Hamdiali

Share to Social Media

(حب في الستين)
● استيقظ مبكرا بينما كان المذياع يؤذن لصلاة الفجر نهض من الفراش سريعا وتوضأ وصلى الفجر وخرج إلى شرفة غرفته في هذا الفندق الشهير في تلك المدينة السياحية. وأسرع إلى ماكينة صنع القهوة التي يحمله معه في كل مكان وأعد لنفسه كوبا من القهوة ثم نظر إلى البحر وكانت الشمس تشق خطواتها الأولى في الخروج كأنما هي ولادة يوم جديد بينما كانت نسائم الفجر الأولية تملأ المكان وصوت ارتطام الأمواج بالشاطئ يخترق سكون المكان.
● . وقف في مكانه ونظر إلى البحر وقال لنفسه ما أعجب البحر!! فالبحر يبدو هادئ السطح بينما يموج داخله بالصراعات بين الأسماك الكبيرة والصغيرة ونظر الى البحر مرة أخرى وقال لنفسه إن هذا البحر يشبه النفس البشرية فالنفس البشرية مليئة بالصراعات الداخلية صراع الخير والشر صراع العلم والجهل باختصار هي صراع الحياة
● . ونظر إلى الشمس مرة أخرى وهي تنتصر في صراع الحياة وتشق طريقها لبداية يوم جديد وقال لنفسه لقد انتصرت وحصلت على حياة وميلاد جديد وجلس على المقعد فوجد قلما وبعض الأوراق على المنضدة فأسرع بتناول القلم وبدأ يكتب ثم توقف وقال ماذا اكتب وسمع صوتا من داخله يرد عليه اكتب عن نفسك فابتسم ساخرا وقال من أنا حتى أكتب عن نفسي فأنا لست لاعب كرة شهير أو فنان أو راقصه من سيهتم بقراءة قصتي؟ ثم سمع نفس الصوت يرد عليه اكتب عن نفسك اخرج كل ما يموج داخلك على الورق تحمس كثيرا وقال كيف ومن أين أبدا؟ ونظر نظرة طويلة للبحر كأنما يريد أن يصل ببصره لأبعد نقطة في هذا البحر اللامتناهي وكأنه في نفس الوقت يغوص داخل نفسه ليصل إلى ابعد نقطه ممكنه.
● انه ألان طفل صغير في أوائل سنوات عمره يلعب مع أقرانه في الشارع في ذلك الحي الشعبي وفجأة يسمع صوت صفارة متقطعة لا يعرف معناها وجاءت والدته وأخذته من يده وأسرعت به إلى مكان تحت الأرض يسمى المخبأ وقد كان المخبأ واسعا نظيفا وبه عدد من قصارى الزرع ووجد أقرانه في المخبأ أيضا مع أسرهم وبدأ في اللعب مرة أخرى مع أقرانه بينما كانت الأسر تتجاذب أطراف الحديث عن الحرب. ثم سمع صوت صفاره طويلة وخرجت أمه به من المخبأ و أسرعت به إلى المنزل.
● ومرت سنوات عمره الأولى وها هو الآن تلميذ في المدرسة الابتدائية وكانت عادة الأسرة أن تنتظر الأب حتى يعود من عمله وتجتمع الأسرة على طبلية الغداء ولكن الأب عاد في ذلك اليوم مكفهر الوجه كأنما يحمل شحنة من الغضب بداخله وصرخ بصوت عالي لا.. لا يمكن أن يحدث هذا … ما ذنب هؤلاء الأطفال؟ لماذا قتلوهم ؟. لا. لا يمكن أن يكون هؤلاء بشر أنهم وحوش وظل الأب يصرخ ويصرخ ووقف هو وشقيقه بعيدا يستمعان في صمت لصرخات الأب ثم قال لنفسه من هؤلاء ولماذا يقتلون الأطفال هل اختلفوا على لعب الكرة انه يختلف كثيرا مع أصدقائه أثناء اللعب ولكن لا أحد يقتل وأسرعت الأم تهدئ من روع الأب وكان يشير إلى شيء في الجريدة التي بيده وبعد فترة هدأ الأب ودخل إلى احد الغرف وكانت الجريدة ملقاة على المنضدة فاقترب قليلا وتناول الجريدة وكان لا يزال لا يجيد القراءة إجادة كاملة ولكنه قرأ العنوان الكبير في أعلى صفحة الجريدة (بحر البقر). ورأى صور أشلاء الأطفال متناثرة والدماء تغطي مقاعدهم وحقائبهم وكتبهم المدرسية وبدأ في البكاء حتى علا نحيبه وخرج الأب مسرعا من غرفته وجاءت الأم من المطبخ وظل يصرخ "أبي من هؤلاء لماذا قتلوا الأطفال هل سيقتلونني مثلهم" واستمر في البكاء وحضنه أبوه باكيا وهو يقول يا بني أنهم أعدائنا أنهم .......وظل يبكى حتى نام بين ذراعي والده.
