سلامٌ
لا السلام يُفضي إلى السلام، ولا النِّزاع كان حلًّا يؤدي إلى السلام.
لا الدنيا كما كانت تبحث عن السلامِ، ولا البشر يُقلقها أمر السلامِ.
لا حبٌّ عاش في سلام، ولا سلامٌ في حبٍّ تكدَّر بالتُّهمِ.
السلامُ يا ساكن الدَّار قلبٌ يملؤه حبٌّ وعطاء.
السلامُ عقلٌ باحث عن السلامِ في هدوء، وحكمةٌ تنضح أفواه الناطقين.
السلامُ حبٌّ من لُطفهِ لا يعرفُ خبثًا ولا حسدًا، وعينٌ تمسحُ الأخطاءَ مهما عظُمت، وأذنٌ لا تسمعُ شرًّا، ويدٌ لا تمتدُّ إلا لخير.
السلامُ لسانٌ كأنه يُهدي سُكَّرًا من حلاوتهِ.
السلامُ أن تبقى ما دمتَ حيًّا إنسانًا لا يُخالطهُ عَكَرٌ..
اضطرابُ رأي
رأيٌ سديد، وفعلٌ من حديد، ورأيٌ آخر مضطرب، وفعله من ماءٍ لازب، فقل لي: بالله كيفَ كلُّ هذا التضاد؟
فكيفَ جمع الحديدُ بالأضراب؟ وكيفَ للحديدِ أن يُضطرب الماءُ من خِلاله؟ وكيفَ للماءِ ألّا يضطرب من وقعة الحديد؟ وكيفَ لكلِّ هذا الحديث ألَّا يضطربَ منهُ عقلٌ بشري؟ وكيف لا يبقى المرادُ مجهولًا؟
فكلُّ هذا الاضطراب العقلي الذي مرَّ بداخلك الآن وبداخل قلمي وداخل مشاعرنا جميعًا، وكُلُّ ذلك المكنون الذي لم يوصل.
هوَ اضطرابٌ وراءه حدث، وكلُّ حدثٍ له ردةُ فعل، وكلُّ فعلٍ يُنتِجُ اضطرابًا واستقرارًا.
المراد من هذه السطور مُبهم، وحدهُ عقلك قوة استقرارك قادر على الترجمة.. أهو اضطرابُ قلم أم عقل أم بيئة مجتمع؟
كلُّ هذه السطور قد لا يكون لها أي معنى، وقد تكون سرًّا يكشف عن ذات مختبئة، جَهلناهُ عن أنفُسنا سرًّا.
هي أحجية لمن يحبُّ هذا، وهيَ كلامٌ بلا معنى لمن لا يتكبَّد عناء الاكتشاف، وهيَ اضطراب لمن لم يعِ أيَّ شيء منها.
غريب دار
في كلِّ مكان هنالك غربة؛ غُربة بينكَ وبين نفسك، وغُربة فراقِ الأهل، وغربة فراقِ الوطن.
لا أكادُ أصدِّق أننا نعيشها جميعًا، ويعُود بنا الزمن لنعيشَها مرة أخرى، وكأنَّ ما مضى كان مجرد مُقبِّلاتٍ من غُرباتٍ مختلفة، أضاعت منَّا غُربة النفس كُلَّ شيء، أقحلت كلَّ ما نملكُ، وها هي عائدةٌ الآن لكي تُخبرنا أنَّ الأمر قد بدأ الآن.
أنفرحُ لأننا قد تغلَّبنا عليه أم نحزنُ برجوعه بقواهُ الجديدة لهزيمتنا، أم نضيع ما بينَ سؤال وجواب لا سائلَ لهم ولا مُجيب؟
ليعُود بنا مبتدأُ الأمر إلى أُخريات مُنهيات، لا أهلٌ ولا أحبةٌ ولا وطنٌ يجمعُ شمل ما غُرِّب. كُلُّها شائكات بيد عُقولِ النفوذِ المُتجبر، ليرمي بها سَيلُ التُّهم بعد أن كانت قد أُغرقت من قبلُ..
