طفل صغير اخترقت الشظايا صدره ومزقته إربا إربا، امرأه تبكي بحرقة فقدان زوجها شاب في مقتبل العمر يبكي لموت شقيقته الوحيدة والتي دعَ الله كثيرا أن يرزقه إياها بحرقة قلب رجل في جوف الليل يتمنى أن يرزقه الله ولد ليحفظ نسله فتاة تراسل حبيبها المفقود منذ فترة ولا يجيبها، طالب جامعي يهرب من منزله ليلحق بركب الملتحقين بالمسلحين، وآخر يترك جامعته ويتوجه إلى الجيش من أجل الدفاع عن وطنه، رجل يدخل المسجد من أجل الآذان وأخر يتوجه إلى الكنيسة من أجل دق أجراسها ويرفع الآذان من البرج المتواجد في الكنيسة ورجل مسيحي يدخل المسجد من أجل شربة ماء، وآخر يبكي دمًا على خسارته حبيبته؛ وأنا تائه في شوارع الحب أهيم على وجهي في دمشق أتنشق الياسمين، والنارنج ورائحه القهوة مع الهال المنبعث من أحد المنازل في حارات دمشق القديمة ووحده المسيطر على كل شيء هدوء الليل الذي لا يخلو في بعض الأوقات من نباح الكلاب أو مواء الهررة.
الرياح تعصف بالمكان من كل حدب وصوب تبشر بقرب نوبة من الصقيع امرأه تناجي زوجها من أجل إحضار الوقود لتدفئة أطفالها، رجلان يجلسان على حافة الرصيف، وإحداهما يشكي للأخر عن ارتفاع الأسعار وتفشي البطالة وقلة العمل، والآخر يشكي عن سوء الوضع الصحي وعن عجزه في تأمين المال من أجل علاج ولده وفلذة كبده المصاب بمرض السرطان، وثالث يأتي ويدخل في أطراف الحديث ليشكي لهم عن تلاعب المفسدين بعقل ابنه الذي يبلغ من العمر عشرون عامًا وإدخاله في عالم المخدرات، ووحده ذلك الصوت الذي يكسر صمت الليل ويبقى هو الشيء الوحيد المسيطر على الموقف، صوت المدفع حيث لا قوة تعلو فوق سُلطة المدفع توحي بحرب ضروس فتحملي يا دمشق واصبروا يا سكان الشام صوت مدفع ورصاص يخترق المكان وبالقرب مني في ذلك المكان يعلو صوت انفجار تلاه صوت صراخ وبكاء أطفال ونساء، إذًا هي الحرب إذًا هي الحرب!
***