قُرْب منتصف النهار، وصل المطارِدون الثلاثة بغتةً إلى منعطف في قاعِ مجرًى مائي يطل
على وادٍ رَحْب وشاسع للغاية. كان الحصى الخشن والملتوي في قاع المجرى الذي سلكوه
أثناء تعقُّب أثر الهاربين؛ يمتد ليصل إلى منحدر عريض، حيث توقَّفوا جميعًا عن تعقُّب
الأثر، ثم امتطَوْا جِيادهم حتى وصلوا إلى ربوة صغيرة ذات أشجار خضراء داكنة، وهناك
توقَّفَ ثلاثتهم مجددًا؛ صاحب اللجام المُرصَّع بالفِضة، ويليه الرجلان الآخَران.
ظلوا لبعض الوقت يعاينون بعيون متلهفة المساحةَ الفسيحة الممتدة أسفلَ منهم.
كانت الأرضالجرداء تمتد لمسافات شاسعة جدٍّا، وتخلو إلا من بعضِالشجيرات الشائكة
اليابسة المتناثرة هنا وهناك، والآثارِ الباهتة لمجرًى — صار الآن جافٍّا من المياه — يخترق
وسط الأرضالمقفرة بالحشائش المصفرَّة الجافَّة. تنصهر المساحات الأرجوانية في النهاية
مع المنحدرات ذات اللون الضارب إلى الزُّرقة للتلال الممتدة بعيدًا — تلال قد تكون أكثر
اخضرارًا نوعًا ما — ومن فوقها بزغت قممُ الجبال التي تكسوها الثلوج، والتي تبدو
وكأنها معلَّقة في زُرقة الفضاء، وتمتد لمسافة أوسع وأكثر انحدرًا جهةَ الشمال الغربي؛
حيث تجتمع أطرافالوادي. وفي اتجاه الغرب، يتَّسع الوادي حتى الأطرافالمعْتِمة المترامية
تحت السماء؛ حيث تبدأ الغابات. غير أن الرجال الثلاثة لم يولُّوا وجوهَهم شَطر الشرق أو
الغرب، وإنما وجَّهوا أنظارهم بثباتٍ نحوَ الوادي.
كان الرجل النحيف ذو الشَّفة المجروحة أولَ مَن تكلم؛ فقال متنهدًا بنبرة تكسوها
لا أثرَ لهم في أي مكان، ولكنهم على أي حالٍ كانوا يسبقوننا بمسيرة يوم » : خيبةُ الأمل
«. كامل
«. إنهم لا يدركون أننا نتعقَّبهم » : أضاف الرجل القصير من فوق حصانه الأبيض
«. هي كانت لتعرف » : ردَّ القائد بمرارة كما لو كان يكلِّم نفسه
حتى إنْ عرفت، لا يمكنهم الإسراع؛ إنهم لا يمتطون أيَّ دوابَّ باستثناء البغل، كما » –
«… أن قدم الفتاة ظلت تنزف طوالَ اليوم
رمقه صاحب اللجام المرصَّع بالفِضة في حدَّة بنظرةٍ غاضبة خاطفة، ثم زمجر في
«؟ أتظن أنني لم ألحظ ذلك » : غضب قائلًا
«. هذا من شأنه أن يساعد على أي حال » : همس القصير بينه وبين نفسه قائلًا
مستحيل أن يكونوا » : حدَّق النحيف ذو الشفة المجروحة بلا مبالاة، ثم أردف قائلًا
«… قد اجتازوا الوادي. إذا ما أسرعنا العَدْو بالخيل
ثم رمق الحصان الأبيضبنظرة خاطفة وصمت.
ثم أخذ «! اللعنة على الخيول البيضاء جمعاء » : قال صاحب اللجام المرصَّع بالفِضة
يتفحَّصالجواد الذي شملته اللعنة.
نظر القصير إلى أسفل فيما بين أذنَيْ حصانه المنقبضتين.
