إما أن تذوب في وتسمح لي أن أذوب فيك، أو أن تبقى
حيث أنت دون أي تبدل
أوشو
قالت بالأبجدية
(1)
حرف اللام
وصارحتني أنها تحتاج للمغازلة عند لقائنا في هذه اللحظة بالذات، كانت مفعمة بالحب، تكره الصمت تماما، مثلما تكره من يسألها لماذا تحبينه وكنت في الاختيار الأصعب، إذ أنا طائع لعينيها في تأملها تفاصيل نظرتي المتوجسة، ولأنني أعلم حياءها، كنت أفضل الصمت في كل مرة نلتقي، ولكن كان علي الحديث بما تود سماعه بشغف أكبر من رؤيتي أتأملها هكذا.
كانت مغازلتها أصعب ما في الأمر، لا لشيء غير أنها تريد سماع هذه المغازلات وتاهت بين شفتي الكلمات، ورأيتني أقترب من يدها، أقبلها وأشرح لها ماذا فعلت عيناها العسليتان بي وأنني أتوق لرؤية خصلة واحدة من خصلات شعرها الذي يشبه عينيها كما كنت أفكر، وأن لصوتها نغما أعذب من الموسيقى، وأخذت أقترب، وأقترب وأقترب لأقول بكل أسماء الأشياء التي ترتديها أنها تليق بها، وهي تطرب
وتنتشي كلما تحدثت كلما كان إيقاع الكلمات مقترب من إيقاع تنهدها.
وأحسست أن كلماتي تخترق هذه الملابس الأكثر جاذبية، وتعبر إلى نوافذ القلب، بل تسبح في عالم الروح الي حد النشوة التي تبتغيها، وأبتغيها من أشياء اخرى وتنهدت وهدأت وصارت مثل شمعة تذوب وتصل إلى الانصهار، وأنه عليّ أن أكون أكثر عاطفية وأطور حديثي، لأكون رجلها.
قلت لها إن كل غايتي أن استمع لصوتها كل صباح حتي تشرق الشمس في قلبي، وأن كل ما عليها فعله هو أن تمس شفتاها كوب الماء حتي أرتشف رشفة تروي ظمأي.
وأخذت أعدد مزاياها عندي وأبوح لها أنني احتفظ بأشيائها التي تنساها فتكون معي دائما، شيء منها وتماديت في تغزلي ووصلت حد السكر بين يدي، ثم أنني وعلي هذه الحالة لم يصلها مني شيء غير هذه النظرة التي تتأملها في صمت والتي تنم عن احتياجي.
***
(٢)
حرف الشين
"عذب بما شئت غير البعد عنك تجد أوفي محب بما يرضيك مبتهج "
كانت هذه الكلمات أول ما سمعت عن دخولي ساحة الحسين، ومشيت وسط الاحتفالات بمولد الحسين "رضي الله عنه" يتردد صوت الإنشاد في أذني، وتتراءى لي الأضواء وأحسست بطعم الحلوى في فمي وألتفت وكأنه ظلي أو أنه يمشي ورائي تلفت يمينا ويسارا ثم واصلت السير قاصدة المسجد، خلعت حذائي ككل من خلعوا الأحذية، أتدثر بوشاحي الأخضر، أمشي علي أطراف قلبي، أعبر وسط الازدحام، لا عقل لي ولا روح فقط جسدي يتحرّك يقودني للداخل وعند تجاوزي المقام، سقط وشاحي من علي رأسي وانسدل علي كتفي فخارت قواي.
أجمل لحظات الاشتياق تلك التي تتذكر فيها الذي كان.
تأملت عينيه عندما نطق بهذه الكلمات المرة الأولي التي ألمح بريق عينيه عن قرب، قرب أخافني مسني برهبة لم أعهدها من قبل، ظلت عيني معلقة علي هذه النظرات عيناه أخبرتني عن أشياء أخرى لم يقلها، أجلسني برقة في مكاني الذي لم أبرحه قط.
واستفقت رأيت النسوة يدعون بدعوات مختلفة ثانية مرت كالدهر وأنا لا أستطيع النطق بين هذه الدعوات التي ينطقون بها، بأن يشفي هذا ويرزق هذا ويكرم هذا هل لي أن أدعو بما في قلبي وأسال الله أن يزيل هذا الاشتياق، وضعت وجهي بين كفي واختفت جميع الأصوات.
