في ذلك اليوم كان الأستاذ صالح ينتظر حفيده ثابت؛ ليطلعه على جزء مضيء في تاريخ الأهلي، وهو تاريخ رؤساء الأهلي ورحلة في مواقفهم. قال صالح لثابت الجميع يا ثابت لديه رؤساء حكموا تلك الأندية أما النادي الأهلي؛ فقد امتلك ملهمين وقادة وصنّاع مواقف. رؤساء النادي الأهلي ليسوا مجرد أشخاص تولوا سُدة الحكم فى النادي، ولكن بعضهم كانوا من بين الآباء المؤسسين ليس لجدران أو فرق أو ألعاب جماعية كانت أو فردية، ولكن كانوا واضعي دستور وكاتبي تاريخ للنادي ومؤسسي مبادئ.
حفظت ترتيب رؤساء النادي الأهلي عن ظهر قلب؛ فهي مراحل حياة النادي الأهلي ومسيرته:
•ميتشيل أنس في الفترة من إبريل 1907 وحتى إبريل 1908
•عزيز عزت باشا في الفترة من إبريل 1908 وحتى فبراير 1916
•عبد الخالق ثروت باشا في الفترة من فبراير 1916 وحتى فبراير 1924
•جعفروالي باشا في الفتر من فبراير 1924 وحتى يوليو 1940
•أحمد فؤاد أنور قائم بالأعمال في الفترة من يوليو 1940 وحتى فبراير 1941
•جعفر والي باشا الولاية الثانية في الفترة من فبراير 1941 وحتى يناير 1944
•أحمد حسنين باشا في الفترة من يناير 1944 وحتى فبراير 1946
•أحمد عبود باشا في الفترة من فبراير 1946 وحتى ديسمبر 1961
•صلاح الدين الدسوقي في الفترة من ديسمبر 1962 وحتى ديسمبر 1965
•الفريق أول عبدالمحسن مرتجي في الفترة من ديسمبر 1965 وحتى يوليو 1967
•إبراهيم الوكيل في الفترة من يوليو 1967 وحتى نوفمبر 1972
•الفريق أول عبد المحسن مرتجي الولاية الثانية في الفترة من نوفمبر 1972 وحتى ديسمبر 1980
•صالح سليم في الفترة من ديسمبر 1980 وحتى ديسمبر 1988
•عبده صالح الوحش في الفترة من ديسمبر 1988 وحتى فبراير 1992
•صالح سليم الولاية الثانية في الفترة من فبراير 1992 وحتى مايو 2002
•حسن حمدي في الفترة من سبتمبر 2002 وحتى مارس 2014
•محمود طاهر في الفترة من مارس 2014 وحتى نوفمبر 2017
•محمود الخطيب فى الفترة من ديسمبر 2017 وحتى الآن.
يسألونك دومًا عن ماهية مبادئ الأهلي ذلك الشعار الذي يؤرق من لم يمتلك مثله، ولكن هل هو حقًا مجرد شعار أم يعتبر واقعًا أهلاويًا استثنائيًا. الحقيقة أن مبدأ الشيء هو أصله؛ ولذلك مبادئ النادي الأهلي هي جذوره وهي مرجعيتة التاريخية، وهي مجموعة من المواقف شكّلت العقد الاجتماعي الذي توارثه الجميع داخل النادي الأهلي فيما بينهم إدارات متعاقبة وجماهير وفرق وأجهزة رياضية؛ ليكون لدينا دون غيرنا مرجعيتنا الخاصة التي نحتكم إليها ربما هي قابلة للخرق أحيانًا مثلها مثل كل القوانين الوضعية، ولكن يبقى للأهلي مرجعية شديدة الخصوصية والتفرد تستدعي الفخر من كل منتمي لهذا الكيان العظيم. لا يمكن أن تنكر على أحد رؤساء الأهلي جهده؛ فالجميع عمل وفق منظومة ربما لم تعرف أي منظومة رياضية أخرى في مصر ما يضاهيها من قواعد صارمة ودستور خاص شكل وجدان تلك المؤسسة ودولاب عملها الإداري من ناحية ومواقفها الانضباطية والتأسيسية من ناحية أخرى؛ لذلك وجب الوقوف عند بعض المحطات من تاريخ رؤساء الأهلي لنرى كيف تشكلت لوحة مبادئ النادي الأهلي.
