بعد مرور عدة سنوات ..
بدأت الحكاية في صيف عام ٢٠١٣، عندما قرر عيسى، شاب في أواخر مراحله الثانوية، استكشاف مستشفى مهجور بالقرب من قريته الصحراوية.
كانت الشمس في كبد السماء، مما أضفى ضوءًا خافتًا على أزقة المستشفى المهجور، الذي كان مخصصًا سابقًا للأمراض النفسية. حاول عيسى مواجهة خوفه من المكان بدخول المستشفى في وضح النهار.
أثناء تجوله في أرجاء المبنى، لفت انتباهه غرفة قديمة مليئة بالسلاسل التي كانت تستخدم لتكبيل المرضى النفسيين ( الأكثر خطورة ) , وبين أكوام الأدوات القديمة، عثر على حقيبة بدت كأنها لحاسوب محمول.
بفضولٍ مشوب بالخوف، فتح عيسى الحقيبة ليجد ورقة مكتوبًا عليها: "من يقرأ قصتي للنهاية... سيحين دوره!"، مما أثار في نفسه مزيجًا من الرعب والفضول. لم يكن يدرك أن هذه الورقة ستكون بداية رحلة مرعبة إلى عالم مجهول،
لم يكن لدى عيسى فكرة واضحة عن معنى تلك العبارة، ولكنها أثارت فيه مشاعر مختلطة من الرعب والفضول. بعدما أخذ الورقة، واستكشف المكان المرعب , قرر العودة إلى منزله بسرعة .
في الأيام التالية، بدأ عيسى يشعر بأن هناك شيئًا غير طبيعي يحيط به. كان يسمع أصواتًا غريبة في الليل، وأحيانًا كان يشعر بوجود شخص ما يراقبه.
ظن في البداية أن تلك الأصوات مجرد تأثيرات نفسية من زيارة المستشفى المهجور، ولكن مع مرور الوقت، أصبح متأكدًا من وجود شيء أكثر تعقيدًا.
بعدها أصبح منجذبًا إلى الوحدة والظلام ، فاسْتغلَّ الشيطان بيئة عيسى المنزلية ؛ بحيث كان حر في اِختيارته دون الانْصِياع لأي رقابة ، وكذلك اسْتغلَّ حبُّه للمعرفة "المبالغ فيها".
بَدَأَ عيسى يبحث عن بعض الْكُتب التي تتحدث عن العالم السُّفليّ أو الميتافيزيقا ... وذلك كان بالتحديد بعد انْتِهاء الاِختبارات النهائية ...
اِقْتَنَى في بداية الأمر الكتب العلاجية" كمجربات الديربي " ، ثم زاد بهِ الفضول وتَهَيَّأَتْ له بِهَيْئَةِ القوى الخارقة التي يجب أن يمتلكها فقَرَأَ عن "شمس المعارف" ، "الرياضيات في معرفة رب السموات" ، " علم الرمل" .... وغيرها وبالتأكيد كانت الأسماء ليست على مسماها ؛ بما تحتويه من تظليل وتَزْيِين للشر .
كان يَطَّلِع فقط دون أن يطبق العزائم حينما بدأ الخوف يخيم عليه "وأعطاه هذا الشيء أمل كاذب بأنه محصن من الخطر " ، بل كان يقرأ بتركيز فائق كل أسماء الشر والنداءات.
بعد عِدَّةَ أَشْهُر اِلتَحَقَ بإِحْدى الكليات في محافظة مسقط. ومن هنا توقف عيسى بعدما وجدهن عبارة عن كتب فارغة لا تشبع فضوله لاسيَّما التعقيد الموجود بهن الذي يدعو إلى الرِّيبةُ.
فبَدَأَت الأحداث ...
عيسى في أول يوم بسكن الكلية كانت تمْتَطِيه حالة من الغربة ويتمنى لو يستطيع العودة للمنزل كل يوم ... جلس على الشرفة ، ويَأْخُذُهُ خَيَالُهُ بَعِيداً لصوت أمه ، وبدأ يشتاق حتى لصوت أناشيد"طيور الجنة " العالية المزعجة بالصباح الباكر ...
