Darebhar

Share to Social Media

إهداء
إلى كل من علمني وكان نورًا لحياتي المظلمة.
إلى والديّ الرائعين السبب الأساسي في كل جميلٍ يحدث في حياتي.
إلى أصدقائي وإخوتي الذين لولاهم ما وصلت إلى ما وصلت إليه قط وربما لولاهم بعد فضل ربي لكنت قد غرقت بين أمواج التيه منذ مدة.
إلى كل من عالج نفسي الحزينة بكلامه الطيب وكان بلسمًا لجراحي العميقة وأعاد لي شعوري بطعم الحياة.
أهديكم جميعًا هذا الكتاب.
هذه ليست مقدمة..
عزيزي القارئ السلام عليك، أنا لم أخدعك قط بقولي هذه ليست مقدمة، لأنه تبعًا لمعلوماتي القليلة من يكتب المقدمات هم مؤلفو الكتب الأصليين و تبعًا لبرهانٍ بسيط كالذي كنا ندرسه في الرياضيات، بم أنني لست من ألفه إذن هذه ليست مقدمة ووجب علىّ أن أنوه لك عن قصة ذلك الكتاب أو الدفتر سمِّه ما شئت و أظن أنه من الواجب عليك أن تقرأ تلك القصة القصيرة قليلة التفاصيل و مقدمًا أعتذر لك إن كان أسلوبي ليس باللائق كثيرًا و الجذّاب في نظرك على كلٍ دعني أعرفك بنفسي أولًا فهذا حقٌ طبيعيٌ لك أن تعرف ذلك الشخص الذي يتحدث بتلك الكلمات الغامضة و أنا لن أبخسك حقك فلا تقلق يا عزيزي..
أما عن اسمي فأنا غدير وأشكر أبواي كثيرًا أن اختارا لي هذا الاسم فأظنه لائقٌ بي كثيرًا ولائقٌ بهدفي في حياتي الذي وضعته بعد أن أنهيت تلك الرسائل..
على كلٍ لأكمل لأنني ثرثارة وربما لو استطردت في بسط الحديث ستكون تلك الصفحات التي ادعيت أنها ليست مقدمة بمثابة كتاب كامل وأنا لا أريدك أن تمل من البداية فمازال هناك الكثير يا عزيزي أطل نفَسَك قليلًا..
أما عن عمري فهو ثلاثة وعشرون عامًا أدرس في كلية الطب في أحد الجامعات الألمانية الشهيرة بعد أن قُبلت في أحد المنح الدراسية نسيت أن أخبرك أن أخي زيد الذي يكبرني بعامين يدرس معي أيضًا نحن عائلة مجتهدة كما ترى لكننا نفتقد الراحة وأنّى لنا الراحة نحن أبناء الطب!
أنا فتاةٌ عادية لست بالكاتبة أو بالموهوبة في أي شيء أو كنت أظنني كذلك لكن أمي كانت دائمًا تقول لي أنني رائعة في أشياء كثيرة لكنني أبخس نفسي حقها وربما هي محقة!
انتهى العام الدراسي على خير وجاء موعد العودة للأهل والصِحاب في بلدنا الحبيب مصر.
حزمنا الأمتعة لنلحق بطائرة الرابعة عصرًا والمتجهة بمشيئة الله تعالى إلى مطار القاهرة الدولي، كان أخي زيدًا على عجلةٍ من أمره كما هو الحال دائمًا.
وصلنا المطار في تمام الثانية ظهرًا، وانتهينا من إجراءات السفر وجلسنا ننتظر الطائرة، كنت أشعر بمللٍ شديد، وبينما انظر حولي في ملل سقطت نظارتي الشمسية وبينما التقطها من الأرض لمحت شيئًا ما أسفل الكرسي لم يبدو لي واضحًا كثيرًا ما هو.
