استيقظ شريف ﻣن اﻟﻧوم وھو يشعر -بسبب تأثير اﻟﻛﺣول اﻟذي قد تجرعه ﻟﯾﻠﺔ أمس- ﺑﺑﻌض اﻟﻐﺛﯾﺎن واﻟدوار، وما لبث أن نهض ﻣن فراشه ﺣﺗﻰ دﺧﻠت عليه أمه وهي ﺗﺛرﺛر بأنه ينام ﻛﺛﯾرًا، وﺗهم ﺑﻔﺗﺢ اﻟﻧواﻓذ لعلّ أشعة اﻟﺷﻣس والهواء النقي يدخلان اﻟﻐرﻓﺔ ليغسلاها ﻣن راﺋﺣﺔ اﻟﺗﺑﻎ اﻟﺗي ﻗد ملأت اﻟﻐرﻓﺔ ولعلهما يغسلا ﺷرﯾف أيضًا ﻣن اﻻﻛﺗﺋﺎب اﻟذي ﻻزمه ﻣﻧذ تخرجه ﻣن اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ وﺑﺣﺛه اﻟدؤوب عن ﻋﻣل دون ﺟدوى..
الأم: قوم يا شريف، احنا بقينا الضهر.
ﺷرﯾف: يعني يا أمي لو كملت نومي القيامة هتقوم مثلًا!
الأم: يا حبيبي قوم ﺷوف اللي وراك، وعلى ما تقوم هعملك الشاي والبسكوت تفطر.
شريف: ماشي يا أم شريف ربنا يخليكي.
ﻣا لبثت أن خرجت أمه -التي يعتبرها الكون كله، مجرة الحنان هي ولا شيء سواها- حتى رن هاتفه المحمول بنغمة رتيبة عادية من نوع النغمات المثبتة مسبقًا على الهاتف..
ﺷرﯾف: ألووو
ﺣﺳﺎم ﺻدﯾﻘه اﻟﻣﻘرب: أنت ﻓﯾن يا عم ﺷرﯾف بقالي ساعة ملطوع في الشارع.
ﺷرﯾف : ياااه ده أنا نسيتك خالص، مع إننا كدة كدة هنترفض زي كل مرة.
ﺣﺳﺎم: طب يللا تعالى علشان نلحق معادنا، وسيب الباقي على ربنا.
أغلق شريف الهاتف وهو يشعر بثقل سيارة نقل مثبتة على قدميه، لا يريد أن يذهب إلى هذه المقابلة، كانت مقابلة عمل في إحدى الشركات التي يتمنى كل المهندسين العمل بها، وكان شريف قد تخرج من كلية الهندسة منذ سبع سنوات من جامعة القاهرة، وكان تخصصه هو إصلاح الأجهزة الطبية الدقيقة جدًا، وكان قد يئس من البحث عن وظيفة.
خرج شريف من غرفته على استعجال وذهب للمرحاض للاستعداد لموعد المقابلة، نظر إلى المرآة في حزن وكآبة وهو يصفف خصلات شعره ويهمهم: الله يرحمك يا حاج، مسبتليش غير العيون الملونة والشعر الناعم.
ثم دخل إلى غرفته مرة أخرى، وأخرج البدلة الوحيدة التي ربما ذهب بها إلى مئة مقابلة عمل ومئة وخمسين مناسبة اجتماعية، وربما يستخدمها كمايوه أيضًا.
خرج من غرفته على استعجال.
الأم: الفطار جاهز يا شريف.
شريف: معلش يا أمي لازم أنزل، كان فيه مقابلة شغل ونسيتها، ولازم أنزل حالًا ومش هتأخر.
الأم: طيب يا حبيبي ربنا يوفقك.
وأخذت والدة شريف تسرد الأدعية التي تحفظها كل الأمهات، نوع الأدعية التي تصلح لجميع الأزمات والمناسبات، ربما توزع ورقة بهذه الأدعية على كل من تحمل لقب أم.
نزل شريف إلى الشارع الذي يسكنه في حي المنيل واستقل سيارة أجرة إلى الجيزة للقاء صديقه حسام والذهاب إلى مقر الشركة في الشيخ زايد.
حسام: ما لسة بدري يا عم الزفت.
شريف: اخلص بقى أنا مش فايقلك، مكنتش حتة عربية طالع عينها هتذلني بيها، والله أنزل.
حسام: لا يا عم وعلى إيه، عمومًا، كويس إني صحيتك، أنا عارف إنك مكنتش هتصحى من الكاسين بتوع امبارح.
شريف: الله يحرقك أنت وخروجاتك.
حسام: بس البنت نرمين منزلتش عينها من عليك طول الليل، اااااخ بس لو عندي عينيك الملونة دي.
شريف: يللا بقى دوس بنزين خلينا نتوكل.
اتجها منطلقين إلى مقر الشركة لحضور المقابلة.. وصلا إلى مقر الشركة الكائن في الشيخ زايد في إحدى المناطق الراقية جدًا. تحدثا إلى السكرتيرة أن لديهما موعد مع السيد عاطف البنهاوي المدير التنفيذي للشركة لعمل مقابلة عمل.
دقائق ودخل حسام أولاً، ولم يمكث كثيرًا، بضع دقائق ربما، ثم خرج عابث الوجه وهو يهمس لشريف: راجل رخم.
دخل شريف إلى السيد عاطف البنهاوي، كان في عقده الخامس، رجل أنيق يرتدي بذة كحلية اللون، وساعة ماركة باتيك فيليب، تلك الساعات التي ربما قد يكفي ثمنها لسداد ديون مصر، وكان مكتبه عصري إلى حد كبير وواسع جدًا.
