hindawiorg

Share to Social Media

في البداية، شعر السيد فوثرينجاي بالارتباك قليلًا، وواجَه صعوبة في الدخول في
لن تصدقني، سيد مايديج، أخشى » : الموضوع. وأخذ يُردِّد لبعضالوقت عبارات على غرار
وأخيرًا طرح سؤالًا وسأل السيد مايديج عن رأيه في المعجزات. «… أن
بنبرة جادَّة للغاية، حين قاطَعه السيد « حسنًا » كان السيد مايديج لا يَزال يُردِّد كلمة
أظنُّك لا تصدق أن شخصًا عاديٍّا — مثلي — يجلس أمامك » : فوثرينجاي مرة أخرى قائلًا
«. الآن قد يتمتَّع بقُدرة ما بداخله تُمكِّنه من فعل أشياء باستخدام إرادته
«. هذا مُمكن! لعلَّ شيئًا كهذا ممكن » : قال السيد مايديج
إذا سمحتَ لي بالاستعانة بشيء هنا، أظن أن بإمكاني أن » : قال السيد فوثرينجاي
أرُيك ذلك من خلال التجربة. الآن، دعني آخذ علبة التبغ من على المكتب مثلًا. ما أريد أن
أعرفه منك الآن هو ما إذا كان الشيء الذي أنا بصدد القيام به يدخل في عداد المُعجزِات أم
«. لا. سيد مايديج، من فضلك امنحني نصف دقيقة فقط
«! كوني مزهرية بنفسج » : ثم عقد حاجبيه وأشار إلى علبة التبغ قائلًا
فتحوَّلت علبة التبغ إلى ما أمُرت به.
حدَّق السيد مايديج بحدة إلى التغيير الذي طرأ على علبة التبغ، ووقَف يُجيل بصره
بين صانع المعجزات والمزهرية، دون أن ينبس ببنت شفة. وعلى الفور، اتَّكأ على المكتب
واستنشق رائحة زهور البنفسج؛ كانت زهورًا يانعةً ورائعة جدٍّا. ثم حدق في السيد
فوثرينجاي مرة أخرى.
«؟ كيف فعلت ذلك » : سأله
أخبرتُها فحسب، وها قد تحقَّق ما أمرتها » : سحَب السيد فوثرينجاي شاربه لأعلى قائلًا
به. هل هذه معجزة، أم سحرٌ أسود، أم ماذا؟ وما رأيك فيما يحدث معي؟ هذا ما أريد أن
«. أسألك بشأنه
«. إنه لحدَث مُذهِل »
وفي ذلك اليوم من الأسبوع الماضي، لم أكن أعرف أن بإمكاني فعل أشياء كتلك التي »
فعلتُها توٍّا. لقد كان الأمر مفاجئًا تمامًا. أظن أنه شيء غريب بخصوص إرادتي، وهذا
«. حسبما أرى
«؟ أهذا … أهذا كلشيء؟ هل يُمكنك فعل أشياء أخرى بالإضافة إلى ذلك »
فكَّر لبرهة، ثم تذكَّر فجأة حيلة «. أجل يا سيدي! أي شيء » : قال السيد فوثرينجاي
إليك هذا! تحوَّلي إلى حوضِ سمك — كلا، » : سحرية كان قد رآها من قبل. فأشار قائلًا
ليس هذا — تحوَّلي إلى حوضٍزجاجيٍّ مُمتلئ بالمياه تسبح فيه أسماك ذهبية. هذا أفضل!
