة
الرحلة انتحال عذر لعدم إجابة السلطان إلى استدعائه إياه إلى الآستانة!
وفي غضون سنة ١٨٦٢ سافر الوالي إلى أوروبا ليستشفي من مرضعضال أصابه
ولم ينجع فيه دواء، غير أنه عاد إلى الإسكندرية في أواخر سنة ١٨٦٢ والداء قد
استعصىعلاجه، فما زال يشتد به ويهد من قواه حتى أدركته المنية وتُوفي وهو
٢٧ رجب سنة ١٢٧٩ ه). ) في الثغر في صبيحة الثامن عشرمن يناير سنة ١٨٦٣
فمات رابع ولاة مصرمن الأسرة العلوية وله من العمر اثنان وأربعون عامًا بعد أن
تربَّع في دست الحكم ثماني سنوات وستة أشهر وخمسة أيام، ودُفِن بالإسكندرية بالصالة
الكبرى بمسجد النبي دانيال