جلس شريف على الكرسي المقابل للسيد عاطف وأخذ يجول بعينيه في المكتب، لاحظ وجود صور كثيرة موضوعة بعناية على المكتب، تخص أ. عاطف بمفرده وهو يصطاد، وهو ممسك ببندقية، وهو يجول العالم بأثره، ربما لو تجول أكثر لوجده بصورة وهو في الفضاء يلعب الجولف.
رمقه عاطف وسأله وهو ينظر إلى سيرته الذاتية: أنا شايف إنك كنت متفوق في الكلية.
شريف: الحمد لله يا فندم، الخمس سنين كنت بجيب امتياز.
عاطف: وليه متعينتش معيد في الكلية؟
شريف: قدمت لكن خدوا ابن دكتور في الكلية.
عاطف: كوسة بقى يا شريف إنت فاهم الأمور بتمشي ازاي.
شريف: هو نصيب ورزق يا فندم عمومًا.
عاطف: أنت طبعًا عارف شركتنا، وأنا تعبت قد إيه علشان أعرف أجيب التوكيل ده مصر، واحنا متخصصين في صيانة الأجهزة الطبية الدقيقة جدًا، ولينا فروع في كذا دولة.
رد شريف بفتور: طبعًا، طبعًا يا فندم، الشركة عمومًا معروفة جوة مصر وبرة مصر، وهي الأولى في مصر.
سأل السيد عاطف شريف الكثير من الأسئلة الفنية التي من دورها قد تثبت أن شريف فعلًا كفء لهذه الوظيفة.
عاطف: طيب شوف يا بشمهندس شريف، احنا شركة كبيرة زي م قولتلك ولينا فروع برة مصر، هل عندك مشكلة تتنقل بين الفروع دي؟
شريف: الحقيقة يا بشمهندس أنا عايش مع أمي لوحدي ومقدرش أبعد عنها كتير.
عاطف: متقلقش، مش هنبعدك عنها كتير، ربنا يخليهالك.
شعر عاطف أن شريف شاب مجتهد، وأن لديه مستقبل باهر.
* * *
رجع شريف إلى المنزل ولديه احساس يكاد يتحول يقين أنه سيأخذ تلك الوظيفة.
رن هاتفه المحمول..
حسام: إيه يا بني أنت فين مش هتنزل؟
شريف: لا يا عم أنا تعبان جدًا عايز أنام، وقاعد مع أمي شوية.
حسام: طيب أنت الخسران، أنا خارج مع نرمين وشاهندا.
شريف: لا اخرج أنت، أشوفك بكرة.
أغلق شريف الهاتف وھو ﯾﺗذﻛر أيام اﻟﺟﺎﻣﻌﺔ كيف ﻛﺎﻧت علاقته بحسام، كانت علاقة صداقة حقيقية لكن حسام لم يكن من المتفوقين، بالكاد ينجح وبمساعدة شريف بالطبع.
راجع شريف أفكاره..
أنا لازم أركز وآخد الوظيفة دي، الفرصة جاتلي ولازم أمسك فيها.
خرج شريف من غرفته بعد أن بدل ملابسه، وجد أمه الحنون تقوم ببعض الأعمال في المطبخ، كانت امرأة مكافحة، هي التي تولت رعاية شريف بعد موت والده في حادث سير، وكان شريف حينها لا زال في السادسة من عمره، وها هي أمه قد بلغت سن المعاش منذ ثلاثة سنوات.
شريف: بتعملي إيه يا أمي، كفاية تعب.
الأم: أنا فاضية يا حبيبي بتسلى، هقعد أعمل إيه!
شريف: طيب أنا هنام ساعة وأصحى نتغدا.
دلف شريف إلى غرفته ورمى بجسده المنهك على فراشه ونام نوما عميقًا..
ما لبث أن غاص في أعماق نومه حتى شعر بأمه:
اصحى يا شريف، بقالك تلات ساعات نايم وأنا جوعت.
شريف: يااااه تلات ساعات! والله ولا حسيت.
ذهبا إلى طاولة الطعام أمام التلفاز وأخذا في الحديث عن المقابلة وعن نوع العمل، قال شريف: ربنا يسهل يا أمي، بس فيها مشكلة واحدة، فيها سفر.
الأم: وماله يا حبيبي، ما أنت عارف خالاتك بيجوا يقعدوا معايا وكلهم جنبنا هنا في المنيل، مش مشكلة.
أنهيا وجبة الغداء التي تحولت لعشاء، ثم دلف شريف إلى غرفته لفتح بعض المراجع لمراجعة وتنشيط ذاكرته، أخذ يقرأ بتركيز، كان من عادة شريف أنه يضع تركيزه في الشيء الذي يقوم به، تركيز من النوع الذي يتحول لفصل حواسه الخمس عن العالم الخارجي، فقط ما يقوم بعمله الآن، وكان هذا هو سر تفوقه في الجامعة.
رن هاتفه المحمول، كان على الهاتف صديقه من المدرسة، كانا على علاقة طيبة، يتواصلان ليسألا عن بعضهما من حين لآخر، وكان صديقه محمد كمال من عائلة ميسورة الحال..
شريف: ألوو إزيك يا أبو كمال.
كمال: إزيك يا شريف، واحشني جدًا من ساعة ما عزلنا من المنيل من خمس سنين وأنا مش عارف أشوفك.
شريف: وأنت كمان والله ليك وحشة، طيب م تعدي ننزل شوية.
كمال: أنا فعلًا في المنيل، تعالى نروح النادي شوية.
شريف: طيب يللا بينا، أنا هنزل وأكلمك.
نزل شريف من منزله ليقابل كمال، وكانا يفضلان دائمًا أن يتقابلا عند سينما فاتن حمامة، وكانا من روادها أيضًا..
