مصاهرةُ البِشر أسرتنا هو السبيل الوحيد لاستتباب أموري فوافقتُ مباشرة دون أن أبدي أيَّ تردد أو اعتراض... إيفان نيكيتا ليس مُسناً لكنه ليس شاباً، وإن مات سيتركني لقدري أواجه مصيراً كالح المعالم.. منفية وحيدة... طمَّنني بأنه رضيَّ أخيراً بحاله السياسي الاجتماعي، وأكد على أن المُجاهِد الذي ضجتْ المستعمرة ووسائل إعلامها بانشقاقه ذو بأس وشكيمة. صدقتُ وزير الدفاع، أنا في النهاية ابنته وهو لن يرمي وحيدته ببساطة لعابر.. اكتشفتُ العكس في مطار رفيق الحريري الدولي! أولغا ليست سوى سِلعة!.. «الكفار وجارية حسناء» مقابل «كرسي»!...
كم لمتها وعنَّفتها مِراراً على قرارها المتسرع الطائش، كلما استقر رأيها على فسخ العلاقة وتكسير الخاتم تفنَّن الذئب الرمادي في زرع الرعب بين أضلاعها... «قُرِّي عيناً يا أَمَة الله، بعلكِ يحبك لأنكِ امرأة صالحة» لازَمَ إطرائي بهذا القول في كل زيارة له أثناء فترة الخطوبة القصيرة، هذا الإطراء جردني من أبسط حقوقي.. من حقي في التعبير عن رفضه. كيف تجرؤ أنثى من الطبقة العليا على شق عصا الطاعة؟!، «المُعجِزُ وليُّ اللهِ صاحبُ الكراماتِ» سينحرها وإيفان بخارِقة من خوارقه إن تمردتْ.
كلوي ثمرة مضاجعة مهينة في القصر الوزاري، لقد أجبرني خلال ساعة ونيف على الخضوع لممارسات جنسية لم أقوَ عليها.. وللآن لا أقوى على الإفصاح عنها... استلب المَخبول جسدي بطرق مُقرفة مُذِلَّة حتى لأشد النساء فُحشاً وعَهارة ولأقلهنَّ كرامة!...
قريباً سأودعكم، إنني حزينة على فراقكم أيها الأصدقاء الطيبون الجميلون. الحقائق لا تطمس.. أمريكا موبوءة بالصراعات والحرب الطاحنة الجارية، ولا مكان فيها لأمثالي من المجنسين.. عشت كابنة لهذه البلاد من أجل الراحلة فقط. سأرحل ورُفاتها إلى أيِّ أرض لنموت ميتة طبيعية، لنموت بسلام وهدوء.
***
مشى الشيطان الأحمر متبختراً عَبْر ممر طويل محاط بأشجار كثيفة، ضرب الكائن النمطي الهزلي البوابة المعدنية بقرنيه العظيمين فانخلعتْ مفاصلها. ارتفع المِصراعان فاستدعى الشيطان بعصاه عصا الأفعى المُذهَّبة العفاريت، ثم أمرهم بالقبض على الطائران ريثما يجلب الأمير الرهيب كُتبه وكُتب مُريديهِ.
أكياس الخيش مهترئة، ومَظهر الدفعة الأولى من الحُمولة يؤكد أن الدابة لم تعتنِ بنفائس المَرَدة فركله على خصيتيه. تهدَّم إيفان الرهيب، قَبِل ما بدر منه وقَبَّل حراشف القدم الراكلة صاغراً، ثم عاد مسرعاً إلى القصر المنيف ليحمل على ظهره وبأسنانه ما تبقى.
تربَّع الشيطان على مصراعٍ وتربَّع الأمير على الآخر. وجَّهت العفاريت المصراعان فحلَّق السيد والعبد في الفضاء بين الغيوم، وما إن وصلا إلى الوجهة المنشودة حتى اختفت العفاريت مثلما ظهرت. سلَّم الشيطان على تلاميذه في لواء الإسلام بحرارة، ثم تبادل معهم الأحاديث والتعليقات حول الاغتيال المُقبِل وما سيخلفه من نتائج لتزجية الوقت. إيفان الرابع الذي شاغل نفسه المتوترة بالصفير هو أول من كتم أنفاسه حين أطلت الفريسة.
شَجَّ معجم ضخم رأس الأسد المَهْزُول فوقع أرضاً، سقت دموعه المنهمرة الياسمين الدمشقي المزروع في الفراغات الضيقة الفاصلة بين حجارة الحي العتيق فتضخم حجمه. شكَّل الياسمين مِظلة هائِلة حمت المشجوج من الورق الغزير، ثم استغاثتْ الزهور بابا ياجا.
شرختْ آكلة اللحوم البشرية نسيج السماء، انقضتْ على التُبَّاع كالشِهاب الهابط من عل تحصد رؤوسهم بهاوَنها العملاق. استشاط قائد اللواء غضباً فاستدعى العفاريت من جديد لتأكل القِدر. أعمت نشوة الانتصار الماحق السريع بابا روجا عن قِدرها، وما هي إلا دقيقة حتى أحدث سقوطها حفرة عميقة الغور.
مزَّق الناجيان سيقان الزهور الثخينة تمزيقاً، الأول بمخالبه والثاني بالقرنين المُعارين. تناوبا على إذلال الجبان الضعيف، حاول الأسد التصدي للاعتداء بطريقة مُخنَّثة مثيرة للسخرية: دحرَّج جسده مثلما تُدحرج الكرة كلما أمعنا في سلخ جلده.
- جهنم تنتظركَ والحزب...
بترتْ العجوز الشمطاء عبارة الملعون، ضربت الشيطان بمئذنة جامع الجرن الأسود، وأحرقت عينا الأمير بسائل أصفر غامق ذو رائحة كريهة مغثية.
انبثقت عُقاب صلعاء حجمها بحجم الرُخ من الشرخ، وفقأتْ عينا خاطفة الأطفال. زمجرتْ فاهتزتْ منطقة ساروجة بأكملها، اختلطتْ زَماجِرها بصَفِير الرخماء المجلجل كالرعد. وسرعان ما تحولت الخاطفة إلى دب بني أوراسي. تصارع الدب الروسي والنسر الأمريكي فأطبقتْ السماء على الأرض...
الأمير إيفان الرهيب يفرك عينيه ببطء شديد، كفاه يطاوعان إرادته بصعوبة نتيجة سبب غامض لم يستطع إدراكه. انتبه أخيراً أنه يهوي كما تهوي نُثارة سيجارة رديئة. جُسيم معقوف في الأعلى، وجِرم فلكي صغير متوهج غير بعيد عنه... هذا كل ما استطاعَ رؤيته.
صحا إيفان نيكيتا مرعوباً، فتش مَضْجَعه بحثاً عن الماك تين فلم يجده. ارتعش جسده وارتجفت يداه، فتَّق مُلاءة السرير البيضاء وسرعان ما غاصت أصابعه في الحَشوة لعل البِشر أخفاه هناك. المُرتزِق يراقبه، المرتزق سيستغل الفرصة السانحة ليدخل هذه الغرفة الواسعة النظيفة المضيئة ويفصل رأسه عن رقبته ببلاطة... لم يحتمل أكثر فارتمى بكامل ثقله على بقايا المَرْتبة وصرخ بوجه محتقن.
خلعتْ كلوي الباب. ضمتْ رأسه إلى صدرها ثم احتضنته لتسكِّنه، أما راشيل فهرعتْ إلى الطبيب المسؤول عنه في مستشفى لوفليس ويستسايد.