مذكراتي العزيزة.. في هذه اللحظة قررتُ الكتابة لعلها تخفّف عني أوجاعي قليلًا التي تنهش في روحي وتقتلني، لا أعلم ما الذي حدث؟! كيف انقلبَت الحياة فجأة؟! كيف جرف بي الموج وأغرقَنِي في ظلمات البحر؟ لا أعلم كيف سأصمد الأيام الآتية؟ على الأقل هذا العام، لكن لنرى ما تخبئه الأيام.
كنت أعيش مع أمي وزوجها؛ لأنها هجرَت أبي منذ كنت طفلة، لا أتذكّر عنه شيئًا، لا أعلم حتى ما سبب هجر أمي له، لم يكن لديّ أي فضول لمعرفه السبب؛ لأنني أحببتُ زوج أمي كثيرًا، وعوّضَني عن فقدان الأب؛ فلم أُشغِل بالي، أفتقده كثيرًا هو وأمي، لقد ماتا في حريق منذ مدة ومعهما أخي الصغير، هذا ما يسمى الفاجعة.. عائلتي تدمّرَت، وها أنا أكتب في الطريق لبيت أبي البيولوجي الحقيقي، لا أعلم عنه شيئًا، لم تتحدث أمي عنه أبدًا سوى عندما قرّرَت أن تعلمَنِي أن زوجها ليس أبي البيولوجي، وطلبَت مني عدم سؤالها السبب حتى أبلغَ العشرين ظنًّا منها أنّني إذا علمتُ السبب قد تتضَرَّر حالتي النفسية، أمِّي كانت أُمًّا ذكية وفَطِنة، لم تُرِد أن يصيب أولادها أي شيء يؤثّر على نفسيّتِهم، ولكن يا أمي ها أنا هنا.. تدمّرَت روحي ونفسيّتي، ولكن أمّي لم تكن تملك من الأمر شيئًا.
عندما كنتُ طفلة في الصف الخامس الابتدائي أحبَبتُ كتابة مذكرات ليومي، كنت متأثّرة بمسلسل كرتوني اسمه "إيميلي"، تأثّرتُ بتلك الفتاة وأصبَحتُ أدوّن مذكراتي مثلها، ثم بعد فترة بدأتُ لا أحب ذلك، ولكن الآن أريد أي شيء أُفرغ به همِّي، والكتابة طريقة جيدة، ولعلي يومًا أحكيها لأطفالي، وكيف صمدَت أمهم في تلك الحياة البائسة؟ ماتت عائلتي في نهاية أجازة رأس السنة عندما حدَث هذا الحريق اللعين، وأبي يسكن في مدينة أخرى بعيدة عن مسقط رأسي؛ فأردتُ أن أُكمل دراستي الترم الثاني في مدينتي التي عهدتُها، حاول أبي مرارًا، لكني لم أوافِق؛ فلبثت عند خالتي حتى انتهَى هذا العام، وبالفعل انتهى عامي الجامعي الأول، وسأنتقل لوالدي.
أنا بالفعل متوتّرة قليلًا من مقابلته، ولكن لماذا لم أهتم به؟ بما أن أمي هجرته أعتقدُ إن كان هناك سببٌ لفعلها هذا، وأعتقد أيضًا أن أبي مذنبٌ، علّمَتني أمي عدم الفضول وأن خبايا الأشياء أفضل من علمها جميعًا؛ فقد تؤذيني، وهذه الحياة سنعيشها مرة واحدة؛ فلا يجب أن نضيعها في الحزن على أشياء فضولية، أنا أملُّ من الأشياء بسرعة، وها أنا ملَلتُ من الكتابة، سأترك كتابي وأسمع أغاني؛ فأنا أحب سماع الأغاني جدًّا وأنا على الطريق في السيارة.
الأب: ماذا تكتبين؟
إيمان: ما يدور في بالي.
الأب: هل تحبين الكتابة؟
إيمان: أحيانًا نعم، وأحيانًا لا، هل اقتربنا على الوصول؟
الأب: أجل، بقي نصف ساعة، هل تعبت؟
إيمان: لا، أريد فقط أن أستمع للأغاني على هاتفي.
الأب: حسنًا.
وها هي بطلتنا وصلَت لبيت أبيها الذي سيصبح بيتها منذ هذا اليوم، لها فقط ولأبيها، أبوها هذا رجل أعمال كبير، وهذا البيت جميل جدًّا وواسع، وله حديقة كبيرة وجميلة؛ فابتسمت تلك الصغيرة؛ فهو لا يفرِق عن بيتها القديم كثيرًا، وتساءلت كيف يعيشُ أبوها وحده في هذا البيت الجميل؟ ألم يمَلّ أبدًا؟ ولماذا لم يفكر في الزواج حتى بعدما هجرَتْه أمي؟!
طلب الأب من السائق إدخال حقائب ابنته، وطلب من مديرة المنزل توصيلها لغرفتها.
الأب: ما رأيكِ في تبديل ملابسك ثم تأكلين معي؟
إيمان: حسنًا.
