ولدَتْ فرجينيا ستيفن في 25 يناير 1882، لأسرة شديدة المحافظة أو ما كان يُطلق عليها أسرة فيكتورية (نسبة إلى العصر الفيكتوريّ ).
الأب هو "ليزلي ستيفن" ، وكان مؤرّخًا بارزًا، وناقدًا أدبيًّا ويعدّ أحدَ أفرادِ الطبقة "الأرستقراطية الفكرية" في بريطانيا آنذاك. عُرف كأحد رواد المدرسة الفلسفية الأجنوستيكية أو ما تعرف بـ "اللاأدري" . وله إصدارات في مجالات الفلسفة والشِّعر والأدب والنقد الاجتماعيّ. كما أصدر "المعجم القوميّ للسيَر الذاتية " . كان له أثر هائل على تكوّن ذهنية فرجينيا ومنظومتها العقائدية.
الأم هي "جوليا جاكسون داكوورث" من نسل عائلة "داكوررث" التي اشتُهرت بريادتها عالم الطباعة والنشر. كان لأسرة فرجينيا اهتمامٌ بالتيارات الفكرية والفنيّة السائدة آنذاك حتى أن بعض أشهر الفنانين– ما قبل الرافائليين- وقتها أعجبوا بجوليا (الأم) ورسموا بورتريهاتٍ عديدة لها.
كان أبوها صديقًا لكلٍّ من "هنري جيمس، تينيسون، ماثيو آرنولد، و جورج إليوت" . على إنه، برغم ثقافته الواسعة، وفق عادة تلك الأيام، قد دفع فقط بشقيقيها، "أدريان و ثوبي" ، إلى التعليم النظاميّ في المدارس والجامعات، في حين تلقَّت "فرجينيا" وشقيقتها "فينيسا" (التي ستغدو الرسامة فينيسيا بيل فيما بعد) تعليمهما في المنزل بحيّ هايد بارك جيت ، واعتمدتا على مكتبة أبيهما الضخمة لتحصيل الثقافة والعلوم.
علِقتِ المرارةُ بروح فرجينيا، على نحو ذاتي، استياءً من عدم ذهابها إلى المدرسة، وعلى نحوٍ موضوعيّ، استياءً من عدم المساواة في معاملة الولد والبنت، احتجاجًا على ما تنطوي عليه تلك التفرقة من دلالة تشي بصغر قيمة المرأة في نظر المجتمع ومن ثم انحطاط نظرته إلى فكرها وشكّه في جدارتها الذهنيّة للتعلّم. وكذلك ساءها استكانةُ المرأة ذاتها وقبولها الأمر على ذلك النحو السلبيّ غير المقاوم وانصياعها لذلك التمايز وكأنه مُسلّمةٌ لا جدالَ فيها. وقد عبرّت عن تلك الفكرة في كثير من مقالاتها المؤيدة الحركات النسوية التحررية.
ثمة صدمات عنيفة في طفولة وولف وشبابها ظللّت حياتها بمِسحة حزنٍ لازمتها حتى لحظة انتحارها في النهر عام 1941. أولا التحرّش الجسديّ من قِبل أخيها غير الشقيق "جيرالد داكوورث" ، ثم موت أمِّها في فجر مراهقتها.(تلك الحادثة كانت الإرهاصة المباشرة التي سببت انهيارها العقلي الأول). أخذت أختها غير الشقيقة "ستيللا داكوورث" مكانَ الأم لها، لكنها لم تلبث أن ماتت أيضًا بعد أقلِّ من عامين، كما عايش "ليزلي ستيفن"، الأب، موتًا بطيئًا مؤجلاً منذ داهمه السرطان. وفي الأخير تزامن موتُ شقيقها "ثوبي" عام 1906 مع توغّل الانهيارِ النفسيّ والعقليّ المزمن بها، فرافق حياتها ولم يفرِّقهما غيرُ الموت.
إثر موت أبيها عام 1904، ضربَ المرضُ العقليّ فرجينيا للمرة الثانية وحاولت الانتحار. ثم انتقلتْ مع شقيقتها "فينيسا" وشقيقها "آدريان" إلى منزلٍ في مجاورة "بلوومز بيري" جوار المتحف البريطانيّ وسط لندن. البيت الذي سيصبح فيما بعد مركزًا لنشاط "جماعة بلوومز بيري" الأدبية "Bloomsbury group" .
