artherconan

Share to Social Media

كان هولمز جاثيًا على ركبتيه يفحصباهتمامٍ بالغٍ العُقَد التي كان الحبل، الذي رُبطت
به السيدة، مثبتًا بها. ثم فحصبدقة بالغة الطرف الممزق والمتهتك الذي قُطع منه الحبل
حين جذبه اللصإلى أسفل.
حين جُذب هذا إلى أسفل لا بد أن الجرس في المطبخ انطلق بصوت » : ثم أشار قائلًا
«. مرتفع
«. لا يمكن لأحد سماعه؛ فالمطبخ يوجد في الجزء الخلفي من المنزل »
وكيف علم اللص أن أحدًا لن يسمعه؟ كيف جرؤ على جذب حبل الجرس بهذه »
«؟ الطريقة المتهورة
بالضبط يا هولمز، بالضبط. لقد نطقتَ بالسؤال نفسه الذي ما برحتُ أعيد طرحه »
على نفسيطوال الوقت؛ لا بد أن هذا الشخصيعلم المنزل وتقسيمته جيدًا، لا بد أنه علم بأن
جميع الخدم سيكونون في مَخادعهم في هذه الساعة المبكرة نسبيٍّا، وأن أحدًا لن يستطيع
سماع رنين الجرس في المطبخ؛ وعليه لا بد أن له علاقة جيدة بأحد الخدم. بالتأكيد فهذا
«. أمر واضح، لكن يوجد ثمانية من الخدم وجميعهم حسنو السمعة
في غياب أي قرائن أخرى، يمكن للمرء أن يشكَّ في الخادمة التي ألقى » : قال هولمز
سيدها إناء الشراب على رأسها. إلا أن هذا سيعني خيانة السيدة التي أخلَصتْ لها هذه
الخادمة طوال حياتها. حسنًا، حسنًا، هذه نقطة ثانوية، فحين تقبض على راندال على
الأرجح لن تجد صعوبة في التعرف على شريكه. يبدو أن قصة السيدة تدعمها الأدلة، هذا
سار هولمز نحو «. إن كانت تحتاج إلى أدلة من الأساس، بكل التفاصيل التي رأيناها بأعيننا
لا توجد آثار هنا، لكن الأرض صلبة للغاية، ومن غير » . النافذة الفرنسية الطراز وفتحها
«. المتوقَّع ظهور آثار عليها. وأرى أن هذه الشموع الموجودة على رفِّ الموقد قد أضُيئت
أجل، فعلى ضوئها وعلى ضوء شمعة غرفة نوم السيدة استطاع اللصوص رؤية »
«. طريقهم في الظلام
«؟ وماذا أخذوا »
حسنًا، لم يأخذوا الكثير؛ فقط ستة قِطع من طقم التقديم الفضيمن البوفيه. وتعتقد »
السيدة براكينستال أنهم هم أنفسهم توتَّروا من وفاة السير يوستاس مما أثناهم عن نهب
«. المنزل بأكمله كما كانوا يعتزمون
«. لا شك أن هذا صحيح، ومع ذلك فقدشربوا بعضالنبيذ، كما فهمت »
«. حتى يُهدِّئوا أعصابهم »
بالتأكيد، وأعتقد أن أحدًا لم يلمس هذه الكئوس الثلاث الموجودة على البوفيه، أليس »
«؟ كذلك
«. أجل، والزجاجة توجد في المكان الذي تركوها فيه بالضبط »
«؟ دعنا نلقِ نظرة عليها، عجبًا! عجبًا! ما هذا »
كانت الكئوسالثلاثموجودة في مكانٍ واحد، وجميعها مصبوغة بلون النبيذ، ويحتوي
واحد منها على بعضمن رواسب النبيذ. كانت الزجاجة بالقرب من الكئوسالممتلئ ثلثاها،
وبالقرب منها رأينا سدادة فِلِّينية طويلة داكنة اللون. وقد أشار مظهرها والغبار الموجود
على الزجاجة إلى أن هذا النبيذ الذي استمتع القتلة بتناوله لم يكن عاديٍّا.
تغيَّر أسلوب هولمز، ففقد تعبيره الفاتر، ومرةً أخرى رأيتُ لمحة من الاهتمام في عينيه
الحادتين والغائرتين. رفع السدادة وفحصها بدقة.