«. لقد بذلتُ قُصارَى جهدي » : ثم قال معلِّقًا
حدَّق الآخران مرةً أخرى عبر الوادي لبعضالوقت، بينما مرَّر النحيف ظهرَ يده فوق
الشفَة المجروحة.
تحرَّك القصير وهز لجامه، ووطِئتْ حوافر «! تعالَيا » : فجأةً قالصاحب اللجام الفِضي
الخيول الثلاثة بخفةٍ الحشائشَ الذابلة بعددٍ لا يُحصىمن الخطوات، بينما كانوا في طريق
العودة نحو الأثر …
سلكوا في حذرٍ المنحدرَ الطويل الممتد أمامهم، ومروا على رقعة قاحلة من الشجيرات
الشائكة والمتشابكة والأشكال الجافة العجيبة للأغصان المدبَّبة التي تنمو بين الصخور،
متَّجهين نحو السهل في الأسفل. وهناك كان الأثر يتضاءل؛ حيث إن التراب كان شحيحًا،
وكان العشب الوحيد الموجود في هذه المنطقة هو ذلك القش اليابس المحروق الذي يفترش
الأرض. ولكن عن طريق المعاينة المتفحصة عن كثب، والانحناء على رقاب الخيول والتوقُّف
من آنٍ لآخَر، استطاع هؤلاء الرجال البيضتدبُّرَ الوسائل لتعقُّب أثر فريستهم.
ظهرت أماكنُ وطئَتْها أقدامٌ من قبل، وحشائشخشنة ذات أطرافملتوية ومدهوسة،
وآثارٌ كافية للأقدام تتَّضح من آنٍ لآخَر. رأى القائد لطخة دماء بُنية اللون؛ حيث مرت على
الأرجح الفتاة المختلطة العِرق، فنعتَها بالغبِيَّة بصوت خافت لا يكاد يسمعه أحد.
تفقَّدَ النحيف أثر قائده، بينما امتطى الرجل القصير الحصان الأبيض من ورائه
هائمًا، وكأنه غارق في حلم. امتطَوْا جِيادهم وساروا واحدًا تلو الآخَر، يتصدَّرهم صاحب
اللجام الفِضي، ولم ينبِس أيٌّ منهم بكلمة قَطُّ. وبمرور بعض الوقت، بدا للرجل القصير
الذي يمتطي الحصان الأبيضأن الدنيا يخيِّم عليها السكون التام. استغرق في حُلمه أكثر.
وباستثناء الضجيج الخفيضلجيادهم وصوت معداتهم، غمر الواديَ الشاسعَ بأكمله هدوءٌ
مقلق وكأنه لوحة مرسومة.
سار أمامَه سيده ورفيقه، كلٌّ منهما يميل إلى الأمام ناحية اليسار بحرص شديد،
وأمامَهما تحرَّكت ظلالُهما صامتة، ترافقهما في أشكال مستدَقَّة الطرَف، بلا ضجيج، وعلى
مقربة أكثر كان ظله جاثمًا. نظر من حوله في مختلف الاتجاهات؛ يوجد شيء لا يدري
ما هو. تذكَّرَ الصدى المتردد منضفافالوادي، والحركةَ المستمرة المصاحبة لتدافُع الحصى
وتحوُّل مساره. وفوق ذلك، لم تهبَّ أي نسمة هواء على الإطلاق. كان هذا كل ما في الأمر!
يا له من مكان شاسع وهادئ؛ وكأنه يغطُّ في قيلولة الظهيرة المضجِرة! كانت السماء
مفتوحة وصافية، باستثناء سِتار رقيق داكن من الضباب بدأ يتجمع أعلى الوادي.
فرد ظهره باستقامة، وحرَّك لجام حصانه في عصبية، ومدَّ شفتيه ليطلق صفيرًا؛
فخرجت منهما تنهيدة. استدار علىسرج حصانه لبرهة من الوقت، وحدَّق في دهاليز الجبل
وممراته الضيقة التي خرجوا منها؛ فلم يجد شيئًا سوى الفراغ! كانت المنحدرات على كلا
الجانبين فارغة بلا أدنى إشارة إلى وجود حيوان من أي نوع أو شجرة حتى، فضلًا عن
وجود إنسان بالطبع. أيُّ أرضهذه؟! يا لها من أرضمقفرة! ثم عاد إلى وضعه السابق
مرة أخرى.