وضع علي كتفي الوشاح الأخضر، أخبرني أن الأولياء الصالحين هم أقرب شيء لقلبه، وأخذني حتى مسجد الحسين وهمس لي بكلمات لا بد أن أقولها عندما أدخل المسجد والدعاء مستجاب، هززت رأسي ومشينا للداخل خلع حذاءه وفي الجهة الأخرى خلعت حذائي والتقت أعيننا من وراء الضريح شعرت أن الذي يقوله يجري على لساني وأشرت إليه، لم يلتفت لي بعد خروجنا من المسجد سألته هل يجوز نسال الله أن يهون علي اشتياقي إليك، فابتسم.
فتحت عيني فعادت الأصوات والتواشيح والدعوات، خفق قلبي كانت بجانبي سيدة تبكي وفتاة لا أدري ماذا بهما، وبلا سبب بكيت دموعي . أغرقت الوشاح وانتحبت بشدة، وبدأت السيدة تواسيني نقلت يدي من فمي إلي قلبي وكلما زاد الإنشاد في الخارج بكيت عرفت الهوي مذ عرفت هواك وأغلقت قلبي علي من عداك"
قطرات الدمع تتساقط من أجفاني حبات لؤلؤ علي خدي وتبعثر الوشاح، ثم إنها تمس جسدي بحرقة حتي قدماي، كانت الكلمات علي طرف لساني ولا أستطيع النطق بها، وعندما رفعت عيني للجهة الأخرى توقف الدمع بين أحداقي، وتراجع نبض قلبي، كنت ترتجف بنفس ملابسك وتأثرك المعهود عندما تقترب من الضريح وسمعت صوت نحيبك تقول: يا الله وهل لي أسالك أن تطفئ هذا الشوق..؟
***
(۳)
حرف الميم
في اليوم الذي اتفقنا فيه أن نتصارح وأن يقول كلانا ما يكنه للآخر، قلت لي:
كلكن تشبهن بعضكم البعض، شعرت أن هذه الكلمة تحتاج آلاف الترجمات لو أنها كلمة بلغة أخرى وقفت عند عبارته أخذت أتأمل المكان من زخرفة تصويرية ونقش قديم علي الجدران والأضواء الباهتة المتراصة بشكل دائري حول الطاولة التي تضمنا وهدوء الموسيقى التي تعزف سيمفونية ضوء القمر" نظرت لي كتمت آهات بقلبي، قلت لك : أكمل.
تلك النظرة التي قتلتني، كانت كفيلة بمحو هذه الكلمة من حلقي واستعادها إلي ذاكرتي التي تمنت ألا تفكر في الإفصاح عنها، لم أتراجع عن الكلمة وبعد ذلك بثانية، انتظرت أن تقولي شيئا مشابها، فوجدتك تبتسمين للمطر وتداري هذه اللؤلؤة التي بدت بين أجفانك تهبط علي قلبي فأذاب قطعة الثلج الساكنة ولكن كان قد فات الأوان علي التراجع في كلمتي تلك، فسألتك أن تتحدثي فأخذتي منديلي تمسحين تلك القطرة من عطر علي خديك وتقولين : أنت أجمل ما في حياتي.
وأحسست بقطرة الدمع تمطر، تغرق روحي الجوفاء، ذات مرة أهديتني كتاب "نساء من الزهرة ورجال من المريخ" أخذته من يديك بغضب، وضعته في ركن من المكتبة لا أتذكر أين هو؟ ولم أفهم تركت غرفة النوم وجلست أدخن حتي الفجر، لم تسأليني لماذا ذهبت ولا متي عدت ولا سألتني عن الكتاب بعدها، لكنني تقدمين كل ما أريده تماما، ولكن كان هناك شيء ناقص الكتاب لم يمس منذ وضعته في الرف كبريائي منعني أن أقراءه، رفضت الانقياد اليك.