«؟ كيف نزعوها » : تساءل قائلًا
أشار هوبكنز إلى درجٍ شبه مفتوح، وبداخله رأينا مفرش مائدة وفتاحة زجاجات
ضخمة.
«؟ هل قالت السيدة براكينستال إن الفتاحة استُخدمت »
«؟ لا، ألا تذكر أنها كانت غائبة عن الوعي في هذا الوقت حين فُتحت الزجاجة »
بالفعل، في الواقع إن الفتَّاحة لم تُستخدم، فهذه الزجاجة فُتحت بمسمار جيب، ربما »
يكون مرتبطًا بمُدية، ولا يزيد طوله على بوصة ونصف. إن فحصتَ أعلى السدادة ستلاحظ
أن المسمار أدُخل فيها ثلاث مرات قبل انتزاعها من الزجاجة. فهي لم تُخترَق قط بأداة
حادة، فكان بإمكان هذه الفتاحة اختراق السدادة وجذبها مرةً واحدة. حين تُلقي القبض
«. على هذا الرجل ستجد في حيازته واحدة من المديات المتعددة الأجزاء
«! ممتاز » : قال هوبكنز
لكني أعترف أن هذه الكئوس تُحيِّرني، لقد رأت السيدة براكينستال الرجال الثلاثة »
«؟ وهم يحتسون الشراب، أليس كذلك
«. أجل، لقد أكدت هذا بوضوح »
إذن فقد حُسم الأمر، ماذا يسعنا أن نقول؟ ومع ذلك لا بد لي من الاعتراف بأن هذه »
الكئوس الثلاث مثيرة للاهتمام للغاية يا هوبكنز. ألا ترى فيها شيئًا مميزًا؟ حسنًا، حسنًا،
دعنا نتغاضَ عن الأمر. ربما حين يملك شخصٌ ما معرفةً خاصة وقدراتٍ خاصة مثلي
يشجعه هذا دومًا على البحث عن تفسير معقَّد للأمور في حين يوجد تفسير أبسط لها.
بالطبع لا بد أن موضوع هذه الكئوس مجرد صدفة. حسنًا، طاب صباحك يا هوبكنز.
أرى أنه لا فائدة من وجودي هنا، ويبدو أنك حللتَ قضيتك بوضوحٍ تام. عليك أن تخبرني
حين تلقي القبض على راندال، وبأي تطورات أخرى قد تحدث. أعتقد أني سأهنئك عما
قريب على انتهائك بنجاح من هذه القضية. هيا يا واطسون، أعتقد أننا سنكون أكثر نفعًا
«. في منزلنا
وفي أثناء رحلة عودتنا استطعتُ رؤية أن هولمز يُحيِّرهشيءٌ ما لاحظه. فكان من حين
لآخر يبذل مجهودًا ليتخلص من هذا التعبير ويتحدث كما لو كان الأمر قد انتهى، لكن
بعدها تعود شكوكه لتسيطر عليه مرةً أخرى، ويُظهِر حاجباه المعقودان وعيناه الشاردتان
أن تفكيره عاد مرةً أخرى إلى غرفة الطعام في منزل آبي جرينج، التي حدثت فيها مأساة
منتصف الليل. وأخيرًا، بحركة فجائية، بينما كان قطارنا يخرج ببطء من محطة في إحدى
الضواحي قفز هولمز إلى الرصيف وجذبني خارج القطار لأتبعه.
ثم قال لي بينما كنا نشاهد العربات الخلفية من قطارنا وهي تختفي في منحنًى بعيد:
اعذرني يا صديقي العزيز، أعتذر إليك لكونك ضحيةً لما يبدو محضواحدة من نزواتي، »
لكني أقسم بحياتي يا واطسون أنني لا أستطيع ترك هذه القضية ببساطة على حالها؛
فكل غرائزي تصرخ اعتراضًا على هذا. هذا خطأ، كل هذا خطأ، أقُسم بأن هذا كله خطأ.
