فرجينيا وولف، "الثورة الهادئة"، بتعبير مايكل بننجام وكما وصفها بعض أصدقائها المقربين. وهي إحدى أهم القامات في الأدب الإنجليزيّ و روّاده في حركة التحديث الروائيّ. صنعتْ إسهامًا مهمًّا في تغيير شكل الرواية الإنجليزية إذ نجحَ حسُّها التجريبيّ في تطويرِ الأسلوبِ الشعريّ خلال السرد القصصيّ والروائيّ عبر اعتمادها التقنيات التجريبية مثل: المونولوج الداخليّ ، الانطباعية الشعرية ، السرد غير المباشر ، المنظور التعدديّ ، إضافةً إلى ما يُعرف نقديًا بـ "تيار الوعي" .
يعتمدُ منهجُها الكتابيّ على استشفاف حيوات شخوصِها من خلال الغَور داخل أفكارِهم و استدعاءِ خواطرِهم وهو ما يسمى "استثارة حالات الذهن الإدراكية" ، حسيًّا ونفسيًّا، والذي يُشكّل نموذجًا لطرائق تداعيات الوعي البشريّ. تُفعّل وولف ذلك من خلال رصد وتسجيلِ لحظات الوعي المتناثرة داخل الذات وداخل المخ البشري لتعيدَ ترتيبها وفق صورة تشكيلية ترسمُها وولف بحنكتها الروائية.
تلتقي تقنياتها تلك مع تقنيات كلٍّ من "بروست" و"جويس" ، متجاوزةً بذلك التقنية التقليدية في القصّ والرواية، التي انتهجت الوصفَ الخطّيّ المتنامي زمنيًًّا والرصدَ الموضوعيّ للحدث، والتي ميّزت رواية القرن التاسع عشر.
عمدَ أسلوبها إلى تصاعد الوعي الذهنيّ لشخوص روايتها في تزامنٍ مع التصاعد السرديّ للحدث. الكتل الزمنية تتراص متوازيةً في الذاكرة وبالتالي في الرؤية الدرامية. المشاهِدُ غيرُ المكتملة تتقاطع و تشتبكُ لتخلقَ لوحةً أرحبَ وأشدَّ تعقيدًا. التنوّع الأسلوبيّ للقصِّ داخل الرواية الواحدة يذكِّر القارئَ دائمًا أن ثمةَ خطًّا شعريًّا أو خياليًا متورطٌ في العمل.
إن تبنّي تيار الوعي في السرد القصصيّ، ذاك الذي يتراوح بين التفاصيل الدنيوية اليومية العادية وبين الإسهاب الغنائي، إضافةً إلى الخبرة العالية بطرائق تشكّل المشهد، هما من أهم أدوات وولف الكتابيّة، التي أظهرتْ لقارئها مدى أهمية استغلال وتنمية قدرات المخيال التشكيلي في حياتنا اليومية، كما هو لدى المبدع، في بناء النص.
اشتهرت وولف باستدعاءاتها الشِّعرية التي تستخلصها من ميكانيزم التفكير والشعور البشري. كانت، مثل بروست وجويس، قادرةً بامتياز على استحضار كافة التفاصيل الواقعية والحسيّة من الحياة اليومية، غير إنها دأبتْ على انتقاد أسلوب مجايليْها "آرنولد بينيت" و"جون جولز وورثي" بشأن اهتمامهما البالغ برسم واقعية ميكروسكوبية وثائقية مفرّغةٍ من الفن، وهو ما انسحب عليهما من روائيي القرن ال 19. كانت ترى أن الواقعيين المعاصرين الذين يزعمون الموضوعيةَ العلمية الحيادية هم زائفون بالضرورة، طالما لا يعترفون بحقيقة أنه لا حيادَ تامًا في الرؤية، لأن "الواقعية" يتمُّ رصدها على نحوٍ مختلفٍ باختلاف راصديها. الأسوأ من ذلك، من وجهة نظرها، أن محاولتهم الوصول للموضوعية العلميّة الدقيقة تلك غالبا ما ينتجُ عنها محضُ تراكمٍ زمنيٍّ للتفاصيل.