انتهت الليلة وأكلَت إيمان، لكنها لم يكن لديها أي فضول للتعرّف على والدها، لم يحدث أي نقاش بينهما أثناء تناول الطعام.
انتهى اليوم وذهبَت الفتاة للنوم، كانت مُتعبَة جدًّا من السفر، لكنها لم تستطع؛ لأنها لم تكُن معتادة على النوم في هذه الغرفة؛ فظلَّت مستيقظة لا تستطيع النوم كأن النوم جافاها لا يريد أن يخفف من أحزانها هو أيضًا؛ فقرّرَت عدم النوم، ثم ذهبَت لترى ألبُوم صورها مع عائلتها المفقودة باكية، ترى صورًا لن يكررها الزمن مرة أخرى.
تلك الصغيرة بقيَت حاجيات لأمها وزوجها لم تنهشها النيران، منها الصور ودفتر ملاحظات لزوج أمها؛ فقد كان الآخر مهووسًا بكتابة يومياته، لم تكن الصغيرة مهتمّة بقراءة مذكرات زوج أمها؛ فهو يكبرها بعقود، كعادة أي شخص لا يكون مهتمًّا بما حدث؛ فالماضي الذي سبق وجوده باستثناء بعض الأشخاص، هؤلاء هم الاستثنائيون الفضوليون، تلك الصغيرة لم تكُن أبدًا منهم، ألم نسمع بأن الحزن وكسرة القلب إذا زارت شخصًا دمّرته؟ دمرت شخصيته؟ فلم يبقى منها شيء، وبدأ يكوّن شخصية جديدة أشد قسوة، مختلفة تدريجيًّا حتى يصبح شخصًا لا يعرفه أبدًا، وعندما يتذكّر شخصيته القديمة لا يعلم كيف كان بهذه الطيبة؟ بهذه الهشاشة؟! كيف تغيّر لهذه النسخة القاسية؟! هذا من عجائب الزمن.. تلك الصغيرة استيقظَت ووجدَت نفسها على الأريكة، لم تكن تتوقع أنها ستنام، تعجّبَت من نومها، لكن الباب كان يدُقّ، لم تستكمل تفكيرها وتعجبها.
إيمان: مَن؟
المساعدة: حضرتك السيد والدك يريدكِ أن تتجهّزي وتأتي لتأكلي الطعام معه.
إيمان: تفضلي.
المساعدة فتحت الباب ودخلت.
إيمان: لماذا قُلتِ لي حضرتك؟ اسمي إيمان، وأتمنّى أن تناديني بِه دائمًا، لا أستحق كلمة حضرتك؛ لأني أصغر منكِ، أنتِ تقومين بوظيفتك، لكن دون تقليل لنفسك أو تعظيم لي.
المساعدة: لا أعلم ماذا أقول، لكن السيد والدك لن يسمح.
فابتسمَت تلك الصغيرة ابتسامة سخرية، ورفعَت حاجبيها وقالت: لا تقلقي، أعلم كيف أتصرف معه.
وابتسمت للمساعدة، وقالت لها:
شكرًا، بإمكانك أن تجلسِي في غرفتي حتى أتجهّز، اجلسي لا تخجلي.
وبدأت تلك الصغيرة بسؤالها عن حالتها الاجتماعية؛ فصُدِمَت بإجابتها.. تلك المساعدة تكبرها بثلاث سنوات، وتدرس في جامعة، ولكن تعمل في الصيف لدى والدها بدلًا من والدتها لتُريحها صيفًا.
فاستعطفتها تلك الصغيرة وأشفقت عليها، كيف أنها تشعر بالأسف على نفسها لموت عائلتها؟ ولكن مع ذلك قد مَنّ الله عليها بأفضال أخرى يجب أن تحمده عليها، وتصبر على ما أصابها، يجب أن تنظر لما وُهِبَت لا ما حُرِمَت ومُنعَت منه.
جهّزَت الصغيرة نفسها، وذهبت مع المساعدة لتقودها لغرفة الطعام، فجلسَت ثم أمرَت المساعدة بالجلوس.
الأب: لا، غير مسموح لها بالجلوس هنا.
فنظرت الصغيرة لأبيها:
لا، أنا أقول مسموح لها بالجلوس.
وابتسمَت ابتسامتها المعهودة بسخرية؛ فلم يقل لها أبوها شيئًا، فقالت هذه الصغيرة لنفسها:
لا عجب أن أمي هجرته.
ف بعدما هجرته أمها تزوّجَت ولم تعش في قصرٍ مثل بيت أبيها، بل في شقة عادية، وبعملهما جمعا مبلغًا جيّدًا وبنيا به "فيلا" من طابقين، وبالرغم من ذلك لم تحتج أمها لأي خَدَم أو أحد يساعدها في المنزل، كانوا جميعًا يقومون بالأشغال، سواء رجل أو امرأة.. فتاة أو فتى، وافتقدَت الصغيرة أمها، وكيف أنّ أمها كانت تعتمد على نفسها وعلّمَتها ذلك!