«؟ أترى ذلك يا سيد مايديج
«… أمر مُذهِل.شيء لا يُصدَّق. إما أنك شخصٌخارق أو … ولكن كلا »
يُمكنني أن أحوِّلها إلى أيشيء آخر. أيشيء آخر. إليك » : رد السيد فوثرينجاي قائلًا
«؟ هذا! كوني حمامة، هلَّا فعلتِ
وسرعان ما ظهَرت حمامة زرقاء أخذت تُرفرف بجناحَيها في أرجاء الغرفة؛ ما جعل
توقَّفي هناك، » : السيد مايديج يخفضرأسه في كل مرة تَقترب منه. قال السيد فوثرينجاي
يُمكنني أن أحولها إلى » : فتعلَّقت الحمامة في الهواء بلا حراك. وأردف قائلًا «؟ هلَّا فعلتِ
أظن أنك ترغَب في » . وبعد أن عادت الحمامة إلى الطاولة تحقَّقت تلك المُعجِزة «. مزهرية
قالها ثم استعاد علبة التبغ. «. استعادة علبة التبغ في غمضة عين
تابع السيد مايديج كل هذه التحوُّلات الأخيرة في صمت تخلَّلته صيحات تَعجُّب. وأخذ
يُحدِّق في السيد فوثرينجاي، وبحذر شديد جدٍّا أمسك بعلبة التبغ، وراح يتفحَّصها ثم
وضعها على الطاولة. وكانت الكلمة الوحيدة التي خرجت من فيه تعبيرًا عن مشاعرِه هي:
«! حسنًا »
«. الآن، صار من الأسهل بالنسبة إليَّ أن أشرح ما حدث لي » : قال السيد فوثرينجاي
وانطلق يحكي تجاربه العجيبة في سردٍ مُطوَّل ومتشابك، بدايةً من حادثة المصباح بحانة
لونج دراجون، وصولًا إلى الإلماعات المُتواصِلة لحادثة وينش التي زادت الأمور تعقيدًا.
وبينما هو ماضٍ في حديثه، تلاشى الشعور المؤقَّت بالزهو الذي تسبَّب فيه ما بدا على
السيد مايديج من رَوع، وصار السيد فوثرينجاي الشخصالعادي الذي يألفه الجميع في
التعامُلات اليومية مرةً أخرى. استمع السيد مايديج باهتمام شديد، وفي يده علبة التبغ،
وكانت جلستُه تتغيَّر مع مسار الحكي. وبينما كان السيد فوثرينجاي يسرد معجزة البيضة
الثالثة، قاطعه القس بيد ملوِّحة وممدودة.
هذا ممكن! هذا معقول! هذا مُدهش بالطبع، إلا أنه ينطوي على عدد » : قال القس
من الصعوبات المذهلة؛ فالقدرة على تحقيق المعجزات هي موهبة في حدِّ ذاتها؛ أعني
قدرة خاصة مثل العبقرية أو معرفة الغيب، وحتى الآن هي قدرة نادرة جدٍّا خُلقت لأناس
استثنائيِّين. ولكن في هذه الحالة…لطالما كنتُ أتعجَّب من معجزات النبي محمد، ومعجزات
مُمارسياليوجا، ومُعجزات مدام بلافاتسكي. ولكن بالطبع — أجل هي موهبة تمامًا! إنها
وانخفَض صوت السيد «… تَدعَم بروعةٍ شديدة النقاشاتِ الخاصةَ بذلك المُفكِّر العظيم
فخامة دوق أرجيل. وها نحن نَسبر أغوار قانونٍ أعمق، أعمق من قوانين » : مايديج متابعًا
«! الطبيعة المعتادة. أجل، أجل. استمر. استمر
واصل السيد فوثرينجاي حديثه عن حظه العاثر مع وينش، وبدأ السيد مايديج
— الذي لم يعد يَشعُر بالخوف أو الفزع — يُحرِّك أطرافه ويُعبِّر عن دهشته. قال السيد
هذا هو أكثر ما يزعجني. أنا في أمسِّ الحاجة إلى النصيحة؛ بالطبع » : فوثرينجاي مُردفًا
هو موجود في سان فرانسيسكو — أيٍّا ما كان موقع سان فرانسيسكو هذه — إلا أن هذا
الأمر عصيب لكلَينا بالطبع، كما سترى يا سيد مايديج. لا أعرف كيف استطاع أن يَستوعب
ما حدث له، أحسبه خائفًا وفي قمة الغضب والسخط، ويحاول النَّيل مني. وأحسبه أيضًا
يُحاول مرارًا العودة إلى هنا. إنني أعيده إلى هنا، بواسطة مُعجزة، كل بضع ساعات، حين
أفكِّر في الأمر. وبالطبع ذاك أمر لن يستطيع فهمه، وسيُضايقه حتمًا، وبالتأكيد إذا اشترى
تذكرة في كل مرة، فإن هذا سيُكلِّفه مبلغًا طائلًا. لقد بذلتُ قصارى جهدي من أجله، ولكن
