artherconan

Share to Social Media

قُضي الأمر بفضل الهاتف، ومساعدة مكتب الشرطة، يُمكنني عادة الحصول على »
الضروريات الخاصَّة بي دون مُغادرةِ هذه الغرفة. في الواقع، تؤكِّد معلوماتي رواية الرجل؛
فإن لديه سُمعة محلِّية بكونه زوجًا بخيلًا، كما أنه قاسٍوصارمٌ. ومن المؤكَّد أنَّ لدَيه مبلغًا
كبيرًا من المال في تلك الغرفة المُحصَّنة. وكذلك من المؤكد لي بالنسبةِ إلى لدكتور إرنست
الشاب — وهو رجل غير متزوج — أنه كان يلعَب الشطرنج مع أمبرلي، كما مارَس ألاعيبَه
على الأرجح في خداعِ زوجته. كلُّ هذا بدا استنتاجُه سهلًا للغاية، وقد يظُن المرء أنه لم يَعُد
«! هناك ما يمكن أن يقال … ولكن! … ولكن
«؟ أين تكمُن الصعوبة إذن »
ربَّما في مُخيلتي. والآن لنترك كلَّ شيءٍ على حاله يا واطسون. وهيَّا بنا لنهرب من »
عالَم العمل المُضجِر هذا من بابِ الموسيقى؛ فالليلة ستُغنِّي كارينا في ألبرت هول، ولا يزال
«. أمامَنا وقتٌ لارتداء ملابسنا وتناول الطعام والاستمتاع
استيقظتُ في الصباح الباكر لأجد بعض فُتات الخُبز المحمَّص وقشرتين من قشر
البيضفارغتَين تُخبرانني أنَّ رفيقي كان قد استيقَظ قبلي. كما وجدتُ على الطاولة مذكِّرةً
مكتوبًا فيها بشكلٍ فوضَوي:
عزيزي واطسون
عندي نقطة أو اثنتان، أحببتُ أن أتَّصل بالسيد جوزايا أمبرلي بشأنهما، وعندما
أنتهي منهما سيتقرر إن كنَّا سنستبعد القضيةَ أم لا. إنني أطلب منك فقط أن
تكون قريبًا بحلول الساعة الثالثة؛ لأنني أظنُّ أنَّني قد أحتاجك.
ش. ه.
لم أرَ أيَّ أثرٍ لهولمز طوالَ اليوم، لكنه عاد في الساعة التي حدَّدها، جادَّ الملامح ومنشغلَ
البال ومنعزلًا. ومن الحكمةِ في مثل هذه الأوقات ترْكه وشأنه.
«؟ ألم يحضرأمبرلي هنا بعدُ » : قال هولمز
«! بلى »
«. آه! أنا أنتظِره »
لم يَخِب ظنُّه حيث وصل العجوز ونظراته يملؤُها القلق الغامر، ويَرتسِم على ملامحه
الارتباكُ الشديد.
ثم ناولَها لهولمز، «. لقد تلقيتُ برقية يا سيد هولمز، ولستُ أفهم شيئًا منها » : ثم قال
الذي قرأها بصوت عالٍ:
احضرفورًا دون تلكُّؤ. يمكنني إفادتك بمعلوماتٍ حول فاجعتِك الأخيرة.
إلمان
بيت راعي الكنيسة
أرُسلَت في الثانية وعشر دقائق من ليتل بورلينجتون. أعتقِد أن ليتل » : قال هولمز
بورلينجتون في إسيكس وليست بعيدةً عن فرينتون. حسنًا، بالطبع سوف تنطلقان على
الفور؛ فهذه البرقية واضحٌ أنها من شخصٍمسئول، وهو قسُّالكنيسة. أين معجم الكنائس
الخاصُّبي؟ نعم، لدَينا هنا: جيه سي إلمان، إم إيه، يقطن في موسمور ليتل بورلينجتون.