ومع ذلك فإن قصة السيدة كانت مُحكمة، وكلام الخادمة المؤيد لها كافٍ، والتفاصيل كلها
دقيقة. ماذا لديَّ أنا لأناهض هذا كله؟ ثلاث كئوس خمر، هذا كل شيء. لكن لو أنني لم
آخذ كل شيء بأنه مسلَّم به، وإن كنتُ فحصتُ كلَّ شيء بعناية كما كنتُ سأفعل في حال
تولِّينا للقضية من البداية ولم تقابلنا قصة جاهزة تُشتِّت تفكيري، أما كنتُ سأعثر على
شيء أكثر تحديدًا أرتكز عليه؟ بلى بالطبع، كان يفترضبي أن أفعل هذا. اجلس على هذا
المقعد الطويل يا واطسون، حتى يصل قطار تشيزلهورست، ودعني أطرح عليك الأدلة
وأدعوك أولًا إلى أن تطرح عن ذهنك فكرة أن أي شيء قالته الخادمة أو سيدتها لا بد أن
يكون صحيحًا بالضرورة. فلا بد ألَّا نسمح لشخصية السيدة الساحرة أن تشوِّش حكمنا.
بالطبع ثمة تفاصيل في قصتها إن نظرنا إليها بحيادية فسنجدها مثيرة للريبة، فقد
حصل هؤلاء اللصوصعلى غنيمة كبيرة في سيدنهام منذ أسبوعين، وورد ذكرهم وأوصافهم
في الصحف، ومن الطبيعي أن يتبادر إلى ذهن أي شخصيريد اختراع قصة عن لصوص
خياليينأن يجعل لهم دورًا فيها. في الواقع، من المعتاد دائمًا أن اللصوصالذين نفذوا عملية
كبيرة يسعدون بالاستمتاع في هدوء وسلام بربحهم دون الدخول في عملية أخرى محفوفة
بالمخاطر. ومرةً أخرى من غير المعتاد أن يعمل اللصوصفي مثل هذه الساعة المبكِّرة؛ ومن
غير المعتاد أن يضرب اللصوصسيدةً من أجل منعها من الصراخ، إذ يتصور المرء أن هذا
من المؤكد سيجعلها تصرخ؛ ومن غير المعتاد لهم ارتكاب جريمة قتل حين يكون عددهم
كافيًا للتغلب على رجل واحد؛ ومن غير المعتاد لهم أن يرضوا بغنيمة محدودة حين يوجد
المزيد في متناول أيديهم؛ وأخيرًا عليَّ القول إنه من غير المعتاد للغاية في عرف هؤلاء الرجال
«؟ ترك زجاجة نصف ممتلئة. ما رأيك في كل هذه الأمور غير المعتادة يا واطسون
إن تأثيرها التراكمي واضح بالتأكيد، لكن يوجد احتمال لحدوث كل منها على حدة. »
«. وأغرب أمر على الإطلاق، كما يبدو لي، هو ربط السيدة في المقعد
حسنًا، أنا لستُ متأكدًا من هذا يا واطسون؛ إذ إنه من البديهي إما أن يقتلوها أو »
يعيقوا حركتها بطريقة تضمن لهم عدم تمكُّنها من إعطاء تحذيرٍ مباشر عقب هروبهم.
لكن على أي حال، فقد أظهرتُ لك وجود عنصر معيَّن غير مقنع في قصة السيدة، أليس
«. كذلك؟ والآن على رأس كل هذا تأتي واقعة كئوس الخمر الثلاث
«؟ ماذا عن كئوس الخمر »
«؟ ألا يمكنك تصوُّرها في مخيلتك »
«. أستطيع تخيلها بوضوح »
لقد قيل لنا إن الرجال الثلاثة شربوا من هذه الكئوس، هل يبدو لك هذا أمرًا »
«؟ محتملًا
«. لمَ لا؟ فقد وجدنا خمرًا في كلٍّ منها »
بالضبط، لكننا لم نجد رواسب للخمر إلا في واحدة فقط. لا بد أنك لاحظت هذه »
«؟ الحقيقة، ما دلالة هذا في رأيك
«. إن آخر كأس مُلئَت على الأرجح كانت تحتوي على رواسب الخمر »
لا، لا يمكن؛ فالزجاجة كانت لا تزال ممتلئة، ومن غير المقنع أن يخلو الكأسان »
الأوُليان من الرواسب وتحتوي الكأس الثالثة على كمٍّ كبير منها. لا يوجد إلا تفسيران
محتَملان لهذا الأمر، تفسيران فقط. الأول أنه بعد ملء الكأسالثانية رُجَّت الزجاجة بعنف
بحيث حصلت الكأسالثالثة على رواسب الخمر. وهذا يبدو بعيد الاحتمال. لا، لا، أنا متأكد
«. من أني محق
«؟ ماذا تفترضإذن »
أنه لم يُستخدم إلا كأسان فقط، وأن الرواسب في كلٍّ منهما سُكبت في الكأس الثالثة »
من أجل إعطاء انطباعٍ كاذب بوجود ثلاثة أشخاص. هكذا ستصبح كل الرواسب في الكأس
الأخيرة، أليس كذلك؟ بلى؛ فأنا مقتنع تمامًا بأن هذا ما حدث، لكن إن كنتُ أصبتُ التفسير
الحقيقي لهذه الظاهرة الصغيرة، فإن هذه القضية ستتحول على الفور من قضية عادية
إلى قضية ذات أهمية بالغة؛ إذ إن المعنى الوحيد لهذا أن السيدة براكينستال وخادمتها
تعمَّدتا الكذب علينا، وأننا علينا ألَّا نُصدِّق أي كلمة من قصتهما، وأن لديهما سببًا قويٍّا
للتستُّر على المجرم الحقيقي، وأننا لا بد أن نحيك قضيتنا بأنفسنا دون مساعدة منهما.