كانت وولف تطمح إلى الوصول إلى طريقة أكثر شخصانيّة وأكثرَ دقّة كذلك في التعامل مع الواقع روائيًّا. لم تكن بؤرةُ اهتمامها "الشيء" موضوع الرصد، ولكن "الطريقة التي يُرصد بها الشيء" من قِبَل "الراصد". وقالت في هذا الأمر: "دعونا نرصدُ الذرّاتِ أثناء سقوطها فوق العقل بنفس ترتيب سقوطها، دعونا نتتبعُ التشكيلَ مهما كان مفككًا وغيرَ مترابطِ التكوين، سنجد أن كلَّ مشهدٍ وكلَّ حدثٍ سوف يصيبُ رميةً في منطقة الوعي".
قارنَ النقادُ بين كتابات وولف وبين ما أنتجه فنانو المدرسة ما بعد الانطباعية post-impressionism في الفنِّ التشكيليّ من حيث التأكيد على التنظيم التجريديّ لمنظور الرؤية من أجل اقتراح شبكة أوسع للدلالات والرؤى.
تُعتبر وولف، إلى مدى أبعد من أي روائيٍّ آخر باستثناء جويس، أول من أنتج الرواية الإنجليزية الحديثة، التي نأت بشدة عن الشكل التقليديّ المطمئن آنذاك منذ القرن التاسع عشر، بكل ما تحمله تلك الرواية من ملحميّة البطولة، وفرط العاطفة، والإعلاء الأخلاقي المتزمّت، وكذا رؤاها الجامدة المتجمدة الدوجمائية، ثم الهيكل الكلاسيكيّ الثابت: استهلال مباشر واضح، متن وذروة، ثم نهاية ختامية تبشيرية أو إصلاحية.
أضحتِ الروايةُ في يد وولف أكثر بريقًا والتباسًا وتوترًّا، موشاةً بخيطٍ رهيفٍ من الفوضوية والتحرّر والشعرية أيضًا، كما أنها اهتمت بالأساس بالبشر المهمشين أو الذين يعانون من مشاكل نفسية ما. لم تهتم كثيرًا بكتابة رواية تبشيرية أو إصلاحية، لكنها عمدت إلى إظهار كيف تنصهر الحياةُ في ألوانها الخاصة بكل ما فيها من تقاطعات اليوميّ البسيط والعميق الفلسفيّ. وبطبيعة الحال استمرت الرواية التقليدية تُكتب منذ وبعد عصر فرجينيا وولف، لكنها بعد وولف لم تعد مطلقًا كما كانت.
آمنت وولف بأن الرواية التي كُتبت في عصرها وما قبله: ببنائها المحكم وزخم العاطفة والحماس بها، كانت تتصل بالعالم وبالبشر على نحو عبثيّ. وشبهّت ذلك بقاربٍ مليء بالمستعمرين والمبشرّين الذين يغامرون باقتحام دغلٍ متشابكٍ وكثيف بقصد غزوه وإخضاعه. وتقول وولف عبر رواياتها إن العالمَ أشدُّ ضخامةً وتعقيدًا وغيرُ قابل للاختراق والإخضاع على أي نحو، وإن القيمة الجماليّة الفنيّة هي الهدف الأوحد للقصّ، ولذا فإن أي كاتب يحاول أن يطهّر الدغلَ من أشجارِ كرمْه أو من نباتاته الشيطانيّة المتسلّقة سوف يثيرُ ذعرَ الضواري والوحوش ولن يسلمَ من غضبتِها. كأنما يحاول أن يفردَ طاولةً للشاي أمام تلك الكواسرِ ثم يذهب في شرح البروتوكولات والتقاليد حول ما يجب وما لا يجب فعله من تقاليد المائدة. هذا ما يفعله الكاتبُ حين يكتبُ تلك النهايات السليمة والنافعة الطوباويةَ ذات الطابع الإصلاحيّ.
