تصاعد صوت رنين الهاتف كعادته كل صباح , استقيظ متثقالًا من تحت الغطاء ,كان صوت الهاتف دائمًا هو الموسيقى التصويرية لحلمه الأخير والذي لا يكتمل في الأغلب , بدأ روتينه الصباحي , كان وحيد الاسم والصفة بعينين حائرتي النظرات تخفيهما نظارته الطبية الضخمة وجسم يميل إلى الإمتلاء ,شابًا في منتصف العمر ومنتصف مشواره الوظيفي , في المنتصف من كل شيء.
كان ضوء الشمس قد بدأ في الظهور على استحياء ورائحة الهواء تُنبأ عن يوم خريفي أكتوبري , أمام المرآه وقف يتأنق على غير عادته , كان يشعر أنه سيحقق انتصارًا طال انتظاره.
نزل السلم صادفته إحدى جاراته بادرته السلام فرد متلعثمًا وواصل نزوله مسرعًا.
مشى قليلاً ثم استقل سيارته كانت تقف حيث اعتاد أن يتركها .
كان كل شيء يشعره أن اليوم مُختلف , حتى الأغنيات المنبعثة من راديو السيارة كانت حماسية
فأيقظت داخله أحاسيس متضاربة وتساءل " اكلمها ؟ طب أفتح كلام إزاي ؟ "
أفاق على صوت بوق السيارة من خلفه وصياح من حوله فأدار محرك سيارته وأنطلق مستمرًا في التفكير
" يعني لو عزمتها على قهوة وفتحت كلام هيحصل إيه؟ ممكن ترفض طلبي هيبقى شكلي إيه قدام الناس !
طب وهي ترفض ليه ؟ هي أكيد فاهمة "
استمر في طريقه كان يحاول استجماع شجاعته وترتيب افكاره واقواله.
كانت هند نسمة الصيف اللطيفة التي تسللت إلى حياته وعمله منذ سنوات بعينين تشبه عيون المها وشعر فاحم السواد وبشرة خمرية كان عطرها يترك أثره في كل ركن
كنحلة في النشاط والاجتهاد سرقت قلبه منذ أن رأها لأول مرة لكنه آثر الصمت .
كان وحيد جوزائي المزاج لايمكن التنبوء بردود أفعاله تذكر حين ثار على عم عبده لأنه قدم له القهوة بدون ماء وهدد بطرده فتدخلت هي وتبدل حاله وأنقذت الرجل من مصير كان محتومًا , تذكر وابتسم كان هذا الحدث منذ ثلاث سنوات حاول خلالها أكثر من مرة أن يصرح ولكنه لم يجرؤ شيئًا داخله كان يمنعه كان يخشى أن ترفضه فيخسرها.
كان مستمرًا في التلميح وكانت تنظر إليه وتبتسم كل من يعرفهما يفهم أن هناك أمرًا ما , كانت عينيها النابهتين تلمعان حين ينظر إليها ووجهها يضيء كبدر التمام لكنه أبدًا لم يصرح ، كان يعشق التأجيل ويخشى المواجهة مازالت عقد الطفولة تلقي بظلالها على حياته, انفصال والديه صغيرًا وتنمر زملاء الدراسة على شكله جعله يكره الصدام ويتجنب الناس قدر الإمكان .
ورغم أن سهام عينيها كانت قد أصابته في مقتل إلا أنه استمر طيلة هذه السنوات في المقاومة بإستماته , كان يقنع نفسه تارةً أن الوقت ما يزال مبكرًا للإرتباط وأن لديه الكثير ليفعله أو أن الأمر يحتاج مزيد من الدراسة والفحص ليتأكد من مشاعره , وبين الحين والآخر كان شبح انفصال أبويه يحوم حوله فيفقده الثقة في جدوى الارتباط .
أخيرًا وصل إلى مكتبه واتخذ قراره بالتصريح , دخل مسرعًا وألقى التحية على حارس العقار دون اهتمام .
في المصعد لاحظ همسًا من بعض العاملين معه لكنه تصنع عدم الاهتمام رغم أن هذا الأمر كان يقتله , كان يمقت هذا الشعور منذ نعومة أظافره .
فور دخوله إلى مكتبه وقبل أن يطلب قهوته الصباحية استدعى هند والتي لم تتأخر جاءته بكامل زينتها
تصارعت دقات قلبه حين رأها وتصبب عرقًا لكنه ابتسم وألقى عليها تحية الصباح
" صباح الورد إنهاردة ماشاء الله وشك منور " كانت تحية غريبة لم تعتدها فابتسمت دون تعليق وجلست تجاه المكتب ,
" الحقيقة يا هند أنا محتاج أتكلم معاكي في موضوع مهم "
" خير يا أستاذ وحيد ! "
" يعني كنت حابب نتكلم في موضوع خاص " تهلل وجهها
وأجابت وهي تحاول أن تستنطقه " خاص بإيه حضرتك ؟"
تلعثم واستمر في الحديث " خاااص بالشغل الجديد أكيد "
وحينها تسللت خيبة الأمل إلى صوتها فقالت " أكيد طبعًا خاص بالشغل "
لم يتذكر ماذا قال لها بعد ذلك أو كيف أوبماذا أجابت ولكن كل ما يعرفه أنه بعد أسابيع من تلك الواقعة كان يتلقى دعوة لحضور حفل زفافها.
تمت