● ومرت سنوات واقترب من إنهاء المرحلة الابتدائية. حتى جاء ذلك اليوم في شهر رمضان حينما عاد الأب سعيدا بينما كانت الأسرة تتهيأ للإفطار عند أذان المغرب وهتف بصوت عال لقد انتصرنا..لقد عبرنا القناة .لقد انتصر جيشنا. وسمع المذياع يذيع البيانات العسكرية. والأغاني الوطنية تذاع على مدار اليوم.... (انه انتصار العاشر من رمضان)

● ومرت سنوات الدراسة سريعا وانتهى من المرحلة الابتدائية ثم الإعدادية وها هو الآن في السنة النهائية من المرحلة الثانوية وكانت لكمه القدر الأولى فقد مرضت والدته ودخلت المستشفى وظل بجانبها حتى جاء ذلك اليوم عندما طلبت منه بعض الفاكهة التي تحبها وبعض الأشياء من المنزل وعاد في اليوم التالي ولكنه اصطدم بمنعه من الدخول وقد كان الجميع يشفق عليه وينظرون إليه ويسألون أين والدك؟؟ وصرخ ماذا حدث اخبروني ماذا حدث ؟ ثم كانت الصدمة لقد توفيت والدته وخرج من المستشفى يجري في الشوارع ويعبر وسط السيارات وهو يبكى حتى وصل إلى مقر عمل والده وأخبره بالأمر وبكى الأب وبكى هو بكاء شديدا .وكان لا يفصله عن موعد الامتحان إلا أسابيع قليلة . ورفض عقله الصغير إن يصدق إن والدته قد ماتت وانه لن يراها مرة أخرى وكان يتخيل أنها سوف تدخل عليه غرفته تقدم له الشاي والسندوتشات إثناء المذاكرة أو تنصحه بالنوم المبكر حتى يكون في كامل تركيزه في الامتحان وظل لمده أيام يجوب غرف المنزل وهو يبكي وحان موعد امتحان الثانوية ونصحه أصدقاؤه بالاعتذار وتأجيل الامتحان للسنة القادمة ولكنه رفض وأصر على أداء الامتحان في ذلك العام ولأنه كان فاقد التركيز ولم يتعافى بعد من الصدمة كانت النتيجة الطبيعية إن يحصل على مجموعه متوسط يؤهله فقط للالتحاق بأحد المعاهد المتوسطة ورغم حزنه الشديد لفشله في الالتحاق بإحدى الكليات الكبيرة إلا أنه فكر في شيء آخر فقد اتفق مع زملائه على دراسة وإتقان اللغة الانجليزية عن طريق التعلم الذاتي واستطاع فعلا أن يتقن اللغة تماما خلال أشهر قليلة.
● وكانت فترة أداء الخدمة العسكرية محطة أخرى من محطات الحياة. ورغم أن وحدته العسكرية كانت في محافظة بعيدة وإجازاته قليلة إلا انه كان يستغل أيام الإجازة القليلة في دراسة اللغة بعمق اكبر وكان والده يشجعه على ذلك بل وعده بوظيفة بالبنك الذي كان يعمل به بعد انتهاء فترة خدمته العسكرية . ولان القدر دائم السخرية من خطط الإنسان فقد توفى والده قبل انتهاء الخدمة العسكرية بأسابيع قليلة وأصيب بإحباط شديد وخاصة انه كان يعول كثيرا على هذه الوظيفة بل يراها المجال المناسب لتحقيق ذاته . وكانت تلك هي الصدمة الأشد في حياته بعد أن فقد كل سند له في الحياة.