دققت النظر وفوجئت بدفترٍ أسود اللون وكُتبت عليه كلمة "غيث" باللون الأبيض بخطٍ منمقٍ جميل أظنه خط الديواني فقد قضيت وقتًا في تعلمه من قبل لكنني تركت الأمر على أعتاب الإتقان، وأسفل كلمة غيث رُسمت غيمة ينزل منها الغيث، التقطت الدفتر في تعجب وقلت لزيد بنبرةٍ يشوبها بعضًا من الحماس: انظر ماذا وجدت!
فقال زيد في عجالة: افتحيه فربما كتب صاحبه رقمه أو بريده أو عنوانه.
فتحتُ الدفتر وقلبت صفحاته وأنا أنتظر بصيصًا من الأمل يدلني على صاحبه لكنني لم أجد غير رسائل ذكرتني بكتابات جين وييستر فحسب.
قال زيد في يأس: لنذهب لإخبار أمن المطار إذن.
وجدته حلًا رائعًا فلم يتبق الكثير على موعد الطائرة وها نحن نسابق الزمن لنجد صاحب الدفتر في غضون ساعة فقط.
وصلنا لأمن المطار وأخبرناهم في عجالة عن الأمر وقد كانوا متعاونين بحقٍ واستخدموا مكبرات الصوت للإعلان عن الدفتر الضائع وكرروا النداء مراتٍ عدة، انتظرنا ما يقرب من نصف الساعة لكن أحدًا لم يجب.
شكرهم زيد على حسن تعاونهم واهتمامهم بأمرٍ ربما يراه البعض أمرًا تافهًا لا يستدعي كل هذا الاهتمام.
طلب منهم زيد أن نحتفظ بالدفتر إلى حين موعد الإقلاع بعد ما ألححت عليه في طلب ذلك فوافقوا على مضض على أن نعيده قبل موعد الإقلاع.
بعد مرور نصف ساعة أخرى جاء موعد الإقلاع، نظر إلىّ زيد وقال: هاتِ الدفتر يا غدير ينبغي أن نسلمه الآن.
لكنني احتججت كطفلٍ صغيرٍ يمتنع أن تأخذ منه أمه ما تبقى من الحلوى ورفضت بشدة وتعللت بأنه ربما مالك الدفتر لن يعود لألمانيا ثانيةً ما أدراك يا زيد ويكون بذلك قد فقد دفتره للأبد ألن تشعر بالندم حينها؟
رد زيد في استنكار: وما أدراكِ أنه من مصر إذن؟
أجبته بثقة: أنت لا تثق في قدراتي يا زيد.
أنظر هنا في هذه الصفحة قد رُسم علم مصر بأيدٍ مرتعشة وكُتب تحتها هذه رسمتي وأنا في العاشرة ما زلت أذكر كيف كنت شديد الانتماء لبلادي حينها وكيف كنت أبكي كلما عُرضت صور شهداء ثورة يناير في التلفاز كم كنت شخصًا ذا قلبٍ رقيق حينها...
اندهش زيد من سرعة ودقه ملاحظتي ووافق على مضض وقال: حسنًا أيها المحقق كونان سأجعلك تُشبعين المحقق الذي بداخلك على أن نعيد الدفتر لأمن المطار مرةً أخرى إذا لم تعثري على صاحبه حتى نهاية العطلة، وافقت على شرطه وهرعنا لنلحق بالطائرة...
جلسنا في مقاعدنا وكالعادة تشاجرت مع زيدٍ شجارنا المعتاد على من سيجلس بجانب النافذة فيكون من نصيبه أن يرى السحاب.
تنازل زيدٌ لأجلي بعدما توعدني بمزاحٍ قائلًا: في العودة لن أستسلم أبدًا لنظراتك المخادعة تلك وأستكين، أنا من سيجلس هنا حينها.
أخرج زيدٌ كتابه ليتم قراءة العشرين صفحة المتبقية ويكون بذلك قد حقق هدف العام للقراءة.
