على مدار تاريخه الممتد لأكثر من مئة أعوام وعشرة، تعاقب على تدريب فريق كرة القدم بالنادي الأهلي عشرات المدربين المصريين والأجانب، في البداية وفي ظل عصر الهواية لم تكن الحاجة مُلِحَّة لوجود مدير فني للفريق، فكانت مسؤولية توجيه الفريق فنيًّا خلال المباريات تقع على عاتق رئيس الفريق «كابتن الفريق».. ومع بداية انتشار اللعبة وتزايد عدد الفرق الممارسة للعبة، ومع انطلاق أول مسابقة رسمية لكرة القدم في مصر ظهرت الحاجة لوجود مدرب متخصص.
وبالنظر لحداثة عهد اللعبة في مصر، ولعدم وجود مدربين مصريين متخصصين، وفي ظل وقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني، وبالإضافة لتواجد عدد كبير من الأجانب الذين مارسوا واحترفوا اللعبة في بلادهم قبل وقت طويل، وكذلك وجود العديد من فرق كرة القدم الإنجليزية التي كانت تمارس اللعبة من خلال المباريات الودية أو عن طريق المشاركة في المسابقات الرسمية في وقت لاحق؛ كان من المنطقي أن تكون البداية مع المدرب الأجنبي، وكان ذلك في العام 1925، عندما تولى أول مدرب أجنبي قيادة الفريق.. والحقيقة أنه لم تتوفر أي معلومة توضح هوية هذا المدرب الذي كان يشار إليه في الصحف في ذلك الوقت بـ «المدرب الإنجليزي» وهو أمر طبيعي، لأننا نتحدث عن حقبة زمنية كان الاهتمام فيها بالرياضة عمومًا وكرة القدم على وجه الخصوص يكاد يكون معدومًا، ولم تخصص أي جريدة أو مجلة صفحة ثابتة لمتابعة الأخبار الرياضية، بل كان الحديث عن الرياضة في ذلك الوقت يتم على فترات متباعدة وفي مناسبات محددة وبطريقة مختصرة تخلو من أي تفاصيل، وقد نستدل على هذا الحدث بما ورد في محضر مجلس إدارة النادي عام 1926 بشأن مخاطبة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بشأن استقدام مدرب إنجليزي ثان لتدريب الفريق، مما يعني بالضرورة وجود مدرب إنجليزي على رأس القيادة الفنية للفريق في موسم 1925/1926، وهو الموسم الذي شهد تتويج فريق الأهلي بلقب كأس السلطان حسين، كما شهد الانتصار الكاسح لفريق الأهلي على المختلط «الزمالك حاليًّا» بنتيجة 6/0 في دوري منطقة القاهرة..
وهو ما يدفعنا للتساؤل عما إذا كان استقدام هذا المدرب لرغبة الإدارة في الاعتماد عليه لإعداد الفريق الثاني للنادي «الأهلي الأبيض» والذي تم تأسيسه خلال هذه الفترة بالتحديد.. ولأن الشيء بالشيء يذكر، يجب أن نشير إلى قيام اتحاد كرة القدم في مصر بالاعتماد على المدرب الإسكتلندي الشاب جيمس مكراي، والذي قاد المنتخب المصري في منافسات دورة الألعاب الأوليمبية بأمستردام عام 1928، وكذلك خلال منافسات كأس العالم 1934، قبل أن يترك منصبه ليتولى الإشراف على المنتخبات الوطنية بترأس ما يشبه لجنة إعداد المدربين باتحاد كرة القدم..
وبمرور السنين، ومع انتظام المسابقات الرسمية في مصر، وحتى بعد انطلاق أول بطولة للدوري العام سنة 1948، وتواجد العديد من المدربين المصريين الذين نجحوا في اكتساب المعرفة اللازمة للقيام بالمهمة، كانت اللعبة تمارس وتدار بأسلوب أقرب إلى الهواية والارتجال، حيث لا مجال للحديث عن أشياء مثل التدريب وخطط اللعب والإعداد البدني وغيرها من عناصر كرة القدم الأساسية بمستواها الاحترافي، ونظرًا للفارق الشاسع بين المستوى الفني للعبة في مصر ونظيرتها في أوروبا؛ ظلت اليد العليا للخواجة، والذي كان بحكم الخبرة والأقدمية قادرًا على إحداث الطفرات وإضافة التأثير بغض النظر عن مستواه التدريبي..
وبالحديث عن الخواجة، يجب أن نذكر أن معايير اختيار المدرب الأجنبي قد تغيرت بمرور الوقت، واختلفت باختلاف الأهداف المراد تحقيها.. فمع دخول الفريق معترك المنافسة القارية، وفي ظل تطور مستوى المنافسين داخل القارة، لم تعد «البرنيطة» وحدها صكًّا للنجاح، ولم تعد القارة الإفريقية بلد العميان التي يصير فيها الأعور ملكًا، وهو ما ظهر بشدة مع بداية عقد الثمانينيات، حيث كان الفشل مصير أغلب تجارب المدربين الأجانب في الوقت الذي قاد فيه المدرب المحلي الفريق للنجاح وتحقيق البطولات.. والأمر سواء فيما يتعلق بتقييم مدى نجاح التجربة من عدمه، خاصة مع تعاظم آمال الجمهور وارتفاع سقف الطموح، فالمشجع الذي كان يهلل طربًا لقدوم الخواجة القادم من مجاهل أوروبا ليقود فريقه للمستوى التالي؛ لم يعد يرضيه سوى سيرة ذاتية تتضمن عددًا من أسماء الفرق الأوروبية الكبرى، وهو المشجع نفسه الذي كان يكفيه تتويج محلي، فصار يبحث عن اللقب القاري التالي، ثم لم يعد يرضيه سوى الفوز بجميع بطولات الموسم بأداء أوروبي مبهر..
بقي كذلك أن نذكر أنه لم تكن هناك أبدًا أي علاقة بين اسم المدرب الأجنبي في عالم التدريب وقوة سيرته الذاتية، وبين فرصه في تحقيق النجاح والبطولات، ففي الوقت الذي فشلت فيه أسماء تولت تدريب أكبر أندية العالم وحققت معها البطولات؛ كان النجاح من نصيب المدربين المغمورين الذين اقتصرت تجاربهم على قيادة بعض الأندية المتوسطة أو المتواضعة في دوريات التصنيف الثاني، دون تحقيق أي نجاح يذكر..
في الصفحات التالية، نتعرف بشيء من التفصيل على المدربين الأجانب
الذين تولوا تدريب فريق الكرة بالنادي الأهلي.. من هم؟ وماذا حققوا قبل تدريب الفريق؟ وما هي الظروف والأسباب التي قادتهم للمنصب؟
ولماذا نجحوا، أو فشلوا؟!