● فكر إن يلجا إلى أصدقاء والده لعل أحدهم يساعده في الحصول على فرصة عمل بالبنك كما وعده والده ورغم الترحيب والحفاوة الحارة التي قوبل بها من أصدقاء والده إلا أنهم تقاعسوا عن مساعدته في الحصول على العمل وكان يقول لنفسه “اعلم أن هذه الوظيفة مطمح للكثيرين ولابد أن هؤلاء الناس يوفرون الوظيفة لأبنائهم وأقاربهم " وظل عدة شهور يتردد على البنك لعله ينجح في الحصول على عمل لكنه يئس تماما وعاد حزينا وقد أيقن انه لم يعد للوفاء مكان في هذا الزمان.
وبدا رحله البحث عن عمل وساعده احد أصدقائه في الالتحاق بالعمل بإحدى الفنادق الكبرى وساعده على ذلك إجادته وإتقانه للغة الانجليزية وأراد إن يثبت نفسه في هذا المجال وتنقل من فندق إلى أخر ومن وظيفة إلى أخرى حتى حصل على وظيفة مرموقة في احد الفنادق الشهيرة بإحدى المدن السياحية وبراتب مجزي جدا وكان يحلم بتحقيق أحلام عديدة بالراتب العالي الذي يتقاضاه من عمله وكان يخطط لعده سنوات قادمة ولكن لان سخريه القدر هي ما تعود عليه فقد حدث شيء رهيب انهارت بسببه صناعه السياحة في عموم البلاد وقد كان الحدث هو الغزو العراقي للكويت ( حرب الخليج الأولى) وقد أدى ذلك الأمر إلى إغلاق عدد من الفنادق الكبيرة وتسريح ألاف العاملين بها ولم يكن هو بمنأى عن ذلك فقد تم تخفيض راتبه إلى اقل من نصف الراتب الذي كان يتقاضاه وقرر ترك المجال بأسره والعودة إلى مدينته ومنزله مره أخرى ولم تكن الأمور تنبأ بانتهاء ألازمه في وقت قريب وكان عليه البحث عن عمل أخر. وهنا تذكر خطاب القوى العاملة الذي أهمله لأكثر من عام واخرج الخطاب من درج مكتبه وتوجه إلى الوزارة التي تم ترشيحه للعمل بها ولكنه اصطدم برد فعل الموظفين العاملين بتلك الوزارة وسخريتهم منه حتى أن احدهم سأله "متى استيقظت" فرد قائلا "في حوالي الساعة 7:00 صباحا فضحك الموظف بسخرية وقال" لابد انك كنت نائما لمده عام كامل انظر إلى تاريخ الخطاب "وضحك الموظف ومن حوله وشعر باليأس والإحباط من معامله الموظفين له وقرر المغادرة إلا أن احد الموظفين استوقفه وقال له ولا تعبا بكلامهم اخبرني ما الأمر ما حكايتك ؟وحكي للرجل كل شيء وتعاطف الرجل معه وقال له انتظر قليلا سوف اعرض الأمر على مدير الإدارة. ودخل الموظف إلى احد المكاتب واختفى وظل هو في الانتظار ومرت عليه دقائق الانتظار طويلة كأنها سنوات حتى ظهر الموظف مره أخرى وقال له بكل احترام وإنسانيه "تفضل المدير في انتظارك ودخل إلى احد المكاتب الفخمة وكان المدير لا يقل طيبه ولا إنسانيه عن الموظف وسأله المدير عن اسمه ومكان إقامته وقص على المدير قصته كاملا وقال له المدير" الأمر بسيط سوف أحول خطاب التعيين إلى مصلحه أخرى تحتاج إلى موظفين لن يستغرق الأمر أكثر من يومين ."
