وفي ليلة من ليالي صالح دخل ثابت إلى غرفة جده وباغته بسؤال "جدي كيف كانت البداية". ابتسم الجد وقال عليك أن تفخر فمن تراب الوطن بدأت وامتدت فصول الحكاية. البداية هي أحرار مصر، رحلة الاستقلال، الفقراء والبسطاء، البداية هي الشعب. لم نكن يومًا سوى نادي الشعب فكل تلك العوامل كانت مرجعية عمر لطفي بك التي تجسّدت رياضيًا واجتماعيًا في كيان النادي الأهلي.عمر لطفي المحامي الثوري وكيل كلية الحقوق وأحد تلامذة سعد باشا زغلول ورفيق كفاح مصطفى كامل.عمر لطفي بك هو من حمل مشعل الكفاح في مواجهة ظلام الاحتلال ونصرة البسطاء من الفلاحين على الإقطاع من جهة ومطامع المستعمر من جهة أخرى؛ فأنشأ التعاونيات الزراعية، وساهم فى تأسيس الحركات النقابية في مصر، وعمل على نصرة المظلومين والكادحين.
جاءت فكرة إنشاء نادي المدارس العليا الذي أسسه عمر لطفي بك في 8 ديسمبر 1905، وهو بمثابة النواة التي خرجت منها فيما بعد فكرة إنشاء النادي الأهلي. كان نادي طلبة المدارس العليا هو وقود الحركة الطلابية وثورة 1919، والذي جمع أبطالها ورموزها، وشكّل الحراك الشبابي الثائر على الاحتلال في تلك الفترة.
حينما رأى عمر لطفي ضرورة وجود كيان يحافظ على هذا التكتل الثوري بعد انقضاء الطلاب من مرحلة الدراسة؛ فكانت حتمية وجود النادي الأهلي لتظل شعلة الثورة مشتعلة لا تهدأ نيرانها أبدًا، وطرح عمر لطفي بك الفكرة على كبار الحركة الوطنية ليباركوا تلك الخطوة لإنشاء نادي مصري يجمع بين الأهداف الرياضية والسياسية في تلك الفترة، ومن هنا جاء استقرار عمر لطفي بك بمعاونة أمين سامي باشا على تسمية النادي بـ"الأهلي" بمعنى الوطني، وكان اسم النادي يترجم بالإنجليزية إلى كلمة National وكان أول اجتماع للجنته الإدارية العليا فى 24 إبريل 1907.
كان قميص النادي الأهلي في ذاك الوقت يتزيّن بألوان علم مصر حفاظًا على نفس أهداف التأسيس الوطنية. فلم يكن يومًا نادي يحمل اسم ملك زال اسمه من على جدرانه مع زوال حكمه، ولم يتبدل اسمه بفعل الحكومات والسلطة الحاكمة، ولم يحمل اسم مكان أو مؤسسة كانت تميز بين المصريين وغيرهم من الأجانب بل دان بالولاء للشعب قبل السلطة؛ فكان الأهلي.
صمت الأستاذ صالح قليلًا ثم قال للحفيد ثابت أتعلم أن للأهلي قسمًا كان يردده لاعبوه قديمًا !! نعم امتلك الأهلي قسمه الخاص، وكان نصه "أقسم بالله العظيم أن أنصرك بتقاليدي السليمة، وأن أنكر ذاتي، بالطاعة والنظام، وأن أحمي سمعتك، بحماية سمعتي، وأن أرفعك عاليًا بين جميع الأعلام رمزًا للقوة، والمحبة والسلام، والله على ما أقول شهيد".
كذلك امتلك النادي الأهلي أيضًا نشيده الخاص من تأليف فكري أباظة وكانت كلماته:
" قــوم يــا أهلـى شـوف ولادك والبنـود شوف كتايبك، شوف جنودك، والحشود شـوف آيــات النصــر فى كل الجهــود شــوف وسجــل بيـــن أمجــاد الخـلود أنـت دايمـا، أنـت دايمـا، أنت دايمـا فى الأمــام كل نعمــة فــى رحــابـك عنــدنـا دى مشـــيئـــــة وإرادة ربنــــــــــا مـن شيـــوخــك اكتسبنـــا مجــدنـا وبشبــابـك احتفظنــــــا باسمـــــنا أنـت دايمـا، أنـت دايمـا، أنت دايمـا فى الأمــام".
وظل النادي الأهلي يسير نحو الأمام، ولا ينظر خلفه ويكتسب مجده، ويستلهم تاريخه من شيوخه؛ وكأن كل من شارك في كتابة بدايات النادي الأهلي كان يعلم أنه أمام حالة استثنائية لن تتكرر، وظهر ذلك فى محاضر جمعية النادي الأهلي العمومية التي سجلت ووثقت مواقف الأهلي ومراحل تطور عمله الإداري وتاريخه بينما كانت بعض الأندية الأخرى لا تعرف سوى الصراعات، ولم تكتب محاضر جمعيتها العمومية، ولم تعرف عن بدايتها وظروف إنشائها، وسنواتها الأولى سوى بضعة أسطر كُتبت باللغات الأجنبية فقط، واختفت تلك الأوراق ومعها تاريخ تلك الأندية في تلك الفترة؛ حتى صارت تلك الأندية لا تعرف ولو اليوم الحقيقي لتأسيسها، ولا تملك ذلك الإرث التاريخي الذي يوثق للحظات الميلاد كما حدث فى النادي الأهلي.