وﺻل ﻛﻣﺎل ﺑﺳﯾﺎرﺗه ﻣن طراز ﻣرﺳﯾدس، ﺗﻠك اﻟﺳﯾﺎرات اﻟﺗﻰ ﺗﻔﺻﻠك ﻋن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺧﺎرﺟﻰ ﺑﺣﯾث إن اﻧﻔﺟرت في ﺎﻟﺧﺎرج ﻗﻧﺑﻠﺔ ﺗي ان ﺗي ﺷدﯾدة اﻻﻧﻔﺟﺎر ﻓﻠن ﺗﺳﻣﻊ أى ﺷﻲء..
ﺷرﯾف: ﻓﺎﻛر اﻟﺳﯾﻧﻣﺎ ﯾﺎ ﻛﻣﺎل ﻛﻧﺎ ﻛل ﺧﻣﯾس ﻻزم ﻧروح.
ﻛﻣﺎل: ﻛﺎﻧت أﺣﻠﻰ أﯾﺎم وﷲ، وﻣش ﻗﺎدر أﻧﺳﻰ اﻟﻣﻧﯾل، ﺳﺎﻋﺎت آجي ألف ﺑﺎﻟﻌرﺑﯾﺔ ﻣن ﻏﯾر ھدف وأروح.
ﺷرﯾف: أنا ﻣش ﻣﺗﺧﯾل إني ﻣﻣﻛن أسيب اﻟﻣﻧﯾل.
ﻛﻣﺎل: أﻧﺎ ﻛﻧت ﺑﻘول زﯾك ﻟﻛن ﺑﻌد ﻣﺎ نقلت زاﯾد اﻟﻌﯾﺷﺔ ھﻧﺎك أھدى وﻟﯾﮭﺎ طﻌم ﺗﺎﻧي ﯾﺎ ﺷريف.
ﺷرﯾف: ھﻧروح ﻓﯾن؟
ﻛﻣﺎل: ﻧﺎدي اﻟﺟزﯾرة، ھﻘﺎﺑل ﻧﺎس ﺻﺣﺎﺑﻰ وأهو ﺗﻐﯾر ﻣﻧﺎظر وﺗﺗﻌرف ﻋﻠﻰ ﻧﺎس ﺟدﯾدة.
أﺧذ ﺷرﯾف ﯾﻧظر إﻟﻰ اﻟطرﻗﺎت، ﻓﮭو لأول ﻣرة ﻓي ﺣﯾﺎته ﯾرى اﻟﺷﺎرع ﺑﮭذا اﻟﮭدوء، وذﻟك ﺑﻔﺿل ﻋزل اﻟﺳﯾﺎرة اﻟﻣﻣﺗﺎز اﻟذي ﻻ ﯾﺳﻣﺢ ﺑدﺧول ﺻوت ﻣن اﻟﺧﺎرج.
وﺻﻼ إﻟﻰ اﻟﻧﺎدي وﻛﺎن ﻛﻣﺎل ﻣن الأﺷﺧﺎص اﻟﻣﻌروﻓﯾن ﻟدى أﻣن اﻟﻧﺎدي ورﺣﺑوا به، ودﺧﻼ إﻟﻰ اﻟﻧﺎدي. أﺧذ ﻛﻣﺎل ﯾﺷرح الأﻣﺎﻛن لﺷرﯾف وأن ھذا اﻟﻧﺎدي ﺗم ﺗأﺳﯾﺳه ﺳﻧﺔ 1882 ﻟﻠﺑﺷﺎوات والأﻣراء..
اﻧﺑﮭر ﺷرﯾف ﻣن ﺟﻣﺎل اﻟﻧﺎدي وﻣن ﻓﺧﺎﻣﺗه وﻣن اﻟﺳﺎﻋﺎت اﻟروﻟﻛس اﻟﻣﻧﺗﺷرة ﻛﺳﺎﻋﺎت ﺷﺎرع وﻛل ﺗﻔﺻﯾﻠﺔ.
ذھﺑﺎ إﻟﻰ طﺎوﻟﺔ ﺑﺟﺎﻧب ﻣﺳﺎر اﻟﺟري اﻟﺧﺎص ﺑﺎﻟﻧﺎدي وﺟﻠس ﺷرﯾف ﻣﻘﺎﺑل لﻛﻣﺎل وﻗﺎم ﻛﻣﺎل ﺑﺎﻻﺗﺻﺎل ﺑﺎﺻدﻗﺎﺋه ﻟﯾﺟﻣﻌﮭم، ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾراﻗب ﺷرﯾف ﻣﺳﺎر اﻟﺟري إذ ﺑه ﯾﺟد ﻓﺗﺎة في ﻣﻧﺗﺻف اﻟﻌﻘد اﻟﺛﺎﻟث ﺗﻣﺳك ﺑزﺟﺎﺟﺔ ﻣﯾﺎه وﺗﺳﺗﺧدم اﻟﻣﺳﺎر في اﻟﻣﺷﻲ اﻟسرﯾﻊ ﺑﻠﺑﺎس رﯾﺎﺿي ﻣن إحدى اﻟﻣﺎرﻛﺎت الشهيرة، ﺷﻌر ﺷرﯾف أن اﻟزﻣن ﻗد ﺗوﻗف، ﺷﻌر ﺑﺣرﻛﺔ ﺗﺻوﯾر بطيء وھو ﯾراھﺎ ﻗﺎدﻣﺔ وﺷﻌرھﺎ ﯾﺗﻧﺎﺛر ﺑﻔﻌل اﻟﮭواء، ﺷﻌر ﺷرﯾف أﻧﮭﺎ ﻗﺎدﻣﺔ إليه وﺷﻌر ﺑﺎﻟﺣرج اﻟﺷدﯾد، ﺛم ﺗوﻗﻔت ﻋﻧد اﻟطﺎوﻟﺔ اﻟﺗي ﻛﺎن ﯾﻔﺻل ﺑﯾﻧﮭﺎ وﺑﯾن اﻟﻣﺳﺎر ﺳور ﺣدﯾدي ﻗﺻﯾر وﻗﺎﻟت:
إزيك يا كمال، ما لسة بدري.
