تُهدى رواية الروح الزرقاء إلى والدتي، التي بذلت قصارى جهدها في محاولاتها المتكررة لكسر إرادتي وتحطيم روحي. لقد أدت هذه الجهود إلى وضعي في ظروف صعبة ومعقدة خلال رحلتي في الحياة. ورغم كل ما عانيته من آلام وصعوبات، إلا أنك لا تزالين غافلة تمامًا عن حجم الألم والمشاعر الجارحة التي تتكدس في قلب ابنتك.
في لحظات من الصمت المؤلم، أوجه إليك، أمي العزيزة، طلبًا صغيرًا ولكنه يحمل معنى كبيرًا بالنسبة لي. أتمنى أن توافقي على منحي قبلة واحدة من والدي، فهي تعني لي أكثر مما يمكن أن تتصورين. كما أتوجه إليك بطلب آخر، وهو أن تتركي لي حرية الحركة والاختيار دون فرض أي قيود أو شروط. إنني في أمس الحاجة إلى الحرية لاتخاذ قراراتي الخاصة واختيار الطريق الذي أراه مناسبًا لي في حياتي. أشعر بأنني بحاجة إلى مساحة شخصية تمنحني القدرة على التعبير عن نفسي بحرية وصدق. لذا، أرجوك أن تأخذي هذا الأمر بعين الاعتبار وتسمحي لي بالمضي قدمًا دون أن تقفي عائقًا في طريقي.
تلك الفتاة الاستثنائية ذات ثمان سنوات كانت انا، التي تحملت منذ صغرها أعباءً ومسؤوليات ثقيلة، لقد تحملت دور والدتي، وأصبحت قريبة من والدي أكثر من أي شخص آخر في حياتي. علاوة على ذلك، نمت وتطورت لأكون شبه أم لإخوتي الصغار، حيث كنت أقدم لهم الرعاية والدعم، وكأنني كنت أقوم بدور مزدوج في حياتي.
أنا منى، أبلغ من العمر اثنين وأربعين عاماً، وأعيش في منطقة جنوب العراق. أواجه تحديات في حياتي كزوجة لرجل لا يتحمل المسؤوليات كما ينبغي، مما يؤدي إلى إهماله للواجبات والأعباء التي تقع على عاتقه كزوج وأب. لدي أربعة أطفال؛ ثلاثة منهم ذكور وواحدة أنثى. ابنتي تبلغ الآن من العمر ثماني سنوات.أسعى بجد لتفادي تكرار نفس نمط المعاملة الذي تعرضت له من والدتي في طفولتي. أعمل بكل طاقتي على توفير بيئة أفضل لأطفالي، حيث أنني أشعر كما لو كنت أعيش من جديد تجارب طفولتي التي فقدتها، من خلال تربية ابنتي. أهدف بصدق إلى منحها ما لم يكن متاحًا لي في صغري، وأبذل قصارى جهدي لتلبية احتياجاتها النفسية .
لقد وصلت إلى مرحلة مؤلمة للغاية، حيث ينتابني شعور بألم شديد في قلبي ،كلما شاهدت دموع ابنتي تتساقط. أشعر بمعاناة حقيقية لحزنها، وأدرك تمامًا كم أتمنى أن تبقى بعيدة عن المعاناة التي عانيت منها في السابق. لقد أصبح لقب الأم الجاحدة بمثابة جرح عميق في أعماقي، يثير فيّ ذكريات مؤلمة ومواقف صادمة لا أريد أن تتعرض لها ابنتي.كلما اقتربت مني فتاة وشاركتني قصتها ومعاناتها التي مرت بها، تبدأ ذكرياتي في استرجاع الآلام التي عانيت منها مع والدتي في تلك الفترة العصيبة. تثير تلك الذكريات جروح الماضي التي لم تلتئم بعد، ويبدأ صدى تلك الصدمات يتردد في أعماق نفسي، مما يؤثر علي بعمق ويزيد من شعوري بالوجع والقلق بشأن مستقبل ابنتي. أشعر بتساؤلات تساورني حول كيفية تعاملي مع التحديات التي قد تواجهها في حياتها، وما إذا كنت سأكون قادرة على دعمها ومساندتها في الأوقات الصعبة.أستطيع أن أسترجع بوضوح تفاصيل الحادثة التي وقعت عندما كنت في الثامنة من عمري. في ذلك الوقت، حدث شجار شديد بين ابي وأمي، ورغم أنني لا أستطيع تذكر السبب الدقيق الذي أدى إلى هذا النزاع، إلا أنني أحتفظ في ذهني بصورة واضحة لوالدتي وهي تطلب المساعدة من إخوانها. لقد جاء إخوانها لنجاتها وقدموا لها الدعم والمساندة، مما مكنها من مغادرة منزلنا، تاركين والدي بمفرده.بينما كنت أواجه تحديات وصعوبات في هذا العمر المبكر، كان إخواني الاثنان بحاجة أيضاً إلى الدعم والرعاية. كنا عائلة تتكون من ستة افراد، وهم الأب والأم . بالإضافة إلى ذلك، كان لدي ثلاث إخوة: اثنان منهم ذكور وطفلة صغيرة. أختي الصغيرة، التي تُدعى ريام، كانت تبلغ من العمر أقل من سنة، وقد أخذتها والدتي معها إلى منزل خالي. وفي المقابل، كان إخواني الذين بقوا معي في المنزل هما رعد وحسام. كان رعد يبلغ من العمر ست سنوات، بينما كان حسام في الرابعة من عمره.والدي هو الشخص الطيب الذي ألفتُ فيه رحمةً عظيمة تعكس مشاعره نحوي عمق محبتِه ، ربما حتى أكثر من مشاعر والدتي. هل يمكن أن يكون الأب أكثر حناناً من الأم؟ نعم، هذه الظاهرة ممكنة أحياناً، فليس هناك شيء في هذا الكون بعيد عن الاحتمالأت. لا يوجد شيء يمكن اعتباره نادراً تماما.
أفهم تمامًا أن قصتي قد تبدو غير عادية أو قد يصعب على البعض تصديقها. كيف يمكن لأم، من المفترض أن يكون حبها لأطفالها دون شروط، أن تتحول إلى شخصية صارمة تترك ابنتها التي تبلغ من العمر ثماني سنوات وحدها لتقوم برعاية طفل في الرابعة من عمره؟. يتبادر إلى ذهني دائمًا مجموعة من التساؤلات المحيّرة: هل يمكن لابنتي، في هذه المرحلة من حياتها، أن تتحمل عبء ومسؤولية الاهتمام بطفل أصغر منها بكثير؟ أرى أن هذا الأمر غير ممكن بالمطلق. لهذا السبب، أحرص دائمًا على تذكير نفسي بأنني أملك قوة داخلية فريدة واستثنائية، تمكنني من التغلب على الصعوبات التي تعترض طريقي. هذه القوة، بالإضافة إلى عمق تجربتي الروحية، قد ساعدتني في التعامل مع العديد من العقبات التي واجهتها، بما في ذلك مواجهة عدد كبير من الخصوم. ومن بين هؤلاء، تحتل والدتي المكانة الأولى في هذه القائمة.أثار هذا الموضوع في نفسي مشاعر معقدة وعميقة، حيث شعرت بالصدمة والإجهاد النفسي. في كل مرة أحاول فيها التعمق في البحث عن تفسيرات جديدة لسلوكها، أجد نفسي أعود مجددًا لمواجهة تلك الشخصية التي تتميز بالجحود والقسوة.