الكلمة تتردد في أذني كلكن تشبهن بعضكم البعض، تراكمت الأسئلة في ذاكرتي وتزاحمت الأحاسيس التي أريد التعبير عنها مسحت دمعتي بمنديلك، وقمت أدعوك للرقص، كل ما في الأمر أن تبدأ قمت أرقص حولك وأخذتك من يديك مثلما تمنيت تماما طوقتك بذراعي واقتربنا، تباعدت خطواتنا وتقاربت حسب إيقاع الموسيقي بهجة الرقص حررت الخوف من مكامنه، وشعرت بخفة جسدي يتمايل وجسدك يحلق
أقبلك في الصباح فتذهب سريعًا فأحتفظ بالقبلة علي شفتي حتي تعود متعب من يوم طويل لتنام وتبسط ذراعك فالتف حتي التصق بصدرك وتلتقي أعيننا، وأخذتني بين ذراعيك، تتقدم خطواتنا وتتأخر حركات خفيفة يمينا ويسارا، حتي انتهت الرقصة
كانت قطرة الدمع مبللة المنديل للتو.
مرت لحظات وأنت تجففين دموعك، شعرت فيها أن شيئًا عظيمًا سيحدث، وهذا ما جعل الأمر أصعب من البوح به كنت لا أريد لقلبك أن يبتعد، ولكني أراكِ دائماً مهمومة بلا سبب ولا أخفيك سرًا أني قرأت جزء من الكتاب دون إخبارك، ومع هذا لا أعرف ما الذي يجب علي فعله، غير أني انتزعت منك المنديل ومسحت دمعاتك بيدي.
***
(4)
حرف الألف
هي لا تحب السجائر، وأنا أحب السجائر وأحبها، وكأنها العادة الأكثر التصاقا بي أن أجلس علي الكرسي المصنوع من الخيزران في البلكونة الصغيرة داخل غرفة النوم، أراقب انتشار الدخان المنبعث من سيجارتي وقد امتزج هواء تنفسي مع الدخان وأصبحت رئتي ممتلئة بالتبغ ويتبعثر حولي.
لا أذكر أن من شروط زواجنا كان عدم التدخين، أو التامين علي رئتي من التبغ، أخذت يدها بعدما مضينا وبصمنا في دفتر الزواج، ورددت كلمات عقد القرآن، ذهبنا الي مكان يبدو أنه مبهج وهي سعيدة بذلك، وطلبت مشروب الشكولاتة وأخذت تشربه بشغف، ومتعه كنت أعرف هذا الشعور جيدا، فقد اختبرت إحساس كهذا عند تناولي سيجارة في الهواء الطلق، والذي أفكر فيه أنني لم أحاول منعها من تناول الشكولاتة منذ زواجنا لماذا إذا كان علي الامتناع عن التدخين؟!
بغضب، وتبكي، هرعت إليها أهدئها، وأشرح لها، أنها مجرد سيجارة تمسك هاتفي وتتصفح الأرقام الصادرة والواردة، تلعن العمل وتلعن النساء الساهرات طوال الليل، وعندما انتهت ولم تجد شيئا، وعرفت أني كنت اخونها مع سيجارة، ابتسمت وهدأت اقتربت قليلا هذه اللية ونمنا بلا غطاء.
السيجارة تحبني كما أحبها، تشتعل طبقًا لأوامري، وتتضاءل كلما نفثت فيها، الهواء يتخلل الأوردة ينتشر في دمي يملأ جسدي نيران تحترق قمت من مكاني أجري وراء شرارة كانت ستلسع الستارة، وتغضب زوجتي هذه الستارة شاهدة علي كل ما يحدث، لكنها بلا ذنب حتى يكون هذا عقابها وعدت أهز قدمي وأسند ظهري للوراء، أواصل طرد الدخان.
السجائر كانت سبب كل شيء حلو في حياتي، منذ مراهقتي، وكانت سببًا في معاملتي كرجل في البيت والآن زوجتي لا تنام على طرف السرير بل تقترب وتقترب منذ رأتني مع السيجارة في منتصف الليل، وهي تشعر بالغيرة، وأشعر بسيجارتي تريد أن تشتعل وزوجتي تقترب أنفاسها غطت علي أنفاس السجائر، لطالما تساءلت هل رائحة السجائر تؤذي زوجتي إلى هذا الحد؟ ونمنا بلا روب هذا اليوم.