الأب: ما أخبار غرفتك؟ هل أعجبَتْكِ؟ لقد استعنتُ بمهندس ديكور ليصممها لكِ.
إيمان: أجل أعجبتني، شكرًا لك.
الأب: سعيدٌ جدًّا بذلك، أي شيء تريدينه سيكون موجودًا عندك في الحال.
إيمان: حسنًا.
لم تتجاوب تلك الصغيرة مع أبيها، ولم تُعجَب به في البداية، ولم تُرد أن تعرَفَه، أخذَت عنه انطباعًا سيّئًا.
وعندما أنهوا الطعام طلبت الصغيرة من المساعدة أن تساعدها في حمل الأطباق وغسلها وتنظيف المنزل.
فانصدم الأب: عزيزتي هذا غير صحيح، لا تحتاجي لفعل أي شيء، أما هي تحتاج.
إيمان: لا، سأفعل، كنت أفعل هذا دائمًا عندما كنتُ أعيش مع أمي وأبي؛ فهذا سيُريحني ويمتصّ الفراغ مني قليلًا.
فلم يكن بيد الأب حيلة، وقام بالذهاب إلى عمله وودّعَ الصغيرة.
وفي المطبخ تحدّثَت تلك الصغيرة مع المساعدة، وتعرفت عليها أكثر؛ فلم يكفّا عن تبادل أطراف الحديث.
وشغَلَت تلك الصغيرة فراغها، ولكن غسل الصحون لن يدوم طوالَ اليوم، فما كان منها إلا أن رجعَت إلى غرفتها منهارة باكية، اشتاقت إلى سماع صوت أمها تطلب منها غسل الصحون وتنظيف المنزل، اشتاقت عندما كان يرشها أخوها بالماء عندما كانوا يروون الزرع، اشتاقت لكل هذه الأشياء التي لن تراها ثانية أبدًا.
*****
في قصر بمدينة كبيرة اسمها "كساندريا"، هؤلاء الناس الذين يعيشون فيها متحفظين جدًّا، هذا العالم الموازي يتأخر عن الأرض في الزمن؛ إذ أن عمر الأرض ميلاديًّا ٢٠٠٠ وبضعة أرقام، لكن هذا العالم لم يتجاوز الألف.
الحاكم: هل وجدتم ذلك الوغد؟
الفارس: لا، لقد غادر قبل أن نمسك به، لم نجده.
الحاكم: ألم يخلف أيَّ شيء؟ أريد ذلك الكتاب والقلادة بأي ثمن؛ فهذا سيُتِيح لي السيطرة على كل شيء أريده، وعلى العالمين بأسرِها.
الوزير: عُذرًا يا جلالتك لا تغضَب.. سنجد أخاك بكل الأحوال، ليس له مفرٌّ منك.
الحاكم: لقد بحثَ عنه أبي طوال فترة حكمه حتى مماته، لكنه لم يجِدْه أبدًا، أخِي لم يكن مثلنا أبدًا، وكان ذكيًّا، ووجَدَ مخرَجًا بجميع الأحوال من أي شيء، لكن أخَذَ مع هربِه أهَمَّ شيئَين.. ذلك كان سيُمكّن أبي من السيطرة على العالمين، وذلك العالم الذي لا ينفَكّ يسيطر علينا بسبب تأخُّرنا في الزمن عنْه بملايِين السنين.
الوزير: لا تخَف أيها الحاكم، سيأتي يوم وسنصبح نحن أعلى هؤلاء القوم.
وبمجرد انتهاء كلام الوزير دقَّت الطبول، وجاء فارس وقال:
لقد جاءوا جلالتك.
ارتعبَ الحاكم؛ فقد كانوا قومًا مخيفين حقًّا، لقد احتلُّوا أغلبَ الكرة الأرضيّة في هذا العالم الموازي، مَن لم يسلّمهُم البلاد كانوا يرمون عليهم كرات بمجرد أن تلمِسَ الأرض يخرج منها مخلوقات غريبة، منها من تأكل لحم البشر، ومن تُذهِبَهُم ليكونوا طوعًا لهم، ومنهم من يحوّل البشر لحجَرٍ بعيونهم، ومنهم مَن بوجودِهِ يجعل البشر خائفين يستسْلمُون لهم.
هناك أسطورة تقول "سيأتي شخص من عالم موازٍ آخر يحرّر التنانين العشرة ويدمروا هذا العالم".
برغم أنها أسطورة إلا أنْ خاف هؤلاء القوم منها جدًّا.. "قوم لاشيا"، لا يوجد شيء يُثبت صحة الأسطورة، ولكن المعهود أن مهما بلغ طغيان الشيء ومهما طال الزمان سيأتي شيء لردعه.
قوم كساندريا وقوم لاشيا في نفس المجرة، ولكن يبعدوا عن بعضهما ببضعة ملايين السنين الضوئية.
وصل قوم لاشيا إلى عرش قوم كساندريا.
