الفصل الرابع: الطقوس الاخيرة
بعدما عاد علي وسلمى إلى المنزل، شعروا براحة لم يختبروها من قبل، وكأن الثقل الذي كان يضغط على روحهم طوال حياتهم قد زال. لكن على الرغم من كل ما مرّوا به، كانت هناك شكوك صغيرة ما زالت تطفو على السطح في أفكارهم، وشعور غريب وكأن شيئًا ما ما زال غير مكتمل.
في إحدى الليالي الهادئة، وبينما كانوا يتناولون العشاء، لاحظ علي أن هناك صندوقًا صغيرًا على طاولة المطبخ لم يره من قبل. كان الصندوق مصنوعًا من خشب قديم، مزخرف بنقوش غامضة تشبه تلك التي رأوها في المعبد.
سلمى، وهي تنظر للصندوق بدهشة: "علي… ده مش صندوقنا، أنا عمري ما شفته قبل كده."
حس علي بقشعريرة باردة وهو ينظر للصندوق الصغير، ثم قال: "يمكن ده يكون آخر شيء تركته أمي لنا… أو يمكن رسالة أخيرة."
بيد مرتجفة، فتح علي الصندوق، وداخله كان هناك رسالة مكتوبة بخط يد أمه، مع بعض الأوراق القديمة. في الرسالة كانت الكلمات تقول: "علي وسلمى، إذا كنتم تقرؤون هذه الرسالة، فذلك يعني أنكم واجهتم اللعنة التي حلت على عائلتنا. إنني فخورة بكم، لكن هناك جزء أخير عليكم معرفته."
تابع علي القراءة بصوت منخفض، بينما نظرت سلمى بقلق، الرسالة كانت تتحدث عن "الظل الرئيسي" الذي يمثل جوهر اللعنة، والذي لا يمكن تدميره إلا بدم مختار من العائلة. "اللعنة قد تبدو منتهية، لكن إذا عاد الظل الرئيسي، فإن كل شيء قد يبدأ من جديد… تأكدوا من دفن أسرار العائلة بعيدًا عن كل الأعين."
حس علي بالخوف لأول مرة منذ عودتهم من المعبد، كأنه كان يعلم أن اللعنة ما زالت تبحث عن طريق للعودة.
أخذ علي الأوراق الأخرى في الصندوق ووجد طقوسًا مكتوبة، طقوس قديمة لتعزيز الحماية على البيت وأفراد العائلة. نظر لسلمى وقال لها: "لازم نعمل الطقوس دي، حتى لو كانت اللعنة انتهت… أنا مش عايز أترك أي مجال لرجوعها."
سلمى وافقته، وقاموا بترتيب المكان وتجهيز الأدوات المطلوبة. بدأوا الطقوس في ليلة مقمرة، تلاوتهم للكلمات القديمة كانت تملأ المكان بطاقة غريبة لكن دافئة، كأنهم يضعون حدودًا غير مرئية لحمايتهم.
ومع نهاية الطقوس، ظهر ضوء خافت، وتحول الضوء تدريجيًا ليشكل طيفًا صغيرًا يشبه أمهم، نظرت إليهم بحب وابتسامة عميقة، وقالت بصوت ناعم: "الآن… انتهى كل شيء حقًا. شكراً لكما، لأنكما أنهيتما الكابوس للأبد."
تلاشت صورة الطيف، لكن الإحساس بالسلام بقى معهم. جلس علي وسلمى في صمت، وكل واحد منهما يفكر في المستقبل لأول مرة دون أي خوف أو ظل مهدد.
بعد هذه الليلة، عاش علي وسلمى حياة هادئة، مليئة بالأمل، واستعادوا الإحساس بالأمان الذي افتقدوه طوال السنين. كانوا على يقين أن روح والدهم كانت قد وجدت السلام أخيرًا، وأن اللعنة التي رافقت عائلتهم لسنوات طويلة قد انتهت بشكل نهائي. ومع مرور الوقت، بدأ علي وسلمى يشعران بأن حياتهم قد عادت إلى مسارها الطبيعي، وأن المستقبل أصبح أمامهم مفتوحًا بالأمل.
