الفصل الثاني: ذكريات في قلب الحياة
مرت الأيام، وعلي وسلمى بدأوا حياة جديدة، حياة مليانة تفاؤل وأمل. كل يوم كان علي يحاول يعمل لحظات جميلة مع أخته، عارف إنها بتكبر وبتشوفه مش بس كأخ، لكن كحاميها وسندها الوحيد.
علي كان بيقضي وقته يعلم سلمى حاجات كتير: إزاي تذاكر، إزاي تواجه الصعوبات، وكان دايمًا يقول لها: "إنتِ قوية يا سلمى، وأقوى بكتير مما بتتصوري." سلمى كانت بتسمع كلامه وتبص له بعينيها الواسعة المليانة ثقة وإعجاب.
في ليلة هادية، سلمى قالت لعلي: "علي، فاكر لما كنت بتقول إنك بتحلم بماما؟ إنت لسه بتحلم بيها؟"
علي ابتسم وقال: "آه، بس الحلم بقى مختلف. بقى حلم مليان سلام، مفيش قلق ولا خوف زي الأول."
سلمى سكتت شوية، وبعدين قالت له بحماس: "أنا نفسي أحلم بيها كمان. تحس إنها كانت جميلة قوي، وأكيد كانت طيبة زيك."
علي ضحك وقال لها: "أيوه، ماما كانت أطيب واحدة في الدنيا، وأنا متأكد إنها بتحبك وبتتابعنا من بعيد." مسك إيدها وقال: "وعارفة؟ لو ركزتي، هتحسي بيها حوالينا في كل لحظة حلوة بنعيشها."
بمرور الوقت، علي لاحظ إن الأحلام الخارقة اللي كان بيشوفها بدأت تقل، أو يمكن هو اللي بطل يسعى لها. كان حاسس إن الحياة اللي بيعيشها مع سلمى دلوقتي هي أفضل من أي ماضي ممكن يرجعه. بقى مقتنع إن الماضي، مهما كان فيه حزن، خلاص، انتهى، وإنه مش هيرجع، لكن حب أمه هيظل في قلبه، وأهم حاجة عنده دلوقتي هي إن سلمى تكون سعيدة.
وفي يوم قرر علي ياخد سلمى لمكان جديد، مكان أمه كانت بتحب تروح له دايمًا. كان مكان هادي، مليان أشجار وأزهار، وكان فيه بحيرة صغيرة بتلمع تحت ضوء الشمس. وقفوا جنب البحيرة، علي مسك إيد سلمى وقال لها: "ده كان المكان المفضل لماما. كانت دايمًا تقول إن المياه بتطهر الروح، وإنه مهما كانت الحياة صعبة، لازم نلاقي مكان يحسسنا بالسلام."
سلمى حست بالراحة، كأنها في حضن أمها من جديد، وابتسمت. قالت: "أنا حاسة إن ماما معانا هنا."
علي هز راسه موافق وقال: "وأنا كمان حاسس كده."
من اللحظة دي، بقى المكان ده مقدس ليهم، كل فترة كانوا بيزوروه ويقضوا وقت فيه مع بعض، يحكوا فيه عن أحلامهم وآمالهم. بقى جزء من تقاليدهم، زي وعد بينهم وبين أمهما، وعد إنهم هيعيشوا دايمًا سوا، ويكملوا الحياة بإيمان وسعادة، ويحافظوا على ذكراها بداخلهم.
كل يوم كان بيعدي عليهم بيأكد لعلي إن القوة الحقيقية مش في تغيير الماضي، بل في بناء الحاضر والمستقبل.
بعد مرور عدة سنوات على حياة هادئة نوعًا ما، بدأ شيء غريب يظهر في حياة علي وسلمى. كانت سلمى، الآن فتاة مراهقة مليئة بالحماس، لكن في بعض الأحيان بدأت تشعر بوجود شيء غير مرئي في المنزل. كانت تشعر ببرودة مفاجئة، أو تسمع أصوات همسات خافتة تأتي من الغرف المهجورة، لكن كل مرة كانت تحاول إقناع نفسها أن هذا مجرد خيال.