عزيز عزت باشا "لنرثي بعضًا من قواعد الأهلى الأولى"
ربما من هنا وتحديدًا في حي إمبابة إذا تجولت داخل الحي سوف تجد شارع عزيز عزت ذلك الشارع الذي يحمل اسم أول رئيس مصري للنادي الأهلي، والذي شغل رئاسة النادي الأهلي خلال الفترة من إبريل 1908 وحتى فبراير 1916 خلفًا لميتشيل أنس. عزيز عزت باشا هو أحد أهم المساهمين في تأسيس النادي الأهلي، وكان من بين الذين امتلكوا العدد الأكبر من الأسهم بواقع 100 سهم تنازل عنها جميعًا لصالح النادي الأهلي، وفي عهده بدأ النشاط الرياضي بالنادي الأهلي عام 1911، وبدأ الأهلي يعرف طريقه نحو تكوين الفرق الرياضية والأنشطة كالتنس والجمباز وغيرها. عمل سفيرًا لمصر في بريطانيا في الفترة من 1923 وحتى 1928، وعمل وزيرًا للخارجية المصرية، وظل رئيسًا فخريًا للأهلي في الفترة من 1929 وحتى 1941 بعد تركه منصبه بصفة رسمية. وأبان فترة رئاسة عزيز عزت باشا حدثت واقعة ربما هي كانت رسالة تؤسس لمؤسسية النادي الأهلي وقيمه التربوية ومبادئ النادي التي تحولت لإرث عبر الأجيال. بينما كان ينعم الأهلي بالهدوء داخل أسواره فعام 1912 شهد واقعة جديدة من نوعها على النادي الأهلي فداخل حديقة النادي اندلع شجار بين فؤاد درويش، وهو لاعب بفريق النادي الأهلي، وزميله عضو النادي سليمان أفندي فائق؛ حيث قام فؤاد درويش بالتحدث إلى سليمان فائق بطريقة غير لائقة على مرأى ومسمع من الجميع الذي توجه بدوره لمجلس إدارة النادي، وقام بتقديم شكوى رسمية بالواقعة وهنا بتوقيت عزيز عزت باشا فقد حان الوقت أن يرثي الأهلي قواعده الانضباطية من خلال موقف معلن للجميع؛ حيث شكل لجنته لدراسة الشكوى لتخرج بالقرارات التالية في 15 مارس 1912 إخطار فؤاد درويش بضرورة تقديم استقالته خلال ثلاثة أيام، وفي حالة رفضه الانصياع لتنفيذ القرار يشطب على الفور، هكذا كانت أيام عزيز عزت باشا أحد الآباء المؤسسين.
عبد الخالق ثروت باشا "الأهلي فوق الجميع"
الحكايات لا تنقطع يا ثابت فتاريخ الأهلى كالنهر الذي يفيض بالمواقف، وهنا ربما أيضًا ستجد جزءًا آخر من اللوحة لدى ثاني رئيس مصري للنادي الأهلي، وهو عبد الخالق ثروت باشا؛ فهو حفيد عبد الخالق أفندي أحد كبار الحكام في عهد محمد علي باشا، وكان عبد الخالق ثروت باشا من الآباء المؤسسون أيضًا للنادي الأهلي، وامتلك 40 سهمًا عند التأسيس عمل نائبًا عامًا لمصر عام 1908، وكذلك شغل منصب وزير الداخلية ووزير الخارجية، وكذلك رئيسًا لوزراء مصر عام 1922. كان خطيبًا مفوهًا وحكيمًا قال عنه سعد باشا زغلول: "إن خطابه أحسن الخطب تلاوة وإلقاء ومعنى وعبارة ". كما كان يُدين له عميد الأدب العربي طه حسين بالفضل لمساندته للحركة الأدبية وحركة الطباعة؛ حيث انتشرت في عهده طباعة الكتب في مصر، وقال عنه "كان عبد الخالق ثروت عظيم مصر امتلك رجاحة حلم، ونفاذ بصيرة، وذكاء فؤاد، وسعة حيلة، وتفوقًا في السياسة"، وكذلك قدم له طه حسين إهداءً شهيرًا وخاصًا من نوعه في مقدمة كتابه "في الشعر الجاهلي". ساهم عبد الخالق ثروت باشا في إلغاء الحماية البريطانية عن مصر في 1914، وشارك في تشكيل لجنة وضع دستور1923
وربما من بين المفارقات أنه كذلك قام بتغيير بعض لوائح المحاكم المختلطة، والتي كانت ترسخ لظلم المصريين وألغى الكثير من وظائف المستشارين الإنجليز. ربما لذلك حمل شارع المكتبات بمصر اسم عبد الخالق باشا ثروت، والذي ساهم في التأسيس أيضًا للعمل التنظيمي داخل النادي الأهلي، وهو من أول هؤلاء الذين رأوا أن النادي الأهلي لابد أن يكون له قانونه الخاص.