كمال: أهلا نيللي، معلش أصلي عديت أجيب شريف، أعرفكم.
أشار كمال إلى شريف ليعرفها إليه: شريف.
ثم أشار إليها كي يعرفها إلى شريف: نيللي.
مدت نيللي يدها إلى شريف: أهلا شريف.
شعر شريف أنه دعك المصباح وقال له: "أريد أن أستوقف هذه الفتاة لأتعرف إليها وأصافحها وأجلس معها" وللعجب وافق المارد ونفذ ما طلبه.
همَّ واقفًا وهو يقول: أهلًا نيللي، فرصة سعيدة.
نيللي: طيب يا كمال هروح أغير وأجيلك، تكون لميت باقي الشلة.
كمال: ماشي يا نيللي.
ذهبت نيللي وظل شريف ينظر إليها حتى قال له كمال فجأة:
أنت يا بني سهمت كدة ليه مالك؟
شريف: لا مفيش، مش هنشرب حاجة؟
كمال: ساعد نفسك بنفسك، ده شعار النادي، قوم هات اللي عايزه.
ذهب شريف إلى إحدى المحلات لأخذ كوب قهوة، ربما تصلح أعصابه من هول العاصفة التي لمت به، ثم رجع إلى الطاولة مرة أخرى وجلس مع صديقه كمال، وتوالى أصدقاء كمال في القدوم، كانوا ثلاثة أشخاص، نيللي وسارة وشادي.
جلسوا جميعًا على نفس الطاولة وكل منهم أتى بمشروبه المفضل.
لم يرَ شريف أيًا من الجالسين إلا نيللي، يرمقها بحذر وهي ترشف من كوب البرتقال وتمسح شفتيها وتضع الكوب على الطاولة.
تكلم كمال:
ده شريف يا جماعة، صاحبي من أيام المنيل، كان معايا في المدرسة ومتربيين مع بعض.
شعر شريف بالحرج، كل الجالسين يبدو عليهم الثراء، كما أنه خجول بطبعه، شعر بفقره وإن كان احساس زائف، فعائلة شريف من الطبقة المتوسطة، كان يعمل والده في إحدى شركات القطاع العام، وتتقاضى والدته راتب تقاعد والده يكفي للعيش ويفيض منه.
قال شادي: أهلًا شريف، نورتنا.
وسارة أيضًا أبدت ترحيبًا، أما نيللي فلم تعره أي انتباه..
أخذوا يتحدثون عن سفريات أوروبا وأنهم قد ملّوا السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لأنهم سافروا إليها كثيرًا، وظلّوا يتحدثون عن آخر الصيحات والموديلات وأنواع السيارات الجديدة.
لم يجد شريف نفسه وسط الجمع، وجد نفسه فقط يرمق نيللي بنظرات فضولية، يحاول أن يقول لها: "انا هنا، تحدثي عن نفسك".
وبعد انتهاء اللقاء ذهبوا جميعا، قال كمال: يللا بينا يا شريف علشان أوصلك.
فكر شريف قليلًا ثم قال: روّح أنت يا كمال، أنا عاوز أتمشى لحد البيت، هي مسافة مش طويلة.
مضى شريف في طريقه من حي الزمالك حتى المنيل وهو يفكر في شيء واحد فقط، نيللي، هل سيراها مرة أخرى؟ وحتى إن رآها، هل تكترث هي لوجوده؟
حتى قطع تفكيره تلك النغمة الرتيبة لهاتفه، كان حسام صديقه على الهاتف..
حسام: ألووو. إزيك يا شريف.
شريف: أهلًا يا حسام، عامل إيه؟
حسام: حد كلمك من الشركة؟
شريف: لا لسة، إنت حد كلمك؟
حسام: لا، عمومًا هيبان بكرة، ما تيجي ننزل شوية.
شريف: ننزل فين يا صايع الساعة 12، أنا مروح أشوفك بكرة.
أغلق شريف الهاتف، ظلّ شاردًا قليلًا على كوبري الجامعة، كم هي جميلة هذه البلد ليلًا!
وصل إلى منزله، فتح الباب في هدوء شديد حتى لا يوقظ أمه المسكين التي تنام بفعل بعض الأدوية لما تعانيه من التهاب في بعض الغدد، مما يدفعها لأخذ مسكنات قوية.
غاص في فراشه ونام بعمق، نام وهو متيقن أن حياته تتغير ربما، شعر لأول مرة أنه على قيد الحياة.
استيقظ على الساعة التاسعة صباحًا على رنة هاتفه، رد على الهاتف: الوو.
الصوت على الهاتف: صباح الخير، بشمهندس شريف؟
شريف: أيوة أنا شريف.
الصوت على الهاتف: ﻣﻊ ﺣﺿرﺗك ﺷﯾﻣﺎء، ﺑﻛﻠم ﺣﺿرﺗك ﺑﺧﺻوص اﻻﻧﺗرﻓﯾو ﺑﺗﺎع اﻣﺑﺎرح، ﻣﺑروك ﺗﻘدر ﺗﺟﮭز أوراﻗك ﺧﻼل أﺳﺑوع وﺗﺑدأ.
في ﻟﮭﻔﺔ ﻗﺎل ﻟﮭﺎ ﺷرﯾف: ﻗﺑل أﺳﺑوع ﻛﻣﺎن إن ﺷﺎء ﷲ.
-ﺗﻣﺎم أول ﻣﺎ ﺗﺧﻠص أوراﻗك ﺗﻘدر ﺗﯾﺟﻲ اﻟﺷرﻛﺔ وﺗﺳﺗﻠم اﻟوظﯾﻔﺔ.
