darbovar

Share to Social Media

1. سجين القصر.
بينما كنت شارد الذهنِ، مشتت الفكرِ، مكبَّل الإحساس، رأيت طيفًا يدنو إليَّ، رأيته د. رفعت إسماعيل؛ الذي قضى حياته يخبئ ما يدور في قلبه، ويخرج ضدها، وأخذني من يدي إلى مكانٍ أشبه بمدينةٍ أسوارها عالية، ساكنيها سامية، وبينهم بيتٌ أشبه بالبيت المهجور، أبوابه قديمة، هواءه ساقع، دون أن أتفوَّهُ بكلمةٍ، كدتُ أن أجنَّ، ما هذا؟ ولمَ أنا هنا؟ نظر إليّ في دهشة وقال: هذا المنزل حياتك ووحدتَك.

أتذكر ذلك الوقت الذي لم آلف أحدًا، وهممت بالجلوس وحدي، بعيدًا عن الناس، أعاني من أرقٍ في الليل، ويأسٍ في النهار، يتعاقب نهاري ليلي ووحدتي تزداد يومًا وراء الآخر.
أتذكر ذلك الشخص الذي وعدني بالرجوع وظل غائبًا.
أتذكر مقولتكَ عن تلك الفتاة التي أحببتها (بين نفسك) :
"‏لن أتوقف عن حبك يا" ماجي" حتى تحترق النجوم، وتفنى العوالم، حتى تتصادم الكواكب وتذبل الشموس، وحتى ينطفئ القمر، وتجف البحار والأنهار ، حتى أشيخ فتتأكل ذكرياتي، حتى يعجز لساني عن لفظ اسمك، حتى ينبض قلبي للمرة الأخيرة، فقط عند ذلك ربما أتوقف ربما"
ماذا فعلت ماجي لك عند بكائك؟
_ لا شيء، لا أحد لا أحد يبقى، لا أحد يستمر.
بل قلْ : لم أعد أحبُّكِ يا" ماجي"، حبُّكِ أسقمني ولم أجد من يداويني، حبُّكِ أرَّقني وأهدر صحَّتي، لم أعد أهتم لأمرك، كنتِ ذكرى وتلاشت الآن.
القدرُ يعطيك علامات لانسحابك، بينما تقرر ألّا تنسحب؛ خوفًا من البعد.
فكرٌ مذبذبٌ عقلُه.
- يراودني الشُّعورُ بالذَّنبِ حول كلمةٍ قلتها في الماضي، ولا زالت محفورةً في إناءِ أحدِهم يتجرع منه شيئًا فشيئًا، ظننت أنَّ لي من الحبِّ بسطة، ومن الوفاء بسطة، ومن الإخلاص بسطة بيد أنَّ الهوى عصفَ بجوانحِ المشتاقِ، وطيَّرني بعيدًا، وبتُّ طائرًا جريحًا مفترَسًا من فكر غريمه، وتمنيت لو أنَّ لي قدرةً تمكّنني من إثبات الحجة على الغير لا لإثبات صحتي بلْ لجعله حيًّا وأخرجه من الظلمات قبل أن تلفح وجهه النَّار.

- وتمنيت أيضًا لو أنَّ لي من الوقت أضيقه، ومن العيش أرغده، لكن تفاجأتُ ألّا يوجد من يساندني ويشاطرني حزني ومأساتي؛ فلقيت من ألم ضيق الوقت ما لم ألقهُ من متسعه.

علَّمتني الحياةُ ألَّا أظلمَ الضعيفَ، وأن أحارب كلَّ من يدني ممَّن اختارهم قلبي وارتاح لهم بالي، عندما تتعلق بشخصٍ ما ويكون سببا في إنبات زرعة أوشكت على الموت ثم أحياها، عندما يستطيع أن يحاوطك ويحميك من ألّا يصيبك همٌّ أو حزنٌ، فتدنوه وتسعد من مداناته، وتنسى العالم والناس معه، هذا هو الخلُّ الوفيُّ.