شعر بسرور لحظي عندما رأى ثعبانًا على هيئة عصًا ملتوية ذات لون أرجواني
داكن، يبرز فجأةً ويختفى وسط الحشائشاليابسة؛ فعلى أي حال، ثَمة حياة في هذا الوادي
اللعين! وما زاد بهجته أكثر نسمةُ هواء واهنة هبَّت على وجهه وكأنها همسة عابرة، وانحدارٌ
بسيط جدٍّا لشجيرة يابسة ذات شعاب سوداء اللون فوق تلة صغيرة، ولمحاتٌ أولية تنمُّ
عن احتمالية هبوب نسيم. بلَّلَ إصبعه بكسل، ورفعه لأعلى.
ثم توقَّف بسرعة ليتفادى الاصطدام بالنحيف، الذي توقَّف بارتباك عند الأثر. وفي
تلك اللحظة المربكة، لاحَظَ أن سيده ينظر إليه.
ولبُرهة من الوقت، تصنَّعَ الاهتمام بالأثر. وبينما كانوا يواصلون طريقهم مرة أخرى
على صهوات جِيادهم، تأمَّلَ ظلَّ سيده وقبعته وكتفه وهو يظهر ويختفي وراء منحنيات
جسد الرجل النحيف الذي كان على مسافة أقرب. كانوا قد قطعوا مسيرة أربعة أيام على
صهوات جِيادهم، تاركين خلفهم حدود عالمهم المألوف، متجهين إلى هذا المكان الموحِش،
يفتقرون إلى الماء، ومن دون مؤن غذائية سوى شريحة لحم مجفف مختزنة أسفل
سروجهم، ليقطعوا تلك الصخور والجبال التي لم يطأها أحد مطلقًا قبل هؤلاء الهاربين.
كل هذا من أجل فتاة، مجرد طفلة عنيدة! ولدى الرجل مدينةٌ كاملة بأنُاسها؛ فتياتها
ونسائها، ليمارس أحقر نزواته فيها! لماذا هذه الفتاة تحديدًا بدافعٍ من حماقة مشبوبة؟
هكذا تساءل القصير في نفسه، ثم اكفهرَّ وجهه ولعق شفتيه الجافتين بلسان مُسْودٍّ. كان
هذا اختيار سيده، وهذا كل ما يعرفه. السبب هو أنها سعت إلى الفرار منه …
لفت انتباهَه صفٌّ كامل من أعواد الخَيْزُران الطويلة ينحني في تناغُم، ثم خفقت
أطراف الوشاح الحريري الملتف حول رقبته، وطار الوشاح ليسقط أرضًا. كان النسيم
يشتد أكثر وأكثر نازعًا ذلك السكون الخانق المخيم على الأجواء؛ ولا بأسَ بهذا.
«! مرحَى » : قال النحيف
توقَّف ثلاثتهم بغتةً.
«؟ ماذا هناك؟ ماذا » : تساءل السيد قائلًا
«! هناك » : قال النحيف وهو يشير إلى أعلى الوادي
«؟ ماذا » –
«! ثَمةشيء قادم نحوَنا » –
وبينما كان يتحدث، اعتلى حيوان أصفر اللون هَضْبةً وهبط في اتجاههم. كان كلبًا
بريٍّا ضخمًا قادمًا يسابق الرياح بخطًى ثابتة، وقد تدلَّى لسانه خارج فمه. كان يركض
بعزم شديد، وكأن هدفًا منتصبًا أمام ناظرَيْه، حتى بدا أنه لا يرى الفرسان الذين يقترب
منهم. كان يركض وأنفه مرتفع لأعلى، وكان من الواضح أنه لا يتتبَّع رائحةً ولا طريدة.
