Darebhar

Share to Social Media

إهداء
إلى الأيادي الحنونة التي تضمنا وترأف بنا وقت أن تعصف بنا الحياة، إلى الدعم المثابر الذي رافقنا طوال الطريق، إلى من شاركنا الفرح والحزن وأثرى وجداننا.

توطئة
القيم العليا ومقاومة المادية
عادل عبد الموجود
عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

إذا كان الأدب العربي برمّته مشغولًا هذه الأيام بالصراع الاجتماعي والسياسي الذي تخوضه الشعوب العربية؛ إلا أن هناك دائمًا من يذهب للقيم العليا (الحق والخير والجمال) ويقدمون أفكارًا تعين شبابنا على تجنب هذه الصراعات ومقاومته بهذه القيم.
وإذا كان "بشر بن المعتمر" في صحيفته أشار لضرورة البعد عن التوعُّر في اختيار الكلام المهجور والتعبير غير المأنوس، رافعًا شعاره الذي عُرف به بين أهل زمانه: حقُّ المعنى الشريف اللفظ الشريف. وكأني به الآن يوجِّه أهل زماننا من الكتّاب وينصحهم، ويُرشدهم إلى أن الكلام ليس مرتبة واحدة، أو منزلة واحدة، وإنّما هو مطابق لما بلغه صــــاحبه من بيان اللسان وبلاغة القلم.
وإذا كان الحب قيمةً ومنحى واستراتيجية مقاومة لهذه المادية المسيطرة؛ فكانت كاتبتنا د. إيناس سمره أحد هؤلاء الكتاب، وكان كتابها الذي بين أيديكم يحمل أنشودة مقاومة تلك المادية.
عرضت الكاتبة خلال رحلتها هذه لمفهوم الحب وعلى الأصح مفاهيمه ومستوياته بأدلة وشواهد؛ حيث تتباين المفاهيم تبعًا لطبيعة المجتمع ونظامه ومستوياته المختلفة؛ فعرضت لمفاهيم أفلاطون وأرسطو وحضارة العراق والحضارة المصرية القديمة، وكذلك المفاهيم الروحية الدينية.
فقد وردت كلمة الحُب في 76 آية من القرآن الكريم؛ فيقول تعالى: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [يوسف: 30].
ويقول أيضًا: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [ الفجر: 20].
وهنا مفهومان مختلفان للحب.
وقد ذكر الإنجيل في إحدى آياته أن (من لا يحب لم يعرف الله لأن الله محبة)، وذكر أيضًا (لأنه هكذا أحب الله العالم؛ فالحب هو القيمة الأعلى في المسيحية والتي بنى عليها الإيمان المسيحي.
ولم تنس الكاتبة تناول علم النفس (علم السلوك الإنساني) فقدمت على سبيل المثال ما قدمته مدرسة التحليل النفسي (سيغموند فرويد) حول البناء الهرمي الذي يبدأ من الحاجات الأولية إلى قمة الهرم؛ والذي -حسب ما تراه المدرسة- أن الإنسان يحتاج لقضاء شهوته (مأكل من أجل الإبقاء على حياة الإنسان؛ ثم الجنس لضمان بقاء النوع) ثم يبحث عن تلك المشاعر التي تضمن بقاء العامل الإنساني وإرادة الله فينا.
ووصلت أن الحب الحقيقي لا يمكن أن يتضمن تلك الشهوات.
وإذا كان الحب هو الموضوع والرومانسية هي مصداقه وأسلوب توصيله والرومانتيكية هُوية هذه الرومانسية؛ فتجد الكاتبة تلبس نثرها ثوبًا قشيبًا مزركشًا بماء الشعر؛ فقدمت نثرًا محملًا بالبديع فقالت:
أغدو كل ليلةٍ كفراشةٍ
تحملُ الخيالَ على أجنحتها
وتسافر بين تلك الغيمات
تنهلُ من رحيقِ الحروفِ أجملها...
وتتعطر برياحين الحب
ويعلوها تاج الأمل
بأن القادم أحلى
وهناك الكثير قدمته الكاتبة معتمدة العلمية والأساليب الأدبية المبتكرة وبساطة التقديم واختيار اللغة السهلة المنسجمة مع قارئها الضمني.
وأترككم مع هذا المنتوج الأدبي ولا أُلزم أحدًا بهذه القراءة؛ فتعدد القراءات تضمن بقاء العمل.