في ﺗﺷوق ﻗﺎل ﻟﮭﺎ: ﻣﺗﺷﻛر ﺟدًا، ﻣﻊ اﻟﺳﻼﻣﺔ.
ﺧرج ﻣن ﻏرﻓﺗﺔ وھو في ﻏﺎﯾﺔ ﺳﻌﺎدته صائحًا: ﯾﺎ أم ﺷرﯾف، أﻧﺎ اﺗﻘﻠﺑت في اﻟوظﯾﻔﺔ.
ﻓرﺣت أمه كثيرًا.. دﺧل ﺷرﯾف إﻟﻰ ﻏرفته ﯾﻔﻛر ﻛﺛﯾرًا ﻓي ﺗﻠك اﻟﻣﺳوؤﻟﯾﺔ اﻟﺗﻰ ﺣطت ﻋﻠﻰ ﻋاتقه، ھمَّ ﺑﺎﻻﺗﺻال بحسام ﯾزف إليه اﻟﺧﺑر..
شريف: ﺣد ﻛﻠﻣك ﯾﺎ ﺣﺳﺎم؟
حسام: ﻻ هما ﻛﻠﻣوك؟
شريف: اه، وھﺑدأ أﺟﮭز اﻟورق ﺑﺗﺎعي.
حسام: ﺑﺎﻟﺗوﻓﯾق ﯾﺎﺻﺎﺣﺑي.
أﻏﻠق شريف اﻟﮭﺎﺗف وﻧزل إلى ﺑﻌض اﻟﻣﺻﺎﻟﺢ اﻟحكومية ﻟﻌﻣل الأوراق اﻟﻣطﻠوﺑﺔ، وﺑﻌد ﺑﺿﻌﺔ أﯾﺎم ذھب إلى مقر اﻟﺷرﻛﺔ وھو ﯾرﺗدي ﺑذة ﺟدﯾدة ﻛﺎن ﻗد اﺷﺗراھﺎ ﻣن إحدى اﻟﻣﺣﻼت اﻟﻣﺷﮭورة، وﻗدم أوراقه إلى اﻟﺳﻛرﺗﯾرة واﻧﺗظر ﻧﺻف ﺳﺎﻋﺔ ﺣﺗﻰ دﺧل إلى ﻗﺳم اﻟﻣوراد اﻟﺑﺷرﯾﺔ لامضاء اﻟﻌﻘد وﻣﻌرﻓﺔ ﺑﻌض اﻟﺗﻔﺎﺻﯾل ﻣن راتب وﺣواﻓز وﻣواﻋﯾد ﻋﻣل وﻣﺎ إلى آخره.
ﻛﺎن اﻟراﺗب ﻣﺟز حقًا، ﯾﺳتطيع أن ﯾﻌﺗﻣد عليه ﻓﻰ ﺣﯾﺎة ﺟﯾدة.
دﺧﻠت اﻟﺳﻛرﺗﯾرة إليه: ﻣﮭﻧدس ﺷرﯾف، ﻣﺳﺗر ﻋﺎطف ﻋﺎﯾزك ﻟﻣﺎ ﺗﺧﻠص.
أﻧﮭﻰ ﺷرﯾف ﻛل الأوراق المطﻠوﺑﺔ وﻣﻌرﻓﺔ ﻛل اﻟﺗﻔﺎﺻﯾل، ﺛم ذھب إلى ﻣﻛﺗب اﻟﺳﯾد ﻋﺎطف، ﺻﺎفحه ﻋﺎطف ﺑﻘوة وﻗﺎل له: أﻧﺎ ﻣراھن ﻋﻠﯾك.
رد شريف: إن ﺷﺎء ﷲ أﻛون ﻋﻧد ﺣﺳن ظن ﺣﺿرﺗك.
* * *
أﺧذ ﻋﺎطف ﯾﺷرح له طﺑﯾﻌﺔ اﻟوظﯾﻔﺔ وﻣدى أھﻣﯾﺗﮭﺎ، واﺗﺻل ﺑﻣدﯾر ﻗﺳم اﻟﺻﯾﺎﻧﺔ وﻋرﻓﺎ ﺑﻌﺿﮭم ﺑﻌضًا وأن ﺷرﯾف ﺳﯾﻌﻣل ﺗﺣت إشرافه ﻟﻛي ﯾﺗﻌﻠم ﻣن ﻣﮭﻧدس ﻣدحت طﺑﯾﻌﺔ ﻋﻣﻠه اﻟﺟدﯾد، ﺛم ﺧرﺟﺎ ﻣن ﻣﻛﺗب اﻟﺑﻧﮭﺎوي وﻛﺎﻧﺎ ﯾﺗﺣدﺛﺎن وھﻣﺎ ذاھﺑﯾن إلى اﻟدور الأرﺿي اﻟذي به ﻣﻛﺎﺗب، وورﺷﺔ اﻟﺻﯾﺎﻧﺔ اﻟﺧﺎﺻﺔ باﻟﺷرﻛﺔ، ﺣﯾث ﻛﺎن ﻣﻘر اﻟﺷرﻛﺔ ﯾﺗأﻟف ﻣن ﺛﻼثة طواﺑق: الأرﺿي، وﯾﺣﺗوي ﻛﺎﻣلًا ﻋﻠﻰ ورﺷﺔ اﻟﺻﯾﺎﻧﺔ وﻣﻛﺎﺗب اﻟﻣﮭﻧدﺳﯾن واﻟﻌﺎﻣﻠﯾن واﺳﺗراﺣﺔ ﺻﻐﯾرة.