قدمتْ وولف شهادةً للعالم، عبر كتاباتها، رصدتْ وسجلتْ فيها طُرُزَه ونماذجَه، لكنها لم تسعَ مطلقا إلى تقويمه أو إخضاعه ضمن أي منظومةٍ خاصة، لأنها آمنت أن الكونَ يُنتجُ نظامَه الخاصَ بنفسِه. من أجل هذه الرؤية الحداثية، اِتُهمت وولف دائمًا، من قِبَل الإصلاحيين، بأنها تكتبُ من أجل لا شيء.
الملمحُ الأساسيّ لعبقريةِ وولف، الظاهرة منذ بداية مشروعِها الأدبي،ّ هو إصرارُها على تأكيدِ مراوغة العالَم بوصفِه أوسعَ وأكثرَ تعقيدًا من أن نضعَ اشتباكاتِه تحت بؤرةِ النقدِ من خلال أيّة حياة فردية. "جرِّب أن تدخل "وعي" إنسان، أي إنسان، وسوف تجد نفسَك فورًا منقادًا إلى حيوات العشراتِ من البشر الآخرين الذين يُكملون، ويتقاطعون مع، حياة هذا الإنسان، كلّ على نحوٍ مختلف."
فهمت وولف أن أيّة (شخصية) كتبتْ عنها، حتى الشخصيات الهامشية، كانت (تزور) روايتها من خلال (رواية) ذاتية تخصُّ تلك الشخصية، وأن تلك الرواية غير المكتوبة تضمُّ، إلى جانب مشروعها الرئيس، آلامَ وأقدارَ تلك الشخصية: هذه الأرملة، أو ذاك الطفل، أو تلك العجوز المسنّة، أو حتى المرأة الشابة التي لم تظهر في رواية "الخروج في رحلة بحرية" إلا في مشهد عبورها الحديقة العامة فقط.
***
بعد روايتين تقليديتيْن نسبيًّا، بدأت وولف في تطويع مداخلِها التي مهّدت لها اللعِبَ على بنيةٍ مخياليّةٍ أكثر رحابةً حيث:
- التطوّر المشهديّ المتصاعِد حلَّ محلَّه التشكيلُ عن طريق التراصِّ الرؤيويّ.
- الاشتباكُ المباشر مع الواقع والتراكمُ الزمنيّ اِستُبِدلَ بهما التراوحُ الملتَبس للعقل بين الذاكرة وبين الوعي.
ومن ناحية أخرى يربط المشهدُ المركّب للتيمة الرمزية بين شخوصٍ ليس من علاقة واضحةٍ بينهم في القصة ذاتها.
كل تلك التقنيات ألقتْ على عاتق القارئ متطلباتٍ جديدةً في فنِّ التلقّي من مقدرةٍ على تخليقِ وإعادةِ بناءِ الصورةِ الكليّةِ من جزئياتٍ متناثرةٍ ليست باديةَ الصلة. من هنا كانت صعوبة قراءة فرجينيا وولف.
في رواية "غرفة يعقوب" 1922 نجد أن صورة البطل الكليّة تتركّب من سلسلةٍ من وجهاتِ النظر الجزئيّة المختبئة داخل النص والتي ترسم بورتريه إنسانيًّا وسيكولوجيًّا له من خلال شخوص العمل. وفي رواية "الأمواج" 1931، ثمة منظورٌ- متعدد الرؤى لشخوص الرواية في حواراتهم الذاتية مع أنفسهم خلال علاقة كلٍّ منهم بالشخص الميّت- في الرواية- "بيرسيفال"- يتم تكسيره على عشرة فصول، تلك الفصول بدورها تُكوّن منظورًا إضافيًّا يصف رحلةَ يومٍ واحد من الفجر إلى وقت الغسق.
الرواية الأخرى التي تلعب فيها وولف لعبةَ الزمن أيضًّا، أي رواية اليوم الواحد، هي "مسز دالواي" ، عملها الأشهر، حيث البطلةُ، السيدة دالواي، تعدُّ الترتيبات لحفل المساء وفي أثناء ذلك تستدعي- ذهنيًّا- كاملَ حياتها السابقة مثل شريط سينمائيّ منذ الطفولة حتى عمرها الراهن في الخمسين.