فِي هَذِهِ الأثْنَاء اِنْقَطَعَ حَبْلُ الخيال بصوت صَرِير الباب.
شخص ما يدخل "متأفِّفًا" : أووه لقد بدأنا من جديد! .
يرمي حقيبته ...
ويخرج عيسى هنا : يا مرحبا أنا شَرِيكك في السكن ...
الشخص "مقاطعًا باسْتَعْلَى" : حسنًا حسنًا ، عمومًا لا تقترب من ممتلكاتي .
عيسى "محدثًا نفسه" : يا الله وكأن هذا الشيء الذي ينقصني !.
عند حلول الليل خرج شريك عيسى وهو يقول له : ذاهب لِكَيْ أتجول فلا تسرق شيء ...
تبادلوا النظرات المختلطة بين الحقد والدَهْشة بثواني معدودة.
ثم وقف عيسى ليطبخ وجبة عشاء له ... بالتأكيد كان الجو مُوحِش في كل زاوية تصيح الوحدة هناك ، وهدوء مزعج يصرخ في أذن الصمت .
دخل للمطبخ وكانت الإضاءة خَافِـتَة تسترق بريقها من مصباح "الصالة" ... عيسى "محدقًا بتمعن" : ما هذا الشيء الذي خلف الفرن ؟! وهو يقترب حتى لمح وجه يبدو على إنها امرأة ...
عيسى "مُجْحِظ عيناه" رَآهَا تبتسم بشكل مخيف حتى أسرع لتشغيل المصباح ...
عيسى "يتنفس الصُّعَداء" : هذا الكيس الأسود كاد أن يقتلني .
بدأ يطبخ مُسْتَعِينًا ببرنامج "اليوتيوب" ... "محدثًا نفسه بشوق" : أين أنت يا طبخ أمي ؟!
صوت القلي مع ذلك الثرثار باليوتيوب الذي يخلط كل شيء لم يمنع عيسى من سماع صوت صرخة في أسفل السكن ... أسرع لرؤية ما الذي يحدث ، فأَطلّ من النَّافذة وإذا برجل مُلْقَى عَلَى الأَرْض .. عيسى "بتوتر ينادي" : يا رجل ماذا بك !؟ هل أنت بخير؟
حتى دخل شريك عيسى ويبدو أنه نَسِيَ شيء ما ... وهو يقول لعيسى: ماذا هناك أيها المجنون ؟
عيسى "بخوف" : أتصل بالمشرف بسرعة هنالك رجل مصاب بشيء في الأسفل...
يقترب الشريك من النَّافذة ثم يلتفت على عيسى بسرعة "بغضب يقول" : هل تستصغر عقلي !؟ لايوجد أحد هناك
ثم يضرب بشكل مهين على جبهته ويقول : لا تفعل أي فعل أحمق مجددًا وإلا سوف تتأذى أيها الأهبل...
ويرحل شريك عيسى بعدما أخذ قبعته .
عيسى "مكتئب" : ما الذي يحدث هل أنا أهلوس !؟
يرن الهاتف هنا وإذا برسالة بريدية من الكلية فَحْوَاها :
"تم تعليق الدراسة هذا الأسبوع ، وتستأنف الأسبوع المقبل" ..
طغَى على عيسى شيء من الراحة بعد هذه الرسالة ... وأستلقى على سريرة وكأنه يرغب بمرور هذا اليوم العصيب بسرعة...
بعد مرور ثَلاثَةَ عَشَرَ دقيقة وهو مسترخي تمامًا ، مُستسلِم لحضن النوم ...صوت أَنِين في دورة المياة قَشْعَرَ جلْده .
عيسى "بحذر شديد" : أيُّها الشريك هل أنت بخير ؟
وصوت الأنين يزداد حدة ..