ساهم في إقرار مبدأ "الأهلي فوق الجميع"؛ ففي عام 1918 فاجأ الأهلي ستة من اللاعبين بفريق الكرة بالنادي حيث تقدموا باستقالتهم من الفريق، وقد كانوا من بين نجوم الفريق وهم (كامل أفندي طه – محمد أفندي شكري – رياض أفندي شوقي – عباس أفندي صفوت – حسن أفندي الصعيدي – عبد الحكيم أفندي علي)، وحدث ذلك في توقيت حساس من عمر منافسات كأس السلطان حسين؛ مما جعل النادي الأهلي يشعر برغبة هؤلاء اللاعبين بترك الفريق لصالح نادٍ آخر، ولكن منذ فجر تاريخ الأهلي وذراع النادي الأهلى لا تلوى، ولا يقبل الأهلي المساومة؛ ولذلك أمر مجلس إدارة النادي الأهلي بقيادة عبد الخالق ثروت باشا بتشكيل لجنة تنفيذية في 2 نوفمبر 1918؛ لتعلن قبول استقالة السداسي مع حرمانهم من الانضمام للنادي لمدة عام؛ ونتيجة لهذا القرار سارع أربعة لاعبين من السداسي بتقديم الاعتذار للنادي الأهلي، والتراجع عن قرار ترك النادي. هذا القرار كان هو المبدأ الذي استند إليه النادي الأهلي بعد مرور أكثر من 100 عام في موقفه من مساومة بعض اللاعبين للنادي خلال التفاوض لتتغير أسماء اللاعبين، ويتغير مجلس عبد الخالق ثروت باشا، ولكن يبقى المبدأ "الأهلي فوق الجميع".
جعفر والي باشا "الأخلاق قبل البطولة"
المبادئ قبل البطولات؛ فإذا فرط الأهلي في مبادئه ضاع كل شيء. أتدري يا ثابت يُقال إن في عمر الكيانات العظيمة لحظات فارقة هي من تشكل قدره وروايته حتى النهاية، وقد كانت تلك اللحظات الفارقة هي لحظات جعفر والي باشا أحد من جعلوا الأهلي في المقدمة؛ ليصبح قدر النادي الأهلي هو ذاك القدر الذي لا يليق بغيره. نحن الآن نشتمُّ نسائم زمن جعفر والي باشا ورئاسته للنادي الأهلي في الفترة من منتصف العشرينيات تقريبًا وحتى بداية الأربعينيات من القرن الماضي. جعفر والي باشا من بين هؤلاء الذين ساهموا في تأسيس النادي الأهلي وشغل جعفر والي باشا مناصب مرموقة في الدولة المصرية عمل وزيرًا للأوقاف ووزيرًا للمعارف ووزيرًا للحربية في حكومة رئيس النادي الأهلي السابق عبد الخالق باشا ثروت. جعفر والي باشا هو ذاك من ارتأى أن على الأهلى ألا يقبل في عضويته غير المصريين، وصدر قرار من جمعية النادي العمومية بهذا الشأن عام 1925، ومن أهم أدوار جعفر والي باشا أنه من أعمدة تمصير الكرة المصرية وتأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم. وكانت الكرة المصرية تحت قبضة الاتحاد المختلط وفي أعقاب ثورة 1919 سادت الروح الوطنية نحو تمصير الاتحادات والكيانات وكان للصحفي المصري إبراهيم علام جهينة دور بارز في هذه القضية، وكذلك عاونه حسين حجازي، وهنا لابد أن تتذكر يا ثابت هذا الاسم "حسين حجازي" لأننا سوف نتوقف عنده فيما بعد حينما نعرج لموقف شديد الخصوصية جمع بين كل من جعفر والي باشا وحسين حجازي النجم الأول للكرة المصرية في هذا التوقيت. نعود لتأسيس الاتحاد المصري لكرة القدم، وقد استمرت الجهود الساعية لتأسيسه حتى تم ذلك في 3 ديسمبر 1921، وتم تشكيل لجنة الإدارة برئاسة جعفر والي باشا، وكانت أغلبية الاتحاد المصري في هذا التوقيت من النادي الأهلي، وهو ما يعكس بدوره كيف ساهم النادي الأهلي في تمصير الكرة في مصر، وفي عهد جعفر والي باشا زادت وتضاعفت شعبية النادي الأهلي كرويًا، وبدأ النادي في تحقيق سلسلة متتالية من البطولات، وفي فترة جعفر والي باشا كانت البداية الحقيقية لسيطرة النادي الأهلي على بطولات الكرة المصرية،وخلق ثقافة البطولة والمركز الأول. كانت الكأس السلطانية كأس السلطان حسين هي أحد أهم وأقدم البطولات التي شهدتها الكرة المصرية، والتي بدأت عام 1917، وامتدت