«. إنه مسعور » : وحينما اقترب منهم أكثر، تحسَّسَ القصير سيفه، وهتف النحيف
قالها الرجل القصير ثمصرخ. «! اصرخا »
ظل الكلب يتقدَّم، وحين استلَّ القصير سيفه بالفعل، انحرف الكلب ومر لاهثًا من
«. لم يكن يوجد على فمه زَبَد » : جانبهم واجتازهم. تتبَّعت عينا الرجل القصير فراره، وقال
هيا بنا! » : تطلَّعَ صاحب اللجام المرصَّع بالفِضة نحو الوادي لبعضالوقت، ثم صاح أخيرًا
ثم نخس حصانه ليتحرك مرةً أخرى. «. هذا لا يهم
صرفالقصير ذهنه عن لغز الكلب الذي بدا أنه لا يلوذ بالفرار إلا من الريح، واستغرق
هم سفيسره، وتتابعت أفكاره «! هيا بنَا » . عوضًا عن ذلك في التفكير العميق في طباع البشر بهذا الحزم الهائل؟ لطالما «! هيا بنَا » لماذا يحق لرجل واحد أن يقرِّر ويقول » : قائلًا لنفسه
ولكن الناس «!… كان صاحب اللجام الفضي يقولها على مدار حياته. لو أنني قلتها
يتعجبون حين يُعصَىالسيد حتى في أكثر الأوامر جموحًا. وقد بَدَت هذه الفتاة المختلطة
العِرْق بالنسبة إليه، وبالنسبة إلى الجميع كذلك، مخبولةً، أو لعلها كافرة. ومن باب المقارنة،
فكَّرَ القصير مَليٍّا في الفارسالنحيف ذي الشَّفَة المجروحة؛ فهو جَسور مثل سيده، وشجاع
بالطبع، بل ربما أكثر شجاعة منه، وعلى الرغم من ذلك فإنَّ مِن طبعه الطاعة، لا شيء
سوى الطاعة الكاملة والصارمة …
قطع استغراقَ الرجل القصير في الأفكار وأعاده مرةً أخرى إلى أمورٍ أكثر إلحاحًا؛
شعورُه الأكيد بتحرُّكات على يديه وركبتيه. سار بجَوَاده إلى جوار زميله النحيف، وقال له
«؟ هل لاحظتَ الخيول » : بصوت خفيض
نظر إليه النحيف مستفهمًا.
قالها الرجل القصير، وكان قد تخلَّف عن الرَّكْب، في حين «. لا تروق لها هذه الريح »
كان صاحب اللجام الفِضييلتفت إليه.
«. لا بأس » : قال ذو الوجه النحيف
واصَلوا مسيرتهم لبعض الوقت في صمت. تتبَّعَ الرجلان المتقدِّمان في سيرهما الأثرَ
مثبتَيْن أعينهما أسفل منهما، بينما راقَبَ الرجل المتأخر عن الرَّكْب الضبابَ الرقيق الذي
زحف على الوادي الفسيح رويدًا رويدًا، ولاحظ كيف تشتدُّ الريح لحظةً بلحظة. وناحيةَ
أقصىاليسار رأى خطٍّا من كتل ضخمة داكنة اللون؛ ربما كانت خنازير تعدو بسرعة عبر
الوادي، إلا أنه لم ينبِس ببِنْت شَفَة ولم يعلِّق على اضطراب الخيول.
ثم رأى أولَ كُرة آتية صَوْبه، وبعد ذلك تبعتها كرة ثانية ضخمة بيضاء اللون؛ كرةٌ
ضخمة لامعة بيضاء، وكأنها رأسضخم من زغب النباتات الشائكة، تَسُوقها الريح بعُرْض
الطريق. حلَّقت هذه الكرات عاليًا في الهواء، وهبطت وارتفعت مرةً أخرى، واستغرقت
دقيقة، ثم مرتسريعًا واجتازتهم؛ ولكنْ ما إنْ رأتها الخيول حتى زاد اضطرابها.
وفي الحال رأى المزيدَ من هذه الكرات الطائرة — التي سرعان ما جاء منها المزيد
والمزيد — تُسرِع نحوه عبر الوادي.