بعث قوم لاشيا رسولًا من عندهم يتلوا خطابًا مفاده أنّ حاكم لاشيا مات وتولَّى العرش حاكم جديد، وهذا الحاكم ليس كسابقه، حاكمنا الجديد لا يملك صبرًا.. يريد هذا الكتاب وقلادته، وإذا فشلتُم في الحصول عليه حتى المهلة المحددة "ومقدارها سنة كاملة"؛ فسيفعل بكم ما فعل بغيركم على وجه هذه المعمورة.
ثم غادر هذا الرسول.
ارتعب الحاكم وجميع مَن بالغرفة؛ فهم يعلمون جيّدًا ما حدث بباقي الكرة الأرضية التي رفضت الإذعان لهم.
الحاكم: لقد جاءوا حتى قصري وهدّدُوني، عار عليّ، كيف سأجد لهم هذا الكتاب والقلادة؟! كيف؟!
الوزير: أيوجد احتمالية أنّ أخاك قد خبّأهم هنا قبل اختفائه؟
الحاكم: لقد بحث أبي في كل شبر في هذا القصر وفي المدينة بأكملها، ولم يجد لهما أي أثر.
الوزير: ما العمل؟! هل حقًّا سيحدث لنا ما حدث لباقي الشعوب على هذا الكوكب؟ هل سنتدمر حقًّا؟
الحاكم: لن أسمح بذلك!
الوزير: كيف وأخوك مختفٍ منذ ثلاثين عام؟!
الحاكم: يجب أن نجد حلًّا، يمكن أن نصنع كتابًا وقلادة مزيفَين ونعطيهما لهم.
الوزير: لن تنطلي عليهم هذه الحيلة أبدًا؛ فالكتاب خاوي لا يوجد فيه صفح، وعندما توضع فيه القلادة يبدأ بسرد كلمات تُشير لأشياء، كما أننا سمعنا أن الكتاب يقصد من يستحقُّه، لكن هذا محض إشاعات.
الحاكم: أجل محض إشاعات، ما الذي سيجعلهم متأكّدون من هذا؟! سنصنع ما يبتغون.
الوزير: لكن هذا فيه مخاطرة.
الحاكم: سنفعل ما بوسعنا لنجد هذا الكتاب وقلادته، وإذا لم نفلح خلال المدة فسيكون هذا حلنا الوحيد.
***
وها نحن ننتقل لقصر حاكم قوم شيلا، ذلك الذي تولى الحكم مؤخرًا، الذي أرعبَ حاكم كساندريا، أولئك القوم الذين أرعبوا وروَّعُوا العالم لسنين ودمروا بلدان.
الحاكم ريك: خلال سنة بالكامل إن لم يُسلّمك حاكم كساندريا ما أريده فستفعلون بهم ما فُعِل بغيرهم.
رئيس الحراس: حسنًا يا زعيم.
ريبيكا: لماذا تهتم يا أخي بمحض أسطورة؟! فنحن لا يوجد أقوى منّا، لماذا تهتم بهذا وقوم كساندريا لا يملكون القلادة والكتاب؟! لماذا تريد منهم شيئًا لا يمتلكونه؟
الحاكم ريك: ليس من شأنك، كم بقي على المصيدة؟
أحد الحراس: ستبدأ بعد قليل.
قام الحراس باصطحاب هذا الطاغية إلى غرفة المصيدة؛ حيث يقتل الناس بعضهم، ومن أجل ماذا؟ من أجل متعته! يوجد في هذه الغرفة شاشة ثلاثية الأبعاد وتعرض ما يحدث للمتسابقين، وها هي تبدأ دقّ الجرس، وكالعادة يقتل الأناس بعضهم؛ فلا يفوز أحد لأن الجميع خائف، لم يفكّروا أن يتعاونوا مرة، حتى أن نجح أحدٌ وقام بقتل الجميع دون أن يُقتل، دخل المستوى الثاني وأصبح يُطارَد من قبل حيوانات مفترسة؛ فانتهى قتيلًا، ولكن هذا على وجه التغيير!
***********
منذ ١٣ سنة...
كانت تلك الصغيرة عائدة من النادي مع والديها، كانت متعبة فحملها والدها كعادة أي أب أو أم عندما ينهك طفله؛ فرأت تلك الصغيرة على سطح العمارة أشبه بظِلّ رجل، إلا أنه عبارة عن جسد قاتم وأسود، لم تميز شيئًا عن السواد إلا لون عينيه الذي لم يكن طبيعيًّا.. لون إشعاع أحمر يتصدر منهما.
إيمان: أبي أمي، انظرا من هذا.. أهذا شبح أو عفريت؟!
الأم: لا يوجد شيء.
الأب: أنتِ منهكة، هيا لنصطحبك لسريرك.
وعندما نظرت مرة أخرى لم تجده.
لم تكن تلك الصغيرة تعدت السادسة، ولكنها كانت واعية لما يحدث، فأخذها الأب والأم وقاما بتنيمِها في غرفتها الصغيرة، ولكنها أبَت النوم حتى تعلم من كان هذا الرجل؟
إيمان: أبي أمي، أرجوكما أريد أن أذهب لأرى من كان على السطح.