عيسى بتردد يقترب من دورة المياة حتى وصل للباب والصوت يزداد ... فجأة قبل أن يفتح الباب سَمِعَ صوت تهشُّم ، يلتفت لمصدر الصوت وإذا به يرى أمرأة تقف بجوار الدولاب هنآك في الزاوية البعيدة ... ملابسها السوداء وشعرها الأبيض الأَشْعث وتحديقها مع اِبتسامتها... كاد هذا المنظر أن يقتلع قلب عيسى .
يشعر بشيء في يده التي تمسك مقبض الباب ويلتفت بثواني معدودة "قبل أن يهرب" إلى يد تمسكه من الرسغ ، أظافر طويلة وأصابع ممتلئة بالخواتم ...
يَجُر نفسه للخلف وهو يصرخ حتى اِرْتَطَمَ ظهره بقدمان نحيلان ، أصبح عاجز عن الحركة أو التحدث وكأن الذي يحدث "جاثوم" ... أصبحت الرؤية ضبابية وأحدهم يقترب رويدًا رويدًا منه...
صوت أحدهم : أستيقظ يا رجل ماذا بك ؟!
عيسى "مَصْدوم" : أين أنا ؟
صوت أحدهم : أنت في الشارع لقد سمعت صرختك وأنا فوق في السكن هل أنت بخير ؟
عيسى مذهول مما سمع كيف له أن يكون ذلك الرجل الذي سقط في الشارع!
بعد مرور تلك الليلة المشؤومة في الصباح الباكر حان موعد عودته للمنزل ...
عيسى وهو في السيارة "محدثًا نفسه" : يجب أن أتجاهل ما حدث ...
وبدأ الشك يغزوه فقال : لماذا لا يكون كل هذا بسبب شريكي ذاك ربما وضع مادة مخدرة في الماء.. يجب أن أكون أكثر حذرًا...
وهو في الطريق يشعر بأحد يجلس في الكراسي الخلفية
عيسى "مُنْفَعِلًا" : أطلع من رأسي ، عليَّ أن أشرب قهوة ...
عندما عاد عيسى إلى منزله، كان وجهه شاحبًا وعيناه غائمتين، كأن التعب قد سيطر عليه بالكامل.
دخل إلى المنزل بخطوات بطيئة، حيث كان والداه في المطبخ يتبادلان الحديث. استقبلاه بابتسامات دافئة، لكن سرعان ما لاحظا شيئًا غير طبيعي.
"عيسى، ما بك؟ لماذا وجهك شاحب هكذا؟" سألته والدته بقلق واضح.
أجاب عيسى بصوت مثقل بالإرهاق: "المسافة كانت طويلة جدًا، ولم أتمكن من النوم بشكل جيد في الأيام الماضية."
حاول عيسى أن يسترخي وهو يجلس مع أسرته، وشقيقته الصغيرة تراقبه بفضول بينما تجلس بجانبه. كان يحاول تجاهل المشاعر المزعجة التي تجتاحه، ولكن القلق بدا واضحًا في كل تصرفاته.
مع حلول وقت النوم، اتجه عيسى إلى غرفته. ألقى بنفسه على السرير محاولًا أن يغرق في النوم، لكنه استيقظ بعد وقت قصير بسبب صداع مفاجئ.
نظر إلى الساعة، فوجد أنها تشير إلى وقت صلاة المغرب. نهض ببطء ليؤدي الصلاة، آملاً أن تخفف من شعوره المتزايد بالقلق.
في الركعة الثانية، وبينما كان في حالة ركوع، تسلل إلى قلبه شعور غريب؛ إحساس بأن هناك من يقف خلفه، كأن قوة خفية تضغط على كتفيه لتدفعه نحو الأرض.
حاول التركيز على صلاته، متجاهلاً هذا الشعور المزعج، لكن التوتر تصاعد داخله.
وعندما رفع رأسه من الركوع، سمع همسًا قريبًا من أذنه. كان الصوت غير واضح، لكنه حمل معه نبرة مخيفة ومليئة بالغموض.
