الفصل الاول: احلام الغياب
كان علي شابًا قوي الإرادة، لكنه بداخله كان دايمًا يشعر بالضعف والخوف، ودايمًا بيفتكر أمه ويشعر بالذنب لعدم قدرته على حمايتها. أما سلمى، فكانت طفلة مرحة رغم الظروف الصعبة، بتعتبر علي مش بس أخوها، لكن بطلها اللي بيحميها من كل حاجة.
في يوم من الأيام، كان علي جالسًا في غرفته بعد ما حط سلمى في سريرها للنوم. شاف حلم غريب، حلم بيعيده لليوم اللي اختفت فيه أمه. كانت أمهم واقفة على الباب، مبتسمة له وبتقول: "خليك مع سلمى، يا علي، أنا راجعة دلوقتي." وكان عمره وقتها 11 سنة. الحلم كان واضحًا جدًا، كأن علي بيشوف كل حاجة كأنها بتحصل دلوقتي.
في اليوم التالي، قرر إنه يحكي لسلمى عن الحلم. كانت سلمى مستمعة بحماس، وسألته: "تفتكر ممكن يرجع لنا الزمن فعلاً؟ ممكن نرجع لماما؟" علي حاول يتجنب السؤال، لكنه كان عنده نفس الأمل جوّاه.
مع مرور الأيام، الأحلام بدأت تزيد، وكل مرة بيشوف تفاصيل أكتر عن اليوم ده. لحد ما اكتشف إنه في كل حلم، قدر يغيّر حاجة بسيطة. في أحد الأحلام، سمع صوت أمه بتنده عليه، وصحى على صوت سلمى بتقوله: "يا علي، أنت كنت بتتكلم في الحلم، كنت بتقول ماما!"
سلمى: "علي، إنت بتفتكر ماما كانت هترجع لو ما خرجتش في اليوم ده؟"
علي: "يمكن، بس ما نقدرش نعرف يا سلمى. بس اللي عرفته إن الأحلام دي مش صدفة. كأنها بتديني فرصة إني أغير اللي حصل."
وفي أحد الليالي، حلم علي إنه بيرجع فعلاً لليوم اللي اختفت فيه أمه. شايف نفسه واقف قدامها وبيحاول يقنعها: "ماما، ماتخرجيش النهارده، حسيت بحاجة غريبة، خليكِ هنا."
أمه: "يا علي، مفيش حاجة تخوف، أنا رايحة أجيب حاجات وراجعة على طول. خلي بالك من سلمى، وهنرجع سوا."
حاول علي بكل طاقته، لكن لما صحى من الحلم، لقى تغييرات حصلت في البيت. البيت كان مختلف، لكن الأغرب إن أمه بقت موجودة، لكن سلمى مش موجودة خالص.
علي كان مصدوم، صرخ: "سلمى! سلمى! إنتِ فين؟" لف البيت كله، لكن مفيش أي أثر ليها. حس إن قوة الأحلام دي زي سلاح ذو حدين، ممكن يرجّع حاجة بس ياخد حاجة تانية.
بقى محتار جدًا، وأخذ قرار إنه يحاول يدخل الحلم مرة كمان ويرجع كل حاجة زي ما كانت. قال لنفسه: "خلاص، مهما حصل، مش هخسر سلمى. دي أختي، وهي الأهم دلوقتي."
رجع في الحلم لنفس اللحظة، وده المرة قال لأمه: "ماما، لو لازم تمشي، اعرفي إني بحبك. بس لو ما رجعتيش، إحنا هنكون كويسين، وأنا هبقى موجود مع سلمى دايمًا."
لما صحى، لقى نفسه مع سلمى، ورجعوا لحياتهم العادية. أدرك إن الأحلام دي كانت مجرد رسائل علشان يعرف قيمة اللي حواليه، وإنه لازم يعيش من أجل المستقبل مش الماضي.
علي أخد سلمى في حضنه وقال لها: "أنتِ كل اللي عندي، ومهما حصل، إحنا هنكمل مع بعض."
كانت الأيام بتعدي على علي بطيئة وصعبة، وحلم رجوع أمه دايمًا في عقله، كأنه شبح بيلحقه في كل خطوة. في الليالي اللي كان فيها الوحدة أكتر من صمته، كان بيبص لسلمى وهي نايمة، بيحس إن كل اللي عمله في حياته كان علشان يحميها ويكون ليها الأب والأخ في نفس الوقت. كانت ابتسامتها الصغيرة هي الشيء الوحيد اللي بيديله أمل إنه يقدر يكمل.
وفي ليلة عاصفة، جاء له حلم جديد لكنه كان مختلف عن الأحلام اللي فاتت. لقى نفسه في مكان غريب، شبه البيت، لكنه مش نفس التفاصيل اللي يعرفها. شاف أمهم وهي جالسة قدامه، وملامحها بتشع حنان وحزن. كأنه رجع للعالم اللي فات، عالم مليان دفء وفقدان في نفس الوقت.
علي: "ماما، ليه اختفيتي؟ ليه سيبتينا؟"
الأم نظرت له بابتسامة حزينة: "يا علي، أحيانًا في حاجات بتحصل مش بإيدينا، بتبقى قَدَر. أنا مكنتش عايزة أسيبكم، بس أنا عارفة إنك قوي وإنك تقدر تحمي سلمى."
علي بعيون مليانة دموع: "بس يا ماما، أنا كنت عايزك معانا، كنت عايزك تشوفي سلمى وهي بتكبر."