«. ابحث عن القطارات المُتجهة إلى هناك يا واطسون
«. هنالك قِطار سيتحرَّك في الخامسة وعشرين دقيقة من شارع ليفربول »
مُمتاز، الأفضل أن تَستقِلَّ معه ذلك القطار يا واطسون؛ فربما احتاج مساعدةً أو »
«. نصيحة. من الواضح أننا وصلْنا إلى أزمةٍ في هذه القضية
لكن بدا أنَّ عميلنا لم يكن يرغَبُ في التحرُّك.
يا له من أمرٍ بالغِ السُّخف يا سيد هولمز! فما الذي يمكن أن يعرفه هذا الرجل » : قال
«. عمَّا حدث؟ إنها مَضيعة للوقت والمال
لم يكن ليُرسل إليك برقية لو لم يكن يعرِف شيئًا. أرسل إليه برقية على الفور تُخبره »
«. فيها أنك قادمٌ على الفور
«. لا أظنُّ أنني سأذهب »
إن ذلك ممَّا يُعطي أسوأ الانطباعات » : بدَت على هولمز أقصىآياتِ الصرامةِ وهو يقول
عنك لدى الشرطة ولديَّ أنا أيضًا يا سيد أمبرلي؛ إن ظهر دليل بمثل ذلك الوضوح، ومن ثمَّ
«. نقوم بردِّه، سيُخالجُنا شعورٌ أنك غير جادٍّ في إجراء هذا التحقيق
عجبًا، بالطبع سأذهبُ إذا كنتَ ترى » : بدا الذُّعرُ على عميلنا من كلام هولمز، ثم قال
الأمور بهذه الطريقة. في ظاهر الأمر يبدو من العبَث أن نَفترِض أن هذا الشخص يعرِف
«… أيَّشيء، ولكن إذا كنتَ تعتقد
وهكذا استأنفْنا رحلتَنا، وقد أخذَني «. نعم أنا أعتقد ذلك » : قال هولمز بنبرةٍ مؤكدة
هولمز جانبًا قبل أن نُغادِر الغرفة وأسدى إليَّ نصيحةً أظهرتْ كم أنَّ الأمر ذو أهميةٍ كبيرة،
مهما كنتَ فاعلًا، فتأكد من ذَهابه بالفعل معك، وإذا تملَّص من الذهاب أو قفَل » : فقال
وسأتدبَّر أنا هنا أن تصِلني ،« فرار » راجعًا، فتوجَّه إلى أقرب هاتفٍ عمومي وأرسل إليَّ كلمة
«. رسالتُك في أي مكان سأكون فيه
يُذكر أن بورلينجتون ليست مكانًا يسهُل الوصول إليه؛ فهي محطة تقع على خط
قطارٍ فرعي. وما أذكره أنَّ الرحلة لم تكن مُمتعة؛ لأن الطقس كان حارٍّا، وكان القطار
بطيئًا، وكان رفيقي هادئًا وصامتًا، فلم يكن يتحدَّث إلا بالكاد لإبداء ملاحظة تهكُّمية من
حينٍ لآخر فيما يتعلق بعدَم جدوى إجراءاتنا. وعندما وصلْنا أخيرًا إلى المحطة الصغيرة،
ركبْنا العربةَ لمسافة ميلين قبل وصولنا إلى بيتِ راعي الكنيسة؛ حيث استقبلَنا رجلُ دين
كبير مهيب عليه سيماء الأبهة، وفي مكتبه وجدْنا برقيَّتنَا موضوعةً أمامه.
«؟ حسنًا أيها السيِّدان، ما الذي يمكنُني فعله لأجلِكما » : سألنا
«. لقد جئنا استجابةً لبرقيتك » : قلتُ موضحًا
«. برقيتي! لم أرسل أيَّ برقية »
«. أعني البرقية التي أرسلتَها إلى السيد جوزايا أمبرلي، بخصوصزوجتِه وأمواله »
لو أنَّ هذه مُزحة يا سيد، فهي مزحة مُريبة؛ فلم يسبِق » : قال راعي الكنيسة بغضَب
«. لي أن سمعتُ بالسيد الذي ذكرتَه لي، كما أني لم أرُسل برقيةً لأيِّ شخص
تبادلتُ أنا وعميلنا نظراتِ الدهشة.