في 10 أغسطس عام 1912 تزوجت فرجينيا من المُنظِّر السياسيّ والناقد "ليونارد وولف" الذي كان عائدًا من الخدمة كمدير إدارة في "سيلان" (سريلانكا الآن). وكان لزوجها دورٌ إيجابيّ مهم في تشجيع فرجينيا على الكتابة والنشر. وكانا قررا أن يتعيّشا من الكتابة والصحافة. وفي عام 1917 اشتريا آلةَ طباعةٍ صغيرة جدًًّا (قالت إن بوسعها وضعها على طاولة مطبخ) على سبيل الهواية، غير أن تلك المطبعة كانت نواةً لدار نشر "هوجارث" التي تحوّلت إلى مشروعٍ مهمٍّ عام 1922. وقد نشرت فرجينيا كلَّ أعمالها تقريبًا عن تلك الدار. كما نشرت تلك الدار أعمالا مهمّة لأدباءَ آخرين مثل (ت إس إليوت في قصيدة "الأرض الخراب"، وأيضًا بعض أعمال كلٍّ من: ماكسيم جوركي، إي إم فورستر، كاترين مانسفيلد وغيرهم، ورفضت نشر رواية جيمس جويس "أوليسيس"!) . كما أصدرت ترجمةً للأعمال الكاملة لسيجموند فرويد في 24 مجلدًا. وبالرغم من أن وولف لم تتوقف عن الكتابة والنشر خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، إلا أن الحزنَ بسبب موت الكثير من أصدقائها في الحرب، وأيضا التوتّر من حال الحرب ذاتها والترويع الدائم الذي عايشوه بسبب التهديد النازيّ، كلُّ تلك الأمور قد أثرَّت بالسلب عليها وعلى كتابتها كما يقول الخبراء.
بعد الحرب العالمية الأولى (1914-1919) ظنَّ الناس استحالةَ نشوبِ حربٍ بهذا الحجم مجددًا بعد كل الهول الذي رأوه وعِظم حجم الخسائر التي تكبدّها العالم بأسره من جرّاء الحرب الأولى؛ لهذا سببت الحربُ العالمية الثانية (1939-1945) صدمةً مروِّعةً وانهيارًا للكثيرين. شهدت وولف انفجارَ بيتها بقنبلة عام 1940. وكانت مرتعبةً من فكرة فقد أصدقاء جدد في الحرب بعدما فقدت الكثير منهم في الحرب الأولى، هذا إضافةً إلى خوفها من غزو النازيين انجلترا، فعقدت العزم وزوجُها على الانتحار سويًّا بالغاز حال حدوث ذلك.
واستكمالا للتأثير السلبيّ للحروب على نفسية فرجينيا وولف وجهازها العصبيّ، لنا أن نشيرَ أيضا إلى الحرب الأهلية الإسبانية التي وقعت بين عاميْ 1936و1939. تلك الحرب التي اشتعلت إثر صراعٍ نشبَ بين حزب المحافظين الفاشستي وبين الحكومة الديمقراطية الإسبانية. كانت إيطاليا وألمانيا تنظران إلى إسبانيا باعتبارها أرضَ اختبارٍ خصبةً للأسلحة والتكتيكات القتالية ولذا تحالفتا مع حزب المحافظين الإسباني ضد الحكومة. وعبثًا حاولت عُصبة الأمم تفعيل سياسة عدم الانحياز. أقامت حاجزًا بشريًّا من خفر الحدود في محاولةٍ منها لمنع وصول المؤن إلى كلا الجانبيْن المتصارعيْن؛ لكن في الأخير هَزمَ المحافظون الحكومةَ الشرعية للبلاد وفرضوا على إسبانيا النظامَ الفاشستي الديكتاتوري.
في تلك الحرب قُتل "جوليان بيل"، ابن شقيق فرجينيا، أثناء مشاركته كأحد أفراد الحائط البشريّ. ربما نفهم من تلك الأحداث لماذا كرهت وولف الحرب دائمًا، ولمَ كانت في كثيرٍ من مقالاتها داعيةً للسلام.