شعر بالخوف يتسلل إلى أعماقه، لكنه قاوم، وأكمل صلاته محاولاً التظاهر بالهدوء، رغم أن قلبه كان ينبض بسرعة، كأنه يحذر من شيء أكبر وأخطر قادم.
بعد الصلاة، استلقى عيسى على سريره، لكنه لم يستطع الهروب من تلك الأحاسيس المرعبة التي كانت تلاحقه كظل ثقيل.
كان من الواضح أن الأحداث التي مر بها تركت في نفسه آثارًا عميقة، وكأن شيئًا ما تغيّر إلى الأبد.
في صباح اليوم التالي ، استيقظ عيسى مبكرا متجهًا إلى المطبخ، حيث كانت والدته منهمكة في إعداد الشاي، ووالده يقف بجانبها بهدوء.
أخبرهم برغبته في رعي الأغنام نيابة عنهم اليوم، مشيرًا إلى أنه يريد التمشي قليلاً.
تطلعت إليه أخته الصغيرة بعينيها البريئتين وقالت بحماس: "أريد أن أذهب معك اليوم للرعي، أرجوك!"
ابتسم عيسى بلطف وقال: "أنت ما زلت صغيرة جدًا، والرحلة ستكون طويلة وشاقة.
أعدك أن تأتين معي في المرة القادمة."تبادلت والدته ووالده نظرات مؤيدة، وأكدا أن الرحلة ليست مناسبة لطفلة في مثل سنها.
وعلى الرغم من خيبة أملها، حاولت الصغيرة أن تتظاهر بالتفهم.بعد الإفطار، ارتدى عيسى ملابسه وحمل عبوة الماء، متجهًا إلى الصحراء برفقة قطيعه.
وبينما كان يبتعد عن المنزل، شعر بمزيج من الحزن والقلق، ولكن أيضًا بشعور عميق بالحرية، بعيدًا عن كل ما حدث له في الأيام الماضية.
كانت الشمس تحرق كل شيء بنورها الحارق، والطقس كان لا يُحتمل، لكن المناظر الطبيعية التي تملؤها الصحراء كانت ساحرة وصامتة.
اختار عيسى طريقًا بعيدًا عن قريته، باحثًا عن مكان مناسب لرعي الأغنام.وعندما وصل إلى منطقة نائية، حيث الرمال تمتد إلى الأفق بلا نهاية، والشمس تكاد تصهر الأرض تحت قدميه، شعر بالهدوء الذي طالما بحث عنه. لكن فجأة، التقطت عيناه شيئًا غريبًا على مسافة قريبة.
من خلال الزوبعة الرملية التي كانت تلتف حول الأفق، لمح عيسى ما بدا كأنه امرأة ترتدي ملابس بيضاء فضفاضة، وشعرها يتطاير كالأطياف حولها، تتنقل ببطء عبر الصحراء.
كانت المرأة بعيدة، وتفاصيلها غير واضحة بسبب المسافة، لكن هناك شيء غريب في مظهرها جذب انتباهه.ملابسها البيضاء كانت تتمايل مع نسيم الصحراء، وشعرها الطويل بدا كأنه يرقص مع الرياح.
لم يكن لدى عيسى أي تفسير منطقي لوجود امرأة هنا، في هذا المكان النائي والمقفر، خاصة وأنه لم يرَ في قريته امرأة ترتدي مثل هذه الملابس من قبل. تملكه الذهول، وشعر بقلق غريب يتسلل إلى قلبه.
قرر أن يركض نحوها، ليفهم من تكون ولماذا توجد هنا.اندفع عيسى عبر الرمال، وكلما اقترب، تسارع نبض قلبه أكثر مع كل خطوة.
لكن بمجرد أن وصل إلى المكان الذي رآها فيه، اختفت المرأة تمامًا. لم يكن هناك أي أثر يدل على وجودها.
وقف في حالة من الذهول، بينما الرياح تحمل الرمال على وجهه كأنها رسائل غامضة.