وشكر المديرالانسان وخرج سعيدا وبالفعل استلم عمله الجديد بعد يومين كما وعده مدير الادارة وبدا عمله كموظف حكومي فقد كان يسمع كثيرا عن الدواوين الحكومية وما يحدث فيها ولم يتخيل إن يكون هو جزءا من ذلك وكان يعمل بالمكتب الذي تم إلحاقه به حوالي ثمانية موظفين بالرغم إن العمل لا يحتاج إلا اثنين فقط .رويدا رويدا اندمج في حياته الجديدة وكان الجميع يتحدث عن مشاكله مع الآخرين ويتسابق الجميع في إعطاء الرأي والنصيحة بل و المساعدة المادية في حل تلك المشكلات ولم يكن هو ببعيد عن تلك المنظومة وقرر أن يحكي تفاصيل حياته كاملة وبالفعل جذب انتباه الزملاء إليه وعرض كثير منهم مساعدته بل إن بعض الزملاء والزميلات قرروا مساعدته بطريقة أخرى حيث طلبوا منه إعطاء دروس لغة انجليزية لأبنائهم بعد إن عرفوا إجادته للغة الإنجليزية وكانت هذه الوسيلة طريقة مساعدة غير مباشرة من زملائه وزميلاته أما بالنسبة له فقد كان هذا دخل إضافي بجانب الراتب الضئيل يساعده على الحياة وبمرور الأعوام تحول إلى بؤرة اهتمام زملائه وخاصة وأنه كان دمث الخلق طيب النفس والسلوك .
وفي احد الأيام بينما كان الجميع يناقش مشكلته سأله احدهم قائلا "لماذا لا تتزوج وتكون أسرة"؟ أتزوج!!!! إن هذا الأمر لم يخطر على ذهني أبدا
. وعاد إلى المنزل وهو يفكر في كلام زميله" لماذا لا تتزوج" وانتبه لنفسه فقد مرت الأعوام سريعة وهو الآن على مشارف الثلاثين من عمره حتى أنه في العمل لم يكن هناك حديث بين الزملاء إلا عن زواجه حتى أن بعض الزميلات جندن أنفسهن في مهمة البحث له عن زوجه وكان يتلقى عددا من الترشيحات سواء من الموظفات العاملات بالمصلحة أو أقارب زميلاته بالعمل حتى وقع اختياره على تلك الفتاة التي تحمل نفس لون بشرته وتنتمي إلى نفس المحافظة التي ينتمي إليها في جنوب الصعيد وإن كانت أسرتها قد استقرت في تلك المدينة الكبيرة منذ زمن بعيد . واستطاع بمساعدة أحد أصدقائه استئجار شقة صغيرة بإحدى المناطق العشوائية واستطاع تجهيز شقة الزوجية بما ادخر من عمله السابق بالسياحة أو عمله الحالي وتم الزفاف وكان قد تجاوز الخامسة والثلاثين من عمره وكان يقول لنفسه "لقد انتهت المعاناة سوف يكون لي أسرة وأولاد لقد ولت سنين الشقاء إلى الأبد."
ولكنه لم يتوقع إن زواجه هي اقوي لكمات القدر وأشدها ألما . فلم تكد تمر شهور قليله على الزواج حتى اكتشف الجانب الأخر من شخصيه زوجته فقد كانت حادة المزاج عصبية تثور لأتفه الأسباب سليطة اللسان بذيئة القول وكانت تستخدم أسوء الشتائم والسباب الذي لا ينقطع حتى انه تعجب من قدرتها على نظم كل تلك الشتائم بدون إن تخطئ كأنما تجد سعادة كبيره في الشتم والسباب وكان يقول لها ساخرا "إن لديك موهبة كبيره في الشتم والسباب لو كنت موجودة في العصر الجاهلي لتفوقني على أعظم شعراء الهجاء في هذا العصر." وحاول أكثر من مره ردها عن ذلك باللين تارة وبالعنف والضرب تارة أخرى ولكن دون جدوى. وكان يقول لنفسه أنها سوف تتوقف عن ذلك عندما تصبح أما خاصة بعد أن رزقه الله بطفلته الأولى ثم ابنه الثاني ولكن هيهات!!! لم تكن الأمومة إلا دافعا إضافيا لها في أن تفرض شخصيتها المتسلطة على كل من في المنزل. وكان يصحو من نومه فزعا على صوتها العالي وهي تكيل السباب للطفلة الصغيرة لأنها نسيت أن تعمل واجب الحساب أو للطفل الصغير لأنه أضاع القلم الرصاص في المدرسة. واشتدت المشاجرات بينهما يوميا وأحيانا أكثر من مره في اليوم وكانت كأنها في حالة حرب معه وكان يقول لنفسه ماذا علي إن افعل؟؟ إذا طلقتها الآن ماذا سأفعل لم يعد العمر يتحمل بداية جديدة .وهنا قرر أن ينسحب من تلك المعركة مهزوما وترك لها السيطرة. وانقطعت علاقة الفراش بينهما وانعزل كلا منهما عن الآخر ولكن رغم ذلك لم تتوقف عن هوايتها المفضلة في كيل السباب والشتائم لكل من في المنزل ومرت أعوام ووصل الأولاد إلى سن الإدراك وهم يشاهدون الأب وإلام في شجار دائم يوميا
