في الصباح، دخلت المحققة تغريد -التي كانت ترتدي الزي الرسمي للشرطة وتربط شعرها البني على شكل ذيل حصان- إلى مركز الشرطة ومعها بضعة أوراق وصاحت فيهم:
- «فريق المهمات الخاصة استعدوا!! إنها قضية جديدة يا شباب، في السابعة صباحًا وُجِدَت جثة فتاة مطعونة وملقاة أسفل الجرف الكبير الذي يقع إلى جانب وادي دجلة، لم يستطع أحد حتى الآن التعرف عليها بسبب تهشم رأسها، ولم تكن معها أوراق تثبت هويتها، لا يزال الطب الجنائي يبحث عن هويتها والأسباب المؤدية للوفاة؛ ولكن حتى الآن يُعْتَقَد أن السبب هو وقوعها من فوق الجرف».
قاطعها الضابط مُحمد:
- «مطعونة! إذن لقد قتلها أحدهم بالتأكيد».
ردت تغريد بسخرية:
- «من أين لك بتلك العبقرية؟!».
صمت مُحمد من شعوره بالحرج، بينما التفت إليها المحقق أركان بكرسيه باهتمام وقال لها:
- «لقد حدثت بمنطقة غير تابعة لنا، فلماذا نتدخل؟».
تغريد: «أنظر إلى هذا» قالت هذا وهي تعطيه أوراق القضية، وأكملت: «نظن أنها قضية القاتل المتسلسل الذي طالما طاردناه، جميع جرائمه حتى الآن كانت في منطقتنا، ويجب أن نضم إلينا هذه القضية أيضًا».
رد أركان بلامبالاة: «تعلمين أنني لا أحب القراءة، قولي لي باختصار ما الذي جعلك تظنين هذا؟».
- «إنه الحرف الذي كُتب إلى جانب الجثة «A» في كل مرة يقتل فيها هذا القاتل أحدًا يترك خلفه الحرف الأول من اسم الضحية ويأخذ مقتنياتها، كما أن الجريمة حدثت ليلًا كالعادة، وتم طعن الجثة وتعذيبها حتى الموت وإلقاؤها من فوق الجسر. كما أن أول من رأى الجثة يظن أنه اشتم رائحة عطر قوية كانت تفوح منها، لذا لا بد أنه نفس القاتل المتسلسل».
- «حسنًا، لنتوجه الآن إلى مسرح الجريمة؛ لكن قبل هذا هل رأيتِ أسيل؟».
- «أحاول التواصل معها منذ الصباح؛ لكن هاتفها مغلق، ربما تكون أطالت النوم كالعادة».
- «لا يوجد وقت، دعونا نذهب الآن إلى موقع الجريمة».
- «حسنًا».
تجهزا للذهاب بينما الضابط مُحمد لا يزال على مكتبه، ويبدو وكأن حدقتي عينيه قد اتسعتا فجأة بينما يحدق بهاتفه، فقالت له تغريد:
- «ما بك؟... لمَ لمْ تنهض؟ هل تحاول التظاهر بالمرض مثل آخر مرة، لا أصدق أنك ضابط وما زلت تخشى الجثث!».
- «لا، ليس هذا هو الأمر؛ لقد كنت أقوم بمقلب في أسيل، وثبتُّ برنامج تعقب على هاتفها، وتتبعت موقعها للتو، واحذري ماذا وجدت؟!».
- «لو عطلتنا من أجل أمرًا تافه احذر أنت مما سيحدث لك!».
- «إنها عند الجرف الذي سنذهب إليه اليوم».
أمسكه أركان من ياقة قميصه بعنف وصاح به في غضب: «ماذا تقصد؟ ولمَ تتعقبها أساسًا؟!».
ابتعد عنه مُحمد ورد وهو يتلعثم: «اهدأ!... للـ لقد أخبرتك أنها كانت مزحة، عمومًا يجب أن نذهب لنتأكد أولًا».