بالطبع من الصعب عليه أن يتفهَّم موقفي ويضع نفسه مكاني. خطر لي بعد ذلك أنه ربما
تكون ملابسه قد احترقَت — إذا كانت الجحيم بنفس الصورة التي نظنُّها — قبل أن أنقله
إلى هناك. في تلك الحالة، أعتقد أنهم اعتقلوه في سان فرانسيسكو. بالطبع أرسلتُ له ملابس
«… جديدة بإرادتي بمجرَّد أن فكَّرتُ في ذلك. ولكن، كما ترى، أنا بالفعل في حيرة لعينة
أرى أنك في حيرة من أمرك فعلًا. أجل، هو » : قال السيد مايديج وقد بدت عليه الجدية
وصار مشتَّتًا وغير حاسم. «… موقف صعب. كيف ستُنهيه
ومع ذلك، سنترك وينش قليلًا ونُناقش المسألة الأكبر. لا أظن أن هذه » : وأردف قائلًا
حالة من حالات السحر الأسود أوشيء من هذا القبيل. ولا أعتقد أن بها شُبهة عمل إجرامي
على الإطلاق يا سيد فوثرينجاي — لا شيء من هذا على الإطلاق، ما لم تكن تُخفي حقائق
«. مادية. كلا، هذه مُعجزات، معجزات خالصة، معجزات على أعلى مستوًى إن جاز التعبير
وشرَع يَذرع السجادة الموضوعة أمام المدفأة جيئةً وذهابًا ويومئ بيده، فيما جلس
السيد فوثرينجاي واضعًا ذراعه على الطاولة ورأسه على ذراعه وقد بدا عليه القلق، قائلًا:
«. لا أعرف كيف سأتصرَّف حيال وينش »
يا لها من موهبة في صُنعِ المعجزات — وموهبة فذة هكذا كما » : قال السيد مايديج
يبدو ستجد طريقةً للتعامُل مع أمر وينش، لا خوف على الإطلاق. سيدي العزيز، أنت أهمُّ
رجل؛ رجل ذو قدرات مُذهِلة للغاية. كتلك التي أثبتَّها بالدليل مثلًا! وبطُرق أخرى، ربما
«… يمكنك أن تفعل أشياء
أجل، لقد فكَّرتُ في شيء أو اثنين. ولكن، بعض الأشياء » : قال السيد فوثرينجاي
تأتي بطرُق ملتوية قليلًا. أرأيت هذه الأسماك في البداية؟ لقد كان الحوضالخطأ ونوعية
«. الأسماك الخطأ. وأظنُّ أنني سأطلب العون من أحدهم
«. مسار صحيح، مسار صحيح جدٍّا، إنه المسار الصحيح تمامًا » : قال السيد مايديج
إنها موهبة غير محدودة بالفعل. » : ثم سكَت ونظر إلى السيد فوثرينجاي ثم أردف قائلًا
فعلًا حقيقية … أقصد إذا ما كانت كما تبدو عليه « كانت » دعنا مثلًا نَختبر قدراتك. إذا ما
«. حقٍّا
وبقدر ما قد يبدو الأمر غير قابلٍ للتصديق، إلا أنه في مساء يوم الأحد، العاشر
من نوفمبر، عام ١٨٩٦ ، وفي غرفة المكتب الموجودة بالمنزل الصغير الكائن خلف الكنيسة
الأبرشية، وبتشجيعٍ من السيد مايديج وإلهامٍ منه،شرَع السيد فوثرينجاي يصنع معجزات.
لا شك أن انتباه القارئ تركَّز على التاريخ بوجه خاص. ولسوف يعترض، إن لم يكن قد
اعترض بالفعل، على أن أجزاءً بعينها في هذه القصة مُستبعَدة الحدوث، وأنه لو وقعَت
أحداثٌ كتلك التي وُصفت بالفعل، لكانت ظهرت علىصفحات جميع الجرائد آنذاك. وسيجد
القارئ صعوبة في تقبُّل التفاصيل التي ستَرِد بعد قليل وتصديقها؛ لأنها تتضمَّن، من بين
أمور أخرى، الاستنتاج بأنه — أقصد القارئ — لا بد أن يكون قد قُتل بطريقة عنيفة
وغير مسبوقة قبل عامٍ مضى لو كان ذلك قد وقَع بالفعل. إن المعجزة لا تعني شيئًا إذا
لم تكن مُستبعَدة وغير محتملة، والواقع أن القارئ المعنيَّ قد قُتل بطريقة عنيفة وغير
مسبوقة في عام ١٨٩٦ . في السياق التالي لهذه القصة، سيتضح هذا الأمر تمامًا وعلى نحوٍ
منطقيٍّ وجدير بالتصديق، كما سيعترف بذلك كل قارئ عاقل وذي رأي حصيف. ولكن
ليس هذا هو الموضع المناسب لإنهاء القصة؛ إذ لم نتخطَّ بعدُ سوى منتصف القصة بقليل.