لم يكن هناك شيء يشير إلى أنها كانت هنا، سوى الرمال والصمت العميق الذي يلف المكان.
شعر عيسى ببرودة تسري في عروقه، وكأن ما رآه كان مجرد سراب، أو ربما خدعة من الصحراء نفسها.
كان من الصعب عليه تصديق ما حدث، لكنه كان يدرك في أعماقه أن ما شاهده قد يكون مرتبطًا بشيء أكثر غموضًا من مجرد وهم.عاد عيسى إلى قطيعه، وهو لا يزال غارقًا في الحيرة مما شاهده.
كانت الأسئلة تدور في ذهنه بلا توقف، وخوف غير مبرر بدأ يتغلغل في قلبه.
تمنى لو أن ما رآه كان مجرد سراب، لكن الشعور بالاضطراب ظل يرافقه...استمر عيسى في السير عبر الصحراء، غارقًا في التفكير في تلك المرأة الغامضة.
كانت الصحراء الواسعة تمنحه بعض السكينة، لكن فجأة أدرك أنه لم يعد يسمع أصوات الأغنام التي كانت تملأ الأفق.
تجمد عيسى في مكانه، وعيناه تبحثان في كل اتجاه، لكنه لم يكن يرى سوى الرمال الممتدة والفارغة.
تسارع نبض قلبه وبدأ يلتفت حوله بذعر، حتى سمع صرخات بعيدة تتردد في الهواء.
تبين أنها كانت صرخات والده، الذي كان يقترب مع والدته وأخته الصغيرة في سيارة البيكب القديمة.
صوت والده كان يتردد بوضوح في الفضاء: "عيسى! أين الأغنام؟!" ارتفع صوته مملوءًا بالغضب والقلق. هرع عيسى نحو السيارة، محاولًا تبرير ما حدث: "أبي، أنا آسف، لم ألحظ أن الأغنام قد تاهت.
"لكن والده كان غاضبًا بشدة، وبدأ يوجه اللوم إلى والدته: "هذا ابنك! أضاع الأغنام بسبب انشغاله بالهاتف! كيف يمكن أن نثق به وهو لا يفكر؟ كيف تريدين أن يعيش بمفرده في مسقط؟"لم يكن لدى عيسى وقت للرد على الانتقادات المتلاحقة، فقد كان في حالة من القلق الشديد بشأن الأغنام.
صرخ والده وهو يفتح باب السيارة بسرعة: "سأذهب للبحث عن الأغنام، ابقوا هنا!"بعد مغادرته، تابع عيسى البحث مع والدته وأخته الصغيرة، بينما كان القلق يزداد في قلبه مع مرور الوقت.
كانوا يتجولون في الصحراء، يراقبون كل زاوية، ويصلون في سرهم أن يجدوا الأغنام قبل أن يحل الظلام.بعد نصف ساعة، عاد الأب وهو يقود سيارته بسرعة. قال بنبرة لاهثة: "هيا اركبوا، لقد وجدت الأغنام ولكن هناك حمل صغير سقط في البئر!"عملوا جميعًا معًا لانتشال الحمل الصغير من البئر، وبعد جهد مضنٍ، تم إنقاذه بأمان.
لكن الإحباط والغضب كانا واضحين على وجه والده، الذي قاد الجميع عائدين إلى المنزل، مستائين من الوضع برمته.
عندما وصلوا إلى المنزل، كان والده يوبخ عيسى بشدة، متهماً إياه بالإهمال وعدم المسؤولية.
كان عيسى غارقًا في أفكاره، ممزقًا بين قلقه على الأغنام، وصورة المرأة الغامضة التي رآها في الصحراء، وغضب والده الذي زاد من شعوره بالضغط.
كل هذه المشاعر تكدست على عيسى، حتى شعر بأنه على وشك الانفجار.