«. وهذه يا واطسون المهمة التي تنتظرنا، وها هو قطار تشيزلهورست قد جاء
فوجئ أهل منزل آبي جرينج كثيرًا بعودتنا، لكن شيرلوك هولمز، حين وجد أن ستانلي
هوبكنز قد ذهب ليقدم تقريره إلى المركز الرئيسي، استولى على غرفة الطعام، وأغلق الباب
على نفسه من الداخل وكرَّس جهده طوال ساعتين لواحد من تلك التحقيقات الدقيقة
الشاقَّة، التي تمثِّل الأساس الصلب الذي ترتكز عليه استنتاجاته الذكية. جلستُ أنا في
أحد أركان الغرفة مثل طالب مهتم للغاية بملاحظة شرح أستاذه، وتتبعتُ كل خطوة من
خطوات هذا البحث المثير للاهتمام. النافذة، والستائر، والسجادة، والمقعد، والحبل؛ خضع
كلٌّ منها للفحص الدقيق والتأمل الوافي تِباعًا. لم يعد جثمان البارونيت المسكين موجودًا،
لكن كل شيء آخر بقي على حاله كما رأيناه في الصباح. ثم لدهشتي، تسلَّق هولمز وصعد
فوق رفِّ الموقد الضخم. وفوق رأسه كانت تتدلَّى بضع بوصات من الحبل الأحمر الذي
كان لا يزال مرتبطًا بسلك الجرس. ظل لوقتٍ طويل يحدِّق فيه إلى أعلى، ثم في محاولة
للوصول إليه وضع ركبته على دعامةٍ خشبيةٍ مثبتةٍ في الحائط. أدَّى هذا إلى اقتراب يده
بضع بوصات من الطرف المقطوع من الحبل، لكن بدا أن هذا لم يسترعِ اهتمامه بقدر
الدعامة الخشبية في حد ذاتها. أخيرًا قفز إلى الأرضفي سعادة.
حسنًا يا واطسون، لقد حُلَّت القضية، وهي واحدة من القضايا المميزةضمن » : ثم قال
مجموعتنا. لكن كم كنتُ غبيٍّا! وكم أوشكتُ على ارتكاب أسوأ خطأ في حياتي! والآن، أعتقد
«. أن السلسلة الآن أوشكت على الاكتمال مع بعضالحلقات المفقودة
«؟ هل عرفتَ الجناة »
الجاني يا واطسون، الجاني. إنه واحدٌ فقط، لكنه شخصمروِّع للغاية؛ فهو قوي »
كالأسد، انظر إلى الضربة التي أدت إلى ثني قضيب إذكاء النار الذي يبلغ طوله ست أقدام
وثلاث بوصات. وهوسريع الحركة مثل السنجاب، وبارع في استخدام أصابعه، وأخيرًا هو
شديد الذكاء؛ إذ إن هذه القصة البارعة بأكملها من ابتكاره. أجل يا واطسون؛ فنحن أمام
عمل شخصٍشديد البراعة. ومع ذلك فقد قدَّم إلينا من خلال حبل الجرس هذا دليلًا لا بد
«. له أن يثير الشك في أنفسنا
«؟ أين هذا الدليل »
حسنًا، إن حاولتَ جذب حبل الجرس هذا، يا واطسون، أين تتوقع أن ينقطع؟ »
بالتأكيد عند نقطة اتصاله بالسلك. فلماذا ينقطع إذن على بُعد ثلاث بوصات من طرفه
«؟ العلوي كما حدث هنا
«. لأنه بالٍ في هذا الجزء »
بالضبط، فهذا الطرف، الذي يمكننا فحصه، بالٍ. لقد فعل هذا بمكرٍ بالغٍ بسكِّينه. »
أما الطرف الآخر فليس باليًا؛ وأنت لا يمكنك رؤية هذا من هنا، لكنك إن وقفتَ على رفِّ
الموقد فسترى الطرف مقطوعًا بعناية دون أي أثرٍ لكونه باليًا. ويمكننا الآن تخيُّل ما
حدث؛ فقد احتاج الرجل هذا الحبل، ولم يكن ليجذبه خوفًا من إطلاق الإنذار برن الجرس.