الأم: صهٍ.
وبدأت تغني لها كي تنام؛ فغطَّت ف نوم عميق، وبعد مرور عدة ساعات استيقظَت تلك الصغيرة بسبب صوت الرعد والبرق وصوت اصطدام المطر بشباك غرفتها الصغيرة؛ ففرحت بالمطر وفتحت شباك غرفتها ومدت يدها كي تشعر بالمطر على يدها، وابتسمت ثم أغلقت الباب، وبمجرد أن التفِتَت تجمّدَت مكانها واتسع جفنا أعينها وجدت هذا الرجل أمامها.
إيمان: هل أنت حقيقي أو شبح؟! هل ستؤذيني؟
وبلعت ريقها.
الرجل: لا لن أؤذيكِ يا صغيرة، ما اسمك؟
إيمان: اسمي إيمان، ما بال عينيك؟ هل العيون الحمراء حقيقة؟!
الرجل: أجل حقيقية، أريد أن أخبئ شيئًا عندك.
إيمان: ما هذا الشيء؟
فأخرج الرجل قلادة.
إيمان: هذه القلادة جميلة، هل سأخبئها لك حقًا؟
الرجل: أجل.
ثم وضع الرجل يديه على رأس إيمان وأصبحت أعينها حمراء لوهلة، وعندما انتهى من ترتيل هذه الكلمات الغريبة وقعت مغشيًّا عليها، ثم وضعها على سريرها وغادر إلى غير رجعة.
****
يطرق صوت الباب.
إيمان: من؟
رئيس الخدم: أنا يا سيدتي.
إيمان قامت وفتحت الباب، وقالت له: هل أستطيع مساعدتك بشيء؟
رئيس الخدم: لقد وصلكِ هذا الخطاب.
فتعجبت وقالت: خطاب مِن مَن؟!
قال: لا أعلم يا سيدتي، هل تريدين شيئًا آخر؟
قالت: لا.
وأذنت له بالانصراف، ثم أغلقت الباب وهي متعجبة مَن يبعث لها خطابًا؟! يوجد
الهواتف الآن، ثم أخرجت تلك الورقة من غلافها وقرأت "إيمان، إذا وصلتكِ هذه الرسالة فهذا يعني أني وأمك وأخاكِ مختفيين، أعلم أن هذا يصعب شرحه، ولكن اقرأي مذكراتي ذات اللون الأحمر فقط؛ فهي التي سوف تفيدك؛ فلم يعد هناك وقت قبل أن يجدوك ولا يعلم أحد حتى أبوكِ بهذا الخطاب".
تسمّرَت تلك الصغيرة في مكانها، ذُهلت من هذا الخطاب، لم تعلم ماذا تفعل ولمَ استخدم زوج أمها مختفيين وليس ميتين؟! ولمَ يتعين عليها قراءة مذكراته؟! ولكن إذا كانت هناك فرصة واحدة أن عائلتها حية فستغتنمها بكل الأشكال.
هل يُصدّق أحد منا إذا فقد أحد أحبائه أن يكون هناك فرصة لملاقاته ثانية لفعل الكثير منا المستحيل، وها هي الصغيرة ستفعل مستحيل الأشياء.
فأسرعت على حاجيات والدها التي في الصندوق ووضعته في خزانتها، وأخرجت مذكراته الحمراء وفتحتها، لم تجد أي كلمات!
إيمان: ما هذا؟! أين المذكرات؟
فتركت المذكرات الحمراء وذهبت لتنظر لباقي مذكراته، لم تجد شيئًا، ولا كلمة!
تسمّرَت تلك الصغيرة مرة أخرى وغلب اللون الأحمر على وجهها والحيرة والذهول، فلم تعد تعلم هل هي في حلم أم في حقيقة؟! لم تعد تصدق عينيها وفي رأسها ألف سؤال، أصبحت تسير ذهابًا وإيابًا في غرفتها وهي تقول لنفسها: اهدئي يا إيمان اهدئي يا صغيرتي، هذه أشياء كثيرة لتستوعبيها، هذا ليس حقيقيًّا، لا يوجد شيء حقيقي في هذا، لا بُدّ أنني أحلم.
لم تعد تشعر بشيء من حولها، وأصبحت الأرض تدور من حولها، ثم أغمضَت عينيها ووقعت على أرضية غرفتها قد أغشي عليها.
إيمان: أين أنا؟! ما هذا المكان الغريب؟! لا ليس غريبا، ماذا أقول؟ هذا منزلي القديم الذي حرق وهذه غرفتي.
وجدت نفسها نائمة وشخص آخر ذو أعين حمراء واقف بجوارها، ثم وجدته ينظر لها وهو يقول: مرحبًا، وأخيرًا ستدركين من أنت وما هو قدرُك!
إيمان: من أنت؟! وماذا أفعل هنا؟ هل أنا في حلم؟
الرجل ذو العيون الحمراء: لنا لقاء يومًا ما، ستأتين وتحرريني، لا أستطيع التواصل معكِ إلا بقدر ضئيل، لا تثقي بأحد؛ فالوجوه ستتشابه كثيرًا، ومَن تظنّين أنكِ تعرفينه سيتضح بعدها أنه شخص آخر.
