قبلَ أن يضيقَ حِذاءُ المَدْرَسَة
يسقطُ الضَّوءُ على وجهي
مرتينِ في العامْ.
المقطعُ الطُّوليُّ يكشفُُ
أن سُمْكَ الجدارِ ثلاثون عامًا
بعد أن تسرَّبَ يومانِ خِلسةً
عبرَ عوازلِ الرطوبةِ والحرارةْ.
لابدَ من فواصلِ هبوطٍ وتمددٍ
لجدارٍ بهذا الطُّولِ
والصَّمتْ.
طبقاتُ الأرضِ الافتراضيةُ
يحتلُّها بالتتابعِ :
صخرٌ / رصاصٌ
نورٌ / ماءٌ
ترقُّبٌ
ماءٌ
وموتْ .
لذا
لمْ يجدِ البنَّاءُ بُدًّا
من زرْعِ أوتادٍ
بعمقِ الخيبةِ الزاحفةِ على وجهي
في العامِ الأخيرْ ،
ومَدِّ فَرْشَةٍ من الأسمنتِ
تضمنُ ثباتَ البنايةِ في الزلازلْ.
الرسوماتُ التنفيذيةُ
أخذتْ مسارًا آخرَ
غير اسكتشاتِ المُصَمِّمِ
لأن عاملَ الأمانِ المُفترضَ
لم يناسبْ مواصفاتِ الحفرِ
سيَّما
وقد اكتشفَ الموقعيونَ
أن الجسَّاتِ التي تمَّتْ للتربةِ
شابَها التزييفُ.
الحقُّ
أن هذا الاكتشافََ
جاءَ مصادفةً :
في ليلةٍ مقمرةٍ
وبينما أحدُ الخفراءِ بالموقعِ
يعدُّ لكوبِ شايٍ
لمحَ نبتةً صغيرةً تشقُّ الأرضَ
بعدما غافلَهُ
بعضُ الماءِ وسقطْ .
التربةُ طينيةٌ !
التربةُ الطينيةُ
لا تطمئنُ للأبنيةِ التاريخية.
أكثرَ من مرةٍ
شوهدتْ أراضٍ تتركُ مواقعَها
وتفرُّ
تاركةً للفراغِ
بناياتٍ معلقةً في الهواءْ.
الإنشائيونَ
استحدثوا طرائقَ مبتكرةً :
الشَّدُّ من أعلى
بأسلاكٍ معلقةٍ إلى السماءِ ،
أو بناءُ حوائطَ ساندةٍ
تحولُ دون مصبَّاتِ المياه.
المعماريون
ـ في جلساتِ العَصْفِ الذِّهنيِّ ـ
يرفضونَ الحلولَ التقليديةَ
يفضلونَ أن يخلِّصوا المبنى
من وزنهِ الذاتيِّ أصلاً
لا ليسخروا من قانونِ الجذبِ
لا سمح الله
لكن ليبتكروا مجالاتِ خلقٍ جديدةً
تجعلُ الأطفالَ يفرحون.
الضَّوءُ سقطَ على وجهي مرتينِ في العامْ
أقصدُ العامَ الأخيرْ.
الجدارُ سميكٌ طبعًا
لكن
الضَّوءُ يسيرُ في برابولا من الدرجةِ الثالثةِ
تسمحُ له بالتعاملِ مع حوائطَ
يُعوِزُها الذكاءُ .
الضَّوءُ يخدعُ ويناورُ ،
يلتفُّ حولَ الحجارةِ
ويدخل قدسَ الأقداسِ
من ثغراتِ العراميسِ
مرتينِ في العامِ ،
لا في أيلولَ و آذارَ ،
لكن في الردهةِ الصَّامتةِِ
نصفِ المعتمةِ مرةً
ومرةً في غرفةِ الطعامْ.
الضوءُ لا يسقطُ على وجهي مرتينِ في العامْ.
الضوءُ سقطَ
مرتين
في عامْ.
القاهرة / 24 نوفمبر 2002
مياهٌ قديمة
هكذا
أن نستدرجَ المياهَ القديمةَ من هناك !
الشقوقُ التي انغلقَتْ
فزادَ التصحُّرُ
وانتوى العنكبوتُ إقامةً دائمة.
بعضُ الماءِ إذن
كان السبيلَ للخروجِ من دائرةِ الوجعْ !
بعضُ ماءٍ
استقطرناهُ من المِلحِ الناشفِ
فوقَ جدرانِ الأنابيبِ النائمةِ ،
النائمةِ بلا حماسٍ.
كيف خادعَنا العروسةَ بنيَّةَ العينينِ
فوقَ الأريكةِ !