ردت الأم بهدوء: "وأنا دايمًا معاكم، في قلوبكم، بس إنت محتاج تركز على اللي جاي. إنت معاك هدية، هدية الأحلام دي مش علشان ترجع الماضي، لكن علشان تعرف إنك قادر تبني مستقبل أفضل ليك ولأختك."
علي حاول يتكلم، لكن الحلم بدأ يتلاشى بسرعة، زي دخان بيختفي قدامه. صحى وهو بيلتقط أنفاسه، وحس بيد صغيرة بتلمس إيده، كانت سلمى واقفة جنبه بتقول: "علي، أنا سمعتك كنت بتتكلم مع ماما، إنت كويس؟"
علي مسح دموعه وابتسم لسلمى، وحس إن اللحظة دي هي اللي كان بيدور عليها. هو مش محتاج يغير الماضي، هو محتاج يتقبل الحاضر ويعيشه بكل تفاصيله.
علي: "آه يا سلمى، أنا كويس، وحاسة إني كنت محتاج أشوف ماما علشان أكون قادر أكمل معاك."
سلمى: "يعني مش هنحاول نرجع للماضي تاني؟"
علي بتنهيدة خفيفة: "لأ، مش هنرجع. هنعيش الحاضر ونبني ذكرياتنا، وهنكون سوا دايمًا. ماما عايزة تشوفنا سعداء وعايزة نعيش حياتنا بدون ما نفضل عايشين في اللي فات."
من يومها، علي قرر يعيش كل لحظة كأنها آخر لحظة. بدأ يركز على مستقبلهم، بيحاول يكون لأخته الدعم اللي محتاجاه، وبيحلم ليها بحياة أفضل. بقى يحكي لسلمى قصص عن الماضي وعن والدتهم، علشان تفضل ذاكرتها موجودة بس من غير حزن.
وفي كل مرة كان يغمض عينيه قبل النوم، كان يعرف إنه مهما حصل، هو اتعلم الدرس الأكبر: الماضي جزء مننا، لكن المستقبل هو اللي بينا.
مرت السنين، وعلي وسلمى كبروا مع بعضهم، بيفتحوا أبواب لحياة جديدة مليانة ذكريات حلوة وأحلام بيتشاركوها. بمرور الوقت، علي حس إن قوة الحلم اللي كانت بتزوره في البداية كانت مجرد اختبار؛ اختبار لصبره وإيمانه، ولحبه لأخته الصغيرة. كان بيشوف في عيونها البراءة والشجاعة اللي لازم يحافظ عليها.
في يوم، سلمى كانت في المدرسة، وعلي كان عنده شوية وقت فاضي. قرر يروح للمكان اللي أمه كانت بتحبه لوحده لأول مرة. وهو جالس جنب البحيرة، بيتأمل المياه الهادية، حس بشيء مختلف، كأن ريح خفيفة لمسته، كأنها رسالة غير مرئية. وقف وسأل نفسه بصوت هادي: "يا ترى إيه اللي كان ممكن يحصل لو حاولت أغير أكتر؟ لو أصريت أرجع أمي فعلاً؟"
لكن، برغم التفكير ده، ابتسم فجأة، حس إنه أخيرًا فاهم الرسالة اللي الأحلام دي كانت بتحاول توصله. مش مهم الماضي قد إيه كان صعب، المهم هو القوة اللي قدر يستمدها منه عشان يخلق حاضر ومستقبل أحسن ليه ولأخته.
بعد شوية، سمع صوت خطوات خفيفة، لف ولقى سلمى جاية نحوه، ابتسمت له وقالت: "كنت عارفة إنك هنا."
علي ضحك وقال: "إنتِ بقى بتعرفي أنا فين دلوقتي؟ كبرتي وبقيتي بتحسي بكل حاجة حوالينا."
سلمى بضحكة طفولية: "مش كده، بس حسيت إنك محتاجلي. هو المكان ده فيه حاجة خاصة، كأننا بنلاقي فيه ردود لأسئلة مكنتش بتعرف تجاوبها."
علي قعد على العشب جنبها، وقال: "عارفة يا سلمى؟ لما كنت صغير، كنت دايمًا عايز أغير اللي حصل، أرجع أمي بأي شكل، حتى لو كان هيكلفني حاجات كتير. بس دلوقتي، مبقتش شايف الدنيا زي الأول، بقيت فاهم إن حبها لينا كان أكبر من مجرد وجودها جنبنا."
سلمى حست بكلماته العميقة، وقالت له: "أنا كمان بفكر في ماما كتير، بس لما بحس بالدفء والأمان اللي إنت بتديني إياه، بحس إني مش محتاجة حاجة تانية."
علي ابتسم وقال: "وإنتِ فعلاً ما محتاجة حاجة تانية، أنا هنا عشانك، وهفضل هنا مهما حصل. هنعيش ونعمل كل اللي كان ماما بتحلم بيه لينا."
سلمى ابتسمت له نظرة مليانة حب وقالت: "علي، إنت مش بس أخويا، إنت كمان صديقي ومعلمي، وكل حاجة بحبها في حياتي. شكراً إنك دايمًا موجود."
علي حس بالدموع بتملى عيونه، لكنه حاول يخبّيها، وقال: "إنتِ اللي خلتيني أحس بالمسؤولية وباللي يخليني أكمل، لولاكِ مكنتش هقدر أعيش كل ده، وأنا فخور بيكي وبنفسي عشان قدرت أوفي بوعدي."
من اليوم ده، علي وسلمى كانوا بيحسوا إن عندهم عالم خاص مليان بالحب والتفهم، بيلاقوا فيه السند والدعم اللي محتاجينه. وكل زيارة للمكان ده بتبقى لحظة تواصل روحي، مش بس أمهم، لكن مع كل الحب اللي تركته ليهم.