إيمان: لماذا لا يوجد كلام في المذكرات الخاصة بوالدي؟
هو: كان يجب عليّ فعل ذلك حتى لا يصبح مصيري بالأيدي الخطر، ستستطيعين أن تقرئيها لكن بعد فهمك لما يدور حوله الأمر.
إيمان: والرسالة؟ هل أمي وأبي أحياء حقًا؟
هو: لا أستطيع الإفصاح بأكثر من ذلك، لكن أحذركِ.. لا تخبري أي أحد عن ما دار بيننا مهما ظننتِ.
ثم استيقظت تلك الصغيرة عندما رش عليها أحد الماء، كانت تلك المُساعِدَة التي تكبرها بثلاثة أعوام.
هي: هل أنتِ بخير؟ ماذا حدث؟!
إيمان: لا شيء، يبدو أنني لم أنم جيدًا البارحة.
هي: يجب أن أخبر رئيس الخدم ليبلغ والدك ويستدعي لكِ الطبيب.
وبينما هي قائمة أمسكتها إيمان من يدها قائلة بغضب: قلت لا تخبري أحدًا، إن علم أحدٌ بهذا لن يحدث شيء حميد.
فتعجبت المساعدة، لم تراها بهذا العنف أو الغضب قبلًا، لم يكن لديها حيلة إلا أن تصمت؛ فقد ارتعبت منها.
المساعِدَة: كان رئيس الخدم طلب مني إخبارك أن تتجهزي لأن العربة التي ستوصلك لمكان كورس الإنجليزية الخاص بكِ جاهزة.
إيمان: حسنًا، سأذهب لأجهّز نفسي، لكن أنا آسفة حقًا، لا أشعر أن مزاجي جيدًا اليوم، أنا آسفة حقًّا.
المُساعِدَة: لا شيء، أقدّر هذا الكلام وأتقبّل أسفك.
إيمان تبسمت وقالت لها: شكرًا.
وغادرت المساعِدَة الغرفة.
لم تستطع إيمان التوقف عن التفكير في هذا الرجل ذي الأعين الحمراء، ولماذا لم يُرِد لها الإفصاح بما يعرفه.
وماذا كان قصده بأنها ستحرره؟ ومن ماذا؟! كانت أول مرة تصاب بالفضول؛ فهذا حقًّا يستدعي الفضول، وإن كان حقًّا هذا سحريًّا أو خيالًا فإن الأحداث ستتعاقب وتعلم من هذا الرجل ومَن بعث الخطاب؟! ومن مسح المذكرات؟ لكن الصبر فقط هذا هو ما تحتاجه هذه الفترة العصيبة.
كانت إيمان تريد أن تسلِّي فراغها؛ فسجّلَت لدى كورس الإنجليزية؛ فقد كانت محبة للغات جدًّا، وبخاصة اللغة الإنجليزية، فقد كانت تتمنى أن تكون من هؤلاء الإنجليز حتى تتمكن من تحدث لغتهم بطلاقة؛ فهي من أكبر المعجبين بمسلسلاتهم الخياليّة التي يعتريها الفضول والغموض والسحر، وعلى العكس لم تحب أبدًا السينما العربية، وقد علمت عن هذا الكورس من تلك المساعِدَة عندما كانت تدردش معها، وستذهب معها هذا المرة لأنها تعلم من بهذا الكورس وستعرّفهم بإيمان.
أنهت الصغيرة تجهيزها للذهاب ونزلت إلى بهو الفيلا.
وجدَت سائق العربة وأميرة تلك المُساعِدة بانتظارها، وركبت أميرة معها في الكرسيّين الخلفيين للعربية وذهبوا إلى مكان الكورس.
وفي الطريق ما فعلت تلك الصغيرة شيئًا سوى النظر من خلال نافذة السيارة التي تقِلها، كان هذا شيئًا جميلًا جدًّا بالنسبة لها، كانت أحيانًا تبتسم عندما ترى مياهًا صافية... أشجارًا، حتى الأطفال الصغار تضحك وتشير بيدها لهم عندما تراهم، وكانت تذهب تلك الابتسامة من بشرتها الصافية عندما ترى أطفالًا لم يتجاوز عمرهم العاشرة يقفون في الساحة يحاولون على قدر استطاعتهم أن يجعلوا الناس يشترون منهم أي شيء بسعر بخس، لا تعلم لماذا يفعل أهلهم هذا؟! وتشعر دائمًا بالأسى لهم وتتمنّى لو كان بيدها شيء لتجعلهم سعداء، كانت هكذا في الماضي، أما الآن قد تشتّت روحها ولم تعد تعلم ماذا تحب وماذا تكره، ولا تعلم إذا كانت ذا قلب أم لا؛ فكأس الماء إذا انكسر من المستحيل تجميعه مرة أخرى ووضع الماء فيه فكانت هذه حالتها.