حتى عام 1938، وحققها النادي الأهلي للمرة الأولى عام 1923 ولكن في عهد جعفر والي باشا حقق الأهلي كأس السلطان حسين 6 مرات ( 3 مرات متتالية أعوام 1925، 1926، 1927. ثم نجح فى تحقيقها مرة أخرى أعوام 1929، 1931 وفي نسختها الأخيرة عام 1938)؛ ليصبح النادي الأهلي النادي المصري الأكثر تحقيقًا للبطولة على مدار تاريخها بـ7 ألقاب يليه النادي المصري بثلاثة ألقاب، وكان نادي الزمالك قد حقق تلك البطولة مرتين فقط قبل تولي جعفر والي باشا، ولم يعرف التتويج بها منذ توليه رئاسة النادي الأهلي، وفي عهد جعفر والي باشا حقق النادي الأهلي العديد من الألقاب لبطولة كأس مصر ودوري منطقة القاهرة، وكان النادي الأهلي حقق إنجازًا غير مسبوق في عهد جعفر والي باشا بتحقيق دوري منطقة القاهرة لخمسة مواسم متتالية في الفترة ما بين عام 1935 وحتى 1939، وتفوق أيضًا على الزمالك "المختلط " أن ذاك في عدد الألقاب في جميع البطولات خلال ولايته، ولم يكتفِ أهلي جعفر والي باشا بكتابة شهادة ميلاد التفوق التاريخي للأهلي على الزمالك فقط بل فاز الأهلي على الزمالك بثلاثة خماسيات تاريخية خلال فترة زمنية قياسية. فقط يا عزيزي احتاج أهلي جعفر والي باشا لعام و 45 يومًا؛ ليلحق بالزمالك هزائم الخماسيات الثلاثة فقد كان الفوز الأول في دوري منطقة القاهرة بنتيجة 5 / 1 في 8 يناير 1937 والمرة الثانية كانت بنتيجة 5 / 0 في 30 مايو 1937 في مسابقة كأس مصر، وكانت المرة الثالثة في دوري منطقة القاهرة، وفوز الأهلي بنتيجة 5 / 1 في 25 فبراير 1938، وهي هزائم متلاحقة في ديربي القاهرة كذلك سطع نجم عظماء تلك الفترة من اللاعبين أمثال التتش ورفاقه في عهد جعفر والي باشا، ولكن نجومية أي لاعب مهما بلغت كانت لدى جعفر والي باشا تنتهي حيث تبدأ مبادئ وقيم ولوائح النادي الأهلي، وهنا نعود لاسم حسين حجازي وتحديدًا عام 1928 حينما خسر النادي الأهلي نهائي كأس السلطان حسين لصالح نادي الترسانة؛ ليقرر حسين حجازي رفض استلام الميداليات اعتراضًا على بعض القرارات خلال المباراة. لا يمكن فهم عظمة هذا المشهد بمعزل عن سياقه فحسين حجازي ليس نجمًا عاديًا بل ليس مجرد لاعب كرة بل من الممكن أن تصنفه كأحد مؤسسي اللعبة في مصر واحد من ساهموا في تمصيرها حتى تأسس اتحادها الأول برئاسة جعفر والي باشا رئيس النادي حينما حدثت تلك الأزمة عام 1928. وهنا كان الاختبار الحقيقي لكلمة مبادئ النادي الأهلي هل تخضع لفرد مهما عظم اسمه وعلى شأنه وهل يمكن أن تختلف باختلاف الأشخاص؟ الجميع في ترقب للقرار ولكن لأن مبادئ النادي الأهلي ولدت كبيرة؛ فكان القرار هو إيقاف أبو الكرة المصرية حسين حجازي ثلاثة أشهر، والأعظم من القرار ذاته هو ما صاحب القرار من حيثيات فالإيقاف ثلاثة أشهر جاء لأن حسين حجازي قائد الفريق، وهو بتصرفه وقيامه برفض استلام الميداليات تبعه عدد من اللاعبين لتأييده، وممارسة السلوك ذاته، وهنا ترسيخ من النادي الأهلى لقيمة شارة القائد وواجباتها. ثم أخطر النادي الأهلي الاتحاد المصري بالقرار ورفض الضغوط التي حاولت إرغام الأهلي للتراجع عن قراره؛ لكي يشارك حسين حجازي في أولمبياد 1928، ولكن لم يكن النادي الأهلي يعرف مبدأ التراجع عن قراراته ومبادئه بل وتماديًا بترسيخ القرار؛ فقرر النادي وضع القرار على لوحة بالنادي لمدة 15 يومًا؛ ليعلم الجميع حقًا أن الأهلي فوق الجميع؛ وليقول جعفر والي باشا مقولته الخالدة "الأخلاق قبل البطولة"؛ ليرحل بعدها حسين حجازي عن النادي الأهلي فرحل أحد أهم اللاعبين في تاريخ الكرة المصرية، ولكن بقيت الأخلاق فبقيت البطولات حتى يومنا هذا.