فماذا يفعل؟ لقد صعد على رف الموقد، ولكنه لم يستطع الوصول إليه، فوضع سكينه على
الدعامة الخشبية — يمكنك رؤية أثرها في الغبار — وهكذا جعل السكين تصل إلى الحبل.
لم أستطع الوصول إلى المكان؛ فقد كان يُبعدني عنه ثلاث بوصات على الأقل، ومن هذا
أستنتج أنه أطول مني بثلاث بوصات. انظر إلى هذا الأثر على المقعد المصنوع من البلوط!
«؟ ما هذا
«. دماء »
بالتأكيد إنها دماء. هذا وحده يدحضقصة السيدة بالكامل. فإن كانت قد أجُلِسَت »
على هذا المقعد حين ارتكاب الجريمة، فكيف يمكن لهذه العلامة أن تحدث؟ لا، لا، لقد
أجُلِست على المقعد بعد وفاة زوجها. وأنا أراهن أن فستانها الأسود يحمل علامةً مماثلة
لهذه. ما زلنا لم نُخفِق بالكامل يا واطسون كما حدث في معركة ووترلو، بل إننا أحرزنا
انتصارًا كانتصار معركة مارنجو؛ فقد بدأنا بهزيمة وانتهينا بإحراز النصر. أريد الآن
التحدث قليلًا مع الممرضة تيريزا. علينا التزام الحرصلبعضالوقت، هذا إن أردنا الحصول
«. على المعلومات التي نريدها
كانت هذه الممرضة الأسترالية الصارمة شخصًا مثيرًا للاهتمام؛ فقد كانت قليلة
الكلام، ومثيرة للشك، وفظة، ومضى بعض الوقت قبل أن يؤدي أسلوب هولمز اللطيف
وتقبُّله الواضح لكل ما قالته إلى تخليها عن تحفُّظها وتعاملها بلطفٍ مشابه، ولم تحاول
قط إخفاء كرهها لرب عملها الراحل.
أجل، يا سيدي،صحيح أنه ألقى إناء الشراب عليَّ؛ لقد سمعته يسبُّ سيدتي، فأخبرته »
أنه لن يجرؤ على الحديث معها على هذا النحو إن كان أخوها موجودًا؛ فلم يكن منه إلا أن
ألقى الإناء عليَّ. يا ليته يرمي عليَّ العشرات منها لكن يترك عصفورتي الجميلة وشأنها؛ فقد
كان يسيء معاملتها دومًا، وكان كبرياؤها يمنعها من الشكوى. لم تكن تخبرني حتى بكل
ما يفعله معها؛ فلم تخبرني أبدًا عن تلك الآثار على ذراعها التي رأيتها أنتَ هذا الصباح،
لكني أعلم جيدًا أنها ناتجة عن الطعن بدبوس قبعة. الشيطان الخبيث — ولتسامحني
السماء إن تحدثتُ عنه على هذا النحو، بعدما أصبح الآن مع الأموات — لكنه كان شيطانًا،
إن كانت الشياطين تسير على الأرض. كان شخصًا لطيفًا حين التقيناه لأول مرة منذ ١٨
شهرًا، التي شعرتُ أنا وهي أنها مرَّت علينا كما لو كانت ١٨ عامًا. كانت قد وصلت للتوِّ إلى
لندن؛ أجل فقد كانت رحلتها الأولى؛ إذ لم تكن قد تركت بلادها من قبلُ. جذبها بلقبه وماله
وأساليب أهل لندن الملتوية. وإن كانت ارتكبت خطأً فقد دفعت ثمنه بأقصىما يمكن أن
تدفعه امرأة. في أي شهر التقيناه؟ حسنًا، التقيناه بعد شهر فقط من وصولنا؛ فقد وصلنا
في شهر يونيو والتقينا به في شهر يوليو، وتزوَّجا في شهر يناير من السنة الماضية. أجل،
لقد نزلتْ لتجلس في غرفة الجلوسالصباحية مرةً أخرى، وأنا متأكدة من أنها ستقابلكما،
«. لكنكما يجب ألَّا تطرحا عليها الكثير من الأسئلة؛ إذ إنها مرَّت بما لا يطيقه إنسان
كانت السيدة براكينستال متكئة على الأريكة ذاتها، لكنها بدت أكثر إشراقًا من قبلُ.