****
في بركان ما بإحدى بقاع هذا الكون دخل رجل إليه، يعلم كيف يجتاز طريقه بين هذه النيران، ووضع يديه على الباب وقال هذا أنا، وقام بسحب الباب ووجد أمامه تلك القلادة التي يبحث عنها جميع الحكام، وبدأ برسالة شخص ما بداخل تلك القلادة.
وايفرن: أهلًا أيها الحارس، لقد كنت بانتظارك منذ وقت طويل.
الحارس: لديّ بعض الأخبار المحزنة لك، تلك الفتاة من العالم الموازي الرابع استطاع أناس من كساندريا الذهاب إلى هذا العالم، ولكنهم لم يكونوا يعلموا أنّك اختزنت قواك بداخل تلك الفتاة، ما حدث هو أنّهم أخطأوا الهدف وأنا قلق إن كانوا سيصيبون؛ فهم يحاولون على أحر من الجمر؛ لأن حاكم شيلا الجديد أعطاهم هدنة لمدة سنة واحدة فقط.
وايفرن: هذا مقلق إلى حد ما، ولكن ألم يحن وقت أن تعرف تلك الفتاة ماهيتها؟
الحارس: لكننا لا نعلم إن كانت مستعدة أو لا!
وايفرن: ستصبح مستعدة وقتًا ما، وهذا لا يهم حاليًا، يجب أن تراقبها جيدًا وإذا اقترب أي خطر منها فقد حان الوقت الذي ستعرف فيه مَن هي وما مصيرها.
الحارس: حسنًا يا سيدي.
في زنزانة عتيقة في جوف مدينة كساندريا تسكنها سجينة، وتلك هي الورقة التي سيلجأ إليها حاكم كساندريا ليجلب أخاه الهارب إليها، تلك السجينة المسكينة بثت فيها ما يقرب العشرين سنة بعدما أخذَت منها صغيرتها غصبًا وقهرًا أثناء ولادتها، ولكن أستطيع القول إنها تستحق ذلك، ولا تأخذكم بها شفقة أبدًا؛ فهناك عبارة حكيمة سمعتها دائمًا.. وهي الجزاء من جنس العمل، وهذا المثل ينطبق مع تلك السجينة، فهيا لتعلموا القادم...
في ذلك السجن يسير رئيس حراس ملك كساندريا ووراءَه حراسه ليجلبوا تلك لملك كساندريا ليأخذ منها ضالته، رحب رئيس السجون جوزيف برئيس الحراس الذي يُدعَى بيتر.
جوزيف: مرحبًا يا صديقي القديم، انظر لك كيف غيّرَتك الأيام وأصبحتَ شيئًا جليلًا لحاكمنا.
بيتر: شكرًا لمديحك يا عزيزي، لكل شيء ثمن، وهذا ما أستحقه بالتأكيد، لنتطلع إلى الحديث المهم.. أنا هنا لأن الحاكم يريد سجينة من هنا.
جوزيف: الحاكم يريد سجينة؟! لماذا؟ ولماذا يهتم الحاكم بأي سجناء هنا؟!
بيتر: لم يبعثني الحاكم للإجابة، بعثني للأخذ، هل فهمت؟
جوزيف: بالتأكيد.
بيتر: أريد أخذ ألكساندرا.
تعجب جوزيف؛ فما عساهم يريدون من تلك العجوز الخرفة؟! لا يعلم أحد في ذلك السجن لمَ اعتقلت؟! مع أنها كانت أخت حاكم كساندريا الأسبق، لا أحد يعلم ماذا حدث ولِمَ دُسّ بها في السجن؟ ولكن يا أعزائي القراء أعتقد أن هذا واضح لكم، وهوا أن لها يد في اختفاء القلادة والكتاب.
وها هم اقتربوا من تلك الزنزانة، سمعت تلك المرأة أصوات أقدام تتحرك؛ فعلمَت أنه حان الوقت أخيرًا، ولكن في الحقيقة حان الوقت لخروج الأفعى من حجرها.
قام الحارس بفتح الباب، ووجدوا تلك العجوز واقفة مبتسمة قائلة: مرحبًا يا أعزائي، هل تذكرتموني الآن؟ ماذا حدث لتحتاجوني؟! هل يئِسَ حاكمكم؟
بيتر: اخرسي أيتها الشمطاء.
ولا يعلم أحد حقيقة ما ستفعله تلك الشيطانة بمجرد رؤية ضوء الشمس.
ركبت ألكساندرا العربة مع بيتر والابتسامة الخبيثة لا تفارق محياها، تشم الهواء وترى الشمس وأناسًا يتحركون في الشوارع.
ألكساندرا: كم اشتقتُ إلى هذه الحياة.
بيتر: لا تقلقي، بعدما يفرغ منك الحاكم سيرسلك إلى زنزانتك مرة أخرى؛ فلا تفرحي كثيرًا.
ألكساندرا: أنتَ حقًّا حارس كئيب، لم أفرح برفقتك، لستَ بشوش الوجه، سأشكو لحاكمك منك.