لا أفضل من شيء يتواجد متى أردته وينأى متي رفضته سيجارتي تتضاءل أكثر، وأنفاسها تبتعد في حلقي، وتختفي مع الهواء المتجدد أحاول الاحتفاظ بباقيها أكبر قدر ممكن أتأملها وهي في قمة ذوبانها بين أصابعي متعة الانصهار حد التلاشي، هي أنا وأنا هي، أقربها من شفتي لأطرد كل ما يجول في خاطري من تساؤلات
حاولت كثيرًا إخفاء رائحة التبغ قدر الإمكان وضعت العطور وعقمت فمي وتناولت لبان النعناع علي غير عادتي كل هذا لأجل زوجتي حبيبتي هي تكره السجائر وأنا أحب السجائر وأحبها، تضئ المصباح الجانبي للسرير، إضاءة حمراء، لا أرغب بالنوم، هي أيضًا لا ترغب في النوم، تريد بعض السمر، وأنا خير من يتسامر في الليل، تبتسم فأبتسم تحكي لي عن عشقها للورد وخواتم العقيق فأبتهج، وأحكي لها عن مذاق البن المحوج ورائحة التبغ فتبتهج واقتربنا أكثر وأكثر حتي غلبنا النوم، فخلعت عني ملابسي وتمددت بجوارها.
يتطاير الدخان، يخرج من فمي وفتحتي أنفي جميع الهواء مختلط مع العطر، لطالما حاولت إخفاء هذه الرائحة المميزة جدا، لأجل زوجتي حبيبتي، هي لا تحب التبغ، وأنا أحب التبغ وأحبها، أمتص النفس الأخير فتشتعل بقوة ثم تنطفئ.
***
(5)
حرف الدال
"اذا لم تأرجحك الموسيقي فهي ليست موسيقي"
حضرتني هذه المقولة عندما نظرت لعينيها، التي تجعل كل شيء يختل في الكون لم تكن نظرة عادية ولكنها موجهة تماما لعيني ترسل الكثير من الكلمات كنت أجلس بجانبها في السيارة الفارهة الحمراء، واختل توازني من جسد وروح وقلب عقب هذه النظرة، تضحك بعينيها أولا ثم ترسم الابتسامة علي شفتيها سيارات حولنا تذهب وتجيء، وإشارة المرور حمراء أيضا هي ترتدي حذاء أحمر داكن، تسلل ناظري من عينيها لحذائها مرة واحدة شعرت بشيء مختلط من النشوة والفرحة والارتباك، ربما تأثير اللون ربما تماهي عينيها داخل ذاتي المبعثرة، كل شيء كان يتأرجح في سكون يشبه قلبي المزدحم بالضوضاء والتوتر.
الإشارة حمراء، لكن وجودي لم يكن بجانبها في سيارتها الحمراء، بل إن قلبي انتقل إليها وعايش هذه التجربة بدلا عني، أنا ما زلت أقف أمام متجري الذي أبيع فيه آلات الكمان، وهي تنظر لعيني من حدود نافذة السيارة، وكأنها إطار وضع فيه وجهها أكثر جمالا تبتسم تصبح أكثر رقة ماذا أفعل؟ توتري يزداد كانت معاملاتي مع الناس وخاصة النساء لا تتعدّى الكتب التي لا تعد ولا تحصى ممن قرأت، بل إن هذه الكتب هي الأكثر حميمية بالنسبة لي من البشر، يمكنني التحدث الي كتاب طيلة ليلة كاملة لا أمل ولا يُصاب الكتاب بالفتور، فأنا في مأزق عينها تخاطب عيني مباشرة، أنا متأرجح داخل ذاتي، هل علي التقدم نحوها أم انتظارها تقترب ؟!