دخلت الخادمة معنا، وبدأت مرةً أخرى في تضميد الكدمة الموجودة على جبهة سيدتها.
«. آمل أنكما لم تحضرا لاستجوابي مرةً أخرى » : قالت السيدة
لا، فأنا لا أسعى إلى أن أسبِّب لكِ أي متاعب غير » : رد هولمز بأرقِّ نبرات صوته
ضرورية يا سيدة براكينستال، وكل ما أرغب فيه هو أن أسُهِّل عليكِ الأمور؛ إذ إنني مقتنع
أنكِ سيدة عانت الكثير. فإن تعاملتِ معي على أني صديق ووضعتِ ثقتك فيَّ، سأكون على
«. قدر هذه الثقة
«؟ ماذا تريد مني أن أفعل »
«. أخبريني الحقيقة »
«! سيد هولمز »
لا، لا، يا سيدة براكينستال، فإن هذا لن يجدي نفعًا. ربما سمعتِ عما أتمتع به من »
«. سُمعةٍ صغيرة. وأرُاهِن بها كلها على حقيقة أن قصتك ملفَّقة بالكامل
كانت كلٌّ من السيدة والخادمة تحدِّقان معًا في هولمز بوجهيهما الشاحبين وأعينهما
المذعورة.
«؟ أنت شخصٌوقح! هل تقصد أن سيدتي كذبت » : صاحت تيريزا
قام هولمز من مقعده.
«؟ أليس لديكِ ما تخبرينني به » : وقال
«. لقد أخبرتكَ بكلشيء »
«؟ فكِّري مرةً أخرى يا سيدة براكينستال، أليس من الأفضل أن تلتزمي الصراحة »
ظهر للحظةٍ بعضُ التردُّد على وجهها الجميل، ثم أدَّت فكرةٌ ما قوية إلى أن يتجمد
«. لقد أخبرتُك بكل ما أعرف » : كما لو كانت ترتدي قناعًا، وقالت
ودون التفوُّه بكلمةٍ أخرى تركنا «. أنا آسف » : أمسك هولمز بقبعته وهزَّ كتفَيه وقال
الغرفة والمنزل. كانت ثمة بركة في الحديقة وتقدَّم صديقي إليها. كان سطحها متجمِّدًا،
باستثناء ثقبٍ واحد تُرك من أجل راحة بجعة واحدة. حدَّق هولمز في هذا الثقب ثم تخطاه
ذاهبًا إلى بوابة الكوخ، وهناك كتب رسالةً قصيرة إلى ستانلي هوبكنز وتركها مع حارس
الكوخ.
ربما يُصيب هذا أو يَخيب، لكننا ملتزمون بفعل شيء من أجل صديقنا » : قال هولمز
هوبكنز؛ حتى نبرر زيارتنا الثانية هذه. لن أطلعه على ما توصلتُ إليه بعدُ، والآن أعتقد أن
زيارتنا التالية ستكون لمكتب الشحن الخاصبخطوط أديلايد-ساوثهامبتون الذي يقع في
نهاية شارع بول مول، إن كانت ذاكرتي سليمة. يوجد خطٌّ آخر من البواخر يربط جنوب
«. أستراليا بإنجلترا، لكننا سنذهب إلى الشركة الأكبر أولًا
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.