في البداية، كانت المُعجِزات التي صنعها السيد فوثرينجاي صغيرة ومُتواضِعة، لم تتجاوَز
تحريك الأكواب وأثاث الردهة؛ لم تكن سوى معجزات واهية كمعجزات المتصوِّفين، وبقدر
بساطتها، بقدر ما استقبلها مُعاونه برهبة وهلع. كان يُفضِّل تسوية مسألة وينش من
فوره، ولكن لم يكن السيد مايديج ليسمح له بذلك. لكن بعد أن جرَّبا عشرات الحيل
المنزلية المُتواضعة، زاد إحساسهما بالقوة وشرع خيالهما يُبدي أمارات التحفيز وزاد
طموحهما. وكانت أوُلى مغامراتهما الكبرى بسبب شعورهما بالجوع والإهمال من جانب
السيدة مينشين، مديرة منزل السيد مايديج؛ فقد كانت الوجبة التي قدَّمها القس إلى السيد
فوثرينجاي سيئة الإعداد وغير شهية كوجبة خفيفة لاثنين من صُنَّاع المعجزات الكادحين،
إلا أنهما جلَسا معًا لتناول الطعام، وفي هذه الأثناء أسهب السيد مايديج في حديثه، بنبرة
غلب عليها الحزن أكثر من الغضب، عن مثالب مديرة المنزل، قبل أن يخطر ببال السيد
ألا ترى يا سيد مايديج أنه إذا ما كان » : فوثرينجاي أن ثمة فرصة سانحة أمامه. فقال
«… هذا لا يُعد تجاوزًا لآداب السلوك واللياقة، فإنني
«. عزيزي السيد فوثرينجاي! بالتأكيد! كلا، لم أرَه كذلك »
ما » : لوَّح السيد فوثرينجاي بيده وقال برُوح معنوية مرتفعة ومحيطة بكل شيء
وبأمر من السيد مايديج، عدَّل قائمة العشاء تمامًا. قال وهو يتفحَّص «؟ الذي سنتناوله
بالنسبة إليَّ، أنا دائمًا مولع بتناول إبريق من الجعة قوية المذاق » : اختيار السيد مايديج
والجبن المُذاب على الخبز المُحمَّص اللذيذ، وسأطلب ذلك على العشاء. لست ميَّالًا كثيرًا إلى
وعلى الفور ظهر إبريق من الجعة قوية المذاق والجبن المُذاب على خبز «. نبيذ البورجوندي
محمَّصطوع أمره. جلسا يتناولان عشاءهما لمدة طويلة، يتحدَّثان الند للند، في حين أخذ
السيد فوثرينجاي يُفكِّر، بشيء من الدهشة والرضا في آنٍ واحد، في جميع المعجزات التي
بالمناسبة يا سيد مايديج، ربما » : بإمكانهما صُنعها الآن. عقَّب السيد فوثرينجاي قائلًا
«. يُمكنني أن أساعدك — فيما يتعلق بالأعمال المنزلية
معذرةً، » : قال السيد مايديج وهو يصبُّ كأسًا من نبيذ البورجوندي السحري العتيق
«! لم أتابع ما قلته
أحضرالسيد فوثرينجاي قطعة ثانية من الخبز المحمَّص بالجبن من الفراغ وتناول
كنتُ أفكِّر في أنني ربما » : قضمة كبيرة، وأردف قائلًا وهو يَمضغ الطعام بصوتٍ عالٍ
«. أستطيع أن أصنع مُعجزة مع السيدة مينشين لأجعلها امرأة أفضل
وضع السيد مايديج كأسه ورمقه بنظرة متشكِّكة.