لم يعد قادرًا على تحمل الموقف أكثر من ذلك، فانسحب إلى غرفته وأغلق الباب خلفه. كانت الغرفة مظلمة وهادئة، لكن في داخله كان هناك عاصفة تعصف بكل شيء. جلس على سريره، ووضع رأسه بين يديه، محاولًا استعادة توازنه، لكنه شعر أن شيئًا ما بدأ ينهار في داخله.
كانت والدته تقف خارج غرفته، تطرق الباب بلطف: "عيسى، افتح لنا. نحن قلقون عليك."
لكن والده تدخل بصرامة، قائلاً: "اتركيه الآن، قد يكون من الأفضل أن يتعلم المسؤولية بهذه الطريقة.
يحتاج إلى فهم عواقب أفعاله."تركته والدته وعيناها تملؤهما الدموع، وهي تشعر بالحزن على حال ابنها. أما عيسى، فظل جالسًا في غرفته، غارقًا في أفكاره.
المرأة الغريبة التي رآها في الصحراء، الأحداث الغريبة التي مرت عليه، والقلق الذي بدأ يلتهمه من كل جانب، كانت تتناوب في ذهنه كدوامة لا تنتهي.
وفي منتصف الليل، استفاق عيسى على صرخات والده المذعورة: "عيسى! تعال بسرعة! أختك لم نجدها!"قفز عيسى من سريره، واندفع خارج غرفته ليجد والده ووالدته في حالة من الهلع، يبحثون بجنون في أرجاء المنزل عن أخته الصغيرة. كان الجو مفعمًا بالصرخات والقلق، وكان قلب عيسى يخفق بسرعة ، يكاد أن يخرج من حنجرته.
بينما كان يبحث في باحة المنزل، لاحظ ضوءًا خافتًا يتسلل من بين أشجار النخيل وحوض الماء القديم.
ركض نحو الحوض، وعندما اقترب، رأى مشهدًا مرعبًا: أخته الصغيرة تغرق في الماء، تتخبط وتحاول الخروج.
صرخ بلهفة: "أبي! أختي في الحوض! إنها تغرق!"اندفع والده بسرعة إلى المكان، لكن عندما نظر إلى الحوض، وجده خاليًا تمامًا.
كانت المياه ساكنة وهادئة، كأن شيئًا لم يكن. لم يكن هناك أي أثر لأخته الصغيرة.
استدار والده نحوه بغضب عارم، وقال بصوت مليء بالاستنكار: "ماذا تفعل هنا؟! نحن نبحث بجدية، وأنت تلعب كالأحمق!"بغضب لا يوصف، صفعه والده بقوة جعلته يتأرجح للحظة. لكن الألم الجسدي لم يكن هو ما يثقل كاهل عيسى؛ بل كان الألم النفسي هو الذي يغرقه. خيبة الأمل التي رآها في عيني والده كانت أشد قسوة من أي ضربة.
صرخ والده في وجهه بغضب: "أنت لا تتحمل المسؤولية! كيف تجرؤ على اللعب والمزاح في هذا الوقت العصيب؟ أين عقلك؟!"وقف عيسى عاجزًا عن الكلام، لا يستطيع تفسير ما رآه، ولا يعرف كيف يتعامل مع الموقف.
كانت مشاعره متشابكة بين الخوف والحيرة، بين اليأس والشعور بالذنب. شعر أن العالم من حوله ينهار، ولم يكن لديه أدنى فكرة عن كيفية مواجهة هذا الجنون الذي بدأ يلتهم حياته.
بقي عيسى مدهوشًا، وعيناه تملؤهما الدموع. بينما كان يحاول استيعاب الموقف، سمع فجأة صرخات أخته تتردد في الأرجاء. كانت الصرخات قريبة جدًا، فركض نحو مصدر الصوت بخوف.فجأة، ظهرت أخته الصغيرة من الباب الرئيسي، وهي تتنفس بصعوبة وشعرها مبلل بالكامل. قالت ببراءة وارتباك: "لقد أخذت امرأة قطتي، وذهبت لأستعيدها. كنت خائفة جدًا."تبادل والدا عيسى نظرات مشوشة، يحاولان فهم ما حدث.
