## الفصل الحادي عشر
### **معركة الظلام والنور**
انطلقت أوامر الإقلاع بدقاتٍ آليةٍ رتيبةٍ تخترق صمت المحطة الفضائية “أورورا”:
«إقلاع… إقلاع… إقلاع.»
ارتجت أرضيات الممرات المعدنية، وتحركت أسراب السفن الحربية كطيورٍ حديديةٍ نحو قلب الفضاء الأسود، تُعلن بدء الصدام.
جلست لولنا خلف لوحة التحكم، ويَدَاها ترتجفان قليلاً من ثقل المسؤولية. همست لنفسها: «الأضرار تتصاعد… ابقي يقظةً ولا تنجرفي إلى الخوف.» ثم ضغطت زرّ الإطفاء الطارئ.
في لحظةٍ واحدة، اندثرت آلاف الأضواء، وعمّ الظلام المحطة بأكملها، حتى إن الصخب المفاجئ لانطفاء المحركات بدا وكأنه يختفي داخل ليلٍ سحيق.
داخل جناح “العمود الأسود” التابع لبنيان، اعتلت ملامح الجنود الصدمةُ والذهول. توقّفت المدافع الكهرومغناطيسية، وتبدّد دويّ الانفجارات.
حتى أن أجراس التحذير توقفت، ولبعض اللحظات ظنّ العدو أنهما اختفى إلى الأبد.
ثم عبر الصمت حفيفٌ خافت، ينبع من وحدات “الدرع المتنقلة” التي صممتها لولنا. اندفعت هذه الوحدات عبر الظلام، أشبه برقاقاتٍ معدنيةٍ متراقصة، فتسللت إلى قلب تشكيلات بنيان وكأنها شعاع ضوء ينسف الأحجار من الداخل.
ترافق ذلك بانفجار هادئٍ في الطبقات الداخلية للدروع، فاهتزّت السفن فوق عصفٍ من الشرر.
ثم انطلق الهمس الثاني في أجهزة الجنود:
«قراءة ذهنية ناشطة…»
كانت تقنية “قراءة الأفكار” التي يتقنها فرسان مملكة جم، تعرف مواقع العدو بدقةٍ لا مثيل لها، فكشفت مواقع منصّات التوجيه، وأرسلت الصواريخ كسهامٍ يخطّها عقلٌ واحد.
على جسر قيادة بنيان، ارتفع صوت القائد المدمر وهو يصيح:
“لولنا… هذه مؤامرةٌ لا تغتفر! كيف تجرئين على قهرنا في قلب ليلنا؟”
ظهرت لولنا عبر الشاشة، ابتسامتها باردةٌ وثابتة:
“ليس القمر وحده من يختبئ في الظلام، بل من يملك الشجاعة ليضيء الطريق.”
قاطعها بنيان بصوتٍ متقطعٍ من الغضب:
“لن أتراجع… فكل معركةٍ نخسرها، تقربنا من النهاية!”
ردّت لولنا بثباتٍ لا يتزعزع:
“أما أنا… فأرفض أن يكون الخوف مصيري.”
في هذه الأثناء، ضغط جم زرًّا على لوحة التحكم، فأطفأ أنبوبًا مركزيًا في عرض الخريطة الاستراتيجية. نظر إلى لولنا بإعجابٍ صامتٍ وقال:
“أنتِ أقلقتِ الظلام، وأعادتِ السيمفونية إلى الفضاء.”
مع انكشاف عيوب تشكيلات بنيان في الظلام، شنّ التحالف هجومًا معاكسًا.
تكسّرت صفوف العمود الأسود، وتفجّرت الفرقاطات من الداخل، فتشتت حطامها كسهامٍ تائهةٍ في فراغ الكون.
تقدّم بنیان ببطءٍ نحو منصة المراقبة، وابتسم رغم جديته:
“أحسنتِ، لولنا… لقد هزمتِ ظلي قبل أن تهزمي.”
تقدّم جم من جانبه، ومدّ يده له في جسارة:
“مرحبًا بك صديقًا في حلف النور. اليوم نكتب فصلًا جديدًا، لا تُختم فيه الأسلحة، بل الأقلام.”
وقفت لولنا بينهما، ورفعوا الكؤوس الفضّية معًا؛ كرمزٍ لتحالفٍ لم يكن متوقعًا إلا في خيالٍ كبير.
قالت لولنا بصوتٍ خافتٍ لكنه عميق:
“حين تظنّ أن العالم سيُدرك النهاية، احتفل أنت ببداية الأمل.”
ثمّ عمّت التصفيقات أروقة المحطة، وتبادل الأبطال الابتسامات والتهاني، بينما ارتفعت ساعة “أورورا” لتنقض عقاربها بموجةٍ جديدة من الحياة.
*نهاية الفصل الحادي عشر*