يتخلله فاصل من السباب والشتائم المنتقاة وانزوى داخل نفسه أكثر وأكثر كأنه يهرب من العالم الخارجي إلى داخل نفسه و أصيب بنوبات متكررة من الاكتئاب والهلاووس حتى أنه كان يهذي بكلمات غير مفهومة كأنه يتحدث إلى شخص ما غير موجود. ولم تكن نوبات الاكتئاب والهلاووس هي فقط هي فقط ما أصابه بل أكثر من ذلك لقد ماتت رجولته وشعر بالعجز وعرض نفسه على أكثر من طبيب أخصائي وكانت الاجابة واحده ليس هناك سبب عضوي عليك باستشارة طبيب نفسي وبالفعل ذهب إلى طبيب نفسي وقص عليه كل شيء ورد عليه الطبيب" لقد فقدت سلامك الداخلي وتحطمت أحلامك في انتهاء معاناتك السابقة وهربت إلى داخل نفسك الحل الوحيد أن تشعر بالطمأنينة والحب وأن تستعيد سلامك الداخلي وعندها سوف تعود كما كنت سابقا." ولكنها رغم ذلك لم تتوقف عن ممارسة هوايتها المفضلة في السب والشتم بل والسخرية من عجزه وقد حاول مرارا أن يحافظ على هذا البيت الذي حلم به سنوات طوال ولكن لكل شيء نهاية فقد كانت قدرته على الاحتمال تتلاشى شيئا فشيئا حتى وصل إلى نقطة الانفجار.
فبعد مشاجرة طويلة استمرت لساعات استخدمت فيها زوجته كل قاموسها من السباب والشتائم قرر أن يضع حدا لهذا الأمر وقد كان الانفصال. وخرجت من منزله لأخر مره غير مأسوف عليها .ورغم حزنه لانهيار حياته الأسرية إلا أنه كان يقول معي الأولاد ولكن الصدمة الأكبر كانت عندما قرر الأولاد ترك المنزل والعيش مع احد الأقرباء. فقد اتخذ الأولاد منذ بداية هذا الصراع موقف الحياد الذي لا يكون مفيدا في حالات كثيرة ولم يعد أحد بالمنزل سواه وظل يتنقل بين غرف المنزل كالمجنون وهو يرى المنزل والأسرة التي عمل على بنائها والبيت يتحول إلى غابة موحشة لا يسمع فيها إلا نعيق البوم. وازدادت حالته النفسية سوءا وأهمل في نفسه وفي هيئته وأصبح كثير الغياب من العمل وكان يقضي اليوم هائما في الشوارع يسير بلا هدف أو وجهه معينة حتى إذا أرهقه التعب عاد إلى المنزل ليلقي بنفسه على الفراش.
ومرت أعوام على هذه الحالة و أصبح سيء المنظر رث الملابس. وبينما كان يسير كالعادة في الشوارع سمع صوتا يناديه فالتفت إلى مصدر الصوت وكان رجل وقور يرتدي ملابس أنيقة واقترب الرجل منه بتوجس وحذر وسأله" ألست أنت فلان" قال بلى ثم سأله مرة أخرى" هل تعمل في مصلحة كذا ؟"فرد نعم. فنظر إليه الرجل وقال له "ألا تتذكرني إنا زميلك لقد كنا زملاء في نفس المكتب قبل أن يتم نقلي إلى مصلحة أخرى منذ أكثر من 15 عاما ".وعانق صديقه القديم وجلسا على احد المقاهي يتبادلان حديث الذكريات. واندهش صديقه من هيئته وقال له "ما الأمر ؟" وحكي لصديقه كل شيء عن زواجه وزوجته وأولاده وشعر الصديق بالأسى لحاله.
وتكرر لقائه بصديقه على المقهى أسبوعيا وأحيانا أكثر من مره في الأسبوع. و في احد الأيام قال له صديقه أن زوجتي تدعوك لتناول الغداء معنا يوم الجمعة القادم وكانت زوجة صديقه زميله أيضا في نفس المكتب الذي عمل به فضحك وقال لصديقه متى كان الزواج ؟ ضحك صديقه وقال منذ أكثر من 10 سنوات.