واﻟدور الأول ﯾﺣﺗوي ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺗب ﻋﺎطف اﻟﺑﻧﮭﺎوي وﻣﻛﺎﺗب اﻟﺷؤون اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ واﻟﺣﺳﺎﺑﺎت وﻣﻛﺎﺗب ﻛﺑﺎر اﻟﻣوظﻔﯾن.
أﻣﺎ اﻟدور اﻟﺛﺎﻧي، ﻛﺎن ﯾﺣﺗوي ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺎﺗب اﻟﻣﺑﯾﻌﺎت واﻟدﻋﺎﯾﺔ.
ﻛﺎﻧت اﻟﻣﺑﯾﻌﺎت ﺗﺳﺗﺣوذ ﻋﻠﻰ ﺟزء ﻛﺑﯾر ﻣن اھﺗﻣﺎم اﻟﺑﻧﮭﺎوي، ﻛﺎن دائمًا ﯾﺳﻣﯾﮭﺎ ﻗﻠب اﻟﺷرﻛﺔ. اﺗﺻل اﻟﺑﻧﮭﺎوى بﺷﯾﻣﺎء ﺳﯾﻛرﺗﯾرﺗه اﻟﺧﺎﺻﺔ وﻗﺎل ﻟﮭﺎ أن ﺗﺗﺻل ﺑإبراھﯾم ﻣدﯾر اﻟﻣﺑﯾﻌﺎت وأن اﺟﺗﻣﺎع طﺎرئ ﺳوف ﯾﻧﻌﻘد ﺣﺎلًا.
دﺧل اﻟﺳﯾد إﺑراھﯾم وﻣﻌه ﻣﺳﺎﻋده إلى ﻏرﻓﺔ اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﺎت، وﺟد اﻟﺑﻧﮭﺎوي ﻓي اﻧﺗظﺎره وھو ﯾدﺧن ﺳﯾﺟﺎره اﻟﻔﺎﺧر.
إﺑراھﯾم: ﺻﺑﺎح اﻟﺧﯾر ﯾﺎﻓﻧدم.
ﻗﺎﻟﮭﺎ إﺑراھﯾم ﺑﺗوﺗر ﺷدﯾد، ﺣﯾث ﻣن اﻟﻧﺎدر أن ﯾطﻠﺑه اﻟﺑﻧﮭﺎوي ﻓي أي اﺟﺗﻣﺎﻋﺎت طﺎرﺋﺔ ﻣﺎ ﻋدا اﻻﺟﺗﻣﺎع اﻟﺷﮭري اﻟذي ﯾﺗم ﻣﻧﺎﻗﺷﺔ اﻟﻣﺑﯾﻌﺎت ﻓﯾه وﺳﯾر اﻟﻌﻣل.
رد ﻋﻠﯾه اﻟﺑﻧﮭﺎوي ﻓي ﻏﺿب ﺷدﯾد: أنت بتلعب ﯾﺎ إﺑراھﯾم! ﯾﻌﻧﻲ ﺑﺗﺳوق لأﺟﮭزة ﻣش بتاعتي؟ أنت ﻓﺎﻛرﻧي ﻧﺎﯾم ﻋﻠﻰ ودﻧي؟ أﺧﺑﺎر اﻟﺳوق ﺑﺗوﺻﻠﻧي.
اﺗﻔﺿل أنت ﻣطرود، وﻋدي ﻋلى اﻟﺣﺳﺎﺑﺎت ﺧد مستحقاتك وﺳﻠم ﻛل اﻟﺷﻐل ﻟﻣﺣﻣود.
ﻛﺎن ﻣﺣﻣود ﻣﺳﺎﻋد إﺑراھﯾم واقفًا ﯾﺷﺎھد اﻟﻣوﻗف وھو ﻓي ذھول ﻣن اﻟﻣوﻗف. ﺗﻌرق ﺟﺑﯾن إﺑراھﯾم وقد اﺣﻣر وﺟﮭه ﻣن ھول اﻟﻣوﻗف، وأطرق ﻗﺎﺋلًا: ﺗﻣﺎم ﺣﺿرﺗك.
ﺧرﺟﺎ ﻣن اﻟﻣﻛﺗب وﻛﺎن اﻟﺑﻧﮭﺎوي ﻋﻠﻰ ﻋﻠم ﺑﻛل ﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠه إﺑراھﯾم ﻣن ﺣﯾل ﻓي اﻟﺳوق. ﻟﻛن وﺻل الأﻣر ﻟﺣد ﻻ ﯾﻣﻛن اﻟﺳﻛوت ﻋﻧه.
ﺟﻠس اﻟﺑﻧﮭﺎوي ﯾﺗذﻛر أﯾﺎم ﺷﺑﺎﺑه وﻛﯾف أنه ﻋﻣل ﺑﺟد كي ﯾﺻل إلى ﻣﻛﺎﻧه، وﻛﯾف أنه ظل ﯾﺣﻠم طوﯾلًا ﻟﻠﺣﺻول ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺗوﻛﯾل.
ﺷرد ﻗﻠﯾلًا ﺣﺗﻰ رن ھﺎﺗﻔه، ﻛﺎن اﺑﻧه ھﯾﺛم: ازﯾك ﯾﺎ ﺑﺎﺑﺎ.
عاطف: أھلًا ﯾﺎﺣﺑﯾﺑﻲ، ﻋﺎﻣل إيه؟
هيثم: الحمد لله ﻛﻠه ﺣﻠو.
عاطف: ﻣش ﻧﺎوي ﺑﻘﻰ ﺗﺳﯾب اﻟﻣﺎﻧﯾﺎ وﺗﯾﺟﻲ ﺗقعد ﻣﻌﺎﯾﺎ ھﻧﺎ؟ أﻧﺎ ھﺳﯾب ده ﻛﻠه ﻟﻣﯾن! ده إنت ﻣن ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺎ ﻣﺎﻣﺗك رﺑﻧﺎ اﻓﺗﻛرھﺎ ﻣن 3 ﺳﻧﯾن ﻣﺟﺗش ﻏﯾر ﻣرﺗﯾن.