مشكلات الهُوية ومدى التحقّق والإخفاق لدى شخوص سردها هي الهموم الثابتة لدى وولف والمحرّك الأول وراء تلك الإزاحات المنظورية في أعمالها. ولذا غالبًا ما تلجأُ وولف إلى تجسيد الشخصيات غير المتحقّقة وغير المكتملة ومن ثَّم إلى البحث عن الشيء الذي سوف يحقّق اكتمالها.
ترتكز كتابةُ وولف على لحظات الوعي العليا، وبالمقارنة ببعض أعمال جويس التي تتناول البصيرةَ كنوعٍ من القوى الأسطورية، نجد أن وولف تعالج الأمرَ كملَكةٍ ذهنيّة حين يُفعِّل العقلُ أقصى طاقاته ليعتمد الخيال.
لا أحد يقرأ وولف بغير أن يُؤخذَ بالاهتمامِ الفائقِ الذي تعطيه للمخيّلة الإبداعيّة. فشخوصها الرئيسيون يُفعلّون حواسَهم فيما وراء المنطق العقليّ، كما أن أسلوبَها السرديّ يحتفي بالدوافع الجماليّة التي تنظّم الأبعادَ المتنافرة في كلٍّ متناغمٍ متسّق. ترى وولف أن الكائنَ البشريّ لا يكونُ مكتملاً إذا لم يشحذْ طاقاتِه الحَدْسيّة والتخيليّة في أقصى درجاتها.
مثل كل كُتّاب الحداثة، كانت البريطانية فرجينيا وولف مفتونةً بالعمليةِ الإبداعية. كيف ومتى تحدث؟ وكانت شغوفة بالقبض على لحظات الكتابة، بوصفها لحظة ميتافيزيقية يحدث معها انصهارٌ روحي وذهني للفنان أو المبدع. حاولت تشريح تلك اللحظة في بعض أعمالها. فنجدها حينًا تصف كفاحَ الرسامِ من أجل بناء لوحته في رواية "صوبَ المنارة"، وفي حين آخر تجسّد حالَ الكاتب وانهمامه من أجل بناء روايته، كما في "رواية لم تُكتَب بعد". في هذين العمليْن سعت وولف إلى استكشاف طرائقَ تَخلّق العمل الإبداعيّ في مخيّلة العقل البشريّ. فقد لاحظت وولف أنه لا يمكن لقارئ الرواية (المكتملة) أو لمُشاهِد اللوحة التشكيلية (المكتملة) أو لمستمع القطعة الموسيقية (المكتملة) أن يستقرئَ خطوات ميكانيزم هذا التخلّق الإبداعيّ المعقد: الملاحظة، الغربلة، التنظيم الإحداثيّ والحدثيّ (من إحداثيات وحدث)، رسم خريطة العلاقات والتأويلات... الخ، ثم الصياغة وإعادة الصياغة حتى يكتمل العمل فنًّا سويًّا. فالعقل البشريّ يقوم بأشد العمليات تعقيدًا لتنظيم الوعي والإدراك مع الملموسات، الأمر الذي لا يمكن رصده أو نقله بشكل كليّ وتام داخل إطارٍ وصفيٍّ محدد مهما بلغت دقته. ومن هنا جاءت فكرة هذه الرواية التي لم تُكتَب بعد.
