في هذا الكتاب ترتدي فاطمة ناعوت الأديبةُ والشاعرةُ الكبيرة ثوبَ الناقد فوق ثوب المبدع، وتتّخذُ لنفسها مِقعدًا بين مقاعد المتفرجين لترى بعين ثاقبة كيف تدور عجلة الكتابة شعرًا ونثرًا، وتقرأ الإبداعَ من منظور مختلف موازٍ لمنظور القارئ العادي ومكمّل له.
"نقرةُ إصبع".. "على بُعد سنتيمتر واحد من الأرض".. "قطاعٌ طوليٌّ في الذاكرة".. "فوق كف امرأة".. "اسمي ليس صعبًا".. إلى آخر تلك الأعمال الإبداعية.. كلُّها دواوينُ شعريةٌ طالما أمتعتْ فاطمة ناعوت بها قراءها على مدار سنوات، لكنها في هذه المرة فضّلت أن تلتقط الأنفاسَ، وتعقدُ مع نفسها هدنةً تُخرج من خلالها إبداعًا من نوع آخر.. إبداعَ العين بدلاً من إبداع القلم.. كيف يمكن أن تستمتعَ لمجرد أنك ترى.. وكيف يمكنُ أن يكونَ نقدُ الأعمال الأدبية في حدِّ ذاته عملاً إبداعيًّا له حيثياتُه وقواعدُه.
وفاطمة ناعوت واحدة من القلائل الذين جمعوا بين العلم والأدب، فرغم أنها تخرجت في كلية الهندسة جامعة عين شمس، إلا أن ذلك لم يمنعها من الغَّوص في بحور الشعر واستخراج كنوز اللفظ والتعبير، وصياغتها على شكل كتابات أو دراسات أو ترجمات.
"المُغنّي والحَكّاء"، كما تقول فاطمة ناعوت، هو تجربتُها النقدية على هيئة مقالات حول بعض الأعمال الشعرية والسردية المصرية والعربية والعالمية التي أعجبتها. "المغني" هو الشاعر، أما "الحكاء" فهو القاص الروائي أو المسرحي، وتشرح فكرة الكتاب أكثر وأكثر عندما توضح: "أقدمها للقارئ لنختبر سويًّا كيف يقرأ المبدعون المبدعين، وإلى أي مدى ينجح الشاعر في قراءة أعمال شعرية أو سردية لم يكتبها، أو لنختبر إلى أي مدى الكتابة على الكتابة ممكنة".
لن أطيل عليكم أكثر من هذا، فالكتاب حقًّا جدير بالقراءة، وصاحبته تمتلك تجربة فريدة بين الهندسة والأدب، فهل أنتجتِ التجربةُ مهندسةَ كلماتٍ ومعماريةً تجيدُ بناءَ الأفكار فوق الأفكار؟!
نوال مصطفى
القاهرة
يوليو 2009