هيثم: ﯾﺎ ﺑﺎﺑﺎ اﺣﻧﺎ اﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻓي اﻟﻣوﺿوع ده ﻛﺗﯾر، أﻧﺎ ﺟرﺑت وﻣﻌرﻓﺗش، أﻧﺎ ﻻﻗي ﻧﻔﺳي ھﻧا.. ﻋﻣوﻣﺎ أﻧﺎ ﺑﻛﻠم ﺣﺿرﺗك أﻗوﻟك إني أﻧﺎ وﺟوﻟﯾﺎ والأوﻻد ﻧﺎزلين أﺟﺎزة.
أﻏﻠق اﻟﺑﻧﮭﺎوي اﻟﮭﺎﺗف وﻓﺗﺢ ﻣﻌرض اﻟﺻور ﻓي اﻟﮭﺎﺗف، ﻓﺗﺢ ﺻورة زوﺟﺗه وھﻣس: ﷲ ﯾرﺣﻣك ﯾﺎ ﻋﻔﺎف، ﺳﺑﺗﯾﻧﻲ ﺑدري، ﷲ ﯾرﺣﻣك.
ظل ﻣدﺣت ﯾﺷرح لﺷرﯾف ﻣدى أھﻣﯾﺔ ﻗﺳم اﻟﺻﯾﺎﻧﺔ، وأن اﻟﺑﻧﮭﺎوي ﯾﻌﯾره اھﺗﻣﺎم ﻛﺑﯾر.
سأله ﺷرﯾف: ھو ﺣﺿرﺗك ﺑﻘﺎﻟك ﻛﺗﯾر ھﻧﺎ؟
مدحت: أﻧﺎ ﻣن ﺳﺎﻋﺔ ﻣﺎ اﻟﺷرﻛﺔ اﺗأﺳﺳت ﻣن 15 ﺳﻧة وزي ما أنا ھﻧﺎ.
شريف: واﺿﺢ إن اﻟﺑﻧﮭﺎوي ﺑﯾﺣﺑك.
مدحت: آه ﺑﯾﻌﺗﻣد ﻋﻠﯾﺎ، وھو راﺟل ﻛوﯾس.
اﺳﺗﻠم ﺷرﯾف ﻣﻛﺗﺑه اﻟﺟدﯾد وﺑدأ ﻓي وﺿﻊ ﻟﻣﺳﺎﺗه ﻋﻠﯾه، ﻛﺎن ﻣﻛﺗب ﻣﺗواﺿﻊ ﺑطﺑﯾﻌﺔ اﻟﺣﺎل، له ﺛﻼثة أدراج، وﻛﺎﻧت اﻟﻐرﻓﺔ ﺗﺣﺗوي ﻋﻠﻰ أربعة ﻣﻛﺎﺗب، ﻣﻛﺗب ل أ. ﻣدﺣت ﻣدﯾر اﻟﻘﺳم، وﻣﻛتب ﺷرﯾف ﻋﻠﻰ ﯾﻣﯾﻧه، وﻣﻛﺗب ﻟﻠﻣﮭﻧدﺳﺔ رﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﯾﺳﺎره، وﻣﻛﺗب اﻟﻣﮭﻧدس ﻧﺷأت ﻣواﺟه ﻟﻣﻛﺗب ﻣدﺣت.
اﺗﺻل ﺷرﯾف ﺑﺎﻟﺑوﻓﯾه ﻟﯾطﻠب ﻛوبًا ﻣن اﻟﻘﮭوة: اﻟو ﻋم إدريس، ﻋﺎﯾز ﻗﮭوة ﻟو ﺳﻣﺣت.
ﻛﺎن ﻋم إدريس ﯾﻌد اﻟﻘﮭوة ﻋﻠﻰ ﺗﻠك اﻟﻐﻼﯾﺔ اﻟﻛﮭرﺑﺎﺋﯾﺔ اﻟﺗي ﻻ ﺗﻔﻌل ﺷيء ﺳوى ﺣرق اﻟﺑن.
5 دﻗﺎﺋق وأﺗﻰ ﻋم إدريس ﺑﻛوب اﻟﻘﮭوة: اﺗﻔﺿل ﯾﺎ ﺑﺷﻣﮭﻧدس.
ﺷرﯾف: ﺷﻛرا ﯾﺎﻋم إدريس. ﻗوﻟي، اﻟﻧﺎس ھﻧﺎ ﺑﺗدﺧن ﻓﯾن؟
عم إدريس: ﻓوق ﻓي اﻟرووف ﯾﺎ ﺑﺷﻣﮭﻧدس، ﻋﻧد اﻟﺑرﺟوﻻ.
ﺷرﯾف: إيه ده؟ ﻣﺣدش ﻗﺎﻟي إن فوق ﻓيه ﻣﻛﺎن ﻟلقعدة أﺻﻼ.
عم إدريس: ﻻ ﻓيه، وﻣﻛﺎن ﺟﻣﯾل، اﻟﻣوظﻔﯾن ﻟﯾﮭم اﺳﺗراﺣﺔ ﻧص ﺳﺎﻋﺔ ﺑﯾطﻠﻌوا ﯾقعدوا ﻓوق.
ﻓﮭم ﺷرﯾف أن وﺟوده أعلى اﻟرووف ﻏﯾر ﻣرﻏوب ﻓﯾه ﺳوى ﻓي اﻻﺳﺗراﺣﺔ اﻟﻣﺧﺻﺻﺔ. ﺣﯾث ﺳﻣﻊ ﻣن ﻋم إدريس أن اﻟﺑﻧﮭﺎوي ﺑﯾه ﻋﻠﻰ ﺣد ﻗوﻟه ﻻ ﯾرﻏب ﻓي إضاعة اﻟوﻗت، وأنه ﯾراﻗب اﻟﻣوظﻔﯾن ﻣن اﻟﻛﺎﻣﯾرات اﻟﻣﺛﺑﺗﺔ.