ونظرت أنا للدفتر بعينٍ شغوفة، لا أعلم لماذا كنت أشعر بذاك الفضول العجيب لأعلم ما كُتب داخله والأهم من الذي كتبه؟، ربما شعرت بذلك لأنني تذكرتُ أيامي الخوالي في الطفولة وأنا أكتب مذكراتي وربما لأنها المرة الأولى التي أطلع فيها على مذكرات شخصٍ آخر وكنت أشعر بشيء من الحرج لأنني أنتهك خصوصية شخص ما لكنني صبّرت نفسي بقولي: هوني على نفسك يا غدير إنها الطريقة الوحيدة لتعيدي الدفتر لصاحبه.
بينما كنت على وشك أن أفتح الصفحة الأولى أقبلت مضيفة الطيران وقطعت علىّ اللحظة وقالت بابتسامة أعرفها وأحفظها عن ظهر قلب: دجاج أم لحم؟
رددت بابتسامة مصطنعة: دجاج من فضلك..
تناولت طعامي بسرعة شديدة حتى أن زيدًا قال لي: على رسلك يا غدير ستختنقين وتبكين كالأطفال لن يطير الدفتر!
ابتسمت له وقلت: ليس هناك وقت، ينبغي أن أجد صاحبه قبل العودة ينبغي أن أسرع لأنني أعلم أنك لن تعطيني فرصة أخرى...
فتحت الدفتر وشرعت في القراءة..
عزيزي القارئ قبل أن أعرض عليك ما وجدت أرجو منك ألا تتوقع مني أن أكتب لك عن ردات فعلي أو حتى رأيي فيما كُتب، فأنا لم أنشر هذا الكتاب لأجل ذلك ولكنني نشرته لسببٍ آخر ربما سأفصح عنه في النهاية فلا تظلمني بقولك عني باردة المشاعر لأنني لا أتفاعل عما كُتب.
وأدعوك عزيزي أن تستمتع بتفاصيل الدفتر فهي لاريب كافية وأفضل ألف مرة من أن أذكر لك رأيي فيها والسلام...
الخامس عشر من يناير
عزيزتي/ نون..
كيف حالك؟ اشتقت إليكِ حد السماء، اشتقت إليكِ شوق الأم لوليدها المفقود، أشعر أنني تائهٌ متخبط منذ خمسة أعوام أو يزيدون، لا أعلم متى سأظفر بكِ ولم في الوصول إليكِ كل تلك المشقة؟، إن متِ قبل لقياكِ فبئست حياةٌ هي فلا تستقيم الحياة من غير الأنس برفقتك، سأكتب لكِ تلك الرسائل ولن أتوقف لعلكِ يومًا تتفضلين علىّ باستجابة ويجمع الله بيننا بعد فراقٍ دام لأعوامٍ عديدة.
سامحيني إن قصّرتُ في حقك يومًا وفضلتُ غيركِ عليكِ، سامحيني لأنني لا أستطيع حتى أن أبوحَ باسمك كاملًا، أخاف أن تفتح أمي دفاتري يومًا فتتهمني بالجنون.
أنا خائفٌ من الكتابة لكِ دائمًا فإن لم يتهموني بالجنون فسيتهمونني بأنني عاشق مهموم وما أنا واللهِ بهذا ولا ذاك، لكنني أفضل أن اُتهم بالعشق على أن اُتهم بالجنون..
أتعلمين بعد تفكير ليس بعميق لا بأس إن نعتوني بكليهما عاشقٌ ومجنون، فاسمحي لي أن أبدأ لكِ دومًا بعزيزتي نون، في سبيل الوصول إليكِ أنا مستعدٌ لكل العثرات فبعد ربي لا أود الوصول إلا إليكِ، أود أن أعود كما السابق.