وذهب في الموعد المحدد ورحبت به زوجه صديقه أشد الترحيب إلا أنها كانت مندهشة من هيئته وهو الذي كان معروفا عنه انتقاء ملابسه من أفخم محلات وسط البلد.
وظل في منزل صديقه حتى ساعة متأخرة من الليل .وأصبح موعد غداء يوم الجمعة موعد مقدس .وبينما كان يجلس مع صديقه على المقهى قال له لماذا لا تتزوج؟ فضحك طويلا وقال زواج أخر!!! ألا يكفى ما حدث من قبل ."ولكن أصابعك ليست متشابهة" رد صديقه
قال" حتى لو قبلت بالأمر هل هناك سيدة ترضى أن تعيش مع نصف إنسان بل قل بقايا إنسان.”
"بنات الحلال كثير."أجاب صديقه
واتصل به صديقه بعد عدة أيام وقال له زوجتي تدعوك لتناول الشاي معنا بعد غدا.
ضحك وقال ولكن بعد غدا الثلاثاء وليس الجمعة
."لاباس ."رد صديقه ولكن عليك أن تهذب من هيئتك قليلا …
شعر بالحرج وقال لنفسه لابد أنني سببت مشاكل لصديقي" لابد أن هيئتي أثارت فضول الجيران..وكان صديقه يسكن في برج ضخم بإحدى المناطق الراقية.
وهذب لحيته قليلا وارتدى قميص أنيق وذهب إلى موعد صديقه ولكن عند وصوله كانت هناك سيدة تجلس مع زوجة صديقه ولكنها غادرت بعد دقائق قليلة من وصوله.
وتقابل في اليوم التالي مع صديقه وقال له ما رأيك في فلانة؟ رد باندهاش من فلانة
"السيدة التي كانت موجودة بمنزلي بالأمس" رد صديقه.
ولكنها غادرت بعد لحظات من وصولي ولم أتبين حتى ملامحها..سكت قليلا وسأل صديقه ما الأمر؟.ومن هذه السيدة.
أنها قريبة زوجتي مطلقة بسبب عدم الإنجاب وقد أجمع الأطباء على عدم قدرتها على الإنجاب مطلقا. وتبحث عن زوج يتقى الله ويعاملها معاملة طيبة هذا كل ما تبحث عنه.
واعتقد انك الشخص المناسب لها.
وهل تعرف عنى اى شيء
"نعم لقد أخبرتها بكل شيء عنك."قال صديقه
كل شيء كل شيء حتى موضوع …..
قاطعه صديقه نعم .هي لا تبحث عن متعة جسدية. فقط معاملة طيبة.
وهل وافقت ؟ رد صديقه" وافق أنت أولا...
واتصل به صديقه في اليوم التالي وقال له "استأذن مبكرا من العمل سوف نذهب مشوار سويا." إي مشوار تقصد؟؟ رد صديقه" غدا ستعرف"
وتوجهها إلى احد المصالح الحكومية وكانت ساعة خروج الموظفين وأشار صديقه قائلا "أترى تلك السيدة التي تعبر الطريق" فرد نعم ثم سكت قليلا وقال أتعني أنني سوف أتزوج هذه السيدة !!!وضحك ضحكا طويلا فقال له صديقه ماذا يضحكك ؟؟ رد قائلا ما الذي يرغمها على أن ترتبط بشخص مثلي؟؟؟ فقال له صديقه "وافق أنت وسوف نرى كيف ستكون الأمور" فرد ضاحكا" موافق يا سيدي موافق".
وقد كانت السيدة رغم أنها تقترب من الخمسين من عمرها ما زالت تحتفظ بقدر كبير من الجمال والانوثة بالإضافة إلى أناقة ملابسها. وفي اليوم التالي قابله صديقه على المقهى فاجأه بطلب غريب" أعطني 5000 جنيه سوف أردها إليك بعد يومين" اندهش قليلا وقال لماذا يريد صديقي النقود أن صديقي ميسور الحال وليس في حاجة للمال ونظر إلى صديقه ولكنه لم يشأ أن يسأله إي أسئلة بل احتفظ بكل الاسئلة لنفسه. وذهب إلى ماكينة صرافه قريبه وسحب المبلغ وأعطاه لصديقه .وعاد إليه صديقه بعد يومين وكان يحمل عددا من الحقائب البلاستيكية ووضع الحقائب على المنضدة أمامه وقال له خذ هذه الاشياء فرد عليه بدهشة أي أشياء؟؟؟ فقال له صديقه" بدله جديدة وعدد من أطقم الملابس( قميص + بنطلون) وحذاء جديد وعدد من الجوارب وداخل كل حقيبة سوف تجد الفاتورة الخاصة بها "ثم أخرج مبلغا من المال وضعه على المنضدة وهذا باقي إل 5000 جنيه وضحك وقال لماذا لم تخبرني رد عليه اعرف انك كنت سترفض وضحكا سويا.