ربما هنالك سوءُ فهم، هل هناك بيت راعي كنيسَة آخر؟ ها هي البرقية نفسُها، » : قلتُ
«. موقعة من إلمان ومؤرَّخة من بيتِ راعي الكنيسة
لا يُوجَد سوى راعٍ واحدٍ يا سيدي، وهو الراعي الوحيد، وهذه البرقية هي تزوير »
فاضِح، يجب على الشرطة التحقُّقُ من مصدرِه بالتأكيد. وفي الوقت نفسه، لا أرى سببًا
«. لاستمرار هذه المقابلة
وهكذا وجدتُني أنا والسيد أمبرلي على جانب الطريق فيما بدا لي أنه أكثر القُرى بدائيةً
في إنجلترا. توجَّهنا إلى مكتب التلغراف، لكنه كان قد أغلق بالفعل. لكن كان هناك هاتفٌ
على السكة الحديدية العسكرية، ومن خلاله تواصَلتُ مع هولمز، الذي شاركَنا اندهاشَنا
ممَّا توصَّلنا إليه في رحلتنا.
يا له من أمرٍ بالغٍ الغرابة! أخشَى بشدَّة » : قال الصوت البعيد الصَّادر من الهاتف
يا عزيزي واطسون أنه لا يُوجَد قطار للعودة ليلًا. لقد ألجأتُك عن غير قصد لمُقاساة أهوالِ
نزول البلدة. ومع ذلك، لدَيك هناك دائمًا الطبيعة يا واطسون—الطبيعة وجوزايا أمبرلي—
وسمعتُ ضحكةً مكتومة جافَّة «. كان الصوت يُمكنُك أن تكون على اتصال وثيقٍ بكليهما
بينما يبتعِد.
سرعان ما اتَّضحَ لي أن سُمعةَ رفيقي الشحيح كانَت مُستحقَّة؛ فلقد تذمَّر من تكلفة
الرحلة، وأصرَّعلى السَّفَر على الدرجة الثالثة، والآن يعترِضفي صخَبٍ على فاتورة الفُندق.
وفي صباح اليوم التالي، عندما وصلْنا أخيرًا إلى لندن، كان من الصعب تحديدُ أيٌّ منَّا كان
في حالة مزاجية أسوأ من صاحبه.
ربما نبدأ بالمرور على شارع بيكر؛ فربما يكون لدى السيد هولمز إرشاداتٌ » : قلت
«. جديدة
إذا لم تكن قيمتُها أكثرَ من الأخيرة، فلن تكون ذات » : قال أمبرلي وهو واجِم بِلؤم
ومع ذلك فقد رافقني. كنت قد أعلمتُ هولمز بساعة وصولِنا بالتلغراف، «. فائدة كبيرة
لكنَّنا وجدْنا رسالةً في انتظارنا تخبرُنا أنه في لويزهام وينتظرنا هناك. كانت هذه بمثابة
مفاجأة، لكن المفاجأة الكبرى كانت أنه لم يكُن بمُفرده في غرفة الجلوس الخاصَّة بعميلنا؛
فقد كان يجلس بجانبه رجلٌ صارم، داكن البشرة، يرتدي نظاراتٍ رمادية اللون ودبوسًا
ماسونيٍّا كبيرًا يظهر من ياقَته.
هذاصديقي السيد باركر. لقد كان مهتمٍّا أيضًا بموضوعك يا سيد جوزايا » : قال هولمز
أمبرلي على الرَّغم من أنَّنا كنَّا نعمَل بشكلٍ مُستقل، لكن لدى كلٍّ منَّا نفس السؤال لنطرحَه
«! عليك
انهار السيد أمبرلي على كرسيه؛ إذ شعَر بالخطَر الوشيك. لقد قرأتُ ذلك في عينَيه
المُتوتِّرتَين وملامح وجهِه المُنقبِضة.