أوهمناها أن الطفلةَ صغيرةٌ مازالتْ ،
فاطمأنتْ
ونامتْ مبكرًا.
المصباحُ ،
اختارَ إضاءةً خافتةً
تسمحُ للنَبتَةِ أن تُغْلِقَ أوراقَها.
ثمَّ سحبنا الستارةَ
حين رأينا المشابكَ تمدُّ أعناقَها
فانطوتْ على ملابسِها
يائسةً.
المدهشُ
أن أصواتَنا الجديدةَ
لم تحددْ آذانُنا بَصْمَتَها في سِجِلِّ الذاكرة،
أصواتَنا التي
تزامنتْ مع ارتخاءِ الزوايا الحادَّة
واحتباسِ الأنفاسِ
إثرَ سقطةٍ مباغتةٍ من الطابقِِ العاشرِ
فوق صفحةِ نهرٍ
فاترٍ بما يكفي
للانخراطِ في الخَدَر.
أصواتُنا الجديدةُ
أيقظتِ السَّريرَ الصامتَ
فانتبهَ إلى الخُدعةِ
ظلَّ يرمقُ الردهةَ البعيدةَ،
ثم انطوى مُطرِقًا
على نظافتِه المُزمِنَةْ.
الطائرة/ 20 سبتمبر 2002
فروضٌ فوضوية
ماذا لو
تجاورْنا فوقَ مِقعد المدرسةْ!
أو تقاطعتْ حدودي
مع شباكِ الفصلِ
في صورةٍ بلا ألوانْ !
شباكٌ طيّبٌ
يباركُ هروبَنا
إلى ملعبِ الكنيسةِ
لنُلَمْلِمَ أوراقَ التوتِ في نيسانْ
نطْعِمُ يرقاتٍ نائمةً
في صندوقِ الحذاءِ
ذي الغطاءِ المثقوبْ.
نتغاضبُ
مَنْ سيجاورُ النافذةَ
في الباصِ الأزرقِ
ثمَّ تخطِئُنا الحقائبُ
فأُفتِّشُ في دفاترِك
عن شخبطاتٍ تحملُ ملامحي.
ماذا لو
تلاقتْ عيونُنا
في محاضرةٍ لتاريخِ العمارةْ،
ثم تقافزنا فوقَ الدَّرَجِ
يومَ تَخرُّجِنا.
ماذا لو
علمتَني القصيدةَ
قبلَ أن يَفرَّ الخليلُ
مِنْ مَحْبَرَتي.
لو
فاجأْتَني بثوبٍ أبيضَ
قبلَ أنْ أدخلَ المحرابْ.
ماذا
لو لم نلتقِ أبدًا !
الرياض/ 7 أبريل 2002
العمياء
بعد جراحةٍ مرتبكةٍ
تمَّتْ على عجلٍ
يناسبُ ارتكابَ الشِّعرِ
في صورتِهِ المحرَّمةْ .
عهدٌ طويلٌ
مع الشخوصِ إلى الأعلى
بأحداقٍ فارغةٍ ،
وماضٍٍ مؤجل،
سمعتْ خلالها عشراتِ الكُتبِ .
لكنَّها
حين راقصتْ " لاما "
عندَ سَفْحِ الهضبةِ ،
علَّمها
أن صعودَ الرُّوحِ
مرهونٌ بانفصالِها الشَّبكيِّ .
أُميَّةٌ إذن !
لأن الألمَ المرسومَ على ملامحِها
لحظةَ الإعلاءِ الجسديّ
أفسدَ النصَّ
فانثنى القلمُ
قبل اكتمالِ الحكاية .
لا سبيلَ للرجوعِ الآن.
المعرفةُ في اتِّجاهِها
والجهلُ
فردوسٌ غائب .
لذا
تظلُّ الفكرةُ تُطِلُّ برأسِها
محضَ ذاكرةٍ جافةٍ
كلما راودَها البصرُ ،
تسكبُ ظِلَّينِ واقفيْن
في عتمةِ ردهةٍ مبهورةِ الأنفاسِ
صامتةٍ ،
كانت تستعدُّ للشاي
عند انتهاءِ المشهدْ .
ظلاَّنِ
أحدُهما يمارسُ مهنةَ التنويرِ
والآخرُ
يجتهدُ أن يقرأَ
لكن
تَحُولُ دهشتةُ العميقةُ
دون اكتمالِ الدرسِ .
القراءةُ لا تحتاجُ إلى عينين
هذا ما تأكَّد لها
حين أبصرتْ فجأةً
ولم تجدْ كتابًا .
القاهرة/13نوفمبر02