عادل عبد الموجود
عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر



كلمة الكاتبة
وما نحن سوى مشاعر متجسدة، كامنةً في حيز السكون حتى تثيرها المواقف، تنتظر من يفتح لها باب الأمل وتهتدي بشعاع النور وسط عتمة الأحداث حولنا.
يبوح القلم لوريقاته التي تحمله معها إلى أعالي السماء، يحلمان معًا بالخير والجمال، يكتبان ما يدور في العقل ويعيش في الوجدان، يمتطيان الخيال، ولكن سرعان ما يعودان مسترشدين بالحكمة..
ربما تنزف حروفه ألمًا واشتياقًا وربما تشتعل فرحًا بلقاء من يحب، يحلق بانسيابيةٍ هادئةٍ كالفراشة العازفة لمقطوعةٍ نثريةٍ شعريةٍ تلهب الألباب وتثير شجن القلوب وتارة يتحول إلى فرشاة ترسم شعورًا استثنائيًا.


د. إيناس سمره
ديسمبر 2022



أمان العلاقات
مَن منا لا يبحث عن الأمان؟!
مَن منا لا يسعى إلا ليطمئن؟!
سواء كان سعيًا للرزق فيؤمن مستقبله المادي أو للحب فيؤمن مستقبله العاطفي.
وربما يجد رزقه فيمن أحبه.
مَن منا لا يدور في فلك البحث عن متممه ومكمله؟!
وهل الحب يضمن استمرار العلاقات الإنسانية فقط أم هناك ما هو أقوى من الحب ويعظّم منه؟
فالحب ليس فقط من يملأ داخلك وتكتفي به (اكتفاء).. أو فيض المشاعر لا تتحرك إلا نحوه (إشباع).. أو من يجتاح سكونك وينير عتمتك ويسعى لراحتك، يفهمك دون أن تتحدث (احتواء).. أو من تتكئ عليه حين الشدة فلا يسقطك (سند).. أو تنام وكلتا عينيك مغمضتين فلا سبيل لغدر أو خداع يؤلمك (ثقة).. بل من تطمئن بوجوده مدى الحياة ولا تخشى غيابه؛ لأنه لن يترك يدك بمنتصف الطريق (أمان).
إذن الحب اكتفاء..
إشباع..
احتواء..
سند..
ثقة..
أمان..
وباعتقادي الأمان هو الضمان لكل ما سبق، وغيابه يخل بمعادلة الحب الحقيقي.
حب حقيقي أم حب أفلاطوني!!
الحب الحقيقي هو مجموعة من المشاعر الإيجابية التي تؤثر في طرفي العلاقة وتوطدها، ذلك الشعور العميق والرغبة في التفاني من أجل شريك الحياة، هو السعي من أجل استمرار العلاقة مدى الحياة والمشاركة معًا في السراء والضراء.
وقد اختلفت مفاهيم الحب خلال الحضارات القديمة؛ فلو تطرقنا مثلًا للحضارة اليونانية ومنها إلى الفيلسوف أفلاطون، نجد أنه ارتبط اسمه بالحب الأفلاطوني والذي رمز إلى الرابطة القوية غير الرومانسية.
فقد تسامى أفلاطون بمفهوم الحب من الانجذاب المادي الحسي إلى الانجذاب الروحي حتى وصل إلى حب الإله أو الحب الأسمى والذي يكتفي به دونًا عن غيره كما رأى أن الحب هو وسيلة للخلاص. وهو ما يختلف عن الحب الأرضي الذي يسعى للشكل الجميل أو الجسد الجميل للمتعة والتكاثر رغم أن كليهما مهمان.
وعادة ما يستخدم مصطلح الحب الأفلاطوني في وصف الصداقات القوية التي لا تهتم بالجنس أو العرق أو العمر، فالرابط هنا هو الحب الروحي إذ يكون وجود الشخص الآخر وجودًا محوريًا في حياة كل من الطرفين.
وهذا يختلف قطعًا عن الحب الرومانسي والذي يؤدي للانجذاب الجنسي والحميمية الجسدية.
إذًا لا تقل أحببتُ حبًّا أفلاطونيًّا إن أحببت حبًّا حقيقيًّا.
ولكن كيف تعرف من يحبك بحق؟
فالحب لشكل، مظهر، طريقة، أو نجاح ما هو إلا إعجاب فقط لكل ما يلمع أو ما يسمى بفرحة البدايات لأن كل ذلك مصيره للزوال يومًا ما، ولكن الأهم هو من يتقبلك بعيوبك.. بعصبيتك.. بجنونك.. بثورة بركانك عند غضبك فيستطيع أن يطفئ لهيبك، يشاركك لحظاتك التعيسة دون تذمر.
يروق له تلك الشعيرات البيضاء التي لاحت وتجاعيد الزمن التي زينت وجهك.. يعجبه هيئتك حتى وإن بدوت تدينًا في نظر غيره، فهو يرى الجميل بداخلك ويطلقه..
أمان الحب دائم لليوم وللغد وليس شعورًا مؤقتًا..