لفت انتباهَهم صوتٌ حادٌّ قصير، وعبرَ الطريق جاء خنزير بري ضخم مسرعًا،
مستديرًا برأسه لوهلة ليُلقِيَ نظرة عليهم، ثم اندفع في عُجالةٍ عبر الوادي مرةً أخرى. وعند
هذه النقطة توقَّفَ ثلاثتُهم، وبقُوا علىسروج خيولهم، يُحَملقون في الضباب الكثيف الذي
كان يحلُّ عليهم.
«!… لولا هذا الزَّغَب من النباتات الشائكة » : قال القائد
لكنْ في تلك اللحظة اندفعت نحوَهم كرةٌ كبيرة متطايرة على بُعْد ياردات عديدة. لم
تكن واضحةَ المعالم على الإطلاق، بل كانت شيئًا ضخمًا أملسَ ومهلهلًا ورقيقًا — وكأنها
مُلاءة كُوِّرت دون ترتيب، أو قِنديل بحر هوائي، إنْ جاز التعبير، يتكوَّر على نفسه أكثر
فأكثر — ومع مضيِّها قُدمًا، خلَّفت من ورائها خيوطًا عنكبوتية وشرائطَ طويلة تطفو في
الهواء.
«. هذا ليس زَغبًا من النباتات الشائكة » : قال القصير
«. لا يعجبني الأمر » : رد النحيف قائلًا
ثم رمق كلٌّ منهما الآخَر.
اللعنة! إن الأجواء معبَّأة بها، ولو حافظت على هذه الوتيرة لفترة » : صاح القائد قائلًا
«. طويلة، فلسوف تعرقلنا تمامًا عن المسير
حثَّهم شعور غريزي — كذلك الذي ينتاب قطيعًا من الغزلان يقترب منهشيء مبهم —
على أن يستديروا بخيولهم في اتجاه الرياح، ويسيروا بالرَّكب لبضع خطوات ويحدِّقوا في
حشود الكتل الهائمة في الهواء والقادمة نحوهم. لقد حملتها الرياح بسرعة وسلاسة، لترتفع
وتهبط بلا ضجيج، وتغوصفي الأرض، ثم ترتد لأعلى مرةً أخرى وتحلق عاليًا؛ كل هذا في
حركة واحدة متقَنة، وبثبات محكم وهدوء تام.
مرت طلائع هذا الجيشالعجيب عن يمين الفرسان الثلاثة ويسارهم. ارتعدت الخيول
الثلاثة جميعها وهاجت بسبب واحدة من الكرات التي تدحرجت على الأرض لتتفكَّك في
شكلٍ غير محدد وتنتشر على هيئة أشرطة وأطواق طويلة متشابكة. سيطرت على السيد
نوبةٌ مفاجئة ومبالَغ فيها من نفاد الصبر، وأخذ يلعنصراحةً الكراتِ الهائمةَ من حوله.
«! هَلُمَّا! هَلُمَّا! ما أهمية هذه الأشياء؟ إنها بلا أهمية. هيا عودا إلى تتبُّع الأثر » : صاح قائلًا
ثم أخذ يسبُّ ويلعن حصانه، وجذب الشكيمة في حركة حادة عبر فم الحصان.
سأقتفي أنا ذلك الأثر، أؤكد لكما على ذلك، ولكنْ أين » : صاح بصوت جَهْوَرِي حانق
«؟ هو الأثر
أمسَكَ السيد بلجام حصانه الجامح، وأخذ يبحث وسط الحشائش، وفجأةً هبط على
وجهه خيطٌ طويل لَزِج بينما سقطشريط رَمادي اللون على مِقْوَد الفرس، ثم شعر بجسم
كبير وسريع الحركة ذي أرجل عديدة يجري على مؤخرة رأسه. رفع بصره ليكتشف أنَّ
واحدة من تلك الكتل الرَّمادية مثبتةٌ فوقه، وتنشر أطرافَها وكأنها مركب شراعي ينشر
أشرعته ليغيِّر اتجاهه، ولكنْ في صمت تام.