نظر إليه أركان وما زال مقطِّبًا حاجبيه: «نتأكد من ماذا؟».
رد محمد بتردد: «من وجودها هناك».
قاطعتهما تغريد محاولةً تبرير الموقف وتهدئة الأوضاع، فقالت وهي تبتسم: «لا تقلق، إنها أقوى من أن تموت هكذا.. أتعلم ربما سبقتنا إلى هناك، إنها
خرقاء وتحب التصرف من تلقاء نفسها دائمًا، وتذكرا أنها مهووسة بتلك القضية!».
أركان: «نعم معكِ حق، لمَ سنفترض الأكثر سوءًا وأسيل ليست بهذا الضعف؟!».
محمد: «ما يقلقني هو الحرف الأول الذي تركه القاتل خلفه».
نظرت تغريد إليه بنظرات وعيد وقالت له: «اصمت ودعنا نذهب إلى هناك بسرعة!».
اتجهت الفرقة جميعها إلى المنحدر الذي كان مألوفًا جدًّا عند أحدهم، وأظهروا شاراتهم لضباط المنطقة -الذين كانوا أول المسرعين إلى الموقع- واقتربوا من موقع الجريمة، بينما تقدم أحد الضباط التابعين للمنطقة وقال:
- «أنا المحقق شريف، ويسعدني التعاون معكم».
ردت تغريد بقلقٍ شديد: «أين هي الجثة؟».
- «لقد تم نقل الجثة إلى المعمل الجنائي الخاص بمنطقتنا، ستصلكم النتائج عند انتهائها، وهذه الأغراض التي وجدناها بالموقع».
أمسكت تغريد بالهاتف والقلادة وهي تكاد تبكي، ونظرت لأركان وقالت:
- «هذا مستحيل! ما زلت لا أصدق؛ ولكن هذه هي أغراضها!!».
ظل أركان يحدق بالأغراض ولم يرمش له جفن بينما ربت محمد على كتفها وقال:
- «ما زال الأمر غير مؤكد لننتظر تقرير الطب الشرعي».
نظرت تغريد إلى الأغراض الموجودة بين يديها، وأمسكت بمنحوتة خشبية أشبه بشاب يرتدي بذلة الزفاف، وقلبها يعتصر من الألم».
بينما أخذه أركان من يدها وقال: «ما هذا...؟! لقد كنتِ تحدقين به منذ فترة».
قاطعها المحقق شريف قبل أن ترد: «لقد كانت الضحية تمسك به عندما ماتت».
تغريد: «هل تظن أنها رسالة من الضحية؟».
شريف: «ربما».
حدقت تغريد بأركان لثوانٍ، ونادى محمد على شريف ليسأله عن بضعة أشياء، ولاحظ أركان أن تغريد ترمقه بنظرة مريبة فقال لها:
- «ما بك؟».
ردت تغريد بتوتر: «لا شيء».
- «هل تتفقين معه في ما قاله؟».
- «لا أعلم، ربما هي مجرد لعبة أو تذكار.. شيءٍ كهذا».
- «إذن اتركيها وركزي بالمهمة! يجب إيجاد هذا القاتل بأسرع وقت!».
ردت وهي تكزُّ على أسنانها:
- «بالطبع، ففي النهاية إنها خطيبتك وأعز صديقاتي أيضًا».
- «لم نتأكد بعد من هويتها، لا تفقدي الأمل».
- «معك حق».
عاد محمد إليهم وقال:
- «الفحص الأول قد أكد أنه لا توجد بصمات أو أي شيء، إن قاتلنا محترف كعادته».
أطالت تغريد النظر إلى أركان مرة أخرى ثم التفتت إلى محمد وقالت:
- «يجب أن نبحث عن أي أدلة قد تقودنا إليه، هذه ليست قضية قتل عادية، أنا متأكدة أن القاتل قد ارتكب خطأً ما قد يقودنا إليه».