بيتر: عجوز خرفة!
ألكساندرا: ستعلم من هو العجوز قريبًا.
فنظر إليها بيتر نظرة بلهاء وأشاح بوجهه عنها.
وصلت العربة عند باب القصر، وها هي الشيطانة تدخل باب القصر مع رئيس الحراس وأتباعه.
قبل وصولهم بقليل دار حديث بين الحاكم ووزيره.
الحاكم: هل ستُجدِي هذه الحيلة أم لا؟
الوزير: بلا شك يا سيدي.
الحاكم: لكن أبي قبل موته أوصاني على عدم خروجها أبد الدهر، وها أنا قمت بمخالفة وصيته.
الوزير: إنها عجوز، لا يهم يا مولاي؛ فسنستخلص منها ما يفيدنا ثم نزج بها في السجن مرة أخرى.
الحاكم: لكن أبي قال لي إن بخروجها سيُفتح باب من الجحيم.
الوزير: يا مولاي، لا داعي لكل هذه الوسوسة داخل عقلك، لا ترهق نفسك بشيء كهذا، فأنا أحسِب هذه الخطوة جيدًا.
الحاكم: كيف تحسبها جيدًا ونحن لا نعلم حتى شكل أخي الهارب؟!
الوزير: لن يُخفَى يا حاكمي صدقني، ألا يوجد أية صور له أو ألا تذكرُه يا مولاي نهائيًا؟
الحاكم: لقد هرب عندما كنتُ رضيعًا، لم أره ف حياتي، حاول أبي رسم صورة له واستعان بأغلب الفنانين، لكن لم يوفَّق أي رسام في رسم صورة توضيحية له.
الوزير: ربما تلك العجوز تساعدنا؛ فهي بالتأكيد تعلم شكله.
الحاكم: آمل هذا.
ثم استأنف وقال: لقد جاءوا، أستطيع رؤيتهم من الشرفة، هيا لنلقاهم؛ فأنا لا أطيق صبرًا حتى أستطيع التخلص من تهديد قوم شيلا.
وانطلق الحاكم بسرعة إلى قاعة عرشه، وجلس ع كرسيه بانتظارهم.
وها هو رئيس الحراس أتى.
الحاكم: هل أحضرتَ ما طلبته منك؟
بيتر: أجل يا سيدي، ها هي.
ألكساندرا: مرحبًا يا ابن أخي الصغير، مرّ زمن منذ آخر مرة رأيتك، ما السبب الذي أدى بك إلى قدومي هنا؟ هل هو الحاكم ريك؟ بكل تأكيد.
نظر إليها الحاكم بتوجس ورهبة، واتسعت حدقتا عينيه.
ألكساندرا: أعلم أنا سجينة منذ ما يربو عن العشرين عام، لكن لدي عيون في كل مكان.
الحاكم: ألكساندرا، أو هل ينبغي أن أقول لكِ عمتي؟
ألكساندرا: لم يعد هناك قرابة بيننا بعد ما فعله والدك بي.
الحاكم: ليس لي شأن بما فعله والدي بك، لم يكن لي سلطة وقتها، ولكني الآن أخرجتُكِ من زنزانتك؛ فهذا يحتسب فضلًا مني لك ويجب أن تردي هذا الفضل، أليس كذلك؟
ألكساندرا: ماذا تريد بالضبط؟
الوزير: نريدُ أخا الحاكم الهارب.
نظرت إليه ألكساندرا بخبث وابتسمت ابتسامة طفيفة؛ فهي تعلم الآن اللعبة التي تُحاك ضد ابن أخيها الحاكم الجديد، ولكن عندما يأتي الوقت ستعلمون يا أعزائي.
ألكساندرا: يبدو أنكم بحثتم كثيرًا وجيّدًا ولم تجدوه، فما الذي ستستفيدونه من عجوز خرفة؟!
الحاكم: نريدكِ أن تصفيه لنا.. ما شكله وما ملامحه؟
ألكساندرا: لا أستطيع؛ فعشرون سنة تُنسِينا الكثير يا ابن أخي المقدام.
وها قد جاء الوقت لتعلموا اسم حاكم كساندريا، اسمه المقدام، وهل سيكون اسمه لائقًا به؟ هل سيستطيع تحرير شعبه من سلطة قوم شيلا أم لا؟ كان ذا شعر أحمر وعيون زرقاء، كان جميل الهيئة وحسن الشعور على عكس أبيه.. ذلك الجشع الذي أدَّت أفعاله إلى هروب ابنه.
المقدام: ألم أقل لكَ أيها الوزير عجوز خرفة، لم يجب علينا أن نخرجها من زنزانتها، أقترح أن نعيدها.
الوزير: ستساعدنا يا سيدي، حريتها مقابل الكتاب والقلادة.
ألكساندرا: حسنًا، لكن أولًا لديّ بعض الطلبات الضرورية.
المقدام: حسنًا.
ثم أمر رئيس الحراس باستدعاء خادمة لتلبية احتياجات تلك العجوز.