الشيماء صلاح

Share to Social Media

كان هناك سيدة جميلة تُدعي "أمل" تبلغ من العمر 40 عامًا ناجحة في عملها الذي أخذ من عمرها 20 عام ومازالت متعلقة به وتعشقه وترغب في الوصول إلى مناصب أعلى من تلك التي وصلت إليها حتى الآن.

لكن على الرغم من هذه النجاحات الرائعة التي حققتها في حياتها إلا إنها كانت وحيدة ليس معها أحد يشاركها كل هذه الإنجازات التي كانت دومًا ما تحلم بها منذ الصغر.

فقدت هذه السيدة والدتها ووالدها في حادث سير منذ 30 عام وتركوا لها شقيقتها الصغيرة "جميلة" التي كانت تبلغ من العمر 5 سنوات فقط في ذلك الوقت وأصبحت هي الرفيق الوحيد الذي يؤنس وحدة شقيقتها الكبيرة.

بمرور السنوات، تمكنت "أمل" من جلب الدنيا حرفيًا تحت أقدام شقيقتها الصغيرة لتنعم بحياة أفضل وأدخلتها إلى أحد أفضل المدارس في مدينتهم، ومن ثم قررت إرسالها إلى الخارج لتأخذ شهادتها الجامعية، وبالفعل استطاعت "جميلة" تأسيس حياتها الخاصة وحققت كل ما تتمناه في وقت قياسي، حتى إنها وجدت شريك حياتها منذ عامين وتزوجت وأصبح لديها طفلة جميلة.

وعلى الجانب الأخر، كانت تشعر "أمل" دائمًا بأنها وحيدة، تغرق في دواية الحياة ولا تعلم كيف يمكنها الخروج منها أو حتى النجاة بنفسها، فقررت أن تفني حياتها في العمل، لم تكن مسيرتها سهلة في البداية، ولكنها لم تستسلم ولم تستعين بأحد، وتمكنت من بناء ذاتها.

مع الأسف في المقابل فقدت نفسها، فكل ليلة تقضيها بمفردها في المنزل، تشعر وكأن قلبها يبكي من شدة الحزن لما واجهته في الحياة من فقد ومعاناة واشتياق، خاصة بعد ابتعاد شقيقتها عنها بسبب انشغالها بحياتها الشخصية ولم تعد تتمكن من التواصل معها سوى في المناسبات.

كانت هذه المشاعر تسيطر عليها كل ليلة ولم تعرف كيف يمكنها التخلص منها أو كيف تتعايش معها، لقد كان قلبها يحترق ولم تجد له دواءً.

وفي أحد الليالي الشتوية، ذهبت "أمل" لشراء بعض المستلزمات لمنزلها، وأثناء سيرها سقطت محفظتها على الأرض عن طريق الخطأ، وأثناء التقاطها لها وجدت صورة قديمة بداخلها كانت محتفظة بها منذ سنوات طويلة.

عندما امسكت بالمحفظة أخذت الصورة ونظرت إليها طويلًا لدرجة إنها نسيت إلى أين كانت ذاهبة، لم تنظر إلى الصورة بعينها بل بقلبها، لم تتعرف على تلك الفتاة التي تتواجد في الصورة، لقد كانت سعيدة وحرة وليست وحيدة، بل بجانبها أصدقائها وحبيبها القديم.

فقدت السيطرة على دموعها واستمرت في البكاء طويلًا تحت الأمطار، فقد كانت تبكي على سنوات عمرها التي ضاعت بلا هدف.

تمالكت "أمل" أعصابها ومسحت دموعها وقررت في هذه اللحظة أن تعيد هذه الطفلة التي تحمل صورتها في يديها من جديد بشخصيتها المرحة الاجتماعية المحبوبة التي لا تفكر في أي شيء سوى كيف تستمتع بوقتها وحياتها.

انتهت الأمطار وذهبت لأول مرة إلى منزلها وهي تمتلك هدفًا ترغب في تحقيقه، لقد قررت الوصول إلى كل شيء وجدته في الصورة.

وأول شيء قامت به هو البحث عن أصدقائها القدام الذين تواجدوا معها في الصورة، فأثناء بحثها كان قلبها يناديها بشدة من أجل البحث عن حبيبها القديم ومعرفة كيف أصبح مظهره الآن وما عمله وكيف يعيش حياته بعد مرور كل هذه السنوات.

ونجحت بالفعل في التواصل مع أصدقائها وقرروا أن يلتقوا من جديد وتمكنوا من قضاء وقتًا مرحًا طويلًا مع بعضهم البعض وفي نهاية اليوم سألتهم عن حبيبها القديم ولكن لم يعرف أحد شيء عنه سوى إنه سافر لاستكمال دراسته الجامعية في الخارج ولم يسمع أي منهم خبرًا عنه منذ ذلك الوقت.