«؟ ما هو السؤال يا سيد هولمز »
«؟ السؤال فقط هو: ماذا فعلتَ بالجُثَّتَين »
وثَبَ الرجل على قدمَيه صارخًا بصوتٍ أجشَّ. كان يبدُو في هيئته تلك وهو يُحرِّك
براثنه في الهواء ويدَيه ذات العظام النَّحيلة، بينما كان فمُه مفتوحًا كأحَدِ الطيورِ الجارحة.
وللحظةٍ رأيْنا جوزايا أمبرلي في هيئَته الحقيقيَّة؛ شيطانًا مُشوَّه الخلقة برُوحٍ مشوَّهة مثل
جسَده. وبينما هو يعود لكرسيِّه ليجلس عليه ضمَّ يدَه على شفتَيه فيما يُشبِه اللَّطمة
وكأنه يمنَع السُّعال، لكن هولمز وثبَ وأمسَك برقبتِه مثل النمر، وأدار وجهَه نحو الأرض،
فسقطتْ حُبَيبةٌ بيضاءُ من بين شفتَيه اللاهِثَتَين.
لن تُفلِت بهذه السرعة يا جوزايا أمبرلي. يَجِب أن تتمَّ الأشياء بشكلٍ لائق » : قال هولمز
«؟ وبالترتيب. ما رأيك يا باركر
«. لديَّ سيارة أجرة متوقِّفة عند الباب » : قال رفيقُنا قليلُ الكلام
إنها فقط بضعُ مئاتٍ من الأمتار إلى مخفر الشرطة. سنذهب معًا. يمكنُك البقاء هنا »
«. يا واطسون. سأعود خلالَ نصفِ ساعة
كان لدى رجلِ الدهانات العَجوز قوةُ أسدٍ في جسده الكبير، لكنه كان عاجزًا في أيدِي
رجُلين مُتمرِّسين ذَوَيْ خبرة. كان يصرُخ ويتلوَّى، وهو يُجَرُّ إلى السيارة المنتظرة، وتُركتُ
وحدي منعزلًا في المنزل المشئوم. وفي وقتٍ أقلَّ مما ذكرَه عاد هولمز ومعه مُفتِّش شرطة
شابٌّ ذكي.
لقد تركتُ باركر ليعتني بالشَّكليات، أنت لم يسبق لك لقاءُ باركر » : قال هولمز
يا واطسون. إنه مُنافسِي العَتيد من قضيَّة شاطئ سَري. عندما ذكرتَ لي الرجُل الطويل
ذا البَشرة الداكنة لم يكن الأمر صعبًا بالنسبة لي لأستكمِل الصُّورة. وقد قام بحلِّ العَديد
«؟ من القضايا الجيِّدَة، أليس كذلك أيها المُفتش
«. لقد شاركَ في العديد من القضايا بالتَّأكيد » : أجاب المُفتش بتحفُّظٍ
أساليبُه في التحقيق غيرُ نظامية كالتي أستخدِمها. الأساليبُ غير النظامية مُفيدة »
في بعض الأحيان كما تعلَم. فأنت أيُّها المُفتش، على سبيل المثال، مُلزَم بتحذيره أنَّ كلَّ ما
سيقوله يُمكن أن يُستخدَم ضدَّه في المَحكمة؛ لذا لم يكن بإمكانِك أن تخدَع هذا الوغد لكي
«. يُدلي باعترافٍ عمَلي
ربَّما لا نستطيع أن نفعَل ذلك، لكننا نَصِل إلى نفسِ الهدف يا سيد هولمز. لا تعتقد »
أنَّنا لم نُشكل وجهاتِ نظرنا الخاصَّة بهذه القضية، وأنَّنا لم نكن لنضَع أيدينا على الرجُل
المطلوب. وستعذُرنا لشعورنا بالحنَق لاستخدامك أساليب لا يُمكننُا استخدامُها؛ ومِن ثمَّ
«. تسلُبنا فضلَ الكشف عن الجَرائم
لن يكون هناكسرقة كهذه يا ماكينون. أؤكد لك أنَّني أعُفِي نفسيمن الآن، وبالنسبة »
«. إلى باركر فهو لم يفعل شيئًا سِوى ما أخبرتُه
بدا المفتش مرتاحًا، إلى حدٍّ كبير.