لكن في أعماق قلب علي، كانت هناك دائمًا تلك الذكرى الصغيرة، مثل لمسة خفيفة على الروح، تذكره بأن المجهول قد لا يكون قد انتهى تمامًا. كان يعلم أنه رغم كل شيء، لا بد أن يكون هناك جزء من اللعنة قد ترك أثرًا فيهم، أشياء لا تُرى ولكنها موجودة، قد تظهر في وقت غير متوقع.
في أحد الأيام، بينما كان علي يعمل في الحديقة، شعر بشيء غريب، كان ضوء الشمس يمر بين الأشجار بطريقة غير عادية، وكأنها تُضيء مكانًا معينًا بشكل غير طبيعي. اقترب علي بحذر، وإذا به يكتشف شيئًا مغطى بأوراق الأشجار. كان صندوقًا آخر، مختلف عن الذي وجدوه سابقًا.
أمسك علي بالصندوق بيدين مرتجفتين، وشعر بأن قلبه بدأ ينبض بسرعة أكبر. فتحه بحذر، ليفاجأ بأنه كان يحتوي على حجر غريب الشكل، ذو بريق غامض. وجد بجانبه ورقة صغيرة مكتوب عليها:
"الظل الرئيسي لم يُهزم، بل انتقل إليكم. هذا الحجر هو مفتاح الحماية. استخدموه بحذر."
لم يكن علي قادرًا على استيعاب ما قرأه تمامًا، لكنه شعر
مرت سنوات على الأحداث التي عايشها علي وسلمى، وكان كل شيء يبدو هادئًا ومستقرًا. علي كان قد قرر أخيرًا أن يأخذ خطوة كبيرة في حياته، فتقدم للخطبة من فتاة تدعى سارة، كانت قريبة من العائلة وكان يحبها كثيرًا. كان كل شيء يبدو مثاليًا: سارة كانت جميلة وذكية، وكانا يشتركان في العديد من الهوايات والأحلام. لكن رغم كل هذه السعادة، كان علي يشعر بشيء غريب بداخله، إحساس بأن هناك شيئًا ما ينقص، أو ربما شيءٌ كان مخفيًا عن عينيه.
في نفس الوقت، كانت سلمى قد التحقت بالجامعة، حيث بدأت حياتها الدراسية الجديدة بعيدًا عن المنزل. رغم أنها كانت تشعر بفرحة كبيرة لتحقيق أحلامها، إلا أن روح الماضي، والتجارب التي مروا بها، كانت تظل تلاحقها في كل مكان. كانت تشعر أحيانًا بأن هناك شيء مفقود في حياتها، كما لو أن جزءًا من ماضيهم لم يُغلق بعد. كانت تعتقد أن بداية حياتها الجامعية ستكون بداية جديدة تمامًا، لكن سرعان ما أدركت أن الحياة لا تمنح الراحة بسهولة.
علي وسارة
في يوم من الأيام، وبعد فترة من الخطوبة، كان علي وسارة يجلسان معًا في منزل علي، يتحدثان عن المستقبل. ولكن أثناء الحديث، لاحظت سارة أن علي كان شارد الذهن، كأنه يفكر في شيء ما بعيدًا عن المحادثة.
سارة، بابتسامة خفيفة: "إنت مش معايا النهاردة، فيه حاجة شاغلة بالك؟"
علي، وهو يحاول إخفاء قلقه: "لا، مفيش حاجة. بس… بحس إن في حاجة مش مظبوطة، زي ما في شيء بعيد عني. مش عارف… إزاي أقولك؟"
سارة، بنبرة حانية: "إنت مش لوحدك، لو في شيء مش واضح ليك، ممكن نواجهه سوا. مش كل حاجة لازم تكون مفاجئة."
لكن علي لم يكن قادرًا على التعبير عن القلق الذي بداخله. كان يعلم أن سارة تحمل سرًا ما، سرًا لا يستطيع أن يصل إليه. كان يعرف أنها تخفي شيئًا عنه، لكن لم يكن يعلم ما هو.
سلمى في الجامعة
أما بالنسبة لسلمى، فقد بدأت تشعر بشيء غريب في الجامعة أيضًا. في أحد الأيام، بينما كانت تجلس في مكتبة الجامعة تقرأ بعض الكتب، لاحظت شيئًا غريبًا على طاولة قريبة. كانت هناك رسالة مفتوحة على طاولة أحد الطلاب، لكن الكتاب الذي كان مفتوحًا عليها كان غريبًا، يحتوي على صور ورسوم غامضة تشبه تلك التي كانت قد رأت مثلها في الأحلام القديمة.