في إحدى الليالي المظلمة، كانت سلمى تحاول النوم، وفجأة شعرت بأنفاس باردة قرب أذنها وهمسة تقول: "مش كل شيء انتهى…" تجمدت سلمى في مكانها، مش قادرة تتحرك أو حتى تصرخ. بقيت تشعر بالأنفاس الباردة وصدى الكلمات في عقلها، لكن بعد لحظة، عادت الغرفة للهدوء التام. في الصباح، حاولت تحكي لعلي، لكن كان صعب عليها توصل إحساسها بالخوف.
في يوم، أثناء جلوسهم في الغرفة، قال علي ملاحظًا قلقها: "سلمى، في حاجة مضايقاكي؟ حاسس إنك متغيرة ومش بتنامي كويس."
نظرت إليه بنظرة مليئة بالقلق وقالت: "علي، في حاجة غريبة بتحصل في البيت. بحس بوجود… شيء، كأن في حد معانا."
علي حاول يطمنها، وضحك وقال: "يمكن عندك خيال واسع، أو يمكن مافيش حاجة حقيقية. لكن أنا هنا، ومش هسيبك تحسي بالخوف أبدًا."
لكن الأمور بدأت تتصاعد. في إحدى الليالي، حلم علي بشيء غريب. شاف نفسه في المنزل، لكنه كان مختلف، الجدران كانت باردة ومليانة تشققات، والأضواء كانت خافتة بشكل غير طبيعي. كان يسمع صوت خطوات ثقيلة في الممرات، كأن شيء غريب بيتجول في المكان. وفي نهاية ممر طويل، شاف صورة مشوشة لوجه أمه، بتبص له بملامح جامدة، وقالت بصوت مخيف: "كان في سر دفنته… لكن دلوقتي هو خرج."
صحى علي فجأة من النوم وهو يلهث، وتصبب منه العرق البارد. حس بقلق غريب، ومش قادر يتخلص من تأثير الحلم.
في اليوم التالي، سلمى كانت بتذاكر في غرفتها، فجأة لاحظت إن الساعة اللي في الحائط بتتحرك بعكس الاتجاه. وقفت مذهولة، وقبل ما تقدر تستوعب، بدأت تسمع صوت نفس الهمسات اللي سمعتها قبل كده: "ليس كل شيء كما تظنين… الماضي يعود!"
صارت الأحداث الغريبة أكتر تكرارًا، وأحيانًا كانت سلمى تحس بلمسة باردة على كتفها، كأن في حد بيمسكها. وكل مرة كانت تبص وراها، ما تلاقيش حاجة، لكن البرد كان بيبقى موجود. علي بدأ يحس إن الأحلام بتزيد، وكل مرة بتكون مرعبة أكتر من اللي قبلها، كأن في شيء بيحاول يوصله رسالة.
قرر علي إنه لازم يعرف إيه اللي بيحصل، فراح يدور في الأغراض القديمة اللي كانت تخص والدته. أثناء بحثه، لقى صندوق قديم مغلق، ولما فتحه، لقى جوا الصندوق دفتر قديم جداً وصفحات مليانة رموز غريبة وكتابات غير مفهومة. على صفحة من الصفحات، كان مكتوب بخط قديم: "إذا فتح الباب، سيخرج ما دُفن منذ زمن طويل."
سلمى شافت الدفتر وبدأت تحس بالخوف أكتر، لكنها قالت لعلي بتحدي: "لازم نعرف الحقيقة، مش هنفضل خايفين طول حياتنا."
في تلك الليلة، قرر علي وسلمى يقعدوا جنب بعض ويواجهوا اللي بيحصل في المنزل، لكن فجأة، سمعوا صوت خطوات ثقيلة تقترب منهم، والمكان بقى بارد بشكل مخيف. سلمى بصت لعلي بعيون مليانة خوف وقالت: "علي… ده مش حلم."
خرجوا بسرعة من الغرفة، وبدأوا يسمعوا صوت الهمسات بوضوح: "علي… سلمى… الماضي عاد ليُكمل ما بدأه."
أدركوا إن الأحلام والأحداث اللي بتحصل مش صدفة، كأن الماضي بيحاول يوصل رسالة عن سر كان مدفون من زمان، سر لو عرفوه ممكن يغير حياتهم للأبد.