"السيدة بوفاري، بلغني انفعالك على طاقم الضيافة!"
كانت سكرانة، رأسها مسندة على النافذة، ظهرها مائل وراء خصرها المتدحرج على مقعدها، خائرة اليدين لا تقدر على الاعتدال بجلستها، تحاول جاهدة استحضار مخها المخدّر، عيناها سابحتان في الفضاء لا تحملقان.
وجنتاها حمراوتان..أزرار قميصها الشفاف مفتوحة على جيب صدرها، سروالها الجينز الملتصق بجلدها والمقطع علي الأوراك لا يتناسب مع تجاعيد وجهها، مدججة بالذهب و الحلي بوجهها، رقبتها، أذنها، حتى أنفها، معصميها وكل أصابع يديها عدى بنصر شمالها.
جبت بعيني جيرانها الركاب، خلفها عائلة تتأفف من إزعاجاتها، جنبها فتاة ممتعضة، أمامها رجل أعمال ينقر حاسوبه يتنفس الصعداء أن المزعجة وجدت حدّا لها..
بنبرة ثقيلة متلعثمة "لقد.. لقد صرخخخ في.. في وجهي"
اعترضت فرانشيسكا "بعد ماذا، ترجاك زميلي ثلاث مرات حتى تفسحي الرواق، رفع صوته علّك تنصتين"
كأنما فتحت فرانشيسكا على المزعجة فوهة بركان الراكبين..
العائلة خلفها "يا سيدي، ابنتي مرتعبة منها، جد لها حلا"
الفتاة جنبها تندب حظها العاثر في المزعجة بدلا عن شاب وسيم "من فضلك، هللا نقلتني الى مقعد بعيد عنها"
رجل الاعمال "لدي اجتماع، دعها تكف عن ركل مقعدي"
رفعت كفي، نقطة نظام وسط الشوشرة "يا سيدتي، طاقم الضيافة هنا في خدمتكي، تعليماتهم تبتغي سلامة الرحلة، تركوا أهاليهم وسط أعياد الميلاد و رأس السنة لخدمتكي"
كلماتي مضت دونما صدى كأنما المزعجة سراب..
"هللا أخذت منكي وعدا بالتعاون؟"
عند نون التعاون لمع بريق بعينيها، لمسَت بيمناها قلبها، ثم لفّت ذراعيها حولها كالحضن. . أخَذَت نفسا عميقا، صمتَت صمتا أعلى بيانا من كل الأصوات، ثبَّتَت عيناها عليّ ثانية من الزمن، هزت رأسها مرتين، ثم أشاحت بوجهها عني و عن جيرانها الركاب.
ثانية واحدة تجلَّت فيها مأساتها..
تعاونت طفلة وسط جيل غربي محافظ لقنها الاحتشام مقابل الظفر بفارس الأحلام، غنت للسيد المسيح في كل الكنائس..
انتهت الحرب الباردة و اصبح الغرب شيوعيا كل ما فيه مشاع حتى الفارس النبيل، تبرجت و رقصت في كل الملاهي..
وحيدة هِيَ، كانت كل ما أراد المجتمع، إلّا أن تكون هِيَ.
هِيَ مسافرة ليس نحو وجهة، هِيَ مسافرة نحو هِيَ.
هِيَ هِيَ.
جهلتها أنا و فرانشيسكا و الركّاب.. و فهّمها الله إدبار الزمان.