اهتمام المحب أم حب المهتم
ب وح وب وك بحبك..
عودوني عنيك أحبك..
حبيبي يا نور العين..
حبيبي يا مالك قلبي بالهوى..
عارف حبيبي..
عمرو دياب مطرب جيل أواخر الثمانينات والتسعينات الألفينات وحتى يومنا هذا، كانت معظم أغانيه تتمحور بشكل لافت ومكرر حول كلمة "حبيبي" مما حفز مخيلتي إلى البحث عن المعنى الحقيقي لكلمة "حبيبي" وهل هي كلمة تقال في المناسبات بتكرارها أم هي تعبير حقيقي لما في الوجدان تذهب لمستحقيها عن عمد وترصد.
- بحبك.
الحب لا يستأذن قلبًا، بل يخترقه اختراقًا ويرسل إشارات ومسارات وجدانية تربط بين المحبين المتحابين عن بعد فيشعران ببعضهما البعض وربما يتصل أحدهما بالآخر فيجده أنه أوشك على الاتصال به هو الآخر في ذات التوقيت وكثيرًا ما يتسابقان خلال الحديث في الجمل نفسها.
بالحب تجد أن كل شيءٍ في الإنسان يتغير، لا يعلم متى بدأ وأين وكيف صار!! ولكن من الملاحظ أن الملامح معه تتبدل، وتشع العينان لمعانًا لم تعهدها من قبل، الضحكة تنطلق من أعماقه ليصل مداها حد الكون، يعامل من حوله بارتياح لكونه سعيدًا؛ الوجه يعلوه النور حقًا يبدأ بالتصالح مع كل شيء في العالم فيشعر بأنه مقبل على الحياة وأنه امتلك الكون بأكمله.
اهتمام المحب أو حب المهتم!!
هل نهتم لأننا نحب حقًا؟ أم نحب من يهتم بنا؟
الحب من الممكن أن يكون بدايةً سعيدةً للحياة ويكلل بالزواج، ولكن هل بالحب فقط تكمن استمرارية السعادة؟!! باعتقادي الشخصي الاهتمام والاحتواء هو الغاية لإنجاح أي علاقة حب، الاهتمام هو الوجه الآخر للحب.
الاهتمام عطاء وبذل مجهودٍ لإرضاء الآخر وشعوره بالاكتفاء بك عمن سواك، فالإرضاء غاية لا يسهل الوصول لها إلا باهتمام الطرفين. وقد يصل بك الحال إلى محاولاتٍ مستميتةٍ لإيجاد نقطة الإرضاء تجعل الحياة مُتقبلةً إلى حدٍّ كبيرٍ إن تعثر الأمر؛ فالحياة ليست مرضيةً دائمًا لكن من الممكن أن تصبح أكثر إرضاءٍ مع التقدير والاهتمام المتبادل.
ولكن يختلف الأمر إن لم يكن هناك شعور بالحب وإنما اهتمام فقط وربما تستعذب ذلك الشعور وتتخيل وهمًا أو كذبًا أنه حب، ولكن الحقيقة غير ذلك..
وبداية نهاية أي حب هو أن تتعامل مع شريك الحياة على أنه تحصيل حاصل وتبدأ بعدم بذل أي جهدٍ للاحتفاظ به ويتلاشى الاهتمام فتفقده شيئًا فشيئًا دون أن تشعر حتى تصل إلى نقطة النهاية.
الحب يا سادة كائن حيٍّ يحيا بالاهتمام ويموت لو أهملناه وعندما يموت لا أمل من إحيائه من جديدٍ!