إنها … إنها تَعترضبشدة على التدخلات، كما تعرفيا سيد فوثرينجاي. وفي الواقع، »
لقد تجاوَزت الساعة الحادية عشرة ولعلها الآن في الفراش تغطُّ في سُبات عميق. أتظن
«… عمومًا
لا أرى أن هذا الأمر لا » : فكر السيد فوثرينجاي مليٍّا في هذه الاعتراضات، ثم قال
«. ينبغي أن يَحدث أثناء نومها
عارض السيد مايديج الفكرة لبعض الوقت، ثم استسلم في النهاية. وأصدر السيد
فوثرينجاي أوامره، وبقدر أقل قليلًا من الارتياح الذي كانا عليه قبل ذلك، واصَل الرجلان
تناول وجبتهما. كان السيد مايديج يُسهب في تفاصيل التغييرات التي يتوقعها من مديرة
منزله في اليوم التالي بقدرٍ من التفاؤل بدا متكلَّفًا ومُضطربًا بعض الشيء حتى بالنسبة
إلى القدرات الخارقة للسيد فوثرينجاي، حين جاء من الطابق العلوي سلسلة من الأصوات
المشوِّشة المزعجة. تبادلت أعين الرجلَين التساؤلات، وغادر السيد مايديج الغرفة في عجالة.
سمعه السيد فوثرينجاي يُنادي على مديرة منزله ثم سمع وقع خطواته وهو يصعد بخفة
إلى الطابق العلوي ليتفقَّد حالها.
رائع! » : وفي غضون دقيقة أو نحو ذلك، عاد القس بخطوةٍ رشيقة ووجهٍ مُشرق قائلًا
«! ومؤثِّر! مؤثِّر جدٍّا
ندم — ندم مؤثِّر » : وأخذ يذرع السجادة الموضوعة أمام المدفأة جيئةً وذهابًا قائلًا
جدٍّا — رأيتها من خلال فُرجة الباب. يا لَلسيدة المسكينة! هذا أروع تغيير! لقد استيقظَت
من النوم. لا بد أن تستيقظ على الفور. لقد استيقظَت من نومها لتُحطِّم زجاجة من
البراندي بخزانتها، ولتَعترف بفعلتها تلك أيضًا! … ولكن هذا يمنحنا — بل يفتح لنا —
«… آفاقًا رائعة جدٍّا للاحتمالات. إذا كان بإمكاننا أن نصنع هذا التغيير الخارق فيها
«… يبدو أنها قدرة غير محدودة. أما بخصوصالسيد وينش » : قال السيد فوثرينجاي
ومن موقعه على السجادة أمام المدفأة، أفصح السيد مايديج عن «. غير محدودة تمامًا »
مجموعة من الاقتراحات الرائعة، واتَتْه بينما كان يجول في المكان جيئة وذهابًا، مُتجاهلًا
مأزق وينش.
أما بخصوص ماهية تلك المُقترحات، فهي بعيدة عن صلب موضوع هذه القصة.
يكفي القول بأنها في صميم أعمال الخير المُطلَق، ذلك النوع من الخير الذي جرت العادة
ويكفي القول أيضًا بأن مشكلة وينش ظلَّت معلَّقة .« خير ما بعد الطعام » على تسميته ب
بلا حلول. وليس من الضروري أيضًا وصف إلى أي مدًى وصل تنفيذ هذه الاقتراحات على
أرضالواقع؛ فثَمَّة تغيرات مُذهلة حدثت بالفعل. انطلق السيد مايديج والسيد فوثرينجاي
خلال الساعات الأولى من الصباح عبر ساحة السوق الباردة تحت سنا القمر الساكن،
وفي غمرة شعوره بنشوة صُنعِ المعجزات، وتصفيق السيد مايديج وتشجيعه، ولم يعد
السيد فوثرينجاي — بقامته القصيرة وشعره الأشعث — يَخجل من قدراته العظيمة.
لقد أصلحا أحوال جميع السكارى في البرلمان؛ إذ حوَّلا جميع زجاجات الجعة والكحول
إلى مياه (فرض السيد مايديج رأيه على السيد فوثرينجاي في هذه النقطة)؛ بالإضافة إلى
ذلك، أدخَلا الكثير من التحسينات على شبكة خطوط السكك الحديدية في المنطقة، وجفَّفا
مياه مُستنقَع فليندر، وحسَّنا جودة التربة في منطقة وان تري هيل، وعالَجا الكاهن من
الثؤلول الذي كان يُعاني منه. وكانا بصدد استعراضما يُمكنهما فعله حيال دعامة الجسر
لن يكون المكان على حاله غدًا. كم » : الجنوبي المتضررة. أطلق السيد مايديج شهقة ثم قال
وفي تلك اللحظة دقَّت ساعة الكنيسة معلنةً الثالثة «! سيَتفاجأ الجميع ويشعرون بالامتنان
بعد منتصف الليل.
