سارة
كانت تتجمد فى فراشها من الخوف ومع الخوف الدفين بداخلها كانت تتألم وكانت غاضبة ، كل خلية فى جسدها غاضبة ، كل ذرة فى كيانها تكره ذلك الرجل الذى عليها أن تقدم ليه فروض الولاء والطاعة فى الصباح لأنه وللأسف والدها ، وما أصعب ان يكون المكان المفترض أنه اكثر الأماكن أماناً لها يكون أكثر الأماكن رعبا لها في العالم .
أنها تكره صوته العالي ووجه الغاضب دوماً ووجوده الذى يهددها طوال الوقت ، تكون ساعات سعدها عندما يغادر المنزل، وأثناء وجوده تتشبث بفراشها الذى قام بهدمه لها سابقا وأعادت بناءه ، تتشبث به وكأنه ملاذها الوحيد .
ذلك الخوف الذى يبثه والدها فيها يجعلها تتمنى أن تختفى ، تذهب بلا رجعة ، تترك كل شيء وراءها وترحل علها تجد الاطمئنان يوماً ، ولكنها مسكينة ، أنها لا تعرف أن الخوف الذى قام الوالد بزرعه داخل قلبها طوال سنوات لن ينتهى أو يزول بمجرد خروجها من المنزل .
أما عن الغضب فعادة ما يأتي مصاحبا للشعور بالعجز داخلها ، أن تشعر أنها إنسانة أقل حقوقها ، أن تُعامل على أنها بنى ادم هو يميزها عن باقي المخلوقات، ولكن ما يفعله الوالد معها يجعلها تيقن فى كل مرة يتحدث فيها إليها معطيا إياها أمرا لتفعله، تيقن أنها لا شيء سوى أنها نكرة ، حثالة ، عالة ، مصدر الفقر والجوع والعطش والمشاكل ، وجودها غير مرحب به ، وذنوب وآثام كل أهل الأرض هي من ارتكبتها حتى أصيبت بالاكتئاب.
سارة الثالثة في ترتيبها بين إخوتها يسبقها زياد وخالد ويأتي بعدها أخوها الذي تعشقه 'أحمد ' و يبلغ من العمر عشرة سنوات ، يرفض والدها أن تكمل دراستها بحجة أنها ستتزوج يوما ما بشخص غريب يستفيد منها فلماذا يضع أمواله في مكان لن يأتي منه الربح ، لم تفهم سارة يوماً سببا لتلك القسوة ولم تعرف ما هو الذنب الذي ارتكبته كي تُعاقب عليه وبكل هذا العنف المعنوي والجسدي ، علی الرغم من هذا لقد أحبت إخوتها وخصوصاً أحمد ، كانت تنتظر أن يأتي خلاصها يوما ما على يد أحدهم ، سيتخرج إخوتها من الجامعة قريباً ويساعدونها لتغيير هذا الواقع الأليم أو ليزوجها والدها لأي أحد يدق بابها ( كم هي ساذجة أن ظنت أن العادلة تحقق نفسها أو أن ما نريده يأتي دون ثمن ) .
ذات الخامسة عشرة ربيعا والتي عندما تراها تظنها في الخامسة والعشرين ، طفولة سيئة ومراهقة مؤلمة وواقع تهرب منه بأن تنام في فراشها ، من سذاجتها ظنت أنّ زمن المعجزات ما زال قائماً وأنّ قسوة أبيها والدمار النفسي الذي فعله بها سينتهي يوما ما دون أن تحارب من أجل ذلك ، لم تدرك ما هو في انتظارها ولم تكن تعرف إنّ داخل الوحش وحوشا أكبر وأضخم ، طفلة كانت أمنيتها أن تحتضنها أمها بقوة لتنس واقعها المؤلم ، لكنها تأوي إلى فراشها وحيدة آمله في غد سيجلب لها الخير معه.