هذا لطفٌ بالغٌ منك، يا سيد هولمز. قد لا تكترث بالثَّناء أو اللَّوم، لكن الأمر مختلف »
«. تمامًا بالنسبة إلينا، خاصَّةً عندما تبدأ الصُّحف في طَرح الأسئلة
تمامًا. لكنَّهم سيطرحُون الأسئلة على كل حالٍ، لذا سيكون من الجيِّد الحصولُ على »
إجابات. فماذا ستقُول، على سبيل المثال عندما يسألُك المُراسلُ الذكيُّ المُغامر عن النقاط
الدقيقة التي أثارت شكوكَك، والتي منحَتْك في النهاية قناعةً مُعينة فيما يتعلق بالوقائع
«؟ الحقيقية
بدا المُفتشُ حائرًا.
يبدو أنَّنا لم نَحصُل على أيِّ وقائع حقيقية بعدُ يا سيد هولمز. أنت تقول إن السَّجينَ، »
بحضور ثلاثةِ شهود، اعترفَ عمليٍّا — بمحاولَتِه الانتحار — بأنه قتَل زوجتَه وعشيقها.
«؟ فما الحقائق الأخرى التي لدَيك
«؟ هل قُمتم بالبحث »
«. هناك ثلاثةُ ضباط في الطَّريق »
إذن، ستصل قريبًا إلى الحقيقةِ الأوضح للجميع. لا يُمكنُ أن تكون الجُثَث بعيدةً. »
جرِّب الأقبِية والحديقة. لن يستغرق حفْر الأماكن المُحتمَلة وقتًا طويلًا. هذا المنزل أقدمُ من
«. أنابيب المياه. يجِب أن تكون هناكَ بئر مهجورة في مكانٍ ما. جرِّب حظَّك هناك
«؟ لكن كيف عرفتَ بالأمر، وكيفية حدوثه »
سأريك أولًا كيفَ حدث ذلك، وبعد ذلك سأقدِّم لك التفسيرَ الذي تحتاج إليه، والذي »
يحتاج إليهصديقي الذي طالتْ مُعاناته هنا، والذي كان وجوده لا يُقدَّر بثمن طوال الوقت.
لكن أولًا، سأعطيك لَمحةً عن عقليَّة ذلك الرجل. إنها عقليةٌ غيرُ اعتيادية على الإطلاق. طبيعة
تفكيره تُشبِه — إلى حدٍّ كبير — الطبيعةَ الإيطاليَّة الغليظة التي تعُود إلى العصور الوُسطى
وليس العقل البريطاني المُتحضِّر. لقد تسبَّب ببُخله وبؤسه وطرُقِه المُضطربة في إتعاس
زوجته للدرجة التي جعلتها لقمةً سائغة لأيِّ مُغامر. تَجسَّد هذا المُغامر في شخص ذلك
الطبيبِ لاعب الشطرنج. لقد برَع أمبرلي في لعبة الشطرنج يا واطسون؛ نظرًا لبراعته
في التخطيط. وكحال كل البُخلاء، كان رجلًا غيورًا، وازدادت غيرتُه حتى صارت هوَسًا
محمومًا. لقد كان يَشكُّ أن هناك دسيسةً ما، وسواءٌ أكان ظنُّه ذلك صَوابًا أو خطأً فقد
«! صمَّم على الانتقام لنفسه، وخطَّط لذلك بذكاء شيطاني. تفضَّلا من هنا
قادنا هولمز على طول الممرِّ بقَدرٍ من اليقين، كما لو كان يعيشُ في المنزل، ثم توقَّف
عند باب الغرفة المُحصَّنة المفتوح.