حاولت سلمى تجاهلها في البداية، لكن الرسومات كانت تحمل نفس الرموز التي شاهدتها قبل سنوات في المعبد، وكان اسم العائلة مكتوبًا في أسفل الصفحة. لم تستطع منع نفسها من الشعور بأنها يجب أن تعرف المزيد. فبدأت تتتبع المصدر، واكتشفت أن الكتاب كان يعود لطالب يدعى "يوسف" في قسم التاريخ. كان يوسف دائمًا هادئًا، وعيناه كانتا تحملان شيئًا غامضًا، كما لو أنه يعرف شيئًا عنها وعن ماضيها.
في أحد الأيام، قررت سلمى أن تتحدث مع يوسف. اقتربت منه في إحدى القاعات الدراسية وقالت له بحذر: "يوسف، في كتاب لقيته في المكتبة فيه رسومات غريبة، وأنت كنت متعلّق بيه. ممكن تشرحلي عن الموضوع ده؟"
يوسف نظر إليها بحذر، ثم ابتسم ابتسامة غامضة: "أنتِ متأكدة إنك حابة تعرفي؟ لأن الموضوع مش بسيط زي ما تعتقدين."
لكن سلمى كانت مصرة. يوسف أخبرها أنه كان يبحث عن تاريخ عائلات قديمة في المدينة، بما في ذلك عائلة علي وسلمى، وأنه اكتشف رابطًا قديمًا بين العائلة وبين الكيانات التي كانت عالقة في عالم الظلام.
يوسف، بصوت هادئ: "في قصة قديمة عن عائلتك. القصة دي مش معروفة لأغلب الناس، لكن فيها سر خطير. هناك شيء غير مكتمل في تاريخكم. شيء كان مخفيًا عن الجميع."
سلمى، بتوتر: "أنت عايز تقولي إن فيه حاجة تانية؟"
يوسف أومأ برأسه، وقال بحذر: "أنتِ لازم تكوني مستعدة. أنا مش هقدر أقولك كل شيء دلوقتي. لكن هذا السر قد يكون له علاقة بكِ، وبحياة علي. خاصة أنه في شخص من عائلتكم كان قد حاول إغلاق اللعنة، لكن السر الأكبر لم يُكشف بعد."
عودة الظلال
بينما كانت سلمى تبدأ في تجميع القطع المفقودة من اللغز، شعر علي بشيء غريب في حياته أيضًا. بدأ يلاحظ أن سارة كانت تتصرف بطريقة غريبة في الأيام الأخيرة، وكأنها تحمل عبئًا ثقيلًا. كان هناك مرات تخبره فيها عن ماضيها، لكنها دائمًا ما تتجنب الحديث عن فترة طفولتها أو عن بعض الأماكن التي نشأت فيها. كان علي يشعر أن سارة تخفي شيئًا ما عنه، وكان هذا الشيء يزداد قوة مع مرور الوقت.
في أحد الأيام، بينما كانا يخططان للزفاف، اكتشف علي في حقيبة سارة كتابًا قديمًا يحمل نفس الرموز الغريبة التي رآها في كتاب يوسف. بدأ علي يشك في أن سارة قد تكون متورطة في شيء أعمق مما يتصور، ربما علاقة غير مفهومة بعائلته وتاريخهم المظلم.
أخذ الكتاب وقرأ فيه، ليكتشف أن سارة كانت قد نشأت في عائلة لها علاقة بالعائلات التي حاولت إيقاف اللعنة القديمة، لكنها لم تنجح. كانت هناك أسرار مرتبطة بماضي سارة، والشيء الذي كانت تخفيه كان في النهاية كشفًا عن الحقيقة الكبرى.
القرار النهائي
تجمع علي وسلّمى بعد أن اكتشف كل شيء، واتفقوا على أنهم يجب أن يواجهوا هذا السر مرةً وإلى الأبد. علي قرر أن يكشف الحقيقة لسارة، بينما سلمى قررت مواجهة يوسف ومعرفة المزيد عن هذا الماضي المدفون.
معًا، أصبحا أكثر قوة من أي وقت مضى، وكان عليهما أن يواجهوا ليس فقط الظلال القديمة، بل الأسرار التي كان كل واحد منهم يخبئها، وكل ما يتعلق بماضيهم المشترك.