تناقضات فكريّة في الليالي الوتريّة.
في الآونة الأخيرة قابلت شخصًا ما يشبهني في طيبتي لكنّه تفوق عليّ في تفكيره، أربعون ليلةً يبثّ لي تلك الأفكار الَّتي لولاها لمَا أدركت الحياة رغم صغر سنّه إلّا أنه يتمتع بنظرة مستقبليّة حادّة، قال لي في أول مرة قابلته: المال يقويك، والنفوذ تنسيك، حياتك ملكك فداوم على تجديدها، جعلني مشتَّتًا شارد الذهني، قاسي الفكرة، لا أرحم قلبي العليل من مجاراة الواقع بالألمِ.
ثاني مقابلة، أقبل مسرعًا يحتضنني بأقواله العذبة المستساغة لمسمعي، ويقول: هلّم آتيك، والفرحة تنسيك، أنا معك أينما كنت، وما إن لبثَ خمسةَ عشرَ يومًا إلَّا وارتحل.

ففيه أقول:

قلبي الذي ودَّعته متهشّمًا
قد صار جمرًا في هواك محطَّمَا
أسري عليه شاربًا كأس الهوى
مرٌّ مذاقه، فاحتسبني نديمَا
يا آتيًا من أقصى بلْدٍ في الدنا
لا تقبلنَّ مصلحًا وحميما

كاللّبن المسكوب.

ما أبشع ما مرَّ في هذا اليوم، قد شعرت أنَّ قلبي انفطر ألمًا وحنينًا على ما فقدته، أعيش في عالمِ الفقدِ وحدي لا نديمَ يجالسني، لا صالح يصاحبني، لا أحدًا رحلوا كلّهم، إلَّا أنيسي!!، رحل أيضًا أشعر أنَّ جاذبيَّةَ نفسي أنيسةُ وحدتها، وحيدة ذاتها، تعشق ألمها وتذوب في كسرتها، ليس ذنبي أن أعيش في مجتمعٍ زائف همَّه المال، يجنيه، وبقلبه يحويه وبمشاعري يكويه ويرثيه.
كُلٌّ مهتمٌ على قدر افتقارهِ، لا علىٰ قدر ألمه النفسيّ.
حيَّاكم الله، رحل من آنسني في تعبي، رحل من شد أزري، اللَّهُمَّ ألحقني بمن أحب.

ما أحوج المسكين للأيَّامِ
فالبعد عن قلب الحبيب حرام
وأقول أيضًا:
مِثْلُ الذَّبِيحِ تَشُقُّنِي الْأَقْدَارُ
وَالْمَوْتُ وَاقِفُ لَيْتَنِي الدَّارُ
وَالْقَلْبُ يَشْرَبُ مِن الْأَسَىٰ مُتَجَرِّعًا
كأسَ الْهُيَامِ وَفَوْقَ مِنْهُ النَّارُ
أَلَمِي أَلَمَّ بِدَاءِ حُبٍّ لَيْتَهُ
لَمْ يَأْتِهِ، عِلْمُ الْهَوَى مِعْيَارُ
يَا عِشْقُ إِنَّ هَواكَ عِنْدِي مُحَرَّمًا
لَا ذَنْبَ عِنْدِي فَالْحَنِينُ مَرَارُ
ولم تهنأ حالي ونفسي حينها، فقلت:

مرُّوا على نفسي وحالي واسكبوا
حزني الّذي كبَّلْ جميع معاصمي
فأمرت عيني لا تفيضي فأمطرت
حممًا، ونار فراقنا تصلي دمي

وبعد زمنٍ قلت:
أرسلتُ عيني كي تفتِّش في العراء
؛ أملًا، يكونُ هناكَ شخصًا يشبههْ
لا، لم أجد، وأي شيءٍ مثلهُ!
لا أحْدَ عِندِي مثلُ هَذَا يواصفهْ
حِبِّيْ أَنَا ومِثْلَ حبِّيَ لَمْ أَجِدْ
شَوْقِيْ إِلَيْهِ وجَفْنُ عَيْنِيَ حَارِسُهْ
فانقلب الحال أصبحت شاردًا، فقلت:
ما بال قلبي في هواه تعلَّق
من حب هاجرةٍ تموت وتعشقَا
في كل بعدٍّ قد يزيد تكسُّرًا
في كل قربٍ في هواه تشعلقَا
صبرًا أهاجرتي الَّتي آويتني
من حبِّكِ بكت السَّماء تشوقَا
***
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.