أحمد عبود باشا "من لم يعرف مع الأهلي سوى المنح"
"واهمون وخائبو أمل، أولئك الذين يقضون فترة الحياة يحصدون ويكدسون المزيد من الثروة أكثر مما يحتاجون، ليكتشفوا بعد فوات الأوان، أن كل المال الذي في العالم لن يشتري حبة من السعادة" الكاتب الروائي مارك توين.
ربما يا ثابت من هذه الجملة بدأ أحمد عبود باشا ربما هو من عرف أن المال إن لم يحقق السعادة فهو لم يحقق شيئًا؛ ولذلك أدرك أحمد عبود باشا أن سعادته في جعل ماله في خدمة النادي الأهلي. البداية كانت في حي الشعرية بين البسطاء والكادحين ربما هذا ما جعله يرتبط بعشق الفقراء الأول، وهو النادي الأهلي.
ها هو الفتي أحمد عبود يساعد والده فى حمامه الشعبى بدأ رحلته من العدم؛ ليكتب رحلة بناء إمبراطورية عبود باشا. بعد أن تخرج من مدرسة المهندسخانة ذهب ليعمل مقابل خمسة جنيهات فى وابور تفتيش الكونت الفرنسى "دى فونتارس" بأرمنت بالأقصر. ثم انتقل بعد ذلك للعمل بأعمال المقاولات الخاصة الطرق والكبارى التي قامت الحكومة العثمانية بتكليفه بها لتقوم بعد ذلك بمنحه النيشان العثماني الرابع ثم رتبة البكوية الممتازة. كما ساهم أحمد عبود باشا بوصفه أحد رواد الاقتصاد المصري في مساعدة السير ويليام ويلكوكس الإنجليزى الذى أقام قناطر أسيوط وخزان أسوان في مصر. بدأت تتعاظم ثروة عبود باشا وجمع من الأموال ما ممكنه من شراء الجزء الأكبر من أسهم شركة "ثورنيكروفت" للنقل بالقاهرة لتمكن أيضًا من شراء حصة من أسهم شركة بواخر البوستة الخديوية. ثم استطاع أن يحصل على رتبة الباشاوية من الملك فؤاد عام 1930، وهكذا بدأ صرح أحمد عبود باشا الاقتصادي يتشكل. وفي شهر أبريل عام 1948 نشرت مجلة المصور موضوعًا بعنوان "عبود باشا ينقل مجد مصر إلى أمريكا"؛ حيث نجح عبود باشا في رفع علم مصر لأول مرة على الأراضي الأمريكية حينما قام بافتتاح أول خط ملاحى بين مصر وأمريكا بباخرتين (باخرة الخديوى إسماعيل وباخرة محمد على الكبير). كذلك كان لأحمد عبود باشا دور وطني في تمصير صناعة السكر في مصر، والتي كان يسيطر عليها البلجيكي هنري نوس ليصبح اسم عبود باشا حديث المصريين، ومن المواقف الطريفة التي تعكس شهرة عبود باشا في هذا التوقيت أن ورد اسمه في موقف كوميدي في فيلم "المليونير" عام 1950 حينما قالت الفنانة (سعاد مكاوى) لإسماعيل ياسين أنا اسمي "سُكره" فقال لها اسماعيل ياسين "أحب عبود باشا" في إشارة لإمبراطور السكر في هذا الوقت المصري الأهلاوي عبود باشا.