إعصار اللا انتماء رغم الانتماء القلبي..
مغتربة عن موطني، مغتربة عن مهجة قلبي، مُغتربة عن أرضي، عن أولِ صرخاتِي في الحياة، مُغتربة عنَ نفسي التي كنت أمنِّيها بالحبِّ.
اغتربتُ عن الحبِّ، فما الحب إلا كورقةِ شجَرٍ تُداس بعد الاغتراب..
عنَ أيِّ موطنٍ أُحدِّثكم؟! عن تلك التي حَملتني حتى الكِبر ثم تخلَّت عنِّي،
عن الذي قادتني به الحياة لمُنتصف برِّ الأمان، أم عن تلكَ التي جعلت مني أُضحوكة مُكفلة، أم عن التي حرَّمت حلائِلَ ربي لأنَّ جُزئي الأعظم انتمى إلى حيثُ أجهله ولا أكادُ أعترفُ به، أم أُحدِّثكم عن قلبٍ هام وانكسر، وجُرحٍ غائر مُنهمر، وحديث جميل لكن مؤلم جدًّا؟
غطرسة رجل
غطرسة رجل أنجبته امرأة ثم يُقرَن بامرأة وتنجب له جيلًا يفخر به، ويتَّكئ في مجلسه ويتحاذق مستهزئًا: إنَّ المرأة بنصفِ عقلٍ، فيا كامل العقل والحكمة أكمِل نصف دينك مع غيرها، أنجِب وربِّ أجيالك بنفسك، وافخر بعملك إن كنت قادرًا على الصمود، فإنَّ منكم من لا يستطيع حتى البحث عن ملبسه دون ناقصة العقل تلك..
ومع ذلك لا يزالُ مبطِّنًا عقلك أنها ليست بعاقلة.
قبل أن تنهش لحمها تأكَّد من إدراكك للأمر، فليسَ كلُّ ظاهرٍ يُدلي بمكنونه.
مرفوض
علَّمونا مُنذ النَّقشِ على الحجر أن التفاوت بالتعاملِ مرفوض، وأننا قومٌ يطالبون بالعدلِ كما جاء في كتاب اللهِ الكريم، ونسينا أنَّنا قومٌ يقولون ما لا يفعلون، وأننا بشر وكلنا خطَّاؤون؛ لأنَّ الحقَّ لا يظهر حيثما نريدُ فقط.
علَّمونا أنَّنا أمَّة لا تفعل سوى الصواب؛ لكنَّ الصواب هذا بقي دائمًا محفورًا هناك في إحدى زوايا الكتب أو على ألسنة العلماء، ولكن مَن يسمع ويُنفِّذ؟
وكثير منَّا يفعل عكس ما يقول..
يا إلهي من أيِّ الأقوامٍ نحن؟! قد تجاوزنا مراحل السِّحر المتناقض.. قُلْ ما لا تفعل وافعل ما لا تقول.. يقولون لمن يأتي من أقاصي الدُّنا هذا لا يُناسب عُرفنا، ولا يتماشى نسبهُ ولا لونه ولا عرقه معنا.
أولستم أنتم مَن علَّمنا أنَّ الأنانية من قول أنا؟ أنتم من علَّمنا قول الكريم: لا فرق بين عربي وأعجمي.
أولستم أنتم من علَّمنا التَّعاون وحبَّ الخيرِ؟ ومن علمنا أيضًا أننا جميعًا عباد لله؟
أريحونا مرةً بقولٍ صادق واتركونا نعيشُ كما علمتمونا.
أول مرة دعونا ببراءة الطفولة نتعاملُ مع من حولنا، واتركوا عنكم قرف التفرقة والعنصريَّة المُرَّة، فلسنا بعصرِ أبي جهل ولا لهب، نحن في عصر العلم والثقافة، نحن في عصرٍ رفعَ أُممًا من صغائر القوم، ولسنا بقولٍ نترفعُ عن باقينا؛ إنَّما لنرفع أممًا قد حطَّها التناقضُ في أسافل الأرض.