«! أف! يا لها من رائحة طلاءٍ بغيضة » : صاح المفتش
لقد كان ذلك مفتاحنا الأول لحَلِّ اللُّغز. يمكنك أن تَشكُر الدكتور واطسون » : قال هولمز
على ملاحظته تلك، فعلى الرغم من إخفاقِه في أن يستنبِط منها شيئًا، إلا أنها وضعَت قدمي
على أول الطريق. ما الذي يجعَل هذا الرجل في مثل هذا الوقت يملأ المنزلَ بتلك الرائحة
القويَّة؟ من الواضح أنه فعل ذلك ليُغطِّي على رائحةٍ أخرى، راجيًا ألا تنكشِف رائحةُ
جريمةٍ لم يرغب أن يُثير حولَها الشُّكوك، ثم طرأَت له فكرةُ الغرفة التي تراها الآن، ذات
الباب والمصراع الحديديَّيْن؛ غرفة مُحكَمة الإغلاق. وإذا جمَعنا كلتا الحقيقتَين معًا، فإلى
ماذا تُشيران؟ لقد تمكنتُ من معرفة ذلك عبرَ فحص المنزل بنفسي. وكنتُ متأكدًا بالفعل
من أن القضية خطيرة؛ لأنني كنتُ قد درستُ مخطَّط شباك التذاكر لمسرح هايماركت
— ملحوظة أخرى دَقيقة من الدكتور واطسون — وتأكَّدت من أنه لم يتمَّ حَجز المقعد
من الدور العلوي في تلك الليلة؛ لذا فأمبرلي لم يذهب إلى المَسرح، « ب ٣٢ » ولا « ب ٣٠ »
وانهارت حُجَّتُه تلك. لقد أخطأ بشكل سيِّئ عندما سمَح لصديقي المُخضرم أن يلاحظ رقمَ
المقعد الذي ادَّعى أنه حجزه لزوجته. وكان السؤال الذي يطرح نفسه في ذلك الوقت هو:
كيف يُمكنني تفتيش المنزل؟ لقد أرسلتُ وكيلي إلى أبعَدِ قرية يُمكنني التَّفكيرُ فيها، ثم
استدعيتُه في ساعَةٍ لم يَستطِع فيها العودة. ولمنع أيِّ إخفاق، فقد رافقَه الدكتور واطسون.
أما اسم راعي الكنيسة الطيِّب فقد أخذْته — بالطَّبع — من دليل كنائس كروكفورد. هل
«؟ أوضحتُ لكما كلَّشيءٍ الآن
«! يا للبَراعة » : قال المُفتش بنبرةٍ مُتعجبة
ولعدَم وجود أيِّ مخاوف من مقاطَعتي دخلتُ إلى المنزل خِلسة. لطالَما كان السطوُ »
دائمًا مهنةً بَديلة لي؛ ولو أني اهتممتُ بتبنِّيها، فليس لديَّ أيُّ شكٍّ في أنني كنتُ سأكون
من أفضل مُمتهِنيها. لاحظوا ما وجدتُه. ترَون أنبوب الغاز على طول الحافَة هنا. جيد
جدٍّا. إنه يصعد في زاوية الجدار، ولدَينا فتحة هنا في الزاوية، ينفذُ منها الأنبوب إلى الغرفة
المُحصنة، كما ترَون، وينتهي في ذلك الجِصِّ الذي ارتفع في وسط السقف؛ حيث أخفتْه
أعمال الزخرفة. هذا الطرف من الأنبوب مفتوحٌ عن آخره. وفي أيِّ لحظة عن طريقِ فتح
المحبس الخارجي يمكن أن تَمتلئ الغرفة بالغاز. مع إغلاق الباب بمِصراعيه وفتح المحبس
عن آخره، لن يستغرق الأمر دقيقتَين لأيِّ شخصٍيَمكُث في هذه الغرفة وهي مُغلَقة حتى
يَغيبَ عن الوعي. ولا أدري بأي وسيلةٍ شيطانية قام باستدراجهما إلى هُناك؟ لكن بمجرَّد