حبٌّ بتضحية أم تضحيةٌ بحبٍ
هل سألت نفسك يومًا لم أحببت هذا الشخص دون غيره؟ ربما تجد نفسك محاطًا بسيل من عدم وجود إجابات وربما تصيبك الحيرة بنهايات غير معلومة الرؤى، فليس كل البدايات السعيدة تنتهي بما تتمنى، ولكن تبقى الحقيقة أنك إن أحببت فأنت لا تعلم لم أحببت؟ وكيف أحببت؟ ومتى صار لك الحب عنوانًا؟
وأما إذا شعرت بمزيج من السعادة والألم والغضب معًا فأنت تحب حبًّا حقيقيًا، ذلك المزيج يؤجج من لهيب الحب فلا حب دون ألم في أي مرحلة من عمره ولا حب دون شعور بغضب لأنك تريد المزيد من شريكك ليس في الاهتمام فقط الذي أصبح صوب عينيك أينما ذهب، بل في كل شيء ولا حب دون سعادة منتشية بحضوره، ولكن هل يوجد حب في العالم لم يكن مقترنًا بتضحية ما؟
الحب تضحيةً وتنازل من أجل من تحب..
الحب حلاوته بعطاء غير محدود وتضحية ثنائية القطب، حب يسعى كل طرف لإرضاء الآخر لا لأجل واجبٍ مفروضٍ عليه. فلا يستقيم حب أحادي الطرف فقط يقتات على تضحية الآخر دون أن يقدم شيئًا سوى بعض التنازلات التي باعتقاده أنه قدم الكثير.
وكيف ننسى قصة الحب والوفاء الخالدة "إيزيس وأوزوريس" في مصر القديمة، إحدى الأساطير الفرعونية والتي تحكي كيف غدر (ست) بأخيه (أوزوريس)، والذي بغض جمال وجهه ورجاحة عقله وحمله رسالة الخير بين البشر. حيث دبر له مكيدة للقضاء عليه وأعد له تابوت مكسي بالذهب الخالص بحجم (أوزوريس) ليقدمه هدية لمن كان حجمه مناسبًا لهذا التابوت في حفل تكريمًا له، وبالفعل تم المراد وكان التابوت غير مناسبًا للمدعوين سوى أوزوريس وأغلق التابوت عليه وألقاه في النهر واغتصب العرش.
إلا أن (إيزيس) ظلت تبحث عن جثة زوجها إلى أن عثرت عليه، فسرق (ست) جثته مرةً أخرى وقطعه إلى أشلاء وقيل اثنين وأربعين جزءًا وقام بتوزيع أجزاء جسده على أقاليم مصر، لم تستسلم (إيزيس) ولم تفقد الأمل وظلت تبحث عنه وتبكيه عند نهر النيل وتتحول كل مساء بقوة سحرية إلى نسر يحوم فوق شجرة زوجها الذي أصبح ملكًا في مملكة الموتى حتى حملت ب (حورس) من روح (أوزوريس) الذي كبر فيما بعد وحارب الشر وخلص الإنسانية من شرور ست.
كما ظهر هذا الحب جليًا فيما وصف به الملك رمسيس الثاني زوجته الحبيبة (نفرتاري) والتي كانت واحدةً من عامة الشعب وليست من القصر الملكي عندما تزوجها في سن التاسعة عشرة من عمره وقبل أن يتولى الحكم، تلك الكلمات الرقيقة التي عبرت عن حبه الشديد ووصفتها بربة الفتنة والجمال وجميلة المحيا وسيدة الدلتا والصعيد، كلمات نقشت على جدران المعبد الخاص الذي أقامه خصيصًا لها بجوار معبده الكبير بمدينة أبو سمبل بعد رحيلها ليؤكد على إخلاصه وتقديره لها وحبه الأبدي لمحبوبته (نفرتاري).
"صنع هذا المعبد المحفور في الجبل، عملًا يدوم إلى الأبد، من أجل الزوجة العظيمة نفرتاري محبوبة (الإله) موت للزمن الأبدي واللانهائي، من أجل نفرتاري، التي تتألق الشمس حبًا فيها" ترجمة عالمة المصريات (لالويت).
التضحية في الحب هي أن يتخلّى الإنسان عن بعض الأشياء التي يحبها أو اعتاد عليها من أجل شريكه ولأجل استمرار العلاقة حتى ولو على حساب سعادته. وعندما تتطلب العلاقة التضحية في صحتك النفسية وسلامتك العاطفية فعليك أن تنسحب؛ لأن هذه التضحيات لن تفيدك ولن تفيد تلك العلاقة حقًا. وفي النهاية تبقى الحقيقة الثابتة أن مع الحب الحقيقي ستتغير معه للأفضل.. للأحسن.. تشعر معه بالثبات والثقة، تجاهد نفسك في الكثير مما تفعله لنيل الرضا والثناء، تتغاضى عن العيوب وتلتمس الأعذار، تصبح الداعم لأي انتكاسة قد تحدث لشريكك، بل وتهوّن عليه لا أن تزيد من آلامه، وكلما أبدع الطرفان في سعادة الآخر هنا سيحدث الاكتفاء والإشباع.