في "رواية لم تُكتب بعد"، “An un-Written Novel” ترصدُ وولف حالاتِ التخلّق الذهني لجنين روايةٍ في طور تخلّقها. تأخذ القارئ عبر بداياتِ روايةٍ لم تكتمل بعد، راصدةً كيف يمكن أن تكتملَ على أنحاء متباينة. تتحرك القصةُ أمامًا وخلفًا بين حائطين من الخيال والواقع، كلٌّ يسهم في احتماليات الرواية ليحفرَ نهرًا من الاقتراحات والاقتراحات البديلة، كلُّ ذلك يتمُّ داخل ذهن الراوية الذي يختبر ويعالجُ كلَّ الرؤى الممكنة اتكاءً على مراقبته شخصيةَ امرأةٍ معيّنة تجلسُ أمامه في إحدى كبائن القطار عبر رحلةٍ إلى جنوب لندن (سيمنحها الراوية اسم "ميني مارش"). على الجانب الآخر، يرصد الراوية (هو غالبا امرأة في الأغلب هو فرجينيا وولف نفسها)، كلَّ الكلمات الفعليّة والإيماءات التي يأتي بها راكبو نفس الكابينة، ومن ثم يرسم – ذهنيًا – اقتراحاتٍ مُتخيلَةً لكلٍّ منهم عبر خلقٍ روائيٍ تمَّ من خلال الملاحظة، التقمّص العاطفيّ، وتجسيد ما تشاهده خلال الرحلة ليتفق وتصورها المبدئيّ. يظهر هذا في آلية استدعاء التداعيات الذهنية للمحيطين من خلال قراءةِ أفكارِهم وسلوكِهم ثم التعامل ذهنيًّا ونفسيًّا مع تلك التداعيات.
ترسم وولف عمليةَ الخلقِ الإبداعيّ كتجربةٍ كاملة: بداياتٌ خاطئةٌ يتم استبدالُها، ثم تصحيح النغمة ودرجة التماسك الدراميّ، فمثلا، لابد أن يجد الراوية جريمةً مُتخيّلَة ارتكبتها البطلة "ميني مارش" لتتفق الحالُ مع ملامح الأسى المرسومة على وجهها، كذلك استبدال نبات السرخس بنبات الخلنج ليكون أكثر مناسبةً مع المشهد المرسوم (بمعرفة الراوية) فيكتمل على نحوٍ أفضل، إضافةُ أو طرحُ شخوصٍ للرواية. ولا تغفل وولف حساب "الراوية" ذاته كقوة دافعة في العمل، بالرغم من سعيه عادةً في معظم الروايات، أعني الراوية، إلى التعالي فوق الحدث والشخوص، حيث يبدأ من أرض الرصد الصلبة، بعين العليم غير المتورط في الأحداث. لكن روح الفنان داخل وولف أجبرتها على الضلوع في الدراما طوال الوقت كراوٍ غير عليم ومشارك ومتورطٍ في الحدث.
ومثلما فعل الفرنسيان تشارل بودلير في قصيدة "النوافذ"، وجاك بريفير في قصيدة "العصفور"، حين اعتمدَا الخيالَ كحيلةٍ ذهنية وفرشاةٍ لرسم عالم كامل، أكدّت وولف في تلك الرواية على حتمية انتصار روح الخلق الإبداعيّ داخل الفنان على روح العدميّةِ والقنوط التي تصيب المبدعَ أحيانًا. فكلما أثبتت حكايتُها الأولى فشلَها و تراءى لها كم أن حبكتَها تبدو مضحكةً سرعان ما تستجيب لروح المبدع داخلها وتشرعُ في نسجِ حبكةٍ جديدة.
في هذه النوفيللا الثريّة غزيرة التفاصيل، التي هي مشروعُ روايةٍ لم تكتملْ، ولا ينبغي لها أن تكتمل ذاك أنها عملٌ مكتمل البنية على نقصانه المتعمد، نلمس اشتجار الأبعاد الكثيفة للواقع الموضوعيّ، مع الراوية والناقد في آن، مع المحلل الذاتي داخل الراصد، بما لا يعطي مجالا للنهاية أن تكتمل. لتنهي وولف روايتها بهذه الجملة: " فإذا فتحتُ ذراعيّ، فإنه أنتم من أعانق، أنتم الذين أجذبهم نحوي _____ أيها العالم الجدير بالحب!" هكذا يتنامى الهاجس الإلهاميّ داخل المبدعة التي تنشد "عالمًا رائعًا، مشاهدَ ملوّنةً، وشخصياتٍ أسطوريةً تنتظر أن تُخلق"، لتقف الرواية على الحافّة الحرجة بين النقصِّ والاكتمال.