الأحداث كانت تجري بسرعة، والقلق والغضب كانا يتصاعدان داخل عيسى، الذي لم يستطع التخلص من شعور الذنب.
حاولت والدته تهدئة الموقف قائلة: "ربما كانت مجرد خيالات طفولية. دعونا ندخل."أدخلوا أخته إلى الداخل وأغلقوا الأبواب بإحكام.
بينما كانوا يحاولون تهدئة الوضع، لم يتمكن عيسى من نسيان صفع والده له، ولا الأحداث الغريبة التي جرت. شعر وكأن كل شيء من حوله يتداعى، وأصبح في حالة من الصدمة والحيرة.بعد انتهاء الإجازة، عاد عيسى إلى الجامعة وبدأ أسبوعه التعريفي بكل سلاسة.
كانت الأمور تبدو هادئة في البداية، وكان يبادر بالتعرف على أصدقائه الجدد. الأجواء الجامعية بدت جميلة، ولكن شيئًا ما كان يثير قلقه... تصرفات زميله في السكن، التي كانت تتسم بعدم الراحة وتثير الشكوك في نفسه.
مع اقتراب نهاية الأسبوع، وبينما كان عيسى في طريقه إلى الجامعة، قرر أن يتوجه إلى دورة المياه قبل بدء المحاضرة.
أثناء وجوده هناك، انغلقت الأضواء فجأة بشكل غير متوقع، وساد الظلام الدامس.
بدأ عيسى يسمع أصوات أنفاس عالية، كأن هناك أكثر من شخص قريب منه. حاول الخروج بسرعة، لكن الباب كان مغلقًا بإحكام. شعر بالذعر، وحاول الصراخ طلبًا للمساعدة، لكنه كان عاجزًا عن إصدار صوت واضح.ركض عيسى بين جدران دورة المياه، محاولًا إيجاد مخرج، بينما الأصوات كانت تزداد قربًا.
فجأة، سمع صوتًا يعرفه: كان ذلك صوت المشرف الذي يعلمهم، ينادي عليه بصوت مرتفع. تبين أن عيسى كان نائمًا في الصف خلال المحاضرة، وما مر به كان مجرد كابوس مزعج.
استفاق عيسى من نومه وهو يشعر بارتياح، لكنه كان ما يزال يرتجف من الرعب الذي مر به.
بعد سلسلة من الأحداث الغامضة وتغيبه عن المنزل، قرر عيسى زيارة والد أحد أصدقائه في الجامعة، رجل مسن يُقال إنه لديه معرفة بأمور الجان. شعر عيسى بالأمل في العثور على تفسير لما يمر به.في منزل الرجل العجوز، بدأ عيسى بسرد تفاصيل ما حدث له، مشيرًا إلى الورقة التي عثر عليها في جناح الأمراض النفسية في المستشفى، والتي حملت رسالة غامضة تقول: "من يقرأ قصتي للنهاية سيحين دوره." استمع الرجل العجوز باهتمام شديد، وسأل بفضول عن اسم المستشفى والجناح الذي وجدت فيه الورقة، بالإضافة إلى التاريخ.
ثم توجه إلى رف مليء بالمذكرات القديمة وبدأ في تقليبها بجدية. بعد فترة، عثر على دفتر ملاحظات قديم. قال الرجل العجوز وهو يقرأ بصوت منخفض: "هذا اسم المستشفى وجناح الأمراض النفسية،" وأضاف: "وهذا التاريخ يشير إلى فترة زيارة مريض يُدعى علي." تابع الرجل العجوز قراءة الملاحظات ليكتشف أن علي كان يعاني من اضطرابات تعدد الشخصية وكان يتلقى العلاج في المستشفى.