يا إلهي، الساعة الثالثة! لا بد أن أعود. لا بد أن أكون بالعمل » : قال السيد فوثرينجاي
«… في تمام الساعة الثامنة صباحًا. بالإضافة إلى ذلك، فالسيدة ويمز
لا نزال في البداية. » : قال السيد مايديج، يملؤه شعور عذبٌ بحلاوة القدرات الخارقة
«… لا نزال في البداية فحسب. فكِّر في كل أعمال الخير التي نفعلها. عندما يستيقظ الناس
«… ولكن » : قاطعه السيد فوثرينجاي قائلًا
أمسك السيد مايديج بذراعه فجأة. كانت عيناه تلمعان وتُشعَّان حماسًا، وقال له:
انظر، إنه » : ثم أشار إلى القمر في كبد السماء قائلًا «. فتاي العزيز، لا داعي للاستعجال »
«! يوشع
«!؟ يوشع » : تساءل السيد فوثرينجاي
«. أجل، يوشع! ولمَ لا؟ أَوقِفه » : رد السيد مايديج قائلًا
نظر السيد فوثرينجاي إلى القمر.
«. إنه بعيدٌ نوعًا ما » : وبعد بُرهة من الصمت، قال السيد فوثرينجاي
ولمَ لا؟ إنه لا يقف بالطبع. أنت تُوقف دوران الأرض فحسب. » : قال السيد مايديج
«. ومن ثمَّ سيتوقَّف الزمن. إننا لا نقصد التسبُّب في أذًى
«… حسنًا، سأحُاول. هلَّا » : فكَّر السيد فوثرينجاي قليلًا، ثم تنهَّد قائلًا
أغلق السيد فوثرينجاي أزرار سُترته ووجه خطابه إلى الكرة الأرضية، وبقدرٍ كبير
«؟ توقَّفي عن الدوران، هلَّا فعلتِ » : من الثقة في قدراته الخارقة قال
وإذا به فجأة يطير في الهواء رأسًا على عقب بسُرعة عشرات الأميال في الدقيقة. وعلى
الرغم من العدد الذي لا يُحصى من الدوائر التي كان يصفها في الثانية الواحدة، فقد
استغرق في التفكير؛ يا لروعة التفكير! فتارة يُبطئ كتدفُّق قطرات القار، وتارة يَتسارع
دعني أنزل بسلام وأمان. مهما حدَث، دعني أنزل » : تسارُع الضوء. فكَّر ثانية وقال آمرًا
«. بسلام وأمان
وجاء أمره في الوقت المناسب تمامًا؛ إذ كانت ملابسه قد بدأت تشتعل بالفعل من أثر
الحرارة الناتجة عن طيرانه السريع في الهواء. وهبَط مُرتطمًا بشدة بما بدا أشبه بكومة
ترابية حُفرت توٍّا، ولكن دون أن تلمَّ به أيُّ إصابات. اصطدمت كتلة كبيرة من المعدن
وحجارة البناء — في حجم برج الساعة الكائن وسط ساحة السوق — بالأرضعلى مقربة
منه، وارتدَّت من فوقه وطارت متناثرة على هيئة أحجار وطوب وكتل إسمنتية كقُنبلة
مُنفجرة. واصطدمت بقرة مندفعة في الهواء بواحدة من الكتل الضخمة وسُحقت تمامًا
كأنها بيضة. ثمَّة انهيار حدَث جعل أعنف الانهيارات التي شهدها في حياته السابقة تبدو
كصوت غبار مُتساقط، وتبع ذلك سلسلة من الانهيارات أخذت حدَّتها في التناقص شيئًا
فشيئًا. وهبَّت ريح عاتية ملأت أرجاء الأرضوالسماء، حتى إنه قلَّما تمكَّن من رفع رأسه
لينظر حوله. ولبُرهة تقطَّعت أنفاسه بشدة وحلَّ به ذهول أعجزه حتى عن رؤية الموضع
الذي نزَل به أو ما حدث من حوله. وكانت أول حركة صدرَت منه هي تحسُّس رأسه
وطمأنة نفسه بأن شعره المتطاير ما زال في مكانه.