ھﻣس ﺷرﯾف: ﺑﻼش ﻣﻧﮭﺎ أم اﻟﺳﯾﺟﺎرة. أﺷرﺑﮭﺎ ﺑﻌدﯾن.
ھﻣس ﯾﻛﻠم ﻧﻔﺳه: ﺷﻛﻠك ﻋﺻﻔورة ﻛﺑﯾرة ﯾﺎﻋم أﺑو ﻗردان أنت.
ﺗﺟول ﺷرﯾف ﻓي اﻟﻣﻌﻣل اﻟﺧﺎص ﺑﺗﺻﻠﯾﺢ الأﺟﮭزة، وﺟد أﻣﺎﻣه ﻣدﺣت ﯾﺣﺎول جاهدًا ﻓي إصلاح ﺟﮭﺎز ﻗد أﺗﻰ ﻣن إحدى اﻟﻣﺳﺗﺷﻔﯾﺎت ﻟﻠﺻﯾﺎﻧﺔ.
ﺷرﯾف: إيه اﻟﻌطل اﻟﻠي ﻓﯾه ﯾﺎ ﺑﺷﻣﮭﻧدس؟
ﻣدﺣت: ده ﺟﮭﺎز أﺷﻌﺔ، اﻟﻌﻣﯾل ﺑﯾﺷﺗﻛﻰ ﻣوﺗوره ﺑﺎﯾظ ﻣش ﺑﯾﺗﺣرك، اﺣﻧﺎ ﻋﻧدﻧﺎ اﻟﻘطﻌﺔ ﺑﺗﺎﻋﺗه، ﺧد رﻛﺑﮭﺎ ورﯾﻧﻲ ھﺗﺷﺗﻐل ازاي.
ھم ﺷرﯾف ﻓي ﻓك وﺻﯾﺎﻧﺔ اﻟﺟﮭﺎز، وﺿﻊ اﻟﻘطﻌﺔ اﻟﺟدﯾدة ﻣﻛﺎن اﻟﺗﺎﻟﻔﺔ ﻓي ﺳﮭوﻟﺔ ﻛأﻧه ﻣن ﺻﻧﻊ ھذا اﻟﺟﮭﺎز، اﻧدھش ﻣدﺣت ﻣن ﺳرﻋﺔ ﺷرﯾف ﻓي ﻓك وﺗرﻛﯾب وﺗﻘﻔﯾل اﻟﺟﮭﺎز.
ﻗﺎل ﻣدﺣت لﺷرﯾف ﻓي اﻧدھﺎش: ﺑراﻓو ﯾﺎ ﺷرﯾف، ھﺗﺗﻌﻠم ﺑﺳرﻋﺔ ﺷﻛﻠك.
ﻗﺎل ﺷرﯾف ﻓي ﺟدﯾﺔ: أﻧﺎ ﺗﻠﻣﯾذك ﯾﺎ ﺑﺷﻣﮭﻧدس.
رﺟﻊ ﺷرﯾف إلى اﻟﻣﻧزل ﺑﻌد ﯾوم ﻋﻣل ﺷﺎق. ﻛﺎن أول ﯾوم ﻋﻣل ﻟه ﻟﻛنه ﺷﻌر ﻛأﻧه ﺳﻧﺔ.
وﺟد أمه ﻛﺎﻟﻌﺎدة ﻓي اﻟﻣطﺑﺢ ﺗﺟﮭز اﻟﻐداء: ازﯾك ﯾﺎ أمي.
الأم: أھلًا ﯾﺎ ﺣﺑﯾﺑﻲ، ﺧﻼص اﻟﻐدا ﺧﻠص.
شريف: اﻟﺣﻘﯾﻧﻲ ھﻣوووت ﻣن اﻟﺟوع.
ﺟﻠﺳﺎ ﻋﻠﻰ اﻟطﺎوﻟﺔ وﺗﻧﺎوﻻ اﻟﻐداء ﻣﻌﺎ، وﺷرح ﻟﮭﺎ ﺷرﯾف أنه ﯾوم ﻣﺗﻌب جدًا، وأنه وﺟد وظﯾﻔﺔ أﺣﻼﻣه، وﻛﯾف ﻛﺎن ﯾوﻣه الأول.
شريف: إن ﺷﺎء ﷲ ﯾﺎ ﺳت اﻟﻛل أول ﻣرﺗب ھﯾﺑﻘﻰ ﻛﻠه ﻟﯾﻛﻲ ﺗﺟﯾﺑﻲ اﻟﻠي ﻧﻔﺳك ﻓﯾه.
الأم: أﻧﺎ ﻣش ﻋﺎﯾزة ﺣﺎﺟﺔ ﯾﺎ ﺣﺑﯾﺑﻲ. أنت ﻣﺣﺗﺎج ﺗﺣوش ﻋﺷﺎن ﺗﺗﺟوز، ﻣﺗﺑﻘﺎش ﻣﺳرف زي أﺑوك ﷲ ﯾرﺣﻣه.
شريف: ﻻ ﯾﺎ أمي، ﻗﺑل اﻟﺟواز ﻻزم أﺟﯾب ﻋرﺑﯾﺔ ﺑدل ﺑﮭدﻟﺔ اﻟﻣوﺻﻼت دي.
دﺧل إلى ﻏرﻓﺗه، ﻟم ﯾﺷﻌر ﺑﻧﻔﺳه، ﻧﺎم وﻏﺎص ﻓي ﻓراﺷه.