«. دُخولهما من الباب كانا تحتَ رحمته
لقد ذكَر أحد ضباطنا وجودَ رائحة الغاز، » : فحص المُفتش الأنابيب باهتمامٍ قائلًا
ولكن بالطبع كانت النافذة والباب مفتوحَين آنذاك، وكان الطِّلاء — أو بعضُه — موجودًا
بالفِعل. كان قد بدأ أعمالَ الدِّهان في اليوم السابق، حسَب روايته. ولكن ماذا حدَث بعد
«؟ ذلك، يا سيد هولمز
حسنًا، ثم جاء الحادث الذي لم يكُن مُتوقعًا حتى منِّي. كنتُ أَقفِز عبر نافذة مخزَن »
الآن، أيها » : المنزل في مطلَع الفجر عندما شعرتُ بيدٍ تُمسكني من يَاقتي وصوت يقول
وعندما تمكَّنت من لفِّ رأسي فإذا النَّظارات الملوَّنة لصديقي «؟ الوَغد، ماذا تفعل هناك
ومُنافسي السيد باركر. لقد كان ذلك بمثابة اجتماعٍ مُثيرٍ للفضول لكِلَينا. يبدو أنه كان
مُنتدَبًا من قِبل عائلة الدكتور راي إرنست لإجراءِ بعض التَّحقيقات؛ ومن ثم توصَّل إلى
نفس النتيجة فيما يتعلق بالتصرُّف غير القانوني. كان يُراقِب المنزل لعدة أيام، وقد اعتبر
الدكتور واطسون أحد الشخصيات المشبوهة التي رآها هناك. لم يستطع القبض على
واطسون، لكن عندما رأى رجلًا يتسلَّق فعليٍّا من نافذة المخزن، كان يجِب عليه أن يضع
«. حدٍّا لذلك وأن يعتقله. بالطبع أخبرتُه كيف تسيرُ الأمور وواصلنا القضية معًا
«؟ لماذا هو، وليسَ نحن »
لأنه كان في نيَّتي أن أضع هذا الاختبار الصغير الذي أجُيب عليه بشكل مُثير للإعجاب. »
«. أخشى أنكم لم تكونوا لتَستجيبوا لي كما فعل
حسنًا ربَّما لم نكن لنفعل ذلك. أعتقد أنني حصَلتُ على وعدٍ » : ابتسم المفتش قائلًا
منك يا سيد هولمز أنك ستتخلَّى عن القضية الآن، وستُطلِعنا على كلِّ النتائج التي توصَّلتَ
«. لها
«. بالتأكيد، تلكَ عادتي دومًا »
حسنًا، باسم قوَّات الشرطة أتقدم لك بالشكر. يبدو أنها قضية سهلة، كما أوضحتَ »
«. أنت، ولا يمكن أن يكون هناك أيُّ صعوبة في استخراج الجُثَّتَين
سأريك صورةً قاتمةً من الأدلة، وأنا على يقينٍ أن أمبرلي نفسه لم يخطر » : قال هولمز
على باله ملاحظتُها. إنك — سيدي المفتش — تَحصُل على النتائج عن طريق وضعِ نفسك
في موضع الرجل الآخر، والتفكير في كيفية تصرُّفِك في تلك الحالة. إنها عملية تتطلَّب خيالًا
واسعًا، ولكنها طريقة مُجدية. والآن لنفترض أنك حُبست في هذه الغرفة الضيقة، ولديك
أقلُّ من دقيقتَين ستظلُّ فيهما حيٍّا، وتريد أن تنتقِم من الشَّيطان الشامِتِ فيك من الجانب
«؟ الآخر من الباب، فماذا كنت ستفعل
«. سأكتبُ رسالة »
بالضبط، ستودُّ أن تُخبر فيها النَّاس كيف قُتلتَ، ولن يكون من المُفيد الكتابةُ على »
الورق؛ إذ يُمكن أن يُرى ذلك، ولكن إن كتبتَ على الحائط فربَّما استندَ أحدٌ ما فرآه. والآن