أظهر دفتر الملاحظات أن علي كان يأتي إلى المستشفى مع عمه، الذي كان يعتقد أن علي كان ملبوسًا بالجن وأن سبب تلبسه هو جده. "علي كان يعتقد أن جده هو السبب وراء معاناته، وأن الجن كان له دور كبير في ذلك،" شرح الرجل العجوز. "لقد كان عمه يطلب العلاج لعلي بناءً على هذه الاعتقادات."تركت هذه الاكتشافات عيسى في حالة من الذهول.
خرج من المنزل وهو يشعر بقلق عميق وأكبر مما كان قبل.
يبدو أن القصة التي بدأها لا تزال مليئة بالأسرار والألغاز التي لم تُكشف بعد، ويظل يتساءل عن دوره في هذه القصة وما قد يحمله المستقبل.
بعد أن خرج عيسى من منزل الرجل العجوز، كان الليل قد حل، والسماء كانت ملبدة بالغيوم. بينما كان يسير في الشارع المظلم، شعر بثقل غير مألوف في خطاه وكأن شيئًا ما يراقبه من بعيد.
كان ذهنه مشغولًا بالمعلومات التي اكتشفها وبالورقة التي لا تزال غامضة.عاد إلى غرفته في سكن الجامعة وأغلق الباب خلفه بعناية. جلس على سريره، يحدق في الورقة التي أصبحت تحمل له أكثر من مجرد كلمات. كانت الرسالة "من يقرأ قصتي للنهاية سيحين دوره" تتردد في ذهنه بشكل مستمر. قلب الورقة بين يديه، وفي تلك اللحظة، سمع صوت طرق خفيف على الباب.
توقف قلبه لثوانٍ. من سيطرق بابه في هذا الوقت؟ نهض بتردد، واقترب من الباب.
كانت يده ترتجف بينما وضعها على المقبض، فتح الباب ببطء، لكن لم يكن هناك أحد.
نظر حوله في الممر الطويل، ولم يرَ شيئًا سوى الظلام والصمت.
عاد إلى غرفته وأغلق الباب مرة أخرى. جلس على السرير، محاولًا استيعاب ما يحدث، ولكن فجأة، رن هاتفه. رفع الهاتف ببطء، وكان المتصل "رقم مجهول". تردد قبل أن يجيب، وعندما فعل، جاءه صوت عميق وغامض من الطرف الآخر: "قصتك لم تنتهِ بعد، يا عيسى.
أنت الآن جزء من شيء أكبر مما كنت تتخيل."قبل أن يتمكن من الرد، انقطع الاتصال.
كان هناك إحساس غريب في الغرفة، وكأن الهواء أصبح أثقل والظلال في الزوايا بدأت تتحرك ببطء.
شعر بوخز في جسده، وكأن شيئًا يراقبه من الخلف.
استدار ببطء لينظر خلفه، لكن الغرفة كانت فارغة.
ومع ذلك، لم يكن الشعور بالخوف قد تلاشى.
نظر إلى الورقة مرة أخرى، فوجد أن الكلمات عليها بدأت تتغير، وظهرت جملة جديدة: "كل نهاية هي بداية جديدة."بينما كانت عيناه تراقبان الكلمات المتحولة على الورقة، سمع خطوات خفيفة تتجه نحو غرفته من الخارج. ازداد صوت الخطوات اقترابًا، وارتفعت دقات قلبه.
جلس مشدوهًا، غير قادر على الحركة، ومرت لحظات بدت وكأنها دهر.في تلك اللحظة، سمع الطرق على الباب مجددًا، لكن هذه المرة كان الصوت أعلى وأكثر إصرارًا. وقف عيسى على قدميه مترددًا، متسائلًا ما إذا كان يجب أن يفتح الباب أم يظل في مكانه. اقترب ببطء، مد يده نحو المقبض، وفتح الباب مرة أخرى...
لكن، قبل أن يرى ما خلف الباب، انقطع المشهد، وترك الجمبع متسائلًا عن مصير عيسى وما سيحدث بعد ذلك.
حتى أنا الكاتب لا أعلم ماذا حدث لعيسى ومن كان يطرق الباب ؟