أركان: «لا تقلقي، سنمسكه هذه المرة».
بدأ المحققون بتفقد المكان والأدلة طوال اليوم، ثم عادوا إلى المركز ليحاولوا ربط المعلومات معًا، منتظرين نتيجة الطب الشرعي، لم تنفك تغريد عن النظر للمحقق أركان طوال الوقت، بينما المحقق أركان بدأ بسرد الحقائق التي علموها حتى الآن، وما إن انتهى من إلقاء كلماته حتى جذبها بيديه إلى الخارج وقال لها بغضب:
- «ما بك شاردة الذهن ولم تتوقفي عن التحديق بي سواءً أكان في الموقع أو هنا؟! هل أصابت الصدمة رأسك؟!! أخبريني ما يحدث وإلا سأعفيك من التحقيق».
بدأت تغريد بالبكاء بغزارة وكأن الأمطار قد انهمرت من عينيها للتو، بينما قالت له:
- «لقد كانت خطيبتك!! كيف تكون بهذا البرود؟! لقد مات للتو شخص منَّا».
هدأ أركان حينما رآها تبكي وربت على شعرها وهو يقول: «اهدئي! لم يتم تأكيد هذا بعد، أنا أثق أنها حية في مكانٍ ما وستفاجئنا كعادتها؛ لكن الآن ينبغي أن نتعامل مع هذا القاتل ونوقفه قبل أن يرتكب جريمة أخرى! أعدك أن كل شيء سيكون بخير؛ ولكننا نحتاج إليكِ الآن».
ابتعدت تغريد عنه ومسحت دموعها وقالت له: «لا تقلق، سنمسك به بالطبع».
- «الآن يجب أن نعود للمنزل، نحتاج للراحة لكي نصفي أذهاننا ونمسك به بأسرع وقت، وهذا وعدٌ مني بذلك».
- «حسنًا».
عاد الجميع إلى منزله؛ ولكن تغريد لم تعُد للحصول على الراحة، بل للحصول على المزيد من المعلومات، وبدأت تضع صورًا لجميع الأدلة جنبًا إلى جنب؛ لتبحث عن القاتل المحتمل، وبدأت تنظر إلى صورة المنحوتة الخشبية وتفكر:
- «هل تسرعنا في اعتقاد أنها جريمة لقاتل متسلسل؟!».
وبدأت تتذكر أسيل صديقتها المقربة عندما قابلتها في المرة الأخيرة....
دخلت أسيل إلى الغرفة وهي تتمتم بكلمات أغنية بصوتٍ منخفض، فنظرت إليها تغريد بينما تمسك القهوة بيدها، وقالت وهي ترفع حاجبيها:
- «تبدين سعيدة اليوم، هل من جديد؟».
- «لقد اشتريت هذه اليوم، وسوف أضعها على كعكة زفافي».
ضحكت تغريد وقالت: «ما هذا الشيء؟».
- «إنها منحوتة صنعت يدويًا، ما زال الجزء الآخر لم يُصنع بعد، أريد صنع فتاة ترتدي ثوب زفاف وأضعها مع هذه المنحوتة على كعكة زفافي».
ردت تغريد مشيرة لنفسها:
- «حسنًا راعي مشاعر الفتاة التي لم ترتبط بعد!».
ضحكت أسيل وقالت: «هيا أسرعي وجِدِي شخصًا يعجبك، متشوقة لرؤيتك بثوب الزفاف».
بادلتها تغريد الضحك هي الأخرى وقالت: «وأنا أيضًا».
* * *
خرج أركان من دورة المياه بعد أن استحم للتو، وبدأ يرتدي ملابسه، وتوجه إلى السرير؛ لكنه التفت إلى المرآة ليرى مكتوبًا عليها بالأحمر الدموي:
- «سأقتلك كما قتلتني!».