ويسعدني أن تقرئي رسائلي حتى وإن لم تتفاعلي معها بإجابتك فأنا لا أتأمل ردك كثيرًا، فعلمي باستلامك لها يكفيني ويحقق لي مرادي.
دمتِ مطمئنة.
انتظري كتابي القادم.
المخلص التائه/ ع
السابع عشر من يناير
في الآونة الأخيرة أصبحت شخصًا آخر غير الذي كنت و لا يشعر بذلك أحدٌ سواي، و ذاك ما يزيد ألمي ألمًا فأنا أتظاهر أنني ما زلت أنا، و لكن بيني و بين نفسي أعاني كثيرًا و لا يعلم بذلك أحدٌ إلا الله، و كأنني قد ابتُليت بنفاق المشاعر و لا علم لي إن كان ذلك محمودًا أم لا، فأصبحت إذا التقيت الناس تناسيت همي و أظهرت أني على ما يُرام و إذا خلوت بنفسي تكالبت علىّ أحزاني و أفكاري التي لا أوقفها إلا بعد معاناةٍ كبيرةٍ و صراع، لكن بعد تفكيرٍ ظننت انه وضع مذموم مُرهق للنفس و البدن، فقررت المشاركة إلا أنني قد بدأت أشعر أنني ثقيلة على من حولي رغم نفيهم لذلك و اتهامي بالحساسية الزائدة و ربما هم على صواب، أو حقيقةُ الأمر أنهم كذلك لكن ماذا عساي أن أفعل و كيف أصلح من تحسسي الزائد ذاك، و لكي أخفف عني هذا العراك الثقيل بين البوح بما في النفس من عدمه قررت أن أترك الناس قليلًا و ألجأ لرب الناس أولم يقل ربي سبحانه "ففروا إلى الله" فها أنا أفر إليك يا ربي زاهدةً في ما عند الناس طامعةً في ما عندك، ثم بدأت اشغل نفسي بما ينفع لكي تتوقف أفكاري قليلا عن الطرق على بوابة رأسي المنهك و أنعم بسلامٍ و لو كان مؤقتًا، أعتذر لكم كثيرًا عن نفاقي في مشاعري في أحيانٍ عده لكنني لا أستطيع أن أفعل خلاف ذلك فأنا على قناعة أن لا ذنب للناس بهمي و لا أحب أن يراني من عهدني مصدرًا للأمل و العزم و أنا في وضعٍ خلاف ذلك، و عليكم أن تعلموا أن ذاك النفاق الشعوري لا يتعدى إظهار السعادة لكنني لم أنافق في حبكم يومًا و أتمنى منكم الدعاء بصلاح الحال♥
وأعلم يا صديقي أن الحديد يلين ويضعف وأنا إنسانةٌ ضعيفة ألين كذلك عندما تقسو علىّ الأيام وأمر بفترات سوداء حالكة وذاك شيء لا يعيب إنسانًا بل يكمل إنسانيته الناقصة وربما يكون سببًا في شعوره بلذةِ القرب من مولاه.
ما زلت أذكر أنني قلت لصديقةٍ لي يومًا إنني لا أدرك المعاني الثمينة و أعود لربي بقلبٍ آخر نظيف إلا بعد بالابتلاء، و هذا ليس حالي وحدي فأغلب البشر هكذا، فيظل الواحد منهم ينسى اللجوء إلى الله في الرخاء و ينسى شكر ربه و يصيبه العجب في نفسه حتى و إن كان عُجبًا خفيًا لا يلحظه هو و يظل هكذا إلى أن يصاب بابتلاءٍ يعيد تذكيره بحقيقته و كم هو ضعيف و محتاجٌ دومًا إلى القوى العزيز سبحانه، نحن عزيزتي نطلب من الله الرد الجميل و نعوذ به أن يكون ردًا شديدًا جليلًا و ذاك يأتي بالمجاهدة فكما قال أحد المشايخ إن لم تتربى بالمجاهدة فستتربى
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.