سيارتها الفارهة الحمراء، تقف قبالتي في إشارة المرور الحمراء، وتوجه لي نظراتها التي تخترق خلايا جسدي ،الواهن وقلبي الذي لا توجد لديه مناعة ضد الحب كنت هشًا جدًا في هذه اللحظة، دون سبب غير شعرت ولأول مرة أنه بإمكاني خوض التجربة وأنني أتوق لتلك الأرجحة الناعمة التي سرقتني للتو، وكل الذي يحيرني نظراتها المصوبة من عينيها لعيني؟ نظراتها التي تجتاز المسافة التي تفصلنا من مكانها في السيارة الي مكاني بجانب الرصيف أمام متجري، ودارت بي الأرض وجالت وصالت في صدري الثورات وشعرت بأشياء لم أعهدها قبل تمنيت لو انني "أنطونيو فيفالدي" حتي أعزف كونشرتو "الفصول الأربعة" أو أنني بطل رواية "ألف" لبولو كيولو فأجعل جميع المارين يقدمون لها الورد عندما تمر بسيارتها بعد توقف الإشارة او أكون أحد ابطال هوليود في فيلم رومانسي فتقع في حبي من النظرة الأولي ولكنني لم أكن إلا رجلًا بسيطًا جدا يبيع آلات الموسيقى، لا أستطيع التقدم خطوة واحدة نحوها بملابسي العادية وشعري الفوضوي وكوفية عنقي الصوفية، كان الجو باردًا، ولكن شيئا ما جعل كل ما في الكون يتأرجح، فلا أشعر بالبرد فقط دفء، دفء يحيط بي ويجعلني لا أحول نظري عن ناظريها.
إشارة المرور متوقفة مثلي ،أمامها واتسعت ابتسامتها تشير لقلبي بالاطمئنان، ابتسمت لأتأكد أنها موجهة لي وأدارت محرك السيارة لتستعد للرحيل، وإذا برجل يأتي من الجهة الأخرى ببذلة زرقاء، يجلس بجوارها وتفتح الإشارة وتختفي الابتسامة وتتراجع ابتسامتي داخل شفتي، وقبل أن أستدير لأعود إلى متجري، وأقبع داخل ذاتي المنشطرة وروحي الجوفاء، أشعر بخواء عميق خلفته نظرة عينها في قلبي عندما رحلت، وإذا هي تستوقفني بنفس الابتسامة أخفيت دهشتي وقلقي تماسكت أمام عينها كانت تحمل آلة كمان بثلاثة أوتار وهناك وتر ناقص، أعطتني آلتها أتفحصها قلت لها
هذا الوتر الناقص E هو أرق وتر في آلة الكمان وأن استبداله سهل ولكن لا يجب أن تقومي بهذا الفعل وانت مستعجلة أو متوترة لا بد من الدقة والحذر
بدا علي وجهها الاقتناع وهي تمسك بطرف الكمان من ناحية العنق سألتني إذا كان هذا ممكنا؟
بالطبع ولكن لا تستبدل الأوتار علي سطح خشن حتي لا تتسبب في الخدوش
ويجيب إعطاء الوقت الكافي للتأقلم علي الجو الجديد حتي تعطي الصوت الحقيقي لها.
*************
(6)
حرف الباء
" في ذلك الليل الذي يثقبه صوت المطر كل شيء ممكن"
وكيف أمنع هذا الشعور الجارف من أن يتجه نحوك عند لقائنا، كانت قطرات المطر تتساقط من خلف زجاج الغرفة، تحدث خريرا، أشاهد عبث الماء وهو يرتمي في حضن الأرض، فتخصب بعد جدب، الشوارع مبللة، يغطيها الطمي وتزدهر الشجرة التي بجانب البيت وعيوني يغسلها الدمع، أرشف بعضًا من مشروب النعناع الدافئ، أواصل تفكيري بك، كطقس هام في حياتي لا يمكن التخلي عنه، أقف وراء الزجاج أشعر ببرودة الجو تسري من أطرافي حتي قلبي كوب النعناع الدافئ يهدأ تمغصي قليلا فأهدأ وأضع شالي الصوفي علي كتفي.
رائحة الطمي والمطر يتسلل إلى أنفي رغم إحكام غلق الزجاج، أتكور مثل جنين في بطن أمه تحت الغطاء الناعم لطالما أحببت النوم هكذا وخاصة عندما يصبني هذا المغص من كل شهر، أشعر أن هناك آلات حادة تعمل في جسدي ،بعنف، وتترك لي جروحًا قاسية العرق يبلل جبيني ثلج الشتاء وحرارة جسدي يعملان بنهم، هذا الأمر الذي يجعلني ألبث في فراشي ولا أستطيع التحرك ذهني سابح في عوالم تشبه الحلم، ولكنه خدر لذيذ يحمل لي طيفك ويتركه يستقر داخل الروح المتعبة من الجسد المنهمك.