نحن » : انظُر هنا، فوق الحافة تمامًا، هناك خربشة بقلم أرُجواني يتعذَّر مَحوه، مكتوب به
«. هذا كلُّشيء «… … نتعر
«؟ وما الذي تستَنتِجه من ذلك »
حسنًا، إنها على ارتفاع قدَم فوق الأرض، كان المسكين يَلفِظ أنفاسَه الأخيرة على »
«. الأرضعندما كتبَها، ولا بدَّ أنه أغُمي عليه قبل أن يُنهيَها
«. كان يكتب: نحن نتعرضللقتل »
«… هكذا قرأتُها. إذا وجدت قلمًا مع الجثة »
سنبحث عنه، كن متأكدًا من ذلك. ولكن ماذا عن تلك السندات؟ من الواضح أنه لم »
«. يكن هناك سَطو. لكن كانت لدَيه بالفعل تلك السندات في حوزتِه. لقد تأكدْنا من ذلك
كن متأكدًا أنه أخفاها في مكانٍ آمِن. حتى إذا ذهبَت قصة هروب العاشقَين طيَّ »
النسيان ادَّعى أنه وجدَها، وأعلن أنَّ المذنبَينِ رجَعا عن قرارهما فأرسلا ما استلباه منه، أو
«. أسقطَاه في الطريق
يبدو أنك واجهتَ العديد من الصِّعاب. بالطبع كان مُلزَمًا باللجوء إلينا، » : قال المفتش
«. لكن لِمَ كان عليه الذهاب إليك؟ لا يُمكنني فهمُ ذلك
شعور محضٌبالزهو والخُيَلاء. كان واثقًا من نفسه لدرجة أنه تخيَّل » : أجاب هولمز
أنه لا يمكن لأحدٍ أن يمسَّه. يُمكنه أن يقول لأي جارٍ يشتبِهُ به: انظُر إلى الخُطوات التي
«. اتخذتُها. إنني لم أرجع إلى الشرطة فحَسْب، بل حتى إنني استشرتُ شيرلوك هولمز أيضًا
تلك؛ فهي وظيفةٌ « حتى » يجب علينا أن نغفر لك كلمةَ » : ضحك المفتش. ثم قال
«. محترمة أيضًا على ما أتذكَّر
التي « نورث سَري أوبزيرفر » بعد بضعة أيام، ألقى إليَّ صديقي نُسخةً من مجلة
« فزع السماء » تَصدُر كل أسبوعين. وتحت سلسلة من العناوين البراقة، والتي بدأت بعنوان
كان ثمَّة عمودٌ مكتظٌّ يضمُّ أولَسردٍ مترابطٍ لهذه ،« تحريات الشرطة العبقرية » وانتهت ب
القضية، وفي فقرته الختامية الجامعة كُتب:
الفِطنة الاستثنائية التي استدلَّ بها المفتش ماكينون على أن رائحةَ الطلاء قد
تُخفِي بعضالروائح الأخرى، كرائحة الغاز على سَبيل المثال، والاستدلال الجريء
على أن الغرفة المُحصَّنة قد تكون هي غرفة الموت، والتحقيق اللاحق الذي أدَّى
إلى اكتشاف الجُثَث في بئرٍ مهجورة والمدفونة بذكاء تحت بيت للكلاب، كل هذه
الأمور يجب أن تحيا في وجدان تاريخِ الجريمة باعتبارها مِثالًا دائمًا على ذكاء
مُحقِّقينا المُحترمين.
حسنًا، حسنًا، ماكينون زميل جيِّد. يُمكنُك إيداع » : قال هولمز بابتسامةٍ مُتسامحة
«. الحقيقة في أرشيفنا يا واطسون؛ فربما تُروى القصةُ الحقيقية للناس يومًا
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.