في العشرين من مارس وفي الساعة الرابعة صباحًا فتحتْ فونتنبلو أبوابَها لاستقبال
الإمبراطور، وفي الليلة التالية كان شيخٌ عاجزٌ يُغادِر تلك الديار بعد أن جلس عشرةَ
حول سرير الإمبراطور
أشهر على العرش، منفيٌّ يعود إلى مُلْكه ومَلِيكٌ يرجع إلى منفاه، وهكذا ابتدأتْ حكومة
الأيام المائة.
وكان نابوليون قد تغيَّر في هذه الفترة القصيرة تغيُّرًا ظاهرًا، فزاد اصفرارًا وسِمَنًا،
وخفَّ نشاطُه، وثقلتْ حركاته، وبدأ العجز والانحطاط في قواه، ولا بِدْعَ فإنَّ أخطار
السَّفْرة وهمومها وتنظيم الجيوش والحكومة واستعداده لحملة البلجيك فوق ما كان
عليه من التألُّم المعنوي في منفاه وتهيج أعصابه كلَّ حين، كلُّ ذلك كان ينزع عنه ثوب
العافية ويُخمِد نارَ الهمة ويُطفِئ شعاع الأمل، وقد قيل إنَّه لذلك العهد كان حزين
النفس تنم صورتُه على اليأس الشديد تارة وعدم المبالاة طورًا، وكان يميل كثيرًا إلى
النوم، وهو الذي لم يكن ينام أكثر من أربع أو خمس ساعات، نعم، إنَّ صفات نبوغه
النادر لم تتغيَّر، ولكنَّ الإرادة والإقدام والثقة بالنفس قد تزعزعتْ جميعًا، فكان الفكر
يؤثِّر في الجسم ثم يعود الجسم فيؤثِّر في الفكر (اقرأ تيوفيل كونيه، وهنري هوساي،
وباسكيه).
وإنَّ رجلًا عصبيَّ المزاج كنابوليون لا يَسَعُه وهو عبدٌ لهذه النوب التي كانتْ
تُساوِره حينًا بعد آخَر، وتشتدُّ وطأتُها عليه إلَّا أن يرزح تحت أثقالها فيضيع رشده
وتخبو همَّته ويُظلِم فؤاده؛ ولهذا كانتْ تعرض له أشباح حوادث المستقبل بصُوَر
مخيفة، فيتمثَّل فرنسا مقهورةً مُداسةً، فيرتعش بدنُه ويتألَّم فكره، ولا يَجِد سبيلًا إلى
إبعاد هذه التخيلات إلَّا بالنوم، وكثيرًا ما أجهش بالبكاء وهو منفرد وأمامَه صورة ابنِه؛
ذلك لأنَّ نابوليون لم يَعُدْ يؤمن بنجمه