يا إلهي! » : لهث السيد فوثرينجاي وهو عاجز عن الحديث من شدَّة الريح حوله قائلًا
لقد صار صوتي حادٍّا وضعيفًا كصرير! ما الخطأ الذي حدث؟ عواصف ورعد. كانت ليلةً
رائعة قبل دقيقة مضت. لقد دفَعني مايديج إلى هذه الفعلة. يا لها من ريح عاتية! لو أنني
«… ! واصلت العبث بهذه الطريقة، لتعرَّضتُ حتمًا لفاجعة
«؟ أين مايديج »
«! لقدضربَت الفوضىكلشيء »
نظر حوله بقدر ما سمحت له سُترته المُتطايرة في الهواء. كان مظهر الأشياء من حوله
السماء بخير على أيِّ حال. وكل شيء هناك » : شديد الغرابة بحق. قال السيد فوثرينجاي
على خير ما يُرام، برغم ما يبدو في الأفق من عاصفة هائلة وشيكة. ولكن ها هو القمر في
السماء الآن كما كان قبل لحظات، ساطعًا سطوع النهار. أما بالنسبة إلى البقية — أين
القرية؟ أين — أين ذهب كلشيء؟ وما الذي تسبَّب في هبوب هذه الريح بحق السماء؟ لم
«. آمُر بهبوب الريح
عبثًا حاول السيد فوثرينجاي الوقوف على قدمَيه، وبعد أن باءت محاولته بالفشل،
ربَضعلى أطرافه الأربعة مُتشبِّثًا بالأرض. وأخذ يتفحصالعالم من حوله في ضوء القمر
بحثًا عن ملاذٍ من الريح، بينما كانت أطراف سُترته ترفرف فوق رأسه. قال السيد
«! لا بد أن خطأً جسيمًا حدث. ولكن ما هو، لله وحده يعلم » : فوثرينجاي
لم تتضح معالم أيشيء على المدى في وهج الضوء الأبيضوسط الضباب الترابي الذي
أثارته الريح العاتية، سوى الكُتل الترابية المتكدِّسة وأكوام الحطام والأنقاضغير المكتملة؛
لا أثر لأشجار، ولا بيوت، ولا أشكال مألوفة؛ لاشيء سوى أرضمُقفرة في حالة من الفوضى،
تلاشت في النهاية وسط الظلام أسفل الأعمدة والأعلام المترنِّحة، وموجات رعد وبرق جاءت
رفيقًا لعاصفة مُتزايدة بسرعة. وفي وهج الضوء الشاحب، وبالقُرب منه، ظهر شيء لعله
كان شجرة دردار من قبل، كتلة محطَّمة من الشظايا ترتجف من الفروع الغليظة وحتى
الجذع، إلى جانب كتلة مُتشابكة من العوارض الحديدية برَزت وسط الفوضى المتكدِّسة،
كان واضحًا أنها بقايا القنطرة مُتعدِّدة الركائز.
كما ترى، عندما أوقف السيد فوثرينجاي دوَران الكرة الأرضية، لم يضع في حسبانه
تلك الأشياء التافهة المتحرِّكة على سطحها. والأرضتدور بسرعة بالغة لدرجة أن السطح
عند خط الاستواء يدور بسرعة تجاوَزت ألف ميل في الساعة، وعند دوائر العرض تلك
تتجاوزسرعة السطح نصف تلك السرعة؛ ومن ثمَّ اهتزَّت القرية، والسيد مايديج، والسيد
فوثرينجاي، وكل شخص وكل شيء، بعنف شديد بسرعةِ تسعة أميال في الثانية؛ بمعنى
أن الكرة الأرضية اهتزَّت بعنف أشد مما لو كانت قد قُصفت بمدفع. وكل إنسان، كل كائنٍ
حيٍّ، كل منزل، كل شجرة — أي العالم كله بمعالمه كما نعرفها — اهتزَّ وانسحَق وتحطَّم
تمامًا. كان هذا كل ما في الأمر!
بالطبع، لم يتفهم السيد فوثرينجاي كل هذه الأشياء تمامًا. إلا أنه أدرك أن مُعجزته
قد فشلت في تحقيق ما أراده؛ ومن ثمَّ أصابه اشمئزاز شديد من المعجزات. كان ماكثًا في
الظلام في تلك اللحظة؛ إذ تجمَّعت السحب وحجبَت حتى اللمحة الخاطفة التي كان يُلقيها
على القمر، وكانت الأجواء تزخر بوابل متقطِّع من ندف الثلج وكأنما يُناضل كي يشقَّ
طريقه عبر السماء. ثم هبَّت ريح هادرة عنيفة وملأت المياهُ الأرضَ والسماء، وبينما كان
يُمعن النظر أسفل يده عبر الغبار والأمطار شبه المتجمِّدة القادمة في اتجاه الريح، رأى
السيد فوثرينجاي على ضوء البرق المُتذبذِب شلالًا كبيرًا من المياه يندفع نحوه.
