رَكَّز الدين على مكارم الأخلاق، وجعل البذاءة من علامات النفاق، وأصبح من أساسيات الحضارة السلم المجتمعي، حيث إن المجتمع قد استقر على حد أدنى من احترام الآخر، لذلك حتى في حالات القطيعة مع الواقع المجتمعي نجد الرسول عليه الصلاة والسلام يقر القيم الأساسية للمجتمع بقوله: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق» أو يقول: «خياركم في الإسلام خياركم في الجاهلية».
ومن أبجديات المحافظة على سلام المجتمع سد أبواب التهديد للأمن والسلام المجتمعي، بالطبع أساء البعض فهم مسببات استهجان البذاءة عند المسلمين، فكون أحدهم عدوًّا لنا فهذا لا يبيح لنا السباب واللعن؛ بل نرد الكلمة بأفضل منها نزعًا لفتيل الانفجارات المجتمعية.
لذلك نجد «التجديف» تهمة شائعة بين كثير من الديانات؛ لكن توسعت في عقوبتها ديانات في حقب تاريخية مختلفة، والتجديف هو «البذاءة ضد الدين وإساءة الأدب مع الله والرموز الدينية المقدسة».
وفي أزمنة الاستقرار تتساهل الديانات مع المُجدفين وفي أزمنة الضعف تبطش بهم، فتفسير التعاليم الدينية يعتمد على حالة المجتمع، ففي قرون مضت كانت بعض أنظمة الحكم تعاقب المجدفين وأنظمة أخرى لا تعاقبهم، فنجد المجتمع يغض الطرف عن الرازي الذي كتب رسالة في إنكار النبوة، ويعدم الحلاج لأنه شطح في استخدام الرمز الصوفي معولًا في معركته ضد فساد الخليفة العباسي المقتدر بالله وأمه شغب، ومحنة خلق القرآن وعقاب المعتصم للإمام أحمد بن حنبل، أتى في زمن سيطرة «المعتزلة» على بلاط المأمون بن الرشيد بعد انقلابه الدموي على أخيه الأمين، ثم استمرار سطوة المعتزلة في عهد المعتصم؛ لكن هزم المعتزلة الإمام محمد بن إدريس الشافعي وذلك عندما استقرت خلافة المعتصم، والمعتزلة «فرقة إسلامية تنتسب إلى واصل بن عطاء، تميزت بتقديم العقل على النقل، وبالأصول الخمسة التي تعتبر قاسمًا مشتركًا بين جميع فرقها، من أسمائها القدرية والوعيدية والعدلية، سُميت بالمعتزلة لاعتزال مؤسسها مجلس الحسن البصري بعد خلافه معه حول حكم الفاسق».
إذن حفظ اللسان والتأدب في الخطاب من أساسيات الاستقرار، لذلك تبقى البذاءة وسوء الأدب من مهددات الاستقرار والأمن في أي مجتمع.