اختفى كل شيء من حوله، اختفت الطبيعة والشمس، لم يعد هناك عشب، حتى تلك الشابة الشقراء لم يعد لها وجود. اختفى كل شيء من حوله، ولم تعد عيناه مسلطتين سوى على تلك المرآة الهائلة التي يصل طولها حد السماء. لم تمر ثوان حتى لمسها لتنكسر محدثة انفجاراً مفجعاً، ويتحول كل جزء منها لفتات متطاير. سمع صراخاً وعويلاً، أطفال تبكي، مبانٍ وبيوت تنهار، أراضٍ تغرق، شعوب تفنى وحضارات تندثر لكنه لم يهتم. لم يشغل باله سوى تحقق الحلم والمراد، حلمه الذي سعى نحوه خلال كل ذلك الدهر وبذل في سبيله كل ما يملك. خسر لأجله كل شيء بما في ذلك إنسانيته، فكم من الأرواح تسبب في إزهاقها، وكم من الأشخاص قام بخيانتهم، لكن في النهاية مع رؤيته للأجزاء الأخيرة للمرآة متطايرة قد علم أنه صار حُراً، حُراً من تلك المرايا، ومن تلك الأرض ويمكن أن يجتمع شمله بقومه.
اتسعت ابتسامته ولمعت عيناه مسقطة دموعها وهو يرى الضوء الساطع المتكون من تدمر المرايا بأجمعها، فقد حلت النهاية، لقد تحرر أخيراً، أغمض عينيه بسعادة لكنه عند فتحهما مجدداً، كان كل شيء قد عاد، الطبيعة، الشمس، العشب، والمرآة الهائلة سليمة بلا أي خدش؛ فقد كانت تلك رؤيا فحسب.
فكر بإحباط بينما هو يشعر بخطوات الشقراء تقترب منه، مؤخراً بدأ بالشعور بعاطفة ما نحوها، لكنه لا يستطيع؛ فذلك سيدمر كل ما فعله لإتمام مهمته والقضاء على عدوه الذي طالما رأى صورته داخل تلك المرايا، لم تظهر ملامح لعدوه مطلقاً، ليس سوى أنه ملتف بالسواد ويمسك بقوس ما، لكن النهاية قد أوشكت، وقريبا للغاية سيقف بذلك الموضع نفسه مجدداً ليحقق رؤياه، قريبا للغاية سيعود.
***