شبيه الروح
أكاد أجزم أننا خلقنا ونصفنا الآخر موجود في مكان ما، خلق لنا في زمن ما، فحواء خلقت من ضلع آدم -عليه السلام-، أي أنها كانت جزءًا منه قطعةً من جسده، أحجيةً تكمل بعضها بعضًا.
وتظل بوصلة القلب تحاول الاتزان يمينًا ويسارًا طوال الطريق -طريق الحياة- لتصل إلى النصف الآخر من الأحجية ليكتملا، وسعيد من كان الحظ حليفه إن وجد وجهته؛ فالكثير منا تضل بوصلته ولا يصل أبدًا، ويعتقد أنها مكملته فيكتشف أنها لا تطابقه حتى ولو بعد سنوات.
إلى أن تحين تلك اللحظة التي تتأرجح فيها عقارب البوصلة وتهتز بحركات فجائية لتوقظ القلب والعقل معًا، تلك البوصلة العجيبة ستشير إليه أو إليها بشكل لا شعوري وبسيل من الرسائل غير المرئية بين الروحين فيحدث الاقتران.
نعم يتجسدان في اللامعقول كجسد واحد بقلب واحد وعقل واحد وتحل الأحجية.
رغم اختلاف الأجساد والهيئات وربما ببعد المسافات.
يقول الفيلسوف اليوناني أرسطو إن المحبين ما هما سوى جسدين بروح واحدة، الحب بينهما متصل لا نهاية له.
نعم.. فإن تحدثت سبقها في الحديث وإن أشار إلى شيء كانت هي قارئته قبل أن تتفوه شفاهه بحرف وربما كانت جراحهما واحدةً، وفكرهما واحدًا.
فيتعجبان كيف ذلك..
أهو نوع من التواصل الروحاني أم نوعًا من الراحة المنشودة؟!
وتتكرر الصدف وما كانت بصدف، بل أقدارٌ محددةٌ.
فتميل له ويميل لها..
وتحن له ويحن لها..
تعيش في عقله ويعيش هو في قلبها.
تشبه روحه ويشبه روحها لا يفرقهما المنظور المادي فهما بالقدر يتلاقيان ويلتقيان.

قدر اللقاء
الحب قدر لا محالة نظل نبحث عنه في حياتنا باستماتة، حتى وإن لم نعلن ذلك.. هي فطرة ورغبة وتمني..
فمن منا يستطيع أن يحيا دون حب؟ الحب فطرة أوجدها الله بداخلنا منذ الخليقة، منذ أن نفخ فينا الله من روحه، فوهبنا هذا الشعور والذي ميزنا به عن سائر خلقه.
فالحب ليس ودًّا فقط، ولكن يمكن أن يكون حب الحياة ذاتها وحب كل جميل حولنا بداية من حب الله، حب الوالدين، حب الخيل ‏{‏إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ‏}‏ [ص: 32]، حب المال {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]، بالإضافة إلى حب الشهوات {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ...} [آل عمران: 14] وغيرها.
إذًا المشاعر الغريزية أو الاتصال الجنسي للمحافظة على البقاء ما هي إلا احتياجات أولية لكي تستمر الحياة مثلها مثل المأكل والمشرب، مثل ما تطرق سيغموند فرويد في تحليله النفسي ووصفها بالجانب البيولوجي للشخصية (الهو).
لكن مشاعر الحب شأن آخر فهو إشباع عاطفي، رغبة ننشدها والسعيد هو من التقى برغبته وحصل على ما تمنى.
إذن هي قدريات اللقاء بمن تحب كمن يسير في الطريق ويسعى وإن تصادف بالقدر أن التقى الطريقان سيجد كل منهما الآخر.. إما إن كانا على طرق متوازية فلن يلتقيا أبدًا مهما حصل..
بمعنى نقطة الالتقاء هي شعلة الشرر لما بعد..
وماذا بعد؟
القدر صنع الالتقاء..
هنا مفترق الطرق إما أن يكملوا المسيرة بجانب بعضهما البعض في طريق واحد برضاء وتراض أو أن يسير كل منهما في طريقه مرةً أخرى..
حيث العقل يتدخل (الأنا بتعريف فرويد) إن كان هو الغالب ويفترقان جسديًّا مخلّفًا وراءهما ألمًا نفسيًا؛ تشتد معه عذابات الحب وينغمسان في العشق لعدم حصولهما على المراد.
أو كانت العاطفة لها الكلمة العليا فستسير دون وعي مع اتجاه من تحب وتنعم بلذة الحب دون النظر إلى اعتبارات أخرى.
إذن ليس هناك قانون محدد بمقدورنا رسمه لتحديد هوية العلاقات والى كيف سيكون المآل.. فهو يختلف حسب الغلبة لمن بداخل كل شخص؛ العقل أم العاطفة...!!
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.