عقد و نيف من الزمن مرّ على وداعهما، جنّ الترحال تلبس بي. زرت مدنَ الله، يممت شرقا و غربا شمالا و جنوبا. عزفت روحي ان تحط رحالها ببلد لا يسكنه الراحمان، و أنِفت العودة الى بلد نهش اهله الطغيان.
و هكذا علقت ببرزخ الطائرة، حالي حال الأعراف... لا إلى هؤلاء و لا إلى أولئك. أروي اليوم حكاياتي، من برزخ الطائرة، من على ارتفاع ثلاثين الف قدم وقدم، معلق بين السماء و الارض، و أي أرض تؤم من هجر أمه!
صرتي يا طائرة لي سكنا،
و اضحيت بديلا من مضاربنا..
شتت أهلي و لا زالت تباعدنا..
ألف قدم و قدم فهلا جمعتينا؟
هكذا حدثت إدبار الزمان، مضيف طيران بنغلاديشي تحت اشرافي تعرض للمضايقة من مسافرة مستفزة، لم يخبرنِ بمأزقه، انما رفعت شكواه إلي المضيفة فرانشيسكا.
يا إدبار الزمان لماذا ترفض ان أنافح عنك؟ لماذا تخفي ألمك خلف ابتسامتك؟ حتى الركاب بجنب تلك المستفزة شهدوا لك بحسن الادب و اللباقة و استنكروا طيش المستفزة.
تذكرني بأمي يا إدبار الزمان، كانت اذا اشتهى احدنا لونا من الطعام زهدت في طبقها و ناولته اياه مرددة الحمدلله و الجوع يقرصها.
لا، يا إدبار الزمان.
أدبر زماننا مذ تسلّطت علينا جماعة مستفزة.
سأنافح عنك اليوم.
طيبتك—مثل طيبة أمي—مستفزّة.
هل يمكن أن نبقى طيبين في عالم يحيطنا بالاستفزاز، حالنا حال أهل الأعراف؟ أم أن إدبار الزمان يُعلّمنا أن الطيبة أحيانًا تكون صمودًا وحيدًا؟