قررت "أمل" في تلك اللحظة البحث عنه مهما كلفها الأمر، فكم كانت تحب غموضه منذ الصغر وكان يحب دائمًا أن يتركها تبحث عنه، وفي هذا الوقت جاءت لها فكرة ولم تتمكن من منع نفسها من تحقيقها، لقد قررت السفر إلى المكان الذي ذهب إليه لتلقي تعليمه الجامعي.

ذهبت إلى الجامعة وظلت تتخيل تحركاته في كل مكان، ولكنها لم تتمكن من العثور على أي أثر يمكن أن يجعلها تصل إليه، ولكن لم تفقد "أمل" الأمل في العثور عليه، وجلست قليلًا لتفكر، وتذكرت لحظاتهما سويًا وكيف كان هناك تفاهم وحب بينهما، وإنها ترغب في إعادة هذه المشاعر من جديد.

وبعد مرور ساعات طويلة وهي تفكير، تذكرت إنه كان يعشق البحار ودائمًا ما كان يقول لها إنه يرغب في العثور على منزل يكون منعزلًا وسط البحر، ظلت تبحث عن كل المنازل التي تحمل هذه الصفات ووجدت بالفعل المئات، ولكن في أي منهم يعيش حبيبها!

ظلت بعيدة عن منزلها وعملها لأسابيع طويلة، ولا تفعل أي شيء سوى البحث في تلك المنازل عن حبيبها للوصول إليه وإعادة ما كان بينهما من جديد على أمل أن يكون وحيدًا مثلها ولا يمتلك حبيبة.

وصلت "أمل" إلى أخر 5 منازل في قائمتها وكانوا أملها الأخير، اختارت منزل منهم بشكل عشوائي وقررت الذهاب إليه لمعرفة ما يوجد فيه، وبالفعل اقتربت من المنزل وكان يمتلكها شعورًا بالدفء والراحة لم تشعر به منذ سنوات، كان قلبها يؤكد أن هذا هو المنزل المنشود.

وقفت أمام الباب لدقائق وهي متوترة وخائفة، وتسأل نفسها ماذا لو قام هو بفتح الباب لي! ماذا تقول! ماذا تفعل! كانت ستعود وتترك المنزل من شدة خوفها، ثم تذكرت مجهودها الفترة الماضية، وفي لحظة واحدة طرقت الباب بشدة ولكنها تفاجأت بأن سيدة كبيرة في السن هي من فتحت لها الباب.

لم تتمكن "أمل" من نطق أي كلمة في البداية، وبعد ذلك وضعت يديها على قلبها وسألت السيدة عن حبيبها وما إذا كان يعيش هنا أم لا، وكانت الإجابة "نعم"! لم تصدق "أمل" ما سمعته وظلت صامتة وعيونها مبتسمة وقلبها يدق بشدة.

وبعد ذلك تفاجأت "أمل" بسؤال غير متوقع من السيدة وهو "هل أنتِ أمل؟ لقد انتظرك ابني طويلًا"، وقفت "أمل" وهي عاجزة عن الكلام ولا تعلم ماذا تقول، واكتشفت بعد ذلك أن حبيبها كان يبحث عنها طويلًا كل هذه السنوات ويرغب في أن يعود إليها من جديد لأنه لم يجد مثلها.

وبعد حديث طويل دار بين السيدة الكبيرة و"أمل"، وصل حبيبها وطرق الباب وذهبت "أمل" راكضة ليجدها أمامه، لم يعلم كيف يعبر عن مشاعره فوجد نفسه يحتضنها بشدة ولا يرغب في تركها من جديد، وظلت هي مستسلمة في احضانه، فهذا هو الدفء الذي كانت تبحث عنه، هذه هي المشاعر التي يمكن أن تحارب بها وحدتها.

اجتمعوا معًا وظلوا يتحدثون سويًا لساعات طويلة تحت الأمطار كما كانت تحلم "أمل"، وروى لها حبيبها كيف كان يبحث عنها طويلًا ولكنه كلما يعثر على خيط يمكن أن يجعله يصل إليها يفقده ويفقد الأمل بعده.

هنا تفهمت "أمل" ما هي رسالة الحياة لها، لقد أراد القدر أن يجعلها تجده أولًا وليس العكس لأنها في هذه الرحلة الطويلة الشاقة كانت بحاجة إلى العثور على نفسها، كان يجب أن تخرج من دائرتها المغلقة ووحدتها لتبحث عن " الوَنَس" الحقيقي الذي وجدته في حبيبها.

لقد اكتملت روحها الآن وترغب في عيش كل لحظة في حياتها المقبلة بين ذراعيه، لقد وجدت فيه كل ما كانت تفتقده في حياتها من دفء وأمل وحب واطمئنان واحتواء.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Story Chapters

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.