مايديج! هنا! » : صرخ السيد فوثرينجاي بصوتٍ بدا واهنًا وسط اهتياج الطبيعة قائلًا
«! — مايديج
«! توقَّفي! يا إلهي! أرجوكِ، توقفي » : صاح السيد فوثرينجاي مخاطبًا المياه المندفعة
للحظة. توقَّفا للحظة حتى أَستجمِع أفكاري … والآن، » : ثم قال مخاطبًا البرق والرعد
«. ينبغي عليَّ فعله؟ رباه! أتمنى لو كان مايديج هنا « الذي » ما الذي ينبغي عليَّ فعله؟ ما
«. المرة على النحو الصحيح « هذه » أعلم، ولكن رجاءً، لتكن » : قال السيد فوثرينجاي
بقي رابضًا على أطرافه الأربعة، مائلًا بجسده للأمام في عكس اتجاه الريح، عازمًا
بشدة على تنفيذ كلشيء على النحو الصحيح.
يا إلهي! ليتني … «! انتهى » آه! لا تدع شيئًا مما آمُر به يحدث حتى أقول » : ثم قال
«! فكَّرت في ذلك من قبل
رفع صوته الواهن وسط العاصفة العاتية، صارخًا بصوتٍ أعلى وأعلى عبثًا على أمل
والآن لنبدأ! انتبه لما سأقوله توٍّا. أولًا: عندما يتحقَّق كل ما أنا بصدد » . أن يسمع نفسه
قوله، دعني أفقد قدراتي الخارقة، دع إرادتي تعود مثل إرادة أي إنسان عادي، ولتتوقَّف
كل هذه المعجزات الخطيرة. إنها لا تَروق لي. ليتني لم أصنعها؛ أتمنى ذلك كثيرًا. هذا أول
شيء. والثاني هو: دعني أعود إلى سابق عهدي قبل بدء المعجزات؛ دع كل شيء يعود لما
كان عليه قبل أن يظهر ذلك المصباح اللعين. إنها مهمة كبيرة ولكنها الأخيرة. هل فهمت
مقصدي؟ لا مزيد من المعجزات، ليعُدْ كلشيء كما كان. ولأعُدْ أنا إلى حانة لونج دراجون
«! قبل تلك اللحظة التي تناولت فيها كأس الجعة. أجل، هذا كلشيء
«! انتهى » : غرس أصابعه في التراب وأغمضعينيه، ثم قال
صار كلشيء ساكنًا بلا حراك. وأدرك أنه يقف على قدمَيه منتصبًا.
«. حسنًا، هذا رأيك أنت » : وجاءه صوت يقول
فتح عينيه ووجد نفسه في حانة لونج دراجون يُجادل تودي بيميش بخصوص
المعجزات. انتابه إحساسغامضحيالشيءٍ عظيمٍ منسيٍّمرَّ في لحظة خاطفة. وكما ترى،
باستثناء فقدانه لقُدراته الخارقة، فقد عاد كل شيء إلى سابق عهده، وهكذا عاد ذهنه
وذاكرته كما كانا لحظة بدء هذه القصة؛ ومن ثمَّ لم يعرف شيئًا قطُّ عن كل ما قيل هنا؛
لم يعرف شيئًا منه على الإطلاق حتى هذا اليوم. وبالطبع، لا يزال لا يؤمن بالمعجزات، من
بين أمور أخرى.
أقول لك إنَّ المعجزات لا يمكن أن تحدث بصرف النظر عن اعتقادك في هذا » : قال
«. الشأن. وأنا على استعدادٍ تامٍّ لأثُبت لك هذا
«. فلتُثبته إن استطعت .« تعتقده » هذا ما » : قال تودي بيميش
اسمع يا سيد بيميش، دعنا نفهم بوضوح ما هي المعجزة. » : قال السيد فوثرينجاي
«… إنهاشيء يتعارَضمع مسار الطبيعة وتُحقِّقه قوة الإرادة
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.