يديك دافئة حنونة تدفئ يدي تمسح علي رأسي في حنو، جسدي يرتجف وتدغدغه موجات من تقلصات ليس لها نهاية هي فقط شعور بالانهزام أمام قوى الجسد وتقلبات المزاج، أفقد شهيتي للطعام، تدور بي الأرض داخل هذا الإطار من الألم، وتلقي بي في إنهاك حاد لا تكفيه قطرة دمع، وأنت تمسد شعري وتجعل رأسي على صدرك دقات قلبك تفض بكارة ،السكون ورائحة عطرك النقية تأخذني إلى بداية الأشياء طعم الماء في فمي عندما ناولتني حبة المسكن تذكرني بنقاء الطبيعة كل شيء هادئ وجميل فقط في وجودك.
إن الاشواق التي تعصف بي ليل نهار لم تكن إلا شرارة واحدة من أرقي في غيابك.
أقرأ رسائلي إليك وأسند كتفي بجانب الزجاج، أستمتع بهطول المطر بالخارج، الأضواء خافته وكأنها زينة قدومك أحتفظ بكل تفاصيلك داخل قلبي كشيء مقدس لا يمكن المساس به طريقة جلوسك في خجل يلجم ابتسامتي، هيئتك ثابتة تحيط بك هالة عظيمة من الثبات ،والوقار، وتضيء شاشة الهاتف فجأة تخرجني من شرودي وهذياني اسمك علي شاشة الهاتف، صوت المطر، طعم النعناع في فمي
**************
(۷)
حرف القاف
"إني عشقت وهل في العشق من بأس
ما مر مثل الهوي شيء علي رأسي"
أقرأ الورقة المطوية داخل كتاب كانت الأشواق تنخر عظامي ولحمي في كل لحظة تمر، ولا يلتفت فيها إلي كل شيء فيه يدعو للتأمل طويلا، قامته الممشوقة حمرة بشرته وشعره الأشقر، ليس ثمة أسطورة تنبع من بحر عينيه، هو لا يدعني أنظر إليه ينصرف سريعا، لو كان يعرف أن هذه اللحظات هي عمر بالنسبة لي لو يشعر بموجة الألم الذي يعتريني في غيابه، وأن اللحظة دهر من الانكسار والفقد كان قلبي يطوف حوله عندما يجلس ،ليلا لم يكن يحب القراءة من قبل منذ فترة وهو يمكث يقرأ لساعات دون ملل، لا يشعر بمن حوله.
كان يجلس في سكون سكون يشبه الليل والنسيم الرائق لا يلتفت يمينا ولا يسارًا يقرأ ويحدّق في الفراغ أنفض الرواية من التراب وأعيدها مكانها أقلب اقلامه ينتقل قلبى بين دفاتره كفراشة حالمة، أتلمس أنفاسه التي تركها وخرج لعمل هام كنت أكثر المنتظمين في مكتبه آتي أولا ولا أذهب إلا آخر الموظفين رأيته ذات مرة يتحدث في الهاتف طويلا، أغلقت غرفة مكتبي ومكثت أبكي كمن فقد شيئا عميقا، أبكي بلا انقطاع.
وضعت الرواية بجانب روايات أخرى، وميدالية لا يتركها من يده أبداء وفنجان قهوته المعتاد كما هو علي يمينه كل يوم أضع فنجان القهوة وأتراجع للخلف دون أن يراني، وهو سارح في هاتفه أو علي شاشة اللاب توب البكاء أصبح عادة جميلة، أتجول في مكتبه، لا أعرف ماذا أنتظر أنتظره، أم أنتظر استقرار روحي عند قدومه، فقد أشتاق إليه في وجوده أوارب الباب كي أطمئن عليه، يأتيني صوته من الداخل كسحابة تمر على قلبي فتزدهر روحي بالعشق وتجول بخاطري مثل عصفورة طليقة كنت أكتب اسمه دائما في إطارات الجرائد، "محي"
اسمه دافئ يشعرني بالحيرة، لا أستطيع نطقه علي لساني في حضوره ولا يمكنني طرده من ذاكرتي، وبينما ألتقط منديلًا من علبة مناديله المميزة تسللت إلى أنفي رائحة عطرة، فتحت شاشة اللاب توب الخاص به، فإذا بها صورتي على الشاشة قمت رفعت عيني لأراه داخل من باب مكتبه.
***********