وامتلك عبود باشا العديد من الشركات فلم يترك مجالًا إلا وساهم في تطويره بأيدٍ مصرية؛ فساهم في صناعة الأسمدة، وامتلك العديد من شركات الغزل والنسيج والصناعات الكيميائية، وقدرت ثروته في ذاك الوقت بنحو ثلاثين مليون دولار أمريكي.
ومن المواقف التي تعكس قوة وتأثير عبود باشا على الاقتصاد المصري إذ أجبر طلعت حرب على الاستقالة من منصبه حينما قرر سحب ودائعه من بنك مصر؛ نتيجة خلاف نشب بينه وبين طلعت حرب أن ذاك.
عام 1938 قرر عبود باشا أن ينشئ تلك العمارة الشهيرة في تاريخ مصر والفريدة من نوعها، والتي ظلت كأبرز معالم قاهرة المعز، وهي عمارة الإيموبيليا. إذا رغبت أن تسكن تلك العمارة فقبل أن تفكر كيف ستدبر المال لشراء شقة بداخلها؛ فعليك أن تحقق الشرط الأهم، وهو أن تكون أهلاويًا نعم هكذا قرر عبود باشا دون استثناءات سوى للموسيقار محمد عبد الوهاب. تلك العمارة أسسها المهندسان المعماريان ماكس أزرعي وجاستون روسيو، واستغرق بناؤها عامين بتكلفة اقتربت من مليون و200 ألف جنيه، وهو مبلغ خيالي في هذا التوقيت. عبود باشا خصص بتلك العمارة طابقًا للمغتربين من لاعبي الأهلي، وكان عبود باشا يستقبل بمكتبه بتلك العمارة نجوم النادي الأهلي صالح سليم وطارق سليم وهيكل وكنفاني وميمي الشربيني وعوضين، وكانت تلك العمارة تضم صفوة المجتمع ومفكريه وكبار الفنانين والأدباء.
عبود باشا كان عاشقًا للنادي الأهلي يجد نفسه بين جدرانه، وفي محاولة جعل النادي الأهلي في تلك المنزلة التي تليق بجماله. كان عبود باشا لا يتوقف عن التبرع من أمواله لمساندة النادي الأهلي وتطوير منشآته؛ ولذلك لقى كل التكريم والتقدير من مجلس إدارة النادي الأهلي الذي قام بتكريمه عام 1944 بعد تبرعه بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه للمساعدة في الانتهاء من بعض الإنشاءات داخل النادي الأهلي.
وفي عام 1947م فاز أحمد عبود باشا برئاسة النادي الأهلي بالتزكية؛ لتبدأ رحلة من البطولات والهيمنة الأهلاوية هيمنة تواكب عقلية عبود باشا الذي لم يكن يعرف سوى الصدارة والريادة، ولا يعرف للخسارة أو المركز الثاني معنى في قاموس حياته الذي تطابق مع عقلية وموروثات النادي الأهلي. فمع بداية مسابقة الدوري المصري موسم 1948 نجح النادي الأهلي تحت رئاسة عبود باشا في الفوز بالـ9 بطولات الأولى من عمر المسابقة والتي أقيمت في الفترة ما بين عام 1948 وحتى 1959 بطولات متتالية كانت الكرة المصرية لا تعرف للمسابقة الأقوى على أرضها بطلًا سوى الأهلي فالأهلي في الصدارة، والجميع يسعى ويلهث من خلفه. حافظ مجلس عبود باشا على مبادئ النادي الأهلي وقوة كلمته وتمسكة بالقواعد واللوائح، وعدم قبول أي شكل من أشكال التعدي على حقوق النادي، وظهر ذلك جليًا في موقف الأهلي بعد مباراة الأهلي والترام عام 1955، وعدم قبول قرارات اتحاد الكرة المجحفة وإجبار الاتحاد على التراجع عن ذلك القرار. هكذا كان زمن عبود باشا أحد رجالات الأهلي المخلصين والذين عرفوا أن السعادة ليست في جمع المال بقدر كونها في سبل إنفاقه فيما تحب فخلال تلك الفترة كان عبود باشا ينفق من أمواله على النادي دون تلقي أي دعم مالي من الحكومة، وظلت رحلة عطاء العاشق عبود باشا ممتدة لا تتوقف إلى أن جاء قرار بتأميم ممتلكاته وشركاته رحل عبود باشا عن مصر، ولكن ترك قطعة من قلبه، ووهج من روحه بين جنبات النادي الأهلي وداخل أسواره. رحل عبود باشا لتخفت شمس الأهلي قليلًا ويلوح في الأفق الظلام.
الفريق مرتجي "لنستعيد وجه الأهلي الجميل"
ظلام دامس نسر الأهلي مقيد ربما أرادوا له عدم التحليق. أتعلم يا ثابت الأهلي ذاته الذي وصل إلى حد الاكتفاء الذاتي بفضل عبود باشا، والذي تسيّد الكرة المصرية ليعلن أنه فارسها الوحيد والذي حقق 11 لقبًا للدوري العام من أصل 12 لقبًا في الفترة من 1948، وحتى 1962 صار جريحًا بعد رحيل عبود باشا صار كالأسد المنهك حينما يبدأ الجميع في التجرؤ عليه، ومحاولة تغيير قانون الغاب. ها هو الأهلي يخسر البطولة تلو الأخرى. شخصية الأهلي التاريخية التي سادت لسنوات بدت؛ وكأنما قد تغيرت معالمها. إلى أن جاء هو ليحاول أن ينقذ ما يمكن إنقاذه ليعيد الروح إلى الجسد المتعب. نعم هو الفريق أول عبد المحسن كامل مرتجي. الرجل العسكري الحاصل على بكالوريوس العلوم العسكرية من الكلية الحربية المصرية عام 1937 كما حصل على ماجستير العلوم العسكرية من كلية أركان حرب، والذي وصل إلى رتبة فريق، وقاد القوات العربية في حرب اليمن. تنطبق مقولة الكاتب الكندي روبين شارما "التغيير صعب فى البداية وفوضوي في المنتصف ورائع في النهاية" على ما فعله الفريق مرتجي وسنوات تغيير واقع الأهلي البائس بعد رحيل عبود باشا. الأهلي يفقد لقب كأس مصر لـ4 مواسم متتالية أعوام 1962، 1963، 1964, 1965.
كما تراجع الأهلي لينهي الدوري في المركز الخامس موسم 1964 وفي المركز الرابع موسم 1965 إلى أن جاء ديسمبر 1965 ليأتي الفريق مرتجي ليلقي أول حجر في مياه بطولات الأهلي الراكدة؛ ليحقق الأهلي بطولة كأس مصر موسم 1966، وتحديدًا في السادس من مايو على حساب نادي الترسانة بطل النسخة السابقة من البطولة عام 1965 في مباراة ملحمية كانت بمثابة قُبلة الحياة للنادي الأهلي. ولكن يرحل الفريق مرتجي عن الفريق لظروف الحرب ولكن لنا بعد الرحيل عودة ليتولى الفريق مرتجي رئاسة النادي الأهلي في ولاية جديدة في نوفمبر 1972 لكن تلك المرة أدرك الفريق مرتجي أن الأهلي يحتاج لمشروعه الخاص لعودة البطولات وإعادة الأهلي لمرحلة تسيد الكرة المصرية من جديد، استعان الفريق مرتجي بالقائد صالح سليم لكي يتولى مسؤولية الإشراف على فريق الكرة، ونجح في انتداب الداهية المجري هيديكوتي، وأسفرت استراتيجية مرتجي عن تكوين جيل التلامذة لينجح الفريق مرتجي في إعادة بطولات الدوري للنادي الأهلي أعوام 1975، 1976، 1977، 1979.
لم يكن حصاد الفريق مرتجي هو إعادة بطولات النادي الأهلي فحسب بل إحياء مواقف رسخت مبادئ النادي الأهلي، وتحديدًا خلال موسم دوري 1976. أقيم الدوري بنظام المجموعتين ليتصدر الأهلي مجموعته برصيد 38 نقطة، وبفارق ثماني نقاط عن الإسماعيلي الذي حل ثانيًا لينتظر الأهلى بطل المجموعة الأخرى، والتي كانت المنافسة فيها مشتعلة بين الزمالك والمحلة لحجز بطاقة مواجهة النادي الأهلي، ومن هنا بدأت الأزمة التي كان للأهلي فيها موقف تاريخي.
داخل الملعب في المبارة التي يستضيف بها الزمالك نادي المحلة احتشد جمهور الزمالك الجموع متحمسة؛ فالزمالك يحتاج للفوز على المحلة المتصدر لإزاحته واقتناص صدارة المجوعة في الجولة الأخيرة والتمكن من مواجهة الأهلي الذي فاز بصدارة مجموعته. ولكن الفلاحين يسطرون التاريخ ليسجل عمر عبدالله هدف المحلة الأول في الدقيقة الخامسة من عمر اللقاء، ولا يكتفي أبناء المحلة بهذا الهدف وكأنها ليلة الشقاء للمعسكر الأبيض يتمكن لطفي الشناوي من تسجيل الهدف الثاني للمحلة في الدقيقة 20 من عمر اللقاء. الجموع المتحمسة من مشجعي الزمالك تحولت لجموع غاضبة وجمهور الزمالك بدأ في التعبير عن غضبه، وفي الدقيقة السادسة والعشرين من عمر اللقاء يلقي جمهور الزمالك طوبة لتصيب رأس عمر عبدالله جناح المحلة وتسيل منه الدماء ليقرر الحكم محمد رزق شحاتة إلغاء المباراة. توقع الجميع تطبيق اللائحة واحتساب الزمالك خاسرًا وإعلان المحلة بطلًا لمجموعته انتظارًا لمواجهة النادي الأهلي؛ لتحديد بطل المسابقة فالمباراة على ملعب نادي الزمالك، والذي قام بالاعتداء هو جمهور نادي الزمالك، ولكن ما فعله اتحاد الكرة فاق كل خيال فالاتحاد الذي كان وكيله حسن عامر رئيس نادي الزمالك قرر أن يتم استكمال ما تبقى من زمن المباراة الأسبوع التالي بدون جمهور !!
رفض نادي غزل المحلة القرارات المعيبة من اتحاد الكرة، وهدد بالتصعيد واللجوء إلى القضاء، وقرر المجلس الأعلى للشباب والرياضة التدخل، وقرر إيقاف تنفيذ قرار اتحاد الكرة وحتى تلك اللحظة الأهلي لم يكن طرفًا إلى أن بدت للجميع نوايا اتحاد الكرة زمالكاوي الهوى حينما قرر اتحاد الكرة تعديل قراره، ولكن بإلغاء مسابقة الدوري موسم 1976، وهنا أعرب الأهلي عن وجهه القوي الرافض للمساس بحقوقه، والذي لا يستسلم لما تُحاك له من مؤامرات فرد النادي الأهلي برفضه قرار اتحاد الكرة، ورفضه المساس بحقوقه في المنافسة على التتويج باللقب، وكذلك قرر عدم الاشتراك في أي مسابقة ينظمها اتحاد الكرة مادام قراره بعدم استئناف الدوري ساريًا.
ليخرج الاتحاد بقرارات حاول فيها احتواء الأزمة؛ ليحاول حفظ ماء وجهه، وهو التمسك بعدم اسئناف المسابقة، ولكن مع إقرار النادي الأهلي بطلًا للدوري موسم 1976 باعتباره متصدرًا لمجموعته؛ ولكونه بطل الموسم السابق للبطولة موسم 1975
ربما تعتقد أن هذه هي الخاتمة السعيدة لتلك الرواية بإعلان الأهلي بطلًا للمسابقة، ولكن لأنه الأهلي فأنت أمام مبادئ النادي الأهلي واتساقه مع ذاته أنت أمام بطل حقيقي لم يكن يومًا بطلًا من ورق أمام من امتلك المبادئ، وليس من تاجر بها. فقد رأى الأهلي أن في هذا القرار ظلمًا سوف يقع على فريق المحلة الذي له الأحقية في تصدر مجموعته فرفض النادي الأهلى قرارات اتحاد الكرة تضامنًا مع نادي المحلة، وتمسك بحق الفريقين في لعب المواجهات المباشرة بينهما لتحديد بطل المسابقة. موقف الأهلي هو الذي أرغم لجنة المسابقات على إصدار قرار بخوض الأهلى والمحلة مباراتين فاصلتين لتحديد البطل؛ ليتمكن النادي الأهلي من تحقيق البطولة بشرف على حساب نادي المحلة بعد أن فاز عليه في المباراتين بنتيجة 1 / 0 و 4 / 0، هكذا قدم النادي الأهلي موقفًا استثنائيًا في تاريخ الكرة المصرية كيف واجه الأهلى ظلم اتحاد الكرة لا لينتصر لنفسه بل لينتصر لغيره؛ ليحقق الأهلي بطولة خارج الملعب قبل بطولة الدوري، وهي بطولة الانتصار لمفاهيم العدل، وهكذا كتب الفريق مرتجي فصلًا جديدًا من فصول مبادئ النادي الأهلي.