وجاء ميعاد الجمعة وارتدى في هذا اليوم طقم ملابس جديد وحذاء جديد ثم ذهب إلى منزل صديقه ولكنه لم يكن هو الوحيد المدعو إلى الغداء فقد كانت السيدة مدعوة أيضا إلى الغداء. وبعد الغداء استأذن صديقه للخروج إلى الشرفة لإجراء بعض المكالمات التليفونية بينما دخلت الزوجة إلى المطبخ لإعداد الشاي وتجاذب معها أطراف الحديث في عدد من الأمور العامة والشأن العام ولم يتطرق أيا منهما إلى الحياة الشخصية للأخر وبعد الشاي استأذنت السيدة في الانصراف وبقي هو مع صديقه مده أطول. وفي اليوم التالي اتصل به صديقه وقال له ضاحكاً "مبروك لقد وافقت على الزواج"
سكت قليلا ثم قال لصديقه “أرجوك أرسل لي رقم هاتفها أريد أن أتحدث معها في أمر هام “واتصل بها وعرفها بنفسه وطلب أن يلتقي بها
واتفقا على اللقاء بعد العمل وذهبا إلى إحدى الأماكن العامة. بادرها بالقول لقد طلبت مقابلتك لأخبرك عن نفسي .
قالت "ولكن صديقك أخبرني كل شيء عنك"
"أفضل أن تسمعي منى".
قالت أنا هنا لأسمعك
وحكي لها كل شيء عنه وعن أسرته منذ أن كان طفلا وفترات المعاناة في حياته وقصة زواجه الفاشلة وعجزه وموت رجولته وكانت تطرق برأسها إلى أسفل كأنها تريد أن تهرب من الحقيقة .
وعندما توقف عن الحديث رفعت رأسها قليلاً وسألته" هل انتهيت" رد لم يعد عندي شي آخر لأقوله ولكن سنظل أصدقاء وستجدني دائما بجانبك.
رفعت رأسها أكثر قليلا وقالت" أين اقرب مكتب مأذون؟؟"
أسف لم أسمعك جيدا فكررت السؤال مره أخرى أين اقرب مكتب مأذون ؟"
اتعنين أننا….
نعم ستتزوج" واسترسلت قائلة أنا لم أعد ابحث عن متعة جسدية. أريد فقط شخص يتقى الله و يعاملني معاملة طيبة.
"وأنا أعاهدك أني سأكون أفضل مما تظنين".رد عليها.
وخرجا يجريان متشابكا الايدى وكأنهما طفلان ينطلقان في حديقة الحياة.
واتصل بصديقه وروى له كل ما دار بينهما وضحك صديقه طويلا ثم قال" إذا الزفاف الأسبوع القادم في منزلي."
"لا ليس قبل شهرين " قال بأسلوب حاد
“شهرين مدة طويلة” رد صديقه باستغراب
"أريد أن أجدد بعض الأثاث واشترى غرفة نوم جديدة وكذلك على أن أخبر الأولاد".. رد محتدا على صديقه..
لا باس..قال صديقه
السبب الحقيقي الذي لم يخبر به صديقه أنه كان يفكر في رجولته الميتة وجرب كل أنواع العقاقير الطبية والوصفات البلدية حتى أنه في لحظة من لحظات الجنون المطبق لجأ إلى مشاهدة الأفلام المثيرة لعلها توقظ رجولته ولكن دون جدوى…
ومرت الأيام سريعا وحان يوم الزفاف.
وكان حفل الزفاف بسيطا حضره عدد قليل جدا من الأصدقاء ولم يرتدي اى منهما ملابس الزفاف فقد ارتدت هي بلوزة وجيبه بينما ارتدى هو قميص وبنطلون .
وذهبا إلى بعض الأماكن العامة لالتقاط بعض الصور ثم وصلا إلى المنزل وكان يقول لنفسه ماذا عساك أن تفعل أنها تعرف كل شيء وتناولا العشاء سويا ثم جلسا لمشاهدة فيلم السهرة في التلفاز ثم دخلت إلى غرفة النوم وبقى هو على الأريكة يشاهد التلفاز حتى تأكد أنها استغرقت في النوم ثم دخل إلى الفراش.
وكانت تعود إلى المنزل مبكرا حتى يكون طعام الغداء جاهزا عند عودته. وبعد الغداء يجلسان لمشاهدة التلفاز أو الخروج للتسوق . وكان الليل عدوه الأول وكانت ساعات الليل تمر عليه كأنها دهر كامل. فالليل يأتي ليذكره بعجزه وبرجولته الميتة وكان يحس بالشوق لها وكانت قبلاته رسائل شوق يطبعها على شفاهها وان كان لقاء الفراش لا يخلو من قبلات حارة ولمسات ساخنة وكانت القبلات واللمسات تزداد سخونة مع مرور الليالي.
وبدأت هي تحس بشوق جارف له وفي إحدى الليالي بينما كانا يتبادلان القبلات واللمسات الساخنة أحس كان رجولته تستيقظ هل هذا حقيقي!! هل إنا احلم؟ واشتعلت الرغبة بداخله وكانت رجولته تستيقظ رويدا رويدا.
نعم لقد استيقظت رجولته. وكانت الليلة التالية هي الأهم في حياته فدخل إلى الفراش مبكرا وتحولت سخونة القبلات إلى لهيب يشتعل داخلهما واقتربا أكثر وأكثر حتى ذابا في بعضهما .نعم لقد عاد رجلا كاملا .وبعد أن انتهى انخرط في بكاء شديد وهو يقبل رأس زوجته "شكرا لقد أعدت إلي الحياة شكرا" وكانت تضحك بصوت عالي من بكائه وتحاول أن تهدئ من روعه وكان يرتمي على صدرها كأنه طفل يلوذ بحضن أمه . وبعد أن هدا تماما قالت" كنت اعرف انه ليس مرض عضوي بل هو فقدان الإحساس بالأمان والطمأنينة كنت تحتاج أن تحس بالأمان والحب وعندما وجدتهما عدت رجلا كاملا."
فأجهش في البكاء مره أخرى وهو يقول" شكرا شكرا" وكان يختبر رجولته كل ليله كأنه يخاف إن تموت مره أخرى وكانت تغمره بأنوثتها في الفراش وكأنها أنوثة فتاه في العشرين. وشربا معا نخب الحب حتى ارتويا تماما من عطش الشهور السابقة. وعاد في ذلك اليوم وقال لها سوف نسافر لقضاء شهر العسل. ردت ضاحكه" شهر عسل بعد عام من الزواج" رد قائلا أنت مخطئه لقد تزوجنا منذ أسبوعين فقط وضحكا سويا .
وأصر أن ترتدي هي فستان الزفاف الأبيض وارتدى هو بدله جديدة وانطلقا لقضاء شهر العسل في ذلك الفندق الشهير في تلك المدينة السياحية
.وأفاق من ذكرياته على صوت هاتف الغرفة وهو لا يعلم كم مضى من الوقت. أن الزمن يستمد وجوده من الإحساس به . وكانت إدارة الفندق تدعوه وزوجته للنزول إلى المطعم لتناول وجبة الإفطار. ودخل مرة أخرى إلى الشرفة وكانت الشمس تملأ السماء و الحركة تدب في أرجاء المكان.
وتحول صوت ارتطام الموج الى سيمفونية عذبة تسعد من يسمعها. ونظر إلى الأوراق وقد امتلأت بالكتابة. ثم دخل إلى الغرفة ونظر إلى زوجته وكانت لا تزال نائمة وقال لنفسه" ما أعجب الأقدار!! أن أقدارنا كلها خير حتى لو بدت لنا غير ذلك". ثم أمسك بالقلم ليكتب السطر الأخير من القصة……….
(إن الحب مرحلة ولابد أن يأتي حتى ولو كان حب في الستين.)
1 Votes

Leave a Comment

Comments

Story Chapters

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.