ذات مساء، كانت هناك سنديانة جميلة وصغيرة جداً تتمايل مع زقزقة العصافير التي كانت تحلق حولها وتجلس على فروعها الصغيرة الهزيلة جداً. ورغم كل هذا، كانت الطيور تحب هذه السنديانة الصغيرة لأنها كانت رقيقةً معهم وودودة، وتعاملهم بكل لطف ومودة. تصرفها هذا لم يعجب باقي السنديان الأخرى، فكرهتها كثيراً وحقدت عليها، واتهمتها بأنها تسببت في هجر الطيور لهم وتسبب بموتهن الوشيك مهددات بقطع الحطاب لهن. فحزنت كثيراً مما قالوا لها، وأصبحت لئيمة مع الطيور، تقوم بطردهن عندما يحطون على أغصانها الناعمة كنعومة قلبها الصغير. هجرتها الطيور بسبب فعلتها تلك، ولم تعد تزورها العصافير التي كانت تسعد بسماع غنائها الشجي. عمت الكآبة روحها، وأظلم قلبها، وما عادت تشاهد وهي تتمايل حتى من نسيم العاصفة، وأمست ميتة رغم حياتها.
وجاء ذلك الحطاب وفي يده فأسه، ودار حول السنديانة وتوقف عندها، ففرحت السنديانة وظنت أنه سوف يقطعها ويخلصهم منها، لأنهم اعتبروها خطراً على سلامتهم. جلس تحت ظلها الهزيل وأمسك مزماره، فبدأ بعزف ألحان تتجاوز زقزوقة العصافير جمالاً وروعة. تجمع حوله الطيور وحطت على أغصانها المشتاقة لهم كما كانت تشتاق لعذوبة أصواتهم الجميلة. وجدت نفسها تتراقص مع ألحان ذلك الحطاب لا شعورياً، ورفرفت أجنحة الطيور المغردة معه. فرحت العصافير، وحزنت السنديانة العتيقة، وتملكها الحقد واليأس، وأدركت أنها لن تنال منها أبداً.
لم يجدوا غير الاستسلام لحقيقة أنها انتصرت على غرورهم ببراءتها النقية. عاودت بطلتنا الرقص مع النسيم، مزهرةً، وغداً جديداً. وعادت الغابة فرحةً بانتصار التواضع على الغرور